إغلاق
 

Bookmark and Share

حكايات صفية: التعويذة .. موازنات غائبة ::

الكاتب: صفية الجفري
نشرت على الموقع بتاريخ: 23/08/2005

قرأت تعويذة أستاذي الدكتور الكريم أحمد عبد الله ، فتعقيب أختي الفاضلة لمى عبد الله عليها ، فاستفزني ذلك إلى التعليق على فكرة الموازنة بين عالم الغيب والشهادة والتي سبق تناولها بأكثر من صيغة في ( مجانين ) ..

أعتقد
أن الطروحات الموجودة في الموازنة لم تخرج عن كونها ردة فعل ، يؤكد على جانب الشهادة ويحجم جانب الغيب تحجيما يوهم البعض بأنه دعوة للإلغاء كما ذكر الدكتور أحمد عن أستاذة علم الاجتماع في تعويذته ..

إذن : ما الطرح الذي أرتئيه موازنا كما تعلمته وفقا لقواعد الشريعة ؟

نحفظ من صغرنا هذه القاعدة العقدية – إن صح التعبير - : كل ما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي ..

هذه القاعدة منخرمة باختلافات العلماء في مسائل كثيرة منها هل تثبت للولي كرامة إحياء الموتى – بإذن الله – مثلا ؟

ولست بصدد الخوض في تفصيلات الخلاف بين العلماء في هذه المسائل .. لكن الفكرة الرئيسية التي أود أن أخلص إليها هي : أن هناك طائفة كبيرة من العلماء تثبت خرق العادة بإذن الله لمن شاء من عباده .. وعليه فإني أرى في إقصاء هذا القول تطرفا في تناول هذه المسألة ( الموازنة بين عالم الغيب و عالم الشهادة )
هو تطرف مضاد للتطرف في التعلق بها تعلقا مندفعا غير منضبط بالضوابط التي لا تصح إلا بها ..

ما هي هذه الضوابط ؟

سأذكر ما يحضرني منها في هذه السطور المتعجلة :
من ذلك ما ذكره الإمام الشاطبي في الموافقات أن نسبة الكرامات لا سيما المتعلقة منها بعالم الغيب ، والتنبؤ به ، هي نسبة ظنية ، بمعنى أن لا عصمة في التلقي عن الله تعالى إلا بالوحي ، والإلهام ليس وحيا ..
وعليه فإن سمعنا من أحد الصالحين توجيها ما ، فلا نأخذ به على سبيل القطع بحصول نتائجه ، هذا كله مع إثبات حسن الظن بالله وبعباده الصالحين ..

ويترتب على ذلك أن لا يترك المرء الأخذ بالأسباب العادية التي أمر الله بالأخذ بها ، فيعطل عقله ، تبعا لإشارة من رجل صالح قد لا يكون السائل قد فهمها على وجهها ، أو قد يكون الرجل الصالح لم يستبن له الأمر بجميع جوانبه ، إذ لم تستكمل له أدوات الحكمة جميعها ، ويحضرني في هذا المقام ما نسب إلى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه :
إن من شيوخي من أستسقي الله به ، ولا أقبل له حديثا .

وفي السياق ذاته تأتي مسألة التعلق بخرق العادة ، وجعلها أساسا يقيم به دين الشخص وصلاحه وأهليته لأمور الدين أو الدنيا ، وما أجمل ما قاله ابن عطاء الله السكندري في حكمه : ( ليس كل من ثبت تخصيصه كمل تخليصه ) ، يقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله في (مذكرات في منازل الصديقين والربانيين ) : قد يعطي الله إنسانا خصوصية لكن خصوصيته تؤهله لأن يكون في موقع معين فإذا تجاوزنا به هذا الموقع لا نكون قد عرفنا الحكمة الإلهية ، ولا عرفنا الحكم الشرعي .

ومن جميل ما سمعت من الشيخ الجليل ، والعالم الكبير ، الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله –في أحد البرامج الدينية في قناة الشارقة الفضائية -: قوله تعليقا على سؤال وجه إليه عن كرامات أحد علماء سوريا المشتهرين بالتصوف والذي توفي قبل خمسين سنة تقريبا .. قال الشيخ البوطي : ما تتحدث عنه من كرامة إحياء الموتى بإذن الله ، لا يصح نسبتها إلى الشيخ ، إذ لو صحت لتناقلتها وكالات الأنباء ، وأجهزة الإعلام ، لان حدثا كهذا لا يمكن أن يخفى ، فليعمل الإنسان عقله ، ولا ينساق وراء مثل هذه الأمور ، التي لا طائل عملي من ورائها أو كما قال ...

فالشيخ البوطي في خطابه هذا أيقظ عقل السائل ، وحفز همته ، إلى أمرين مهمين : أحدهما: التثبت في النقل ، والثاني : هو الالتفات لما هو أجدى للإنسان من القيام بالحقوق الواجبة عليه ..

و لا يخرج تعامل البعض مع الرؤى عن هذا المنحى المتذبذب بين عالمي الغيب والشهادة ..
إذ يجعلون الرؤى الصالحة قول فصل في موضوع ما قد يكون مصيريا ، غافلين عن أن الرؤى ظنية ، وتفسيرها ظني ، وهي إنما يستأنس بها بعد أن يدرس المرء ظروفه ، ويقدر الأصلح له ..
ولذلك نجد أن البعض يتلفظ بعبارات ..مثل قد رأيت رؤيا في هذا الأمر ، وأخذت بما تشير به فلم أوفق ، وتحمل كلماته سخطا وتشككا قد أفضى به إليهما المنهج المشوش لفهم علاقة المسلم بعالم الغيب ..

يغيب عنه كما ذكرنا آنفا ظنية الرؤى ، إذ تحتمل كونها من الله أو من تلبيسات النفس، ولو كانت الرؤيا لسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم – وفي ذلك تفصيل ذكره الإمام القرافي في الفروق – ..
كما يغيب عنه أن تفسير الرؤى ظني أيضا ، إذ أن الإشارة قد تفهم بأكثر من معنى بحسب المفسّر ..

كما يغيب عنه معنى أكثر خطرا ، وهو أن الخير قد يكون في ابتلائه بضيق العيش ، أو الطلاق إن كان الأمر زواجا ، أو التعثر إن كان أخذا للعلم ، والله بهذا كله يريد أن يحط عنه بعض خطاياه أو يقربه إليه ، أو له حكمة لا يعلمها إلا اللطيف الخبير ، الذي هو بعدله لطيف خبير ، وبفضله لطيف خبير ، فسبحان من بيده الأمر كله ..

ولازالت هذه القضية تحتاج لمزيد بسط ، وتأمل ، وتبصير لأنفسنا والناس بجوانبها ، والله الهادي إلى سواء السبيل ..

حرر في :

ليلة الأحد : 21/8/2005

للتواصل :
safi_maganin@hotmail.com 

اقرأ ايضا:
حكايات صفية: الملائكة تلعن النساء فقط؟!
إلى بثينة كامل .. من وحي سطورك
حكايات صفية: المكلا .. ملامح إنسانية!
حكايات صفية:المكلا .. لمحات إنسانية 2
حكايات صفية: المكلا .. لمحات إنسانية3
المكلا ..لمحات إنسانية 4
المكلا .. لمحات إنسانية (5)
حكايات صفية: المكلا .. لمحات إنسانية ( 6 )
حكايات صفية : التسامح .. فضيلة المتناقضات .

 



الكاتب: صفية الجفري
نشرت على الموقع بتاريخ: 23/08/2005