إغلاق
 

Bookmark and Share

من الكناني إلى بثينة كامل ::

الكاتب: أحمد الكناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/06/2005

 

أن لا تتحجب إحداهن لهو أمرٌ يخصّها بكلّ تأكيد، أما أن لا تتحجب وتنصّب من لدنها "فقيهاً" بالحجاب فهذا غير مقبول. بلى، يمكن لبعضكم، أعزائي القرّاء، أن يستدلل على أنني أعني السيّدة بثينة كامل ومقالها "اعترافاتي الشخصيّة: عندما تحشمت"، والتي أرحب بها- بوصفي مجنوناً- بين جموع مجانين الغفيرة الرائعة هذه. وبرغم ترحيبي بها، أعلن عن أسفي وخيبة أملي تجاه الكثير من النقاط المغلوطة التي وردت بأطروحاتها، خصوصا بتلك الواردة بالمقال الأخير. الواقع أن شرعية المغلوطيّة تنبع من وجود قاعدة ثابتة لما نُسب الغلَط الطرحي إليه، والذي يتطور ليصبح "خطأ" يُرفض ويُحاسب عليه قانونيّا.

عندما أقول أن طارق بن زياد كان قائداً سيئاً أو جيداً لجيوش الإسلام بغرب أفريقيا، فإنه بالدرجة الأولى يعكس رأيي أنا لا غيري، مسنوداً بخلفية، فرضاً، كوني قائدا عسكريا ودرست فنون إدارة الحروب والنزالات البرية والبحرية، ولي آراء لا تنسجم مع نظرة ذاك القائد للمعارك المشابهة وطريقة إدارته لها. هذا حسنٌ للغاية، أما لو قلت بأن القائد المذكور كان مشركاً وأنه لا يستحق قيادة مئات الآلاف من فصائل دولة "لا إله إلا الله محمدا رسول الله"، فإن قولي يخرج من زاوية الرأي إلى زاوية الغلط، وبحال تقديم الدليل إلي وإصراري على زعمي فأنني أدخل بمساحة "الخطأ" الذي يُعاقب عليه قانونيا، لأنني أكون بذلك مدلسا كاذبا أطمع لاستغباء المقابل والدس بنقاء الحقيقة .

وهكذا، نرجو أن نوفق بتبيين غلط السيدة بثينة كامل بأول مفهوم لها عن الحجاب، في أواخر السبعينات، إذ ارتدته لأنه- ببساطة- قد أُنزِلَ قُرآنيّا بأن على المرأة المُسلمة الالتزام به كواجب ديني، دون أن تعرف لمَ؟ وكيف؟ ومتى؟ وبلا أجوبة حقيقيّة لهذه الأسئلة فإن الحجاب يتحول لطقس تافه لا يعني المرأة إطلاقاً، وهذا بالضبط ما لمستهُ عند بعض المحجبات الجاهلات ثقافيّا أو ذوات الجهل المركب. والسؤال الأول هو:

لماذا ترتدي المرأة المسلمة الحجاب؟

الحِجاب، أولاً، لم يكن فرضاً إسلاميّا دون غيره فقد كان نصرانيا ويهوديا وقد التزمت الثقافات الشرق~آسيويّة بالحجاب كذلك (على طريقتها) الأمر الذي يرفع الحجاب نقطة تميّز الإسلام وحده دون غيره.

