إغلاق
 

Bookmark and Share

السياسة الإسرائيلية الأمريكية والموقف االمطلوب ::

الكاتب: عبد الرحيم ملوح
نشرت على الموقع بتاريخ: 01/01/2005

في مقالة هامة لـ هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق، والشخصية الأمريكية المؤثرة في القرار السياسي الأمريكي اتجاه ما يجري في منطقتنا عامة والصراع الفلسطيني العربي-الإسرائيلي بخاصة اعتبر أن هناك ثلاث أحداث دراماتيكية ساهمت بإعادة صياغة دبلوماسية الشرق الأوسط وفتحت الطريق أمام دبلوماسية أمريكية كبيرة هي: إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي بوش الابن، ورحيل الرئيس عرفات، وتعهد شارون بالانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات.

مشيرا إلى أن الدبلوماسية الناجحة تمثل ائتلافا بين الضرورة والصدفة، مضيفا في مكان آخر من مقاله: "أن التغييرات الأخيرة في إسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة تسمح ببعض التحديد، لذا يجب تحديد خط التقسيم الإقليمي بحائط امني مجاور لحدود عام 1967، وهو ما يعيد الضفة الغربية للحكم الفلسطيني فيما عدى ما يتراوح بين 5 – 8% المطلوبة للدفاع الاستراتيجي الإسرائيلي ومقابل ذلك ستنقل إسرائيل بعض المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى الدولة الفلسطينية، ومن الحكمة نقل مناطق ذات أعداد مهمة من السكان العرب من المناطق الشمالية من إسرائيل، هذا النقل سيكون أكثر أهمية من الناحية الرمزية وسيقلل من المشاكل الديموغرافية، وأخيرا يجب أن تتضمن الخطة بنودا لتشكيل حكومة مؤقتة في غزة في الفترة بين الانسحاب الإسرائيلي واختتام المفاوضات. والمساهمة الفلسطينية يجب أن تكون الاعتراف الصادق بإسرائيل ومؤسسات واضحة وتفكيك البنية الإرهابية في الأراضي الفلسطينية أو تلك الموجهة لإسرائيل" (جريدة القدس 29/11/2004)


وفي مقالة للكاتب السياسي الإسرائيلي (ألوف بن) في صحيفة هآرتس، نشرتها القدس بتاريخ 4/12/2004، نقل حرفيا عن موظف كبير في الإدارة الأمريكية الجديدة أثناء لقاء الأخير مع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، تحديده للسياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط ما يلي: "من يؤمن بحل الدولتين لا يمكنه أن يؤيد حق العودة ففي نهاية المسيرة ستبقى في يد إسرائيل الكتل الاستيطانية وكل الباقي لا، المفتاح للتقدم هو بناء مؤسسات ديمقراطية في السلطة الفلسطينية ومكافحة الإرهاب والأمر منوط بالفلسطينيين، إسرائيل لا تتصرف بما فيه الكفاية من الشفافية بشأن الاستيطان" ووفقا للكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس إن الموظف الكبير ركز على الخطوات في المدى القصير وهي: "فك الارتباط من الجانب الإسرائيلي، انتخابات وإعادة بناء أجهزة الأمن من الجانب الفلسطيني، تنسيق متدرج لفك الارتباط بين الطرفين وانه لن تكون اختصارات للطريق وقفازات للتسوية الدائمة وان المسيرة السياسية ستدار بموجب مراحل خارطة الطريق" مكافحة الإرهاب والإصلاح في السلطة، إقامة دولة مؤقتة، مفاوضات للتسوية الدائمة" والإدارة الأمريكية لا تريد مؤتمرا دوليا وفي هذه الأثناء لن تبعث أيضا بمبعوث خاص بالمنطقة.

وأضاف الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس مؤكدا أن خلاصة الصفقة التي فرضت على شارون في كتاب الضمانات من الرئيس بوش في 14 نيسان الماضي إخلاء معظم المستوطنات مقابل التنازل عن حق العودة.

لقد نقلت هذه النصوص المطولة لبعض صانعي السياسة الأمريكية في منطقتنا خاصة أو المساهمين فيها ولو من خارج السلطة- كـيسنجر مثلا- لإيضاح اتجاه السياسة الأمريكية في فترة رئاسة بوش الثانية وهي قديمة جديدة في جوهرها وإن تغيرت رموزها أو لغتها ووسائلها.

