إغلاق
 

Bookmark and Share

براءات الاختراع غير بريئة!! ::

الكاتب: سلمى حسين
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/10/2004

براءات الاختراع غير بريئة من قتل ملايين المصابين بالإيدز:

هذه ترجمة لنص خطاب ألقاه والدن بللو، أحد أبرز مفكري مناهضة العولمة، أمام المؤتمر الدولي الخامس عشر عن الإيدز، الذي عقد في بانكوك، من 14 إلى 17يوليو 2004. ، اختار أستاذ الاجتماع والإدارة العامة في جامعة الفلبين أن يتناول خطابه الجدل الدائر حول شركات الأدوية الكبرى التي تصر على الحيلولة دون منح تصريح لشركات الدواء الصغيرة أن تنتج أدوية لعلاج الإيدز، بأثمان زهيدة. وذلك تحت دعوى ما تسميه بحقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع التي تمنع لمدة من 10-20 سنة أي شركة من تقليد أي دواء يقع تحت تلك الحماية.

توضح المعدلات المتزايدة للإصابة بالإيدز حجم مشكلة الصحة العامة التي تواجه العالم. فمن الواضح أننا نحتاج إلى خطة بحجم مشروع مانهاتن للحرب العالمية الثانية للتعامل مع مرض نقص المناعة المكتسبة مع الفارق، ففي حالة الإيدز تكون الخطة للحفاظ على الحياة وليست لإشاعة الموت كما كانت الحالة في خطة مانهاتن. لذا فالجميع هنا مدعوون للانخراط في عمل جماعي منظم، حكومات وقطاع خاص ومجتمع مدني بالإضافة إلى مجتمع الأطباء، وفي المقابل، فإن كثير من الناس يتساءلون عن دور أحد اللاعبين الرئيسيين في هذه المشكلة، وأعني هنا شركات الأدوية الكبيرة، أو كما يطلقون عليها في دوائر "البيزنس": عمالقة الأدوية، أو big pharma (مشتقة من كلمة دواء باللاتينية). بل إن الكثيرين يطرحون السؤال بالصيغة التالية: عمالقة الأدوية أولئك، هل هم جزء من المشكلة أم جزء من الحل؟

الشركات تعترض الطريق:
في الوقت الذي كانت الأمم المتحدة وغيرها تعمل مع حكومات إفريقية ولاتينية والبرازيل لوقف انتشار المرض، لنرَ ما الذي سعى إليه عمالقة الأدوية؟ في الفترة من 1999 إلى 2001، سعت شركات الأدوية العملاقة لدى الحكومة الأمريكية حتى تضغط هذه الأخيرة على جنوب إفريقيا، باستخدام أدوات مثل تخفيض المساعدات والمنح، وذلك حتى ترغمها على أن تتراجع عن فرض قانون جديد يقضي بالترخيص الإجباري(الذي يلزم الشركات الكبرى بإعطاء ترخيص بتصنيع بدائل رخيصة للأدوية للدول التي تعاني من انتشار أوبئة، مثل حالة الإيدز). كما هددت تلك الشركات نفسها حكومة جنوب أفريقيا بأن تقاضيها بتهمة التعدي على حقوق الملكية الخاصة بها تجاه تلك الأدوية. بل إنها استعانت بنائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، ليضغط على الرئيس الجنوب أفريقي ثابو مبيكي، في نفس هذا الاتجاه.

وعندما تبنت منظمة التجارة العالمية في نوفمبر 2001، بيانا تؤيد فيه أن هموم الصحة العامة تجُب حقوق الملكية الفكرية، أنفقت الشركات العملاقة العامين التاليين في محاولة إضعاف هذه الاتفاقية. وذلك عن طريق الضغط على مختلف الدول(أعضاء المنظمة للموافقة على الحاق الاتفاقية بشروط تصعب عملية بيع أدوية الإيدز البديلة التي تنتجها الدول النامية القادرة على صناعتها إلى الدول النامية التي لا تستطيع إنتاجها، فعندما يتعلق الأمر بمرض الإيدز، لايهتم عمالقة الأدوية بإنقاذ حياة المرضى قدر اهتمامهم بحماية حقوق ملكية أدويتهم. وتقدم تفسيراتها الخاصة باتفاقية حقوق الملكية الفكرية، المعروفة بـ"التريبس والتي تحد من الترخيص الإجباري، كما تمنع تصدير واستيراد أي دواء منتج وفقا لقانون الترخيص الإجباري.