الواقع إن ارتداء المرأة المسلمة للحجاب ينفرد برسالة فريدة مفادها أن المرأة المسلمة ليست بضاعة مكشوفة للكل، وأن ما من أحد يحق له أن يتأمل جسدها ومفاتنها وأن يطمع بها. لاحظوا بأنني أقول "ما من أحد" ولم أتكلم عن المرأة بشيء، لأن الحجاب أساسا للأطراف الخارجية من ضعاف القلوب ومريضيه ومريضاته حتى مؤخرا! وبصراحة فإن هناك مشكلة عند نسبة ساحقة من الرجال، إلا ما رحم ربي، وهي تعرضهم لحالة تشويش بمجرد وجود امرأة ضمن حيّز تواجدهم المباشر، الأمر الذي يدفعهم لأن يعاملونها بالطريقة التي "تحددها" المرأة للرجل، فمن كانت ساقطة منحرفة تُعامل كذلك من كل رجال الدنيا، حتى الشريف يمكن أن ينعتها بلفظة جارحة دون الاهتمام لمشاعرها وإن لم يطمع بها. وبطبيعة الحال فإن المرأة لا تطلب هذا عموما، وإنما تطلب أن تعامل كإنسان له كرامة إنسانية وقدسيّة روحية وعزّة رأي وأنفة كيان.

 إنسان له حضوره الطبيعي كأي رجل، بلا الانتباه لشكل أقدامها ولا لطريقة تحرك خصرها وأردافها، أو انتظار العيون لأن يسقط من بين يديها قلم أو كتاب لكي تنحني عليه ويفوز المحيطون (ذوي القلوب المريضة) بمناظر مجانيّة لتنطلق خيالاتهم المنحطة ترسم صورا عن هذه المرأة عارية وما إليه.

ومن المؤلم حقا أن لا تستطيع أغلب المتبرجات الاستماع لما يقوله الرجال خلف ظهورهن بمجرّد ابتعادهن عنهم، وكلما سمعت أقوالهم تنتابني موجة ألم وحزن وجزع متخيلا أنها يمكن أن تكون أختي أو زوجتي. ومن جملة هذه الأقوال هو وصفهم لمشيتها وللون ملابسها الداخلية، ولنوعها (من خلال استنتاجهم) وإن كانت عذراء أو لا، ثم يعودون فيتكلمون عن رغبة كل واحد بممارسة الجنس معها بشكل ما‘ وكيف يريد أحدهم أن يجعلها تنحني لتقبل أقدامه وآخر يريد أن يلقيها بين مجموعة سكارى، وآخر يحلم لو أن مجموعة كلاب تغتصبها وتعضها، ثم يضحكون بكل سماجة الدنيا, هذا ناهيكم عن الكلمات التي يلقونها لهن بحال عدم وجود رجل معهن وتتنوع الكلمات وحقاراتها، وهم يؤكدون أن التحرشات تعجب النساء لكنما الإعجاب عميقا بسريرتهن. فإذن سحقا لها من امرأة وسحقا لهم من رجال.

 أتأملهم بحقد وأصرخ بذا البطن الكبيرة إبراهيم وهو يقف مع مجموعة من فلسطينيين ومصريين وليبيين و .. إلخ بمتجر عربي: لماذا لا تكف عن هذا يا رجل؟ فيجيب طبعا: لو كانت شريفة لما تبرجت لنا أصلا وهي تعرف أن هناك "عاطلين" مثلنا. ثم طفق يضحك بشكل سمج وأعقب: وشخصيا يا أبو شهاب.. أنا أتحرش بالمحجبة حتى لو رأيت ما يثير بها. وللعلم، وصدقوا أو لا تصدقوا، هذا لا شيء مقابل ما يقوله الرجال الغربيين (الأمريكيين خصوصا) على النساء قاطبة، إذ يحلم أحدهم بأن يعريها ويربطها ويأتي مع كل أصدقائه لاغتصابها، بينما يعلق آخر (و هذا ما أسمعه من طلاب الجامعة) بأنه يحلم لو مارس الجنس معها ومع أمها تباعا، بينما يقول الآخر بأنه يرغب لو تبول عليها وضربها ثم مارس معها الجنس، والكثير من الغثاء الذي يتعلمونه من التلفاز والسينما ومن أفواه بعض الساقطات اللواتي يتحدثن عن شهواتهن الجنسية المنحرفة بالإذاعة والتلفاز.

