بيني وبينكم: كلام قديم، وبركات جوجل
السلام عليكم،
هذه الرسالة موجهة إلى الدكتور أحمد عبد الله -حفظه الله- وأرجو إيصالها له.
دكتور أحمد عبد الله أسأل الله أن تكون بخير وعافية وأن يجزيك خير الجزاء على ما تقوم به من خدمة الناس وحل لمشاكلهم، فهذا من خير ما تلقى به ربك يوم القيامة، وفقك الله.
قرأت في معرض حلك لمشكلة الأخت في الرابط السابق (عاشقة الأكشن: جريئة تبحث عن حنان!) كلاماً وهو:-
"ومجتمعكم يتغير سريعاً في هذا الاتجاه، ويحتاج إلى عقول ثورية مثلك لتناضل ضد غلو بعض فئات المجتمع في الفصل بين النساء والرجال، وتهميش المرأة بحرمانها من حقوقها العامة، ومنها حقها وواجبها في المشاركة الاجتماعية والثقافية" اهـ.
أرجو توضيح هذا الكلام أكثر لو سمحت يا دكتور، أنا أعلم أن الكلام قديم جداً 2003 ! لكن هذه بركات السيد جوجل أوقعنا عليه!.
10/3/2010
رد المستشار
وصلتني رسالتك، وأشكرك بعمق على التذكير بكلام قديم قلته، ويسعدني أن أستعيده معك، وبمناسبة رسالتك، ولا يفوتني أن أشكر السيد "جوجل" كما تسميه، وأدعو الله، وأطلب دعائكم أن يجعل الله ما كتبت وأكتب، وقلت وأقول في ميزان حسناتي، فأنا أحوج ما أكون لهذا، ولولاه ما كتبت حرفاً، ولا قلت كلمة تجر نقمة، ومن كثر كلامه كثر سقطه، عافانا الله وإياكم، وغفر لنا ما صدر عنا في سهو، أو خطأ غير مقصود، أو نسيان.
وكما ترى، ولعلك لو استعنت بالسيد "جوجل" لوجدت المزيد من كلامي الذي أردده منذ زهاء العقد من الزمان، وأقول فيه أن الخليج العربي يشهد تغيرات هائلة ليس في رصف الطرق وتشييد المباني فحسب، ولكن في أنماط السلوك، وتجديد المعاني!!
وكنت وما زلت أحلم أن يكون هذا التغيير في اتجاه النهضة والتنمية الأصلية المؤسسة على وعي بأصول ومقاصد ومبادئ وآفاق الإسلام الحنيف في تفاعله الدائم مع ما يموج في العالم المعاصر من أفكار ونظم وأنماط عيش وأساليب إدارة حياة... إلخ أقول هذا لأنني أحب أهل الخليج الطيبين، وأرى أنهم كانوا ضحايا لثروة هائلة تفجرت من باطن الأرض دون عناء منهم فجعلتهم مطمعاً للمغامرين، والراغبين في الثراء، وجعلت أرضهم مرتعاً لأفكار الاستهلاك والمادية، وأخلاق البيع والشراء والأسواق والأعمال، وفي مهب رياح العولمة، ومطمعاً للغزاة الطامعين في الاستحواذ على ريع هذا النفط الذي كان حريّاً بالأمة كلها أن تستوعب مفاجأة ظهوره، وتختط خارطة لأحسن إدارة له، بدلاً من أن تتركه في أيدٍ بلا خبرة ولا دربة ولا رؤية، وأنظمة عشائرية وقبلية لا يغيب عنها الذكاء الفطري، وما أنضج فيه من روافد التعليم الأفرنجي، والمشورة الخارجية بما يمكن أن يدير إمارات وبورصات ومشاريع عمرانية عملاقة، ولكن للأسف فإن بناء المجتمعات، وتحقيق القفزات التنموية بالمعنى الشامل والمستدام للتنمية يبدو أكثر صعوبة وتعقيداً وتركيباً، ولا أعتقد غير أن أهل الخليج قد تركوا في هذه الورطة وحدهم، ولم تتحرك أية أمة لعونهم لأنه لا توجد هذه الكينونة بوصفها فاعلة ومنجزة على أرض الواقع، أي أن الأمة بقيت كشعور وإحساس عاطفي، وكيان معنوي رمزي، ولكنها أيضاً تفككت على المستوى العملي الفاعل، وكان من توابع هذا تلك الحيرة التي يعيشها الخليج وأهله، ونعيشها معهم لأننا جسد واحد، ولأن ملايين الناس من عرب وعجم يعيشون في بلدان الخليج مؤثرين ومتأثرين، منفعلين ومتفاعلين!!.