لماذا هذه التصرفات الوحشية؟ إن وراءها المنطق الذي يتبناه عمالقة الأدوية: فبدون الحماية الكبيرة التي يفرضونها على إنتاجهم من الأدوية، وبدون الأرباح المهولة التي يحصدونها نتيجة هذه الحماية المفروضة على منتجاتهم، لما استطاعت الشركات أن تنفق على الأبحاث والتطوير والتجديد. ولمات الناس أكثر فأكثر من الإيدز ومن غيره من الأمراض المميتة.، لذلك، فعندما تسمع من منظمة الصحة العالمية أن معظم تلك الأدوية الخاضعة لحقوق الملكية الفكرية تتداول بأسعار تفوق من 20 إلى100 مرة تكلفة تصنيعها، فلا تدع عقلك يجن، فقط تذكر أننا لسنا بصدد أسعار تتحدد وفقا لظروف السوق، وإنما هي أسعار ناتجة عن احتكار الشركات، حتى تستطيع توفير نفقات البحث والتطوير.

بين الأساطير والحقائق:
إن وضع عمالقة الأدوية فيما يتعلق بضرورة وكفاءة الأبحاث والتطوير داخل الشركات إنما يستند على عدد من المعتقدات الخاطئة والتشوهات المنحازة. فلنلق نظرة على بعضها:

تحاول الشركات العملاقة أن تروج لفكرة أن جهودها وحدها هي مفتاح تطور الدواء، ولهذا فعلينا أن نتقبل أسعارها الاحتكارية للأدوية. فمثلا
، ادعت بارفس ولكم(هي الآن واحدة من شركات مجموعة جلاكسو ولكم) أنها اكتشفت عقارالسرطان "أزيدوثيميدين"، في حين أن الحقيقة هي أن من اكتشفه هو فريق العمل التابع للمعهد القومي الأمريكي للسرطان الممول من الدولة، بالاشتراك مع فريق باحثي جامعة ديوك. هذا ويذيع عمالقة الدواء أنهم يعملون حاليا على تطوير 73 دواء للإيدز. ولكن دقق النظر، وستجد أن معظم تلك الشركات يحصل بالفعل على مساعدات حكومية عن طريق الباحثين العاملين في معاهد الصحة القومية الممولة حكوميا! بمعنى آخر، إن عمالقة الدواء يدعون أنهم يقومون بالبحث والتطوير، إنما في الحقيقة هم يستخدمون أموال دافعي الضرائب في تطوير عقارات بهذه الأهمية لازمة لإنقاذ حياة البشر.

وتذكر تلك الشركات أن حقوق حماية منتجاتها ضرورية، لأن تكلفة إنتاج دواء واحد جديد تصل إلى 500 مليون دولار. ولكن خبيرا بارزا في مجال صناعة الأدوية هو ميريل جوزنر يوضح أن هذا الرقم مضلل لعدة أسباب. فمثلا، العديد مما تسميها الشركات الكبيرة "أدوية جديدة" هي ليست كذلك على الإطلاق. خاصة أن أكثر من 40 % من الإنفاق على البحث والتطوير في صناعة الدواء، يهدف إلى عمل تعديل طفيف في الأدوية المتداولة بالفعل، وليس على خلق أدوية جديدة تماما.

بالإضافة إلى ذلك، معظم النفقات المزعوم أنها مخصصة لتطوير الدواء تذهب إلى الإنفاق على التسويق المصمم خصيصا لإقناع الناس أن يشتروا نسخة مختلفة من نفس العقار. لذلك، فالتسويق هو القطاع الذي يشهد أكبر نمو في صناعة الدواء، وليس قطاع البحث والتطوير. فهناك الان حوالي 90 ألف شخص يعملون على ملاحقة الأطباء لكي يكتبوا أدويتهم للمرضى. فايزر وحدها تملك جيشا من 11 ألف من هؤلاء. يبتلعون ما قيمته 12 مليار دولارمن نفقات الشركة، وفقا لبيانات مجلة تورنتو ستار، تذهب لأجور ومرتبات هذه الطبقة غير الضرورية من العاملين.
وهناك أيضا نفقة ثالثة، ترتفع فاتورتها إلى 500 مليون دولار،.............. هي المرتبات الضخمة التي يحصل عليها كبار المديرين في كبريات شركات الدواء، وهذا ما سأعود إليه لاحقا.