لماذا كلّ هذا؟ لأن الثقافة المعاصرة حولت المرأة لصنف تجاري ولأن مفهوم التدين قد أنمحق من كل بلدان الدنيا تقريبا. وطبعا المرأة لا تريد هذا, أقصد المرأة الشريفة، وبما أنها لا تمتلك الوقت أو الطاقة لتقرأ خطبة عصماء عن شرفها وإنسانيتها أمام كلّ رجل، فإن أبلغ الحلول والرسائل بأن ترتدي الحجاب لتوجه رسالة لكل وغد ومريض قلب: جسدي لم ولن يكون ملكك أيها الساقط ولتغضب كما تشاء فإنك لن تتمتع به بعينيك حتى، لأنني إنسانة وسأجبرك بقوة السماء على أن تعاملني كذلك رغم أنفك وأنف أبيك وأمك معا.

والسبب الآخر للحجاب هو تخفيف الضغوط عن الرجل والمرأة تباعا، وذلك لأن الإسلام يعرف بأن حصره للجنس في العلاقة الزوجية يجب أن يتزامن مع منع مثيراته خارجها، وهكذا ليس من العدالة أن تنجب زوجة ما عدة أطفال وتهرم مع السنين، ليتأمل زوجها جمال شابة مازالت فتية وتحمل بداخلها غليان غزال بركاني. ليس من العدالة أن يقارن الزوج بين أم أطفاله التي ولدت وعملت وهرمت وذبلت، وبين مراهقة تذهب لامتحانات الثانوية وهي بكامل نظارتها الطبيعيّة. إذن، الحل الأفضل هو أن تُحجب هذه المفاتن عن عيني الرجل، ليكف هو عن إغراء الأنثى بزواج ثاني أو مال أو حب، إذ ستجد كل هذا عند من يحتاجها هي كزوجة وحيدة لا غير. وكلا، لا يمكن أن يكون العكس لأنه أصعب، لأن كتم الرجل لشهوته أمام استهتار المرأة هو أشبه بمنع أسد جائع من افتراس أول طفل أو طريدة يراها. غضّ البصر أمر تافه دون إشباع حقيقي، لأن الجائع لن يغضّ بصره إلى الأبد، ويمكن لأي عاقل أن يفهم هذا. نعم نعم، المرأة ليست طعاما ولا جنسا، لكن هناك عواطف وغرائز وحاجات، ومهما قلنا أو شرحنا بخطب بيزنطيّة أو يسارية مملة عن مكانة المرأة على الطريقة الأوربية (أن تتعرى وتنتظر من الغير الاحترام) فأنه لن ينفع بغمار الحياة الواقعية.

لا بل على النقيض، إننا عندما نطالب الرجل بغض بصره دون مطالبة المرأة بحجب فتنتها، لهو أمر أشبه بمن يأمر عطش أن يجري عكس اتجاه الماء. يجري، أي أنه سيتعب بكل خطوة يركضها، الأمر الذي سيولد عنده حالة انفجار هائل وحقد لا على المجتمع والمرأة فحسب، بل على نفسه حتى إذ يراها وضيعة وهي تطلب حقها الطبيعي بممارسة الجنس وتكوين أسرة، مما يدفعه- كمئات الآلاف من الحالات سنويا بالولايات المتحدة- لأن يغتصب أي أنثى أو قريبة له. أختا أو بنتا أو فتاتا بالشارع. هناك نسبة 30% من الإناث الأمريكيات المتعرضات لتحرش جنسي، وهناك 40% من اللواتي تعرضن للتخدير والاغتصاب بعد تواجدهن ليلا بمراقص ليلية بالولايات المتحدة. وبعد كل هذا، يقفزن الشريرات المدعيات بما يسمى "حقوق المرأة" ليشتمن الرجال ووحشيتهم ودمويتهم، وكأن المشكلة سببها الرجال فقط وليس المجتمع والمفاهيم والإعلام والنساء أيضا! لا، الرجال وحدهم هم الأشرار وهم سبب مصائب الدنيا منذ الأزل عند شاذات حقوق المرأة.