ويعز على العاشقين لهذا الدين الحنيف الساعين إلى فهمه بحق وإقامته بصدق، والطامحين إلى نفي التحريف والتزييف عنه، والمحبين لأهل الخليج المشفقين على عقولهم ونفوسهم وهم يقفون في مجمع أمواج متلاطمة وأطماع متزايدة.. أقول يعزّ على هؤلاء -وأحسب نفسي منهم- أن يبدو الإسلام وكأنه المسؤول عن حبس المرأة وعضلها وظلمها والنيل من كرامتها وإنسانيتها ومساواتها بالرجل، والمساواة لا تنفي الاختلاف وتجلياته!! وهذا في الخليج وغير الخليج!!
يعزّ علينا أن يبدو الإسلام وكأنه يكرس للاستبداد باسم الدين، أو التقاليد في الخليج وغيره. يعزّ علينا حرمان المرأة من بعض حقوقها الإنسانية استناداً إلى تأويلات مغلوطة لنصوص ثابتة، أو اتكاءً على الضعيف من مرويات مردودة، أو قال فيها المحققون نقداً وكلاماً يحجب لمصلحة السلطان وبمعرفة فقهاء السلطان، أو لحاجة غير سليمة في نفوس تحتاج لمراجعة نواياها، أو عقول تحتاج لمراجعة النتائج التي وصلت إليها!!.
ويعزً علينا بالمقابل أن يظهر أنصار ما يسمى بالليبرالية أو العلمانية أو الحداثة وكأنهم الدعاة إلى التحرر من التخلف، أو أنهم هم الدعاة إلى إنصاف المرأة وتحريرها من الأغلال، لأن تلك اللافتات جميعاً، وإن قدمت بعض الإنصاف للمرأة في بيئتها الأوربية أو الغربية الأصلية، فلن تقدم للمرأة الخليجية أو العربية أو المسلمة إلا أسئلة وشبهات تزيد من حيرتها في ظل بقاء خطاب تقليدي يعتقد أنه صادر عن صحيح الدين بينما هو مجرد رأي يحتاج إلى مراجعة وترشيد وتسديد!!
لم يعد مقبولاً أن تظل أوضاعنا الاجتماعية المختلة تزداد سوءاً، ويقف بعض أصحاب اللافتة الدينية في المربع الخطأ دفاعاً عن التقاليد يحسبونها دين الله وشرعه الحنيف، بينما نقف مع آخرين في مربع تحرير المرأة، ومناصرة الحرية والعقلانية، وحكم القانون المدني والدستور، وسيادة الأمة مصدراً للسلطات، ومرجعية نهائية تحسم الخلافات، إذ لا عصمة لبشر مهما كان، بينما تقترب الأمة جماعياً من الحقيقة بالشورى والتفاهم والرأي الناتج عن عمليات التفاوض والنقاش العام.
