إغلاق
 

Bookmark and Share

رؤية نفسية لحادث العبارة ::

الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/02/2006

 حتى لا يصبح وراء كل حادث معتوه

ربما لأنه لا تحركنا غير المصائب والكوارث الكبرى فإننا ننتهز فرصة غرق العبارة من أجل أن نعيد التأكيد على أمر هام من المفترض أنه يتم ولكنه مثل كل شيء في حياتنا العشوائية يتم بصورة شكلية وليست حقيقية وهي مسألة الكشف النفسي على طاقم قيادة السفن وخاصة القبطان .

خاصة وأن القبطان بحكم قوانين البحر هو في النهاية المتصرف الأول والأخير فيما يجري من أحداث على ظهر السفينة وتظهر خطورة هذا الدور العام في المواقف الصعبة والكوارث لأن الأمر في النهاية يعتمد على حسن تقدير هذا القبطان للموقف وحسن تصرفه فيه، وهو أمر لا يتعلق بعلوم إدارية قد درسها هذا القبطان وإن كان هذا مهما أكثر مما يتعلق بالحالة النفسية لهذا القبطان، ونقصد هنا كونه سوي النفسية بصورة عامة ولن ندخل في جدل طويل حول معنى النفسية السوية وهل هو مجرد خلوها من الأمراض والعلل النفسية، أم قدرتها على التكيف مع المواقف المختلفة والتصرف فيها بشكل مرضي يتناسب مع قيم المجتمع وأتفق عليه بين الأغلبية، وبالتالي فإن صفات عامة متفق عليها مع صفات خاصة تتناسب مع الوظيفة التي نحن بصدد دراسة نفسية القائمين عليها، ستكون كافية للاطمئنان قدر اجتهادنا أن هذا الشخص لن يتسبب في كارثة لسوء تصرفه أو تقدريه نتيجة لعيب في شخصيته أو علة في نفسيته....

 وأن يتم هذا الكشف النفسي بصورة جادة سواء من خلال المقابلات النفسية المباشرة أو الاختبارات النفسية وعلى أن يقوم بهذا الأمر لجنة من الأطباء النفسيين وليس طبيا واحدا.

ولا مانع من أن تضم هذه اللجنة أخصائيين نفسيين من مدارس علم النفس الإكلينيكي، وينظر هؤلاء في تقارير المقابلات الشخصية الأخرى التي تدرس الجوانب الفنية والإدارية ويتم ذلك في بداية التعيين في هذه الوظائف ثم يكرر دوريا على الأقل مرة سنويا أو كلما دعت الحاجة لذلك إذا جاءت التقارير بما يفيد أن الشخص يعاني من أي مشكلة أو يتسبب في أي مشاكل أو غير متكيف على أي مستوى ...

ونكرر أن هذا أمر عام بالنسبة لكل الوظائف القيادية ولكنه يكتسب خصوصية في حال قبطان السفينة ...

أولا لخطورة موقعه وخطورة ما يترتب على قراراته في وسط البحر بعيدا عن أي مساعدة أو اتصال وثانيا لطبيعة الوظيفة والضغوط النفسية التي يتعرض لها صاحب الوظيفة والتي من الممكن عمليا أن تؤثر على استقراره النفسي.

وما أقوله بهذا الصدد ليس حكما عاما ولكنها ملاحظة إكلينيكية شاهدناها في العديد من الحالات وهي أن أصحاب هذه الوظيفة معرضون للإصابة بداء العظمة حيث تنتفخ ذواتهم بشكل مرضي ويشعرون أنهم أصحاب الرؤية الصائبة والقدرة الفائقة على التصرف وأنهم يرون ما لا يراه غيرهم وبالتالي فهم لا يستمعون للرأي الآخر ولا يكترثون فيه حتى مستوى بيوتهم وزوجاتهم حيث يتعاملون معها بنفس منطق البحر .....

بل عن المكوث في البحر لمدة طويلة بعيدا عن الاختلاط بالناس أو بعيدا عن أسرهم بحيث تكاد تكون حياتهم غير طبيعية فهم يعيشون حيلتهم حياة غير مستقرة متعرضة لتقلبات البحر لا يرون فيها إلا حياة مياه البحر وغيوم السماء وزملاء السفينة، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة للاضطرابات النفسية مما يجعل مسألة الكشف الدوري النفسي الحقيقي وليس الصوري مسألة حيوية لهؤلاء الذين يعملون في البحر بصورة عامة وأصحاب الوظائف القيادية مثل القبطان ومساعديه بصورة خاصة، ليس من أجل مصلحة الناس الذين معهم على السفينة فقط بل من أجلهم هم شخصيا لأننا ربما نحتاج لأن توضع قواعد للمدة التي يقضيها الفرد من هؤلاء وسط البحر

خلاصة ما نود قوله أننا إذا كنا لم نستطع حتى الآن أن نمنع الكوارث من حياتنا فلا أقل من أن نستفيد مما حدث حتى لا يتكرر بشرط أن ندرك أننا إذا لم تستيقظ ضمائرنا ونتخلى عن العشوائية في ممارسة حياتنا فإن الهلاك ينتظرنا جميعا .....

أقول ذلك لنفسي ولجميع زملائي من الأطباء النفسيين الذين ربما يناط بهم مسئولية الكشف النفسي على هؤلاء أو غيرهم أنه بعد حادث الممرضة " عايدة " الشهير والتي اتهمت فيه بقتل مريض بحقنه بدواء سام صدر قرار بتوقيع الكشف الطبي النفسي على كل الطالبات المتقدمات لمدارس التمريض وتم تنفيذ القرار بانتداب أطباء نفسيين للقيام بالأمر ...
ليتم الأمر بصورة غير حقيقية ويتحول إل شكل لا مضمون له .... حيث تم الكشف على المئات من المتقدمات في أقل من ساعة مجرد استيفاء شكلي للأوراق دون تقييم حقيقي أو كشف دوري لمتابعة الأمر ...

وهو أمر ينطبق على كل الوظائف حتى أن أحد الأطباء النفسيين أصيب بالمرض العقلي ومازال على قوة العمل في مستشفاه وفي عيادته ولا يستطيع أحد إيقافه لأنه لا يوجد من يستطيع إثبات مرضه إلا بكشف دوري حقيقي يمكن أن يتخذ ذريعة لإيقافه ولكن لحين ذلك سيظل الخلل، العقلي هو المتهم الأول في كل كوارثنا ولا حياة لمن تنادي ......

المطلوب هو أن يصبح الكشف الطبي والتقييم النفسي في بداية التعايش ثم الكشف الدوري النفسي للوظائف الهامة والقيادية التي تمثل حياة الناس والتي يتعرض أصحابها للضغوط التي يمكنها أن تؤثر على حياتهم النفسية

المطلوب أن يصبح ذلك الأمر........ قانونا مطبقا يصدر به التشريع المناسب من قبل مجلس الشعب .... ونطلب أن يتبنى زملاؤنا الأطباء من نواب الشعب تقديم هذا التشريع وإنزاله موضع التنفيذ مع اتخاذ كافة الإجراءات لتحويله إلى حقيقة واقعية وليس صورة شكلية مستوفاة في الأوراق .

اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

اقرأ أيضا:
اعترافاتي:بابا وماما فين يا محمد؟  
لماذا لم يتزوج جمال مبارك ؟!!
الكهرباء........علاج.......أم تعذيب
عاوز تروح لطبيب نفسي .. ليه .... مجنون ؟!!
ماذا نريد من جمعيتنا المصرية للطب النفسي2   



الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/02/2006