إذن، من كلّ ما قرأنا، يبدو أن الحجاب عنصر إغاثة اجتماعي لا علاقة له بالشرف أو عدمه عند المرأة، ولا يمنعها أو يشجعها على الانحراف، وإنما هو حل دائم لمشاكل دائمة هي الأخرى. خصوصا بمرحلتنا الحالية التي أصبح بها الزواج من قبيل النوادر وحكايا الأزمنة الغابرة. وهكذا، فإن على الرجال أن يصمتوا وأن يغضوا بصرهم إلى الأبد لتستمتع المرأة المتبرجة بملابسها. المجتمع؟ الأسرة؟ الرجل؟ الفضيلة؟ لتذهب كلها للجحيم . والشباب سيقفون بالطوابير على بيوت الدعارة (كما هو الحال بدول المشرق العربي) وسيتكومون بالشقق لرؤية أجساد هيفاء وروبي وسارة ونانسي وغيرهن من هذه الأسماء المقرفة التي تتكاثر بكل يوم، هذا ناهيكم عن انتشار الشذوذ الجنسي والمخدرات وكل ما يتبعها من ويلات... كم الإنسان بائس بلا دين رائع يعيشه.


كيف
يُرتدى الحجاب؟


المضحك المبكي, لا أعرف أيهما أقوى بصراحة، أن أغلب المسلمين يرون بالحجاب تلك الخرقة المربعة التي تستر الشعر ليس إلا، وبعدها لترتدي الفتاة بنطالا ضيقا يتغلغل بين ثنايا جسمها، أو قميصا يظهر صدرها بجلاء، أو آخر بأكمام قصيرة، وكل ذلك مع الشال الذي يلف على الرأس. الواقع لا, الحجاب هو ارتداء زي يغيب جوارح الجسد بصريح شكلها ويستر الشعر والرقبة والصدر واليدين، مع حليّة إبراز الكفين والقدمين والوجه. هذا كله يسمى حجابا. نعم، لم يُمانع العلماء من ارتداء بنطال طبيعي وقميص أو طرحة (بلوز) مناسبة، لكنهم منعوا الملابس الضيقة إلا أمام زوج. ومن تود التحجب والتأنق، فهناك أنواع كثيرة للحجاب، وشخصيا أجد بالفتاة المحجبة سحرا لا يوصف، خصوصا عندما يكون حجابا مرتبا أنيقا ذا ألوان متناسقة.

متى يُرتدى الحجاب؟

يرتدى الحجاب عند البلوغ عادة، لكنني أميل إلى ارتدائه ثانية بوقت آخر من العمر، عندما تدرك المرأة المسلمة معنى حجابها تماما وأن تقتنع به كرسالة اجتماعية فريدة وعظيمة للغاية. الحجاب عمل صالح, والعمل الصالح هو الذي وقر في القلب وصدّقه العمل، وهذا بالضبط ما نريده. نريد امرأة لا تفهم معنى الحجاب فقط، بل معنى وأسباب التحريمات والتحليلات، أي نريد مثقفات إسلاميات بمعنى الكلمة وليس متدينات تقليديات يضاعفن الهم على الفؤاد.

ولكن هل كل متبرجة عديمة الشرف؟ إطلاقا، ذلك أن التبرج لا ينبع من التحدي للدين عادة وإنما ينبع من عدم قناعة أو عدم نشأة على الحجاب، والمطلوب هو إعطاء النساء المسلمات وقت لكي يقتنعن بالحجاب ونفعه الديني. نعم، يمكن للغير محجبة أن تكون شريفة، ويمكن أن تصلي وتصوم وترتدي الملابس المحتشمة، وعندها يبقى الحجاب قضية يُأمل أن تنجز لأجل الواجب الاجتماعي الديني الذي فرضه الإسلام على المرأة.
هذا كما أن هناك عدة مغالطات لا يمكن السكوت عنها، وهي:
-مفهوم الشراكة الإنسانية.
-زعم تفرقة الأديان للبشر.
-العلمانية والقرار الفرنسي بشأن الرموز الدينيّة.
-الزعم بحجب المرأة المسلمة في مجتمعاتها الإسلامية.

