مصارحات موجعة: ميول شاذة أم مجتمعات مريضة؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
بداية أود أن أشكركم على موقعكم الرائع وجهودكم في مساعدة الكثيرين الذين تقطعت بهم السبل ووجدوا مرادهم لديكم بعد الله سبحانه وتعالى.
أطرح عليكم مشكلتي المتشابكة كما وضعت عنوانها.. لا أدري من أين أبدأ أين هي النهاية، لكن محور المشكلة أو ما يهمني فعلاً هو "انجذاب مثلي" لا أفسره شذوذاً من وجهة نظري ولكني أراه مشكلة كبيرة لا محالة.
ولدت لأب وأم منفصلين فكرياً قبل أن يحدث انفصالهما الحقيقي بعيد ولادتي بقليل، قريبة جداً لأبي حيث كنت أقيم معه، والعكس تماماً بالنسبة لأمي.
تعرضت لتحرشات جنسية من الوالد، واستمرت لفترة ليست بالبعيدة، ولكن خفّت حدتها مع تقدمي بالسن، لكن لا أستطيع كره أبي أو الحقد عليه. كذلك تعرضت لتحرش صديقه وأنا في الخامسة من عمري وأخبرت أبي الذي يتحرش بي بدوره بعد 18 سنة من الحادثة مع صديقه -مدعاة للسخرية-.
بداية، لا أحس أني تأثرت بهذه التحرشات أو تعقدّت من الذكور على أثرها، على العكس.. أحس أنهم يفهمونني أو أن تفكيرهم يروق لي أكثر من النساء، فأنا لا أحب جو النفاق والتملّق والنميمة التي تملأ جوّهن، لكن لا مناص، فأنا منهن ولا بد أن أرتشف من هذه البركة بين الحين والآخر!.
المشكلة أني منذ الرابعة عشرة من عمري أصبحت أحمل مشاعر خاصة للإناث؛ بداية مع معلمتي، وقرأت الكثير من الكتب النفسية عن ذلك ووجدت كثيراً منها يخبرني بأن الأمر طبيعي، فترة وستزول! لكن لم ألبث حتى انسلخ شعوري تجاهها وتحوّل لأخرى -لا تعليق-؛ طالبة تكبرني بعامين، طبعاً لا أخفيكم أني أشعر بمشاعر جنسية نحوها، والصراحة هي الطريق الأمثل لحل المشكلة والعلاج، لكن لم أتجرأ مطلقاً على اتخاذ أي خطوة في هذا الأمر لاستحالة تطبيق ذلك في نظري وليس لأني لا أستطيع، بل لأني لا أريد وأكتفي بالتخيّلات الفاشلة فقط.
تخرجت من المدرسة ودخلت الجامعة، وذات القصة، لكني لا أنجذب سوى لمن هن ذكوراً من حيث التصرفات والشكل.. إلخ وهذا منطبق على الأولى وعلى هذه التي ستليها وتليها. نفس الفصول ونفس التفاصيل للقصة السابقة، لا أجرؤ على الاقتراب حتى منهن، فقط مبتعدة بنفسي وأحمل هذه الأحاسيس من حب وتفكير غريزي جنسي خاطئ يتبعه... وهلمّ جرّا. علماً أنهن يعلمن ذلك ويعلمن ما أحمله بالتفاصيل.. هذا من وجهة نظري، فمجتمعنا في الجامعة يكاد يكتظ بهذه الظاهرة لذلك لن يلومني أو يزجرني عن هذا الشعور سوى العقلاء فقط.
بعد فترة اختفت الفتاة عن ناظريّ وانتقلت أنا إلى قسم آخر، انخرطت في الانترنت والدردشة الالكترونية ومحادثة الفتيان لأرى ما أبعاد مشكلتي بالضبط، فوجدت أني لا أعاني خطباً في علاقتي بهم، بل على العكس، لكن الشاب يحب أن يتسلّى ويطلب ما ليس له، لذلك أنهيت رحلتي على النت محطمة الفؤاد.
