إغلاق
 

Bookmark and Share

أفلام وأحلام وتساؤلات ::

الكاتب: عماد الدين حسين
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/07/2005

 
من أكثر الأفلام التي حققت نجاحًا خلال العشر سنين الماضية فيلم The Matrix, ويعجب الفيلم الصبية لما فيه من حركة وأناس يطيرون في الهواء ويمسكون بالرصاص ويمشون على الجدران..

لست ناقدًا فنيًا لأتحدث عنه ولكن بغض النظر عن النقد اللاذع الذي سمعته من العديد من النقاد عن هذا الفيلم فهو حقًا رائع, ولكن ما لاحظته وأردت الحديث عنه هنا أن من تناولوا ذلك الفيلم تحدثوا عنه من عدة وجهات نظر, منها وجهة نظر فلسفية، وأود أن أقول لهم أن الفيلم لا يحمل أي معانٍ فلسفيه أو أي دلالات دينية على الإطلاق, أو حتى ما وراء الطبيعة.

الفيلم مصنف كرواية خيال علميSci-fi , وعلمي بحت, وأعجب أن تلك الأفلام لا تنتج هباء..فمعظمها يناقش أبحاثا على مستوى عال جدًا سبق لها النشر في مجلات علمية، وللأسف نحن نهمل هذا الجانب ونلقي اللوم على مؤلف العمل أو المخرج بأنه يجدف ضد الدين, ربما ذلك للشعور بالاضطهاد.

باختصار, يتحدث الفيلم عن أنه في العام 1991 تم ابتكار الذكاء الاصطناعي(Artificial Intelligence A.I.) وقد تناولت العديد من أفلام السينما هذا الموضوع وشاهدت معظمها ولم أقتنع وليس الرفض الصارم لمجرد الرفض فكل شيء قابل للنقاش عدا ذات الله, ودائمًا توضع نظرية الأبطال أمام النظرية البديلة حتى نجد ما ينقد النظرية البديلة, ولكن ذلك الفيلم تناولها بطريقة غاية في العبقرية والمنطقية والإقناع, وعند ابتكار أول وحدة معالجة ذكية وفي غفلة الجنس البشري قامت تلك الأجهزة بنسخ مثيلاتها وكانت بالطبع الخطوة التالية المتوقعة -من كائنات ليست فقط بذكية وإنما سريعة- هي السيطرة, السيطرة على الجنس البشري..

أتوقف هنا قليلاً لأتحدث عن تلك الفكرة, وهي سيطرة نوع على نوع آخر، وقد حدث ذلك كثيرًا خلال رحلة التطور التي بدأت من الأزل بالخلية الأحادية
وانتهت بشجرة الحياة التي رسمها تشارلز داروين في كتابه "في أصل الفصائل" وتحدث عن سيادة نوع على نوع في حال تواجدت فصيلتين في نفس
المكان والزمان ووجود مصادر محدودة حيث ينطبق قانون البقاء للأصلح, وليس الأقوى كما يردد البعض وذلك لا يحدث في يوم وليلة
ولكن في خلال ملايين السنين.

ولم يخطر على بال داروين أن ذكاء الجنس البشري ربما يؤهله يومًا ما في وضع جذر شجرة أخرى بغباء, ولكن ذات طابع إلكتروني!, ولم يخطر بباله -إذ لم يفتح أصلاً برسالة مندل- ما هو أدهى من ذلك, وهو أن يطبق البشر الانتخاب الصناعي على أنفسهم (كما في فيلم أخر لا أذكر اسمه) بدلاً من القرنبيط, حيث حان الوقت للإنسان كي ينحي الطبيعة جانبًا ولم تعد هي صاحبة القرار في من يبقى ومن يفنى, وسط ثورة علم الجينات, حيث أصبح التوليف وإعادة التوليف (recombination) عن طريق الهندسة الوراثية وليس مقتصرًا على التزاوج.

ولكن تلك الوحدات لم تقم بتدمير الجنس البشري, فهم أذكياء, كونك أذكى من الحمار لا يعني أن تدمره, بل من المنطقي أن تستفيد منه مقابل القليل من البرسيم. فقامت تلك الوحدات بتنويم الجنس البشري في ما يشبه الحلم مع بقاء المراكز الحيوية كمركز التنفس والجهاز الدوري على قيد الحياة(vegetative life) لكي يستفيدوا من الطاقة الكهربية المخية والسعرات الحرارية المنتجة من الجسم البشري كالبطارية كما عبر مورفيوس في الفيلم وتوليدهم آليًا في مايشبه الحقل البشري وتدوير مخلفات الجثث لتحويلها لمادة غذائية للآدميين لكي ينتجوا الطاقة, بينما هم يحيون حياة (هلوسية) داخل عقولهم كأنها طبيعية عن طريق الكابل المزروع خلف رأسهم, وتلك الحياه الهلوسية هي عنوان الفيلم "الماتريكس" أي الـ system)) المحمل على الآدميين, وفي الفيلم تأخذ الوحدات صور الآدميين ويطلق عليهم "العملاء" كالعميل سميث وأعوانه الذين يدخلون الشبكة للقضاء على أي آدمي يفكر مجرد التفكير في التمرد على النظام وبذلك نجد المتمردين أمثال مورفيوس وترينتي الذين استطاعوا الخروج من الشبكة وإنشاء أول مستعمرة تم تحريرها بوساطة الجنس البشري وهي زيون, وكان دورهم البحث عن المنقذ وهو نيو, والذي يعتقدون أنه سوف يحرر الجنس البشري من الآليين وفي نهاية ثلاثية الرواية ينجح المتمردين في التخلص من العبودية لتلك الوحدات في وسط العديد من المغامرات والأكشن والكونغ فو الخ...

تلك الرواية هي نتاج الثورة في علم البرمجيات والحلم الذي يراودنا منذ قديم الأزل وهو اختراع الذكاء الاصطناعي والذي هو نقطة البداية في الفيلم, وأذكر أني قرأت من فترة ليست بقصيرة على الويب عن إحدى مراكز الأبحاث وقد أنشأت لوجو روبوتيكس تحتوي على معالجات ذكية, ومجسات وكاميرات تقوم بالتجول والإمساك بعلب المياه الغازية الفارغة وإلقاءها في صندوق.

ربما يبدو ذلك سخيفًا, فإنه يستطيع القيام بذلك طفل لا يتعدى عمره سنتين أو ثلاثة. ولكن مهلا! ألست من مؤيدي المثل "الصغير يكبر"؟ فلربما كنت قد اشتريت تمساحًا ووضعته في حوض في بيتك وكنت تداعبه ويروقك شكل أسنانه اللبنية ولكن جاء اليوم الذي بدأ فيه التمساح يسنن وأدركت أن بيتك ليس المكان المناسب له إطلاقًا, وإلا سيكون بطنه هو المكان الملائم لك حتمًا.

اقرأ أيضاً :
أغاني ومعاني


الكاتب: عماد الدين حسين
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/07/2005