مشكلة العلمانيين والليبراليين العرب (الملحدين منهم والغير متدينين)أنهم يريدون أن يفرنسوا العرب أو يأمركونهم غصباً، مستمسكين لهذا بعدة أنواع من الفلسفات أهمها "الفلسفة الإنسانويّة" أو "الإنسانيّة" كما يلقبها البعض. ويبدو الاسم لطيفا رحيماً إلا أن الواقع ليس كذلك مع هؤلاء. يجب علينا أن نعترف أن "المبدأ الإنساني" قد تجلى في أوروبا في عهد انتشار الفكر الشيوعي، بأواسط القرن التاسع عشر، والذي دعى فيها ماركس و إنجلز لنوع من الأمميّة المستمدة من الشراكة الإنسانيّة مع رفض الدين أو الطبقيّة الاقتصادية كمادة تفرقة للمجتمع، الذي أراده ماركس متساويا بفقره وحاجته للدلة، بلا مؤسسة زوجية لأنها علامة للبرجوازية، مشاعية للدعارة وجسد المرأة، نبذ تام وعنيف للدين. ومن الطبيعي أن ينادي الشيوعيون لمبدأ الوحدة الإنسانيّة هذه، تحت القبعة الشيوعيّة طبعا، ويدمرون ويقتلون الملايين من البشر كما شهد التأريخ. والفريد أن فرنسا قد حملت جزءً هائلا من هذه الأفكار إلى يومنا هذا، سواء بأفكار ملحدها الشهير "سارتر" أو غيره ممن رأوا أن ما من شيء (روحاني) له وجود ولا شيء يعلو على المادة، وأن الإنسان "هو رب ذاته" كما يقول سارتر، وهكذا فإن كل ما يوحد البشر هو هيئتهم الإنسانيّة بعيدا عن أي فكرة أو مضمون، إذ أنها غير ضرورية برأي سارتر الذي أثر بفرنسا أيما تأثير. ويتحقق الوئام الإنساني بعد أن يمارس هونغ تشو الياباني الجنس مع نورة بنت محمد السالمي (أسماء عشوائية) في مرقص باريسي مثلا، أو شيء من هذا برأي سارتر.

وبرد شخصي أقول، لسارتر ولجماعة التأنسن على أوتار الجسد، أن الكائن الإنساني مفطور على التفكير، وبالتالي فإنه سيختلف مع غيره، ومن المحال أن يجتمع كل البشر على رأي واحد عدى الخطوط العريضة، وإننا إن دعونا لنظام عالمي~إنساني لحماية الكل من التفرقة والأذى، فإننا واقعا نمارس أبشع نظام ديكتاتوري يقمع الفكر والحرية الحقيقية بالإنسان الذي أعطي حرية التفكير بحق سماوي نبيل. والمضحك أن اليساريين العرب مازالوا يرددون لغو سارتر وفرنسا القرن العشرين، بينما توقفت فرنسا عن الأفكار الأممية وعادت تنادي بنظرية "العالم المتعدد الأقطاب" بعد أن دب الضعف في مفصليات أيديولوجياتها أمام الاكتساح الأمريكي الذي يستخدم الإغراء المالي والجنسي والفوضوي (باسم الحريات) لكسب الشعوب لصالحها، والنتيجة أن كل أيدلوجيا تحاول نشر ذاتها أمميا بالعالم مع قمع أي صوت آخر، و أنني لأشكر الله أن الإسلام لم يصل لهذه الدرجة إذ مازال يؤمن أن للبشر حق التفكير والقرار بقوله "لا إكراه بالدين"، بعكس البوق الأمريكي الصارخ: من ليس معنا فهو ضدنا. أو تبجح فرنسا ومن خلفها أذنابها من ليبرالاتيينا العرب بمنعهم للدين باسم الحرية.. تبا لها من حرية إذن.