ومن حيث لا أدري تظهر لي تلك الفتاة تصرفاتها كالذكور، كذلك شكلها على ما أظن، وتبدأ الحكاية تعيد نفسها، إلا أني مع هذه كنت أعرفها قبل أن أحبها أو أتوهّم أو فهذا ليس حبّاً على ما أظن! كنت أحدّثها وتقريباً كنا صديقات.. في البداية كانت هي من ترسل لي تلك الإشارات التي لا أعلم هل سمعتم عنها أو أني أنا فقط من ابتدعها، وبدأت ألين وأنجذب لها، لكن أبقي نفسي بعيدة عن أي جو قد يوصلها لأي فعل مشين معي لأني لا أجرؤ على مجرد التفكير فكيف أطبق مثل هذا الفعل على الواقع!.
اكتشفت بعدها أنها تريد أن تغيظني وتخبرني بأنها تعرفت على هذه وتلك وأنها وأنها... سئمت منها، فهي ليست مخلصة في حبها لي -يا للعجب!!- فتركتها بلا عودة مع أني أراها كل يوم ولكن كرامتي فوق كل شيء- أين أصبحنا!!.
فتاة أخرى طرقت نفس الباب ونفس القصة تعيد نفسها من جديد، وأنا الآن أحس أني عالقة في هذه الدوامة التي لا نهاية لها: حب زائد، حاجة زائدة، ميل جنسي طبيعي نحو الذكور، حب مثليّ منحرف وميل جنسي فقط نحو من أحب... لا أعلم ماذا أفعل أو أقول أكثر مما قلت؟!.
وضعت مشكلتي لديكم راجية أن أجد حلاً لما أنا فيه، هل من المعقول أني سحاقية لا قدّر الله، أو أتحول لذلك يوماً ما؟ أتمنى الإجابة بأسرع وقت مع جزيل الشكر.
ودمتم.
15/11/2009
رد المستشار
لا أعرف لماذا يستمر أخي وزميلي الدكتور وائل في إحالة بعض المشكلات لي لأجيب عليها رغم أنني أرد متأخراً إلى الحد الذي يضطره أحياناً لإرسال بعض هذه المشكلات إلى آخرين يجيبون أسرع، فقط فهمت أنه يصبر على بعض المشكلات الأخرى لأنه يعتقد أن إجاباتي ستكون مختلفة، أو تحمل جديداً، بما يضع على عاتقي مهمة أرجو أن أكون عند حسن ظنه وظنكم فيها، والله الموفق.
ستجدين يا ابنتي على مواقع الانترنت، وفي مراجع علم النفس، وبعض مصادر الطب النفسي القديمة كلاماً عن الميول المثلية أو الشاذة، وليس عندي مشكلة كبيرة في تسميتها هكذا أو هكذا، العبرة بالمسميات لا بالأسماء!! ولا تعتبر المراجع الغربية الحديثة الشذوذ مرضاً!!
ولعلي لا أضيف جديداً إذا قلت لك أن ما لديك هو خيالات وميول لم تصل إلى حدود العلاقة، وبالتالي فأنت لا يمكن وصفك أبداً بالسحاقية حالياً، وأية امرأة يمكن أن تتحول إلى السحاقية يوماً ما إذا ما توافرت الظروف النفسية الذاتية والاجتماعية العامة لذلك، ودعيني أشرح لك هذا لعل فيه الجديد الذي ينتظره البعض مني، تعالي ننظر للظروف الذاتية:
ما هي ملامح أو طبيعة صورة الأب/الرجل عندك؟!!
ما هي الخبرات التي شكلت هذه الصورة لديك؟!
وهل هناك أمل أو رجاء في خبرات أخرى مختلفة؟!
تستطيعين أنت الإجابة على هذه الأسئلة بصورة أفضل، ولكن دعيني أذكرك وأساعدك وأحاول معك –وبالمناسبة ما تشتكين منه هو حياة الملايين من الفتيات العربيات!!-.