ومن يتفحص بدقة سياسة شارون وحكومته الاحتلالية على الأرض بدءا من موقفه من قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والسيادة الوطنية وصولا لجدار العزل العنصري ومشروعه الانفصال من جانب واحد، ومحاولة فرض سياسته بالاعتماد على القوة العسكرية بتجلياتها المختلفة لا بد أن يلحظ مستوى التوافق بين السياسيتين الأمريكية والإسرائيلية بما في ذلك القلق المشترك من العامل الديموغرافي الفلسطيني، والذي بالإضافة للانتفاضة والمقاومة دفعه لاتخاذ قراره بالانسحاب من غزة ودفع شخصا مثل كيسنجر للتماثل مع دعاة الترانسفير أمثال افيغدور ليبرمان وغيره من غلاة اليمين الصهيوني الذين يحذرون من العامل الديموغرافي لفلسطيني الـ 48، ويطالبون بإيجاد حلول عنصرية لإخراجهم من المعادلة الداخلية الإسرائيلية حرصا منهم على نقاء يهودية الدولة العبرية.

ويلحظ كذلك أن رؤية الرئيس بوش وترجماتها العملية كما يصرح بها رموز إدارته تتوافق إلى حد كبير مع مشروع شارون فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية المؤقتة واقتصارها على قطاع غزة وربما بعض المناطق المنعزلة في الضفة وتقيدها بأحزمة من السياسية والعسكرية والعملية وتأجيل قضايا ما يسمى بالحل الدائم إلى مدى غير محدود، وما يلفت النظر أكثر أن هذه المواقف يعاد تجديدها بعد رحيل الرئيس والقائد الكبير ياسر عرفات الذي اعتبره كل من شارون والرئيس بوش معا عقبة أمام السلام يجب إزاحتها لكي يتسنى لهما السير بالعملية السياسية، الأمر الذي بررا به لأنفسهما محاصرته وعزله في ظروف غاية بالقسوة والفاشية حتى استشهاده.

صحيح أن الرئيس عرفات كان عقبة حقيقة ولكن ضد الاستسلام للشروط الإسرائيليةالأمريكية كما باتت معروفة للجميع، وعقبة في وجه التخلي عن حقوق الشعب الفلسطيني الشرعية وليس ضد السلام المتوازن المستند للشرعية الدولية وقراراتها ولحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال.

إن محاولة تحميل الرئيس الراحل عرفات مباشرة أو ضمنا مسؤولية إعاقة السير بالعملية السياسية وصولا للسلام هو تجني على الحقيقة والواقع واستهتار بالعقل البشري لأنه يتجنب التأشير على المسئول الأول والأخير عن ما يحدث في المنطقة ويدمر فرص الأمن والاستقرار والسلام فيها وما يتركه ذلك من انعكاسات على السلام العالمي ألا هو الاحتلال الإسرائيلي للوطن الفلسطيني ولأراضي سورية ولبنان وسياسة التوسع الإسرائيلي، والتنكر للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني ومساعي الهيمنة الإسرائيلية والأمريكية على المنطقة.

لقد خاض شارون طوال الشهور الماضية أقصى معاركه السياسية الداخلية ضد غلاة المتطرفين والمستوطنين في حزبه وائتلافه اليميني المتطرف من اجل تمرير مشروعه الانفصال من جانب واحد، وتمكن بالأمس من تطويع البعض وعزل البعض الآخر وإخراج آخرين من صفوف الائتلاف، وجذب حزب العمل بزعامة بيريس وبعض الأحزاب الدينية من اجل بناء ائتلاف جديد يضمن له السير بمشروعه للنهاية، انطلاقا من قناعته بان مشروعه يخدم المصلحة السياسية والأمنية والاستيطانية الإسرائيلية، ويحافظ على الدعم الأمريكي غير المشروط له، لأنه يمثل قاعدة للاتفاق بين الطرفين لحل مشكلة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في هذه المرحلة على الأقل، وتطوير التحالف الاستراتيجي والأيديولوجي بين الإدارة الأمريكية والائتلاف السياسي الحاكم لإسرائيل فيما سمي بالحرب على الإرهاب ومساعي الهيمنة المشتركة على المنطقة.