وبمناسبة التحدث عن العلمانية الفرنسيّة التي صار حجاب المرأة يهز استقرارها- يا للسخرية- يمكننا أن نقول بأنه قرار غير جديد على فرنسا و سياستها الاستحقارية لكل ما هو مسلم أو عربي ومنذ الأزل، أي منذ عهد شارلمان ولويس الرابع عشر وبونابرت وكليمنصو وديغول ومتران وانتهاءً بشيراك، ما من فرنسي تقريبا يحترم إسلام أي مسلم أو عروبة أدنى عربي. ورغم كرهي ونفوري من أي شيء له علاقة بفرنسا، حتى بمن يحبونها، فأنني بذلت وقتاً لا بأس به بدراسة الوضع الفرنسي ومحاربته للإسلام باسم حماية العلمانية.

الواقع أن الفكر العلماني الكلاسيكي ينص على منع الدين ورجاله من التدخل بالسياسة أو التحكم بالمجتمع حتى، فالدين ببيوت المتدينين فقط، أما الدولة فهي بقبضة الدستور وقوانينه الغير مستمدة من الدين أيضا بل المستفتى عليها شعبيا. ورغم أن العلمانية الفرنسية تمارس قمعا طبيعيا وكلاسيكيا على الدين، إلا أن هذا لم يبدو كافيا لمتعصبي اليسار الفرنسي المتطرف كيمينه العنصري. ذلك أن الفرنسيين يعرفون ضمنا أن مصيرهم لن يكون بالبعيد عن مصير بريطانيا التي انتهى بها الإسلام كأقوى وأكبر ديانة بالبلد، ودخل مسلمون مجلس اللوردات البريطاني وصار لهم تأثير سياسي قوي وملحوظ ببعض القرارات البريطانيّة. ولهذا فإن فرنسا تستنفر كل أحقادها و أحقاد النظريّة الأوربيّة العنصرية ضد المغايرين لونيّا وعرقيا و ثقافياً، وما من أحد يمكن أن ينكر هذا الواقع الكامن بصميم كل أوربي غربي تقريبا. ولهذا، وخوفا على الذات الأوربية المتعالية والعنصرية، راحت فرنسا تمنع الطقوس الدينيّة وهي تعرف ضمنا أن المسيحيين لن تهمهم تلك الصلبان على صدورهم من عدمها، وهم لا يكترثون لما يراه اليهود، بل العكس كان هذا القرار سببا للكثير من الجماعات اليهودية المتعصبة بالهجرة لإسرائيل وكان شارون شاكرا هذا القرار الفذ. أما المسلمون فهم أمام واقع التدين على الطراز الفرنسي، تماما كما نجد التدين على الطراز النسواني التحرري، أي من ترتدي ملابس فاضحة وتصلي بلا حجاب وتزني ولكنها تشدد أن الزواج ضروري بحالة حمل المرأة أو عزمها على الإنجاب.. أشياء من هذه تريدها فرنسا وأمريكا لنا كمسلمين. تريد إسلاما تافها مشوها كي لا يغدو معسكرا فكريا ضد أيدلوجياتها ونزعاتها الاستعمارية الثقافيّة بالمنطقة. وعلي أن أعترف لكم بشيء سيدهشكم: لا شك بأن أغلب العرب يرى بكلمة "استعمار" رمزا للظلم واغتصاب الحقوق، لكن الواقع أن الفكر الأوربي والأمريكي لا يراها كذلك إطلاقا، بل يعتبرها حقبة تنويرية لشعوب الظلام (ونحن إحداها) وزمن نقل ثقافات، على ظهور الأساطيل الحربية، إلى شعوب نائية تدين بخرافات وثنية. ومن الفريد والطريف ذكره أيضا، أن كليمنصو كان قد راسل الكثير من الشخصيات المسيحية الشرقية البارزة قبل سقوط الدولة العثمانيّة، مخططا وإياهم لدخول فرنسا للشرق مرة أخرى، وكانت أداة تعريف المسلمين عند مسيح الشرق وحكومة كليمنصو هي "الوثنيون". نعم أي أننا لسنا على دين المسيح فنحن وثنيون، ولقد وفقت باقتناء كتاب قد حوى بين دفتيه هذه المراسلات (شكرا لوزارة الثقافة الإيرانيّة) مع شرح تام لموقف فرنسا الانتهازي والمنافق لكل ما هو مسلم وعربي.

