إغلاق
 

Bookmark and Share

يوميات أب مصري (مثكف)! ::

الكاتب: د.أحمد عبدالله
نشرت على الموقع بتاريخ: 01/06/2005

ليس ردا المشهد من زاوية أخرى .

الدستور نشرت المقال باختصار مخل ومجانين تنشره بدون إخلال : -
عملا بحق الرد ننشر هذه المرة فقط رد زوجي المحترم الدكتور أحمد عبد الله وحتى لا تنتقل اختلافات وجهات النظر لساحات المحاكم نغلق النقاش بشأن الموضوع بعد هذا العدد!

والآن اقرءوا الرد .
" الجواز كده، والعيال كده، والحياة كده، مين قال ؟! إحنا اللي بنعملها كده، طيب عندك بديل لأسلوب حياتنا الذي نعيش به؟! عندي اعتراضات، وأجتهد تباعا في تقديم بديل .
" أنا أب مصري من فئة "المثكفين" ولا مؤاخذة، وطموحاتي ليست كبيرة ولا مبالغ فيها، ولكن يبدو أن "الظروف" جعلتها كذلك.

أنا أعمل في ثلاث وظائف، ده غير الفكة، أستيقظ صباحا فأجهز إفطاري لنفسي غالبا، لأن زوجتي تذهب بالسيارة لتوصيل الأولاد إلى المدرسة، ثم تروح على أشغالها، هي أيضا تعمل كثيرا خارج البيت، ولا تكاد تستريح داخله، وبعد الإفطار أقفز داخل ملابسي ثم أنزل بسرعة ثلاث أيام بالأسبوع لألحق بالمتر وثم بالقطار لأكون في عملي الجامعي بعد ثلاث ساعات من تركي لمنزلي، والثلاثة أيام الأخرى أعمل في مكان آخر وغالبا ما أعود قبل عودة الأولاد وأمهم، ولكن "عيب" لازم أكون أب كويس وأتغدى مع الأسرة، وأسقط كالقتيل لأستيقظ بعد قرابة الساعتين، وأقفز قفزتي المسائية داخل ملابسي، ثم ؟! في ... ؟ !
المترو .. عليكم نور على فكرة لم أتحمس لفكرة قيادة سيارة في القاهرة ، وبمرور الوقت شعرت بمميزات المشي واستخدام المواصلات فعلاوة على أنها "رياضة" أيضا تتيح لي الفرصة الذهبية للاحتكاك بابن الإيه .

قصدي ما يسميه "المثكفين" من أصحابي رجل الشارع ..
ما علينا .. أصل إلى العيادة لأبدأ في علاجه، أقصد علاج سيادته ... هو مين ؟!! وبعدين !!! ابن الإيه "رجل الشارع" وخد عندك بقة من المنقي يا خيار.
إشي نذالة أزواج، وإشي صياعة نسوان، وإشي شباب مش فاهم حاجة، ولا فاهمه حد، ونازل تخبيط يمين وشمال، وجلسات من دموع وآهات، ومنازعات وخلافات، "وطلبات ورغبات" والناس اللي كانت بتقول زمان على الدكتور النفسي "لاسع" تحولوا من غلبهم أو من الدعاية وتصحيح المفاهيم "إلى كتل بشرية زاحفة تعتقد إن الدكتور النفساني هو الحل.

وبعد أن ينتهي العرض المسائي بفقراته، وأنت وبختك، أبحث عن أحد لأتحدث إليه، يعني ... نقول نكت، نجيب في سيرة الناس، أقول له على اللي جرى لي.
أعرف أنه يتزامن عرضي هذا مع العرض المنزلي للمدام والأولاد والذي ينتهي برفعها من الخدمة مساءا كما ارتفعت صباحا، ولذلك أعود إلى البيت لوحدي ليلا .
وأحيانا في ساعات متأخرة جدا يعني مش قوي علشان الحق آخر مترو .

لماذا يعمل الأب المصري كل هذا الوقت فلا يجد فرصة كافية لنفسه أو لأسرته أو لممارسة هواية أو حضور ندوة .. الخ ؟
لماذا كفت زوجتي عن الشكوى من أننا لا نتقابل، وأصبحت تقضي الجزء الأهم والأكبر من حياتها على المحمول، وتدفع كام أستك في فاتورة كل شهر؟!!

أنت ما بتشوفش مراتك . ؟! كلمها على المحمول يا أخي ؟! قالها صديق ذات مرة مداعبا، ولكن فعلا ليس هناك فرصة "عملية" لنلتقي إلا بالكاد: على الغذاء، وفي الجمع والأجازات الرسمية !!

بلاش عيادة كل يوم جميل ؟! قول لي أنت من أين سأدفع مصاريف المدارس وثمن الجزمة الأديدس، والصندل التمبرلاند" حتقول لي: ليه مراتك لا تشارك معك في مصاريف المعيشة، سأقول لك: هي مش مقصرة، وبتدفع اللي وراها، واللي قدامها، تقريبا، ولأني لا أعرف شيئا عن ذمتها المالية الحقيقية ؟! خلاصة القول أن الرجل مطحون والزوجة شرحه.

وعصافير الجنة، بناتي، والباشا التلميذ هم منفذ الاستهلاك الأكبر في البيت وهم أيضا مضغوطون بما يرونه حولهم "منه الله اللي بدع لينا حكاية انظر حولك دي !! يرون الزملاء في مدرسة اللغات والإعلانات في الفضائيات، والمحلات في المولات وشعار الجميع: الاستهلاك أو الهلاك يرون الطفل الذي ما زال يتعثر في مشيته يحمل تليفونا محمولا والبنت المفعوصة ترتدي ملابس ماركة ..؟ وتركب سيارة مكيفة آخر موديل، ويتساءلون فورا، سرا أو علانية : وإحنا مش كدة ليه ؟!

أعتقد أن "الإصلاح" ربما يبدأ من هنا، من أن تتواجد لدينا القدرة على إقناع أولادنا- وأنفسنا بالصمود أمام الزحف غير المقدس للاستهلاك، ولكن ستظل الحياة والخدمات الرديئة الغالية جدا التي نحصل عليها من تعليم وعلاج وخلافه تمتص دماءنا، وسنظل نسكن في نفس المساكن الخرسانية الضيقة الخانقة للأطفال، ونسير في نفس الشوارع، ونتسلى بشتم الحكومة .


 



الكاتب: د.أحمد عبدالله
نشرت على الموقع بتاريخ: 01/06/2005