لقد عانينا كثيرا على كل المستويات من ائتلاف الليكود وحزب العمل في السابق، وسنعاني كثيرا على المستويات السياسية والإقليمية والدولية إضافة للمحلية.

إن كل هذا يضع الشعب الفلسطيني وقيادته وقواه أمام تحديات هامة ومباشرة، يأتي في مقدمتها أولا محاولة تدويل مشروع شارون الانفصال من جانب واحد من خلال الحديث عن ربطه بخارطة الطريق مع أن شارون لا زال يرفض حتى الآن اعتباره جزءا منها ويحافظ على كونه مشروعا سياسيا إسرائيليا منفصلا عن آلية مشروعات أخرى، والضغط على الفلسطينيين للتعامل الأمني معه بدون اخذ ما يترتب عنه من نتائج على الضفة وعلى التسوية الشاملة،
وثانيا تزايد الحديث في الأوساط القيادية الأمريكية "كيسنجر، بيكر وآخرين" عن صعوبة وصول الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الاتفاق، وبالتالي على الإدارة الأمريكية أن تضع تصورها للحل وتحاول فرضه على الطرفين،
وثالثا سعي أطراف دولية وعربية وبعض الإسرائيلية لإدخال الفلسطينيين كشريك ولو من البوابة الأمنية في مشروع شارون، وبعض الفلسطينيين في إيجاد موطىء قدم في هذا المشروع بذرائع وحجج مختلفة،
ورابعا محاولات دفع الساحة الفلسطينية للتخلي عن حق المقاومة وبشكل أدق عن حق المقاومة المسلحة والمطالبة بوقف التحريض وتغيير المناهج إلى آخره، رغم ما قد يترتب على هذا من نتائج سلبية على الوحدة الوطنية وعلى مركز وأوراق قوة الطرف الفلسطيني في أية مفاوضات قادمة، متجاهلين أن وجود الاحتلال بكل أشكاله هو السبب الأساس للصراع، تحريض إلى اخره،
وخامسا محاولة إغراء الطرف الفلسطيني بدولة مؤقتة غير محددة زمنيا بالدخول في الحلول الجزئية والمؤقتة طويلة الأمد، وتأجيل القضايا الأساسية اللاجئين، القدس، المستوطنات، الحدود، سيادة دولة فلسطين، والذي كان تأجيلها السبب في فشل اتفاقات اوسلو وفي انفجار الصراع بكل أشكاله عام 2000.

إن مجابهة هذه التحديات المباشرة والتحديات الأساس المتمثلة بالاحتلال ومتطلبات دحره وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وضمان عودة اللاجئين استنادا لحق الشعب الفلسطيني الطبيعي وللشرعية الدولية وميثاقها وقراراتها ذات الصلة باتت تتطلب من الشعب الفلسطيني وقواه وقيادته أكثر من أي وقت مضى رص الصفوف في الوطن والشتات والاتفاق على استراتيجية عمل سياسية وكفاحية واحدة لتشكل قاعدة لاسترداد المظاهرة السياسية وللتحرك السياسي على مختلف الصعد وفي كل الاتجاهات وتوحيد جميع القوى في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وتحت إمرة قياداتها الموحدة، واستمرار العمل الذي بوشر فيه لإعادة بناء نظامنا السياسي ومؤسساتنا الوطنية على أسس ديمقراطية انتخابية تضمن مشاركة جميع قوى وفعاليات الشعب السياسية والاجتماعية في صنع القرار الوطني والمسؤولية عن تنفيذه، واستنادا لهذا ولصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة للاحتلال يمكننا التعامل مع التطورات السياسية المرتقبة والتحركات السياسية الدولية المتزايدة، والساعية للبحث عن تسوية للصراع ويمكننا تعزيز مواقعنا ومواقفنا وتحالفاتنا السياسية عربيا ودوليا بالتوازي مع العمل الدؤوب لدمقرطة نظامنا السياسي وترتيب بيتنا الداخلي.

عبد الرحيم ملوح
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
(معتقل في السجون الصهيونية)
18\12\2004

 



الكاتب: عبد الرحيم ملوح
نشرت على الموقع بتاريخ: 01/01/2005