إجمالا، يحصل عمالقة الأدوية على عائد يوازي 20% على استثماراتهم، بما يجعلها الصناعة الأكثر ربحية في الولايات المتحدة. ولكن في مقابل هذه الأرباح المتراكمة، كانت إنتاجية الصناعة آخذة في الانخفاض. ففي عام 1996، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على 53 دواءً جديدا، أما في العام الماضي، فقد وافقت على 17 فقط. فقد رصدت مجلة تورنتو ستار، ازدياد ظاهرة أن"عمالقة الأدوية لا يخترعون أدوية. لكنهم يحصلون عليها من شركات أصغر عبر العالم، أو يحصلون عليها عن طريق الاستحواذ على الشركة التي اخترعتها. بل ويحملون نفقات الاستحواذ الباهظة تلك على السعر الذي يشتري به المستهلك الدواء".

وبناء عليه، تحمل المستهلكون في العالم العبء في صورة أسعار أعلى للأدوية التي تنتجها فايزر، جراء شرائها(استحواذها) لشركة وارنر لامبرت أند فارماسيا. إذا، فبيت القصيد الذي تركن إليه تلك الشركات هو عمل تنويعات على نفس الدواء، أو العلاج أو العقار وليس الابتكار. وهذا ما يفسر لماذا تتمسك كثيرا بحقوق ملكيتها للعقارات التي تملكها بالفعل، سواء أكانت لعلاج الإيدز، أو لعلاج أمراض المناطق المدارية، أو أدوية السرطان. فهي قد تحولت إلى طبقة تعيش على ريع حقوق ملكية هذه الابتكارات.(مثلها مثل الإقطاعيين الذين كانوا يعيشون على ريع الأراضي التي يملكونها).

البحث والتطوير في إطار الشركات ليس هو الحل:
كما يعلم الجميع، فتكاليف علاج الإيدز حتى باستخدام العلاج البديل، ما تزال أكبر من طاقة المرضى والحكومات. فتخفيض تكاليف العلاج إلى 200 دولار في السنة، لن يكون كافيا، لأنه وفقا لهذا الثمن سيظل ملايين من المرضى غير قادرين على الدفع. لهذا فنحن بحاجة ماسة إلى اختراقات في البحث والتطوير تؤدي إلى ابتكار أدوية غير مكلفة. ولكن من غير الواقعي أن ننتظر من تلك الشركات المتصلبة التي تملك عقلية ريعية أن تقوم هي بهذا الدور.

ولكن هناك سؤال أساسي: هل تملك الشركات بالفعل مصلحة في تطوير أدوية يحتاج إليها الناس بالفعل ولكنها تدر القليل من الربح؟ حسنا الإجابة هي لا. فمثلا، بالرغم من حقيقة أن أمراض المناطق المدارية كانت السبب الرئيس في موت الشعوب خلال الفترة من 1975 و1997، لم تتعد الأدوية المعالجة لتلك الأمراض 13 من مجموع 1233 دواء جديدا طرحوا في الأسواق خلال تلك الفترة.

السبب ببساطة، أن أولئك المرضى لا يستطيعون توفير ثمن تلك الأدوية، فإذن لا يوجد سوق كاف لتلك الأدوية، بحيث بغطي نفقات البحث والتطوير في هذ الأمراض. وسوف أجازف هنا وأقول، أن السوق المكونة من الملايين من مرضى الإيدز في إفريقيا وجنوب شرق آسيا هي غير مغرية إطلاقا في عيون عمالقة الأدوية، بالمقارنة بالسوق التي تمثلها أمراض الأغنياء في دول الشمال. فقط الأرباح، لا احتياجات البشر هي ما تحدد اتجاهات البحث والتطوير في تلك الشركات.

في هذا الإطار، يجب أن أشير إلى أن جماعات الإيدز هي من تقف وحدها اليوم في مواجهة نظم التسعير الاحتكارية التي تتبعها عمالقة الأدوية. بالفعل، هناك مقاومة قوية ومسموعة في كل من دول الشمال والجنوب. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بلغت مطالبة المواطنين المسنين بتخفيض أسعار الأدوية من الحدة أن حاول الجمهوريون سن تشريع يسمح باستيراد الأدوية من كندا، حيث الأسعار أقل بكثير. وطبعا، ليس غريبا أن نعرف أن عمالقة الأدوية قد حالوا دون إصدار هذا التشريع، مطلقين أبواقهم تنشر أن هذه الأدوية الأرخص هي"غير آمنة"، وهي تهمة مألوفة، امتخدموها أيضا في حالة البدائل الرخيصة لأدوية الإيدز.