الآن سيقول بعضهم أن كل هذه المآسي سببها الدين، وأن كل شرور الأرض تعود للفرقة الدينيّة. والواقع أن هؤلاء البشر مصابون إما بضعف الذاكرة أو بعقد شخصية من كل ما له علاقة بالدين بسبب تربية لا دينيّة أو تجارب أليمة لمشهد جماعات متطرفة دينيا. ذلك أن أسوء حربيين بالتأريخ البشري كانتا بسبب أطماع مالية وجنون هتلري وآخر غربي بالسلطة، وإن إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما ونكازاكي وشوي مئات الآلاف من البشر بأفران الانشطار النووي لم تكن وفق أمر ديني أو عراك ديني، وأن طقوس سلق الرجال على يد ملكات شاذات جنسيا بأفريقيا لم يكن له علاقة بالدين كذلك ولا حتى بأي خروقات قانونية سببها الدين.

على السيدة بثينة كامل أن تنزل قليلا إلى كوكب الأرض لكي تشهد أن قصف أمريكا للعراق بقنابل اليورانيوم المنضّب ليس له علاقة بالدين وإنما لرغبات استعمارية واقتصادية بحتة، ذلك أن أمريكا ستبارك إسلامنا لو أنه قرر أن يكون الحجاب هو البكيني وأن يكون المجتمع فوضويا ويصلي بيوم واحد بالأسبوع. وعلى السيدة المبجلّة بثينة كامل أن تتذكر أن كل ما يجري بالعالم ضدنا هو محاولة أمريكيّة لردنا إلى مرحلة أواخر السبعينات، عندما كانت الجدة تخلع الحجاب بقوة وعنف عن رأس حفيدتها، لأن أمريكا ترتاح لوضعنا العربي بالعقد السبعيني والثمانيني، حيث جلّ اهتمام الشباب هو التافه ذا الصوت السخيف والأغاني المقرفة "عبد الحليم حافظ" أو بتقليدنا لهوليود ورقصات ترافولتا. ولكن النهضة قد تأججت بمطلع التسعينات وتفاقمت بين الشعوب العربية، وصار الليبراليون العرب أقلية أمام المحافظين المعتدلين الأبطال الذين حملوا راية فلسطين ونشر الثقافة الإسلامية بهذه الأمة، عندها أنزلت أمريكا جيوشها (و كل دول الغرب تقريبا) لتصفي حساباتها مع "عبيد الصحراء" كما يلقب الأمريكيون أي شعب عربي بالمناسبة. فـ "عبيد الصحراء" أصبحوا يفكرون بوحدة ثقافية وأخرى قوميّة، ولذا قررت أن تحتلهم وأن تستفز كل حلفائها لمحاربة ثقافة هذه الشعوب المسلمة.