طبيعة وملامح صورة الأب/الرجل لديك ملتبسة ومشوهه لأن أباك، وهو من كان ينبغي أن يكون مصدرا للأمان والرعاية، كان هو المتحرش الأول، وكان صديقه هو المتحرش الثاني!! وأنت كما تقولين لا تستطيعين معنوياً كراهية أبيك أو الحقد عليه، ولكن يمكنك أن تكرهي تلك الأفعال المشينة التي مارسها معك، ولا أعرف دوافعه لتلك الممارسات، ولا أعرف كيف غفل أو تغافل عنك ليفعل بك صديقه؟!! والمصدر الآخر أو الخبرة الأخرى التي ساهمت وتساهم في تشكيل صورة الأب/الرجل لديك هي خبرة الشات، والإنترنت كوسيط له طبيعة معينة تتفاعل مع طبيعة مجتمعاتنا (السعيدة)، ونتاج هذا التفاعل حتى الآن أغلبه تهريج وتسلية وقضاء وقت فراغ، وإعادة إنتاج للخواء الإنساني، والضحالة الشخصية التي نعيشها في الحياة العامة أصلاً، ولعلك لو تواصلت مع دوائر تلتمس طرقا جادة، أو تبحث عن تنمية وتطوير شخصي أو فعل عام تجتمع عليه من خلال الإنترنت، أقول ربما تجدين جمهوراً مختلفاً، ولكنك دخلت بحثاً عن علاقة أو بدافع الفضول في استكشاف عالم الرجال، فماذا كنت تنتظرين غير تحرشات المتسكعين، وتصرفات السفهاء، ومن يحاولون الحصول على صيد سهل!!
وفي تشكيل موقفك كان المصدر الثالث، وربما الأهم هو خيالك عن ذلك الرجل المنشود الجاد المسئول، ويروق تفكيره لك، فحسب رسالتك أنت لم تقابلي مثل هذه النوعية من الرجال، حتى الآن، ولكن خيالك وتوقعاتك ومشاعرك ورغباتك الطبيعية الإنسانية قي أن يكون في حياتك رجل بجد، وليس مجرد ذكر، هذه الخبرة الشعورية العقلية المختلطة عن الرجال في تصوراتك فيصبح الرجل لديك هو ذلك الممنوع/المرغوب، المفقود/المنشود، وتختلط مشاعر الحنين إليه بمشاعر الافتقاد، ووسائل وطرق البحث عن هذه الرجولة، ولو في تصرفات من حولك من الإناث، وصورة الأنثى/ المرأة عندك أيضا ومصادرها من أول أمك الغائبة أو المغيبة عن المشهد، ومعلمتك وزميلاتك الواحدة تلو الأخرى، فأنت تبحثين عن نموذج يحتضن ضعفك وتاريخك المؤلم كله، وتبحثين عن تلبية احتياجاتك الإنسانية، ولكن هيهات أن تحصلي على هذا في السيرك الذي نقفز فيه كالبهلوانات، أو نمشي على الأسلاك كلاعبين محترفين، أو نقفز في الهواء أو نتداول النكات مثل المهرجين!!
كيف يمكن الحصول على الاحتياج الإنساني الطبيعي في مجتمعات غير طبيعية؟!! طبعاً سهل على أي زميل متخصص أن يتعامل مع حالتك ليصف ويرصد ويحلل ما فيها من جوانب خلل في التنشئة، وقصور في التطور النفسي والنفسجنسي، ولكن من سيجرؤ على أن يقول لك أن هذا الكلام لا يبدو دقيقاً من الناحية العلمية لأن البيئة التي تعيشين ونعيش فيها لم تساهم فقط في تشكيل ما تشتكين منه، ولا تساهم فقط في تغذيته الآن، وربما إلى الأبد، إلا إذا حصل تغيير!! ولكن البيئة المحيطة بك أيضاً تطعن في دقة تشخيص حالتك حتى ولو بوصفها ميولاً مثلية، لأن من أبجديات تشخيص كهذا أن تكون أمامك فرصة كاملة ومتساوية ومكافئة لإقامة تواصل، وعلاقات عامة مع عالم الرجال، وهو أمر مفتقد في مجتمعك أصلاً، ومتعسر في بقية المجتمعات العربية، وعليه فأنا أطعن علمياً في تشخيص أي شذوذ جنسي من حيث المبدأ حيثما تغيب فرصة الاختيار بين علاقة بالجنس الآخر وعلاقة بنفس الجنس، وأنت تشهدين ما نعرفه جميعاً من أن مجتمع جامعنك يكتظ بهذه العلاقات المثلية، وكلكم تعرفون ذلك في مجتمعكم، ولكنكم تتخارسون متخصصين وغير متخصصين عن ذكره إلا قليلاً من أصحاب الجرأة أو الضمائر الحية، وقليل ما هم!! ونفس الشيء يحصل في المجتمعات العربية كلها، مع فارق في الدرجة، وأشكال الانحراف وأنواعه!! ولله الأمر كله.