هناك حاجة لنموذج جديد للبحث والتطوير:
سأدلكم على السبب الذي من أجله، رغم كل الحجج الإنسانية التي تذكرها الجمعيات الأهلية، يرفض عمالقة الأدوية أن يلينوا من موقفهم بشأن تخفيف شروط إنتاج أدوية مماثلة لتلك التي يحتكرون إنتاجها لعلاج الإيدز. فتلك الصناعة التي أصبحت تعتمد على الريع، تخشى إن تنازلت في هذا المجال، أن يؤدي ذلك إلى تقويض كل هيكل التسعير القائم على احتكار براءات الاختراع، الذي يعني بدوره الانهيار المحقق والنهاية لتلك الأرباح المهولة التي يحصدونها.

اليوم، أنا ليس عندي أي مشكلة في أن يحصل عمالقة الأدوية على حماية لبراءة اختراع لمدة 20-30 سنة على أدوية مثل الفياجرا، وغيرها من الحيل الكيميائية التي تمنح رجل أو امرأة في السبعين من عمرهم فرصة أن يحلقوا مرة أخرى، ولكن حين يتعلق الأمر بدواء ضروري لإنقاذ حياة الملايين، فالأمر مختلف. فعمالقة الأدوية هم من لعبوا الدور الرئيس في الصياغة التي صدرت عليها اتفاقية التريبس، التي تكفل لهم حماية براءات اختراع الأدوية، لذلك فالاتفاقية التي تمثل حائط دفاع صلب عن براءات الاختراع تلك، لا تنوي ولا تقدر أن تعكس مثل تلك الفروق الجوهرية بين دواء وآخر. لهذا، فإن البحث والتطوير داخل هذه الشركات، والخاضع لحماية اتفاقيات منظمة التجارة العالمية لحقوق الملكية الفكرية"التريبس"، أصبح ببساطة غير صالح نهائيا، حينما يتعلق أمر البحث والتطوير بأدوية ضرورية، ومنقذة لحياة البشر.

نحن بحاجة لإطار جديد للبحث والتطوير، فالحصول على براءة الاختراع يجب أن يكون مبنيا على اقتراب موجه نحو احتياجات الناس، قد يكون ذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة، حيث هناك مجال لمشاركة لاعبين آخرين، غير عمالقة الدواء، مثل الحكومات والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني. و تلك الخطة، مشروع مانهاتن الجديد، يمكن تمويله عن طريق صندوق عالمي، موارده تعتمد في الأساس على ضريبة تفرض على مبيعات الدواء في العالم. حيث أن 1% ضريبة على المبيعات الحالية للدواء البالغ قدرها 450 مليار دولار، توفر موارد للصندوق قدرها 4.5 مليار دولار.

دخل المديرين:
ولكن دعوني قبل أن أنتهي أن أعود لمسألة مرتبات المديرين. فالمزيد من موارد الشركات، أصبحت تذهب أكثر فأكثر إلى الطبقات العليا من العاملين في صناعة الدواء، في شكل حزمة من الدخول. وها هي بعض الأمثلة عن مجمل ما يحصل عليه رؤساء مجالس إدارات خمس من أكبر شركات أدوية في العالم سنويا:
فايزر:(هانك ماك كينل) 28 مليون دولار، بالإضافة إلى 30.6 مليون دولار قيمة أسهم غير متداولة في الشركة.
ميرك:(رايموند جيلمارتن) 19.5 مليون دولار، بالإضافة إلى 48 مليون دولار قيمة أسهم غير متداولة.
بريستول ماير سكويب:(بي. آر. دولان) 8.5 مليون دولار، بالإضافة إلى 3.4 مليون دولار قيمة أسهم في الشركة.
جلاكسو سميث كلاين:(جان بيير جارنييه) 11.8 مليون دولار.
دي بون إل:(كو هوليداي) 13.5 مليون دولار.

أضف إلى ما سبق المرتبات الأقل ولكن أيضا الباهظة لألف من مديري الإدارة العليا في الصناعة، ولسوف تفهم حينها لماذا تضاعفت تكاليف الإنفاق على البحث والتطوير.
هؤلاء المديرون هم بالضبط الذين كانوا يصرخون منادين بـ"حقوق الملكية الفكرية" ويزدرون ملايين وملايين من المصابين بفيروس الإيدز الذين يمكن إنقاذهم عن طريق تخفيضات جذرية في سعر الدواء.

من الممكن جدا القضاء على هذا الفيروس، ولكن فقط إذا تم إقرار خطة مانهاتن جديدة مسلحة بنموذج جديد للبحث والتطوير، غير مرهون بفضلات الشركات الكبرى وأرباحها.

والدن بللو (ترجمة سلمى حسين)

المصدر:
المجموعة المصرية لمناهضة العولمة_(أجيج)



الكاتب: سلمى حسين
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/10/2004