هذا هو الواقع الذي تساعدين يا سيدتي على تحقيقه، فشكرا جزيلا على جهودك ضدنا وإنني متأكد بأن النصر حليفنا بمعركتنا المصيرية ضد ثقافة التفرنس والتأمرك والإعجاب بالغرب بشكل تافه. أمثالك سيدتي شديدي الثقة بالغرب، فالغرب لا يحقد أو يكره أو يتآمر، بل هو ملائكي وطيب ومتسامح للغاية ونحن هي الشعوب الشريرة المتخلفة الظلامية التي تحوي بذرة الانحطاط والتآمر. ولطفا، إن كانت ابنتك بمدرسة فرنسيّة فلماذا لا ترحلين وإياها لفرنسا وتتركوننا نعيش واقعنا البطولي النضالي مع قوى الشر الهمجي؟ حسنا، الآن ستقولين بأنني سلفي متطرف وأنني سبب تخلفكم، ولكن لا سيدتي. أنا لست سلفيا إطلاقا، ولست طوباويا أرى الأمور بمنظار الأبيض والأسود. ولعلمك فقط، ليست كلّ الحروب جرائم ومصائب، لأن هناك حروب ضرورية وقمة بالعدالة. صحيح أنه ما من حرب تعطي الراحة والشعور بالأمان، لكنما نتائج هذه الحروب قد تكون قمة بالنبل والحضارة والتألق. فرجاء، لا تسهمي أكثر بنشر ثقافة "التجدين" و"التأنيث" المعنوي للرجال، لأنها ثقافة أمريكيّة بحتة نراها بمقالات الليبراليين الذين يرون بالحرب جريمة مهما كانت، حتى وإن كانت ضد دولة معتدية كإسرائيل، علما أنهم مع وجود إسرائيل ومتعاطفين للغاية مع الصهاينة، كما أنني أحب أن أسمع رأيك بهذه القضية كذلك لأنه سيكون رأيا فريدا للغاية كما أحسب.

وماذا أيضا؟ المرأة المسلمة محجوبة برأيك. لكنها بالبكيني ليست كذلك لا؟ ألا ترين أن هناك تناقضا بكلامك؟ فإذا كان الحجاب لا يمنع شرفا من النقصان ولا انحطاطا من التكاثر، فلماذا سيحجب المرأة عن الحياة العامة هكذا فجأة؟ هل تأمل الرجال لاهتزاز مؤخرتها (وبالتالي تحول معناها الإنساني لمؤخرة فقط) سيحررها من تلك الأطواق التي يطوقها المجتمع المسلم بها؟ حسنا، فقط لكي أعود بكِ لكوكب الأرض من جديد، أود أن أذكركِ أن أعضاء مجلس الشورى الإيراني من النساء أكثر من عضوات الكونجرس الأمريكي، وأن نائب الرئيس الإيراني لهي امرأة وقد زارت البيت الأبيض بحجابها الذي أبكم بوش وكل الهذر الليبرالاتي الممل، وأن إيران تؤمن بنظام النيابة العكسية لكل وزارة، إذ تنوب الوزير الرجل امرأة بكل الوزارت وينوب الوزيرة رجل بحال كونها كذلك، ولذا لا تندهشي عندما تحضر نائبة وزير الدفاع الإيراني (بشاراتها الحربيّة و حجابها) افتتاح قاعدة صواريخ أرض جو موجهة لتل أبيب (أعرف أنها جريمة عند الليبراليين وإرهابا) وليس مدهشا أن تكون سيدة رئيسة لجامعة طهران كلها. والعراق؟ أكبر وجود للمرأة بالكونجرس في العالم، وكلهن نساء وطنيات بلا هذر على المرأة بل لصالح العراق والعراق وحده. يبدو أن "حجب المرأة" قد أصبح موضة قديمة عند الليبراليين وأنصحكم بالبحث عن حجج أخرى لإرساء الثقافات الاستعمارية بيننا، فنحن أفقنا أخيرا وأصبحنا شعبا يعرف ما يريده. لا لن نخضع لكم ولا لإرهاب بن لادن أو بوش أو شيراك أو التيار الليبرالي المتهادن مع العدو.

دمتِ للكلمة الحرّة

اقرأ أيضاً :

مذكرات رجل ما (1)
حول مفهوم العلمنة وخطاب مجانين



الكاتب: أحمد الكناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/06/2005