آن الأوان أن نطوي صفحة هذا البهتان الذي عاشه الخليج وغيره من الجور على المرأة، وعلى البشر، ومن نشر ثقافة الخوف من الحرية وطقوس الإذعان لمقولات وفتاوى عسكر الأمن، ومشايخ الداخلية، حراس التخلف، وكهنة الصمت والخرس الاجتماعي والسياسي، والجمود الثقافي بزعم أن هذا يرضي الله، فهذا لا يرضي الله، ولا يرضي رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يرضي إنساناً عاقلاً في نفسه نبضة إنسانية، أو يحمل عقلاً يفكر، أو إحساس يشعر، أو قلب يتألم لملايين المحبوسات بين جدران أربعة، مثل الدمى في صناديق اللعب، أو البهائم في حظائر الماشية (معذرة).
أختي وأمي وابنتي في الخليج العربي هي لحمي ودمي، ولن يهدأ لي بال أو يقر جفن حتى تنعم بحقوقها كاملة غير منقوصة، لا منحة من سلطان ولا مكرمة من أمير أو ملك، ولكن حق أعطاه الله من فوق سبع سماوات، وما كان لمخلوق كائنا من كان أن يحجبه!! ومثلها في ذلك مثل أية امرأة مظلومة في بلاد العرب، ومثل أي إنسان!!.
وحقوق المرأة العامة هي مثل حقوق الرجل سواء بسواء فهي تترشح للبرلمان وتنتخب، وتتولى الوظائف العامة كلها متنافسة مع الرجال على أساس الكفاءة، وحسب ما تختار هي، ويناسبها باختيارها أن تأخذ أو تدع ما لا تراه مناسبا لقدراتها الذهنية أو العضلية، هي التي تقرر من تتزوج، وماذا تدرس، وأين تعمل، وكيف تخطط حياتها، ونحن نتعاون معاً رجالاً ونساء في تحقيق ذلك، وإن كنا نؤمن بآداب اجتماعية معينة فيما يخص لباس المرأة في المجال العام فإنما يأتي هذا في إطار حركتها وخروجها ومشاركتها الفاعلة واليومية في حركة الحياة كإنسان، لا كما يفهمه البعض كمقدمة أو إطار لحجبها عن هذه المشاركة، بل عن الخروج من بيتها بوصف القرار في البيت هو النشاط الوحيد الذي تتقرب به كل امرأة كل الوقت، فتنال رضى ربها!!!
جاء وقت الحقائق، وآن أن تذهب أساطير كثيرة ملفقة عشناها سنين وأورثت مجتمعاتنا الذل والخزي وأن نكون ذيلاً في الأمم، ولن ينطلي علينا كلام من قبيل أن خروج المرأة ودخولها أو مباشرة حقوقها الإنسانية وواجباتها في إعمار الأرض هو بضاعة غربية مسمومة ومشبوهة!! هذا كلام ركيك ساقط لا أساس له في الشرع السليم، وأثبتت الممارسة أنه خبل أورثنا الخلل والعار والجاهلية.
شكراً للقائلين بالليبرالية ومنها نستفيد كما من غيرها، وننتقدها كما ننتقد أنفسنا، وكما ننتقد كلام أي بشر، ولسنا ملزمين بأجندة فقهاء السلطان، ولا أجندة مقلدي الغرب، إنما نأخذ وندع في ضوء كتاب ربنا، وسيرة حبيبنا، وموقفه من المرأة وحقوقها واضح قاطع متبلور لا يحتاج إلى جهبذة تضللنا، أو تنتقص من الحقائق لمصلحة الهوى الذكوري أو التقاليد البالية، أو فقه الرعب الذي يريد إخلاء الشوارع والمحافل للعسس وحدهم!!
أكرر لمن أراد الاستفاضة في القراءة عن وضعية المرأة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والرسالة المحمدية السمحة أن يعود لموسوعة: تحرير المرأة في عصر الرسالة لأستاذي: محمد عبد الحليم أبو شقة، وهي من إصدارات دار القلم بالقاهرة، ويسعدني أن أعاون من يريد الحصول عليها، ولا عذر لجاهل ولا ساكت في عصر التواصل والبلاغ، وتحياتي لك.
ويتبع: >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> بيني وبينكم: شكرا لجوجل م