وأنا أستطرد هنا في محاولة لتفهيمك عدم دقة وصعوبة تشخيص حالتك بوصفها ميولاً مثلية مثل التي في الكتب، أو المراجع العلمية، أو ما يكتبه الأخوة الزملاء والمتخصصين والمتخصصات، حيث أنك أقرب –في رأيي- لنوع ليس منصوصاً عليه في كتب التشخيص!! فيه من اضطرابات الهوية الجنسية مع الميول المثلية مع وجود ضعف اجتماعي مستمر في اتجاه إبقاء حالتك على ما هي عليه، وربما زيادتها، فهل يمكن أن نسعى لإضافة مثل هذا التشخيص عالمياً؟!! أم نظل نضحك على أنفسنا، ومن نتعامل معهم بوصفهم مرضى بشيء بينما الوضع أكثر تركيباً وتعقيداً مما نقول استسهالاً؟!
وأنت تسألين عن الحل، ولا أدري جدوى النصائح التي يتقدم بها المتخصصون على خلفية بقاء الأوضاع على ما هي عليه في مجتمعاتنا (السعيدة)؟!! ولعل أصحاب خبرات التعافي يذكرون أو يذكرن لنا تفصيل ما يفيد هنا. طبعاً وعيك بما أنت عليه ومقدماته، ووعيك بواقعك وتكوينك ومشكلاته، وفهمك لأسباب تصوراتك وتصرفاتك يمكن أن يطمئنك على نفسك بعض الشيء، وهذا جيد ولكن أن يكون هذا هو "الحل" الذي تنتظرينه لما ترين أنه مشكلتك فلا أدري حقيقة هل قدمت لك مثل هذا الحل أم لا؟!!
حسبي أن أكون نجحت في توضيح وتصحيح صورتك وتصورك عن نفسك وعن أوضاع حياتك، أما إن كنت تنتظرين حلاً لا أعرفه فعودي إلينا مرة أخرى برسالة تتابعين معنا، وتعلقين على كلامي هذا، لعل مستشاراً آخر يملك حلاً سأكون بمعرفته أول المستفيدين!!
ونستفيد أيضاً، أي أنا وأنت والقراء إن استطعت استكتاب إحدى العاقلات ممن يوجهن لك اللوم أو الزجر على الشعور، أو التفكير الجنسي الشاذ، هؤلاء من زميلاتك، ومن هن في مثل ظروفك نحتاج إلى أن نعرف تفاصيل تماسكهن وصبرهن ونجاحهن في هكذا بيئة تكتظ بالشذوذ، على الأقل داخل مجتمع الجامعة كما تذكرين، وخبرتهن مهمة في إلهام وتنوير ومساعدة الباقيات، ويهمني جداً معرفتها ونشرها هنا، وعلى أوسع نطاق.
لعلك تتابعين ما أكتب وأقل عن أوضاع الفتاة والمرأة والمجتمعات العربية، وأنا أفعل هذا بانتظام طوال العقد المنصرم، بل ومن قبل هذا أيضاً، ويهمني أن أبلغك دعمي الكامل غير المشروط ولا المحدود لك ولأمثالك من الفتيات والنساء العربيات في الظروف القاسية غير الإنسانية التي تعيشها مجتمعاتنا، وأذكرك وأذكرهن أنه طالما بقي الصمت والتواطؤ والاستسلام هو سيد موقف النساء العربيات من أوضاعنا فإن الأمور ستزداد سوءاً، ولا أدري إلى أين وصلت الأوضاع عامة في المجتمع الخليجي، وغيره من عالمنا العربي؟!! أريد أن أسمع منكم ومنكن.
أنا أدعو ومنذ سنوات إلى إطلاق تغيير جذري دؤوب ومتدرج لتنتقل أوضاع أهلنا في الخليج سلمياً ومدنياً ونهائياً لصورة أكثر إنسانية فضلاً عن أن تكون إسلامية بحق، أي إسلام السعادة الإنسانية والنهضة والتنمية لا إسلام الترف والاستهلاك وفوضى الكبت في مقابل التحرر الزائف!! عالمنا العربي كله يحتاج إلى هذا، ولكن الخليج يبدو الأهم إذا نظرنا من زاوية المال ودوره..... وأخيرا أحسب كثيرا من الفائدة ستجدينه في الاستماع إلى الحلقة التاسعة والخمسين من "فش غلك" والتي تتحدث عن السحاق في الخليج.
ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> مصارحات موجعة: ميول شاذة أم..؟ م