إغلاق
 

Bookmark and Share

الحركة الصهيونية كمشروع غربي ::

الكاتب: أ.د عبدالوهاب المسيري
نشرت على الموقع بتاريخ: 19/01/2005


ذيلية الفكر والممارسة
الحركة الصهيونية كمشروع غربي

شهدت الحركة الصهيونية تغيرًا في إطار من الثبات، وأزعم أن جوهر الحركة الصهيونية هو "الذَّيْليَّة" للحضارة الغربية، سواء على مستوى الفكر أم على مستوى الممارسة، فعلى مستوى الممارسة نرى أنه ما كان للمشروع الصهيوني أن ينفذ بدون إمكانات الإمبريالية الغربية التي قامت بنقل المستوطنين وبحمايتهم من خلال الانتداب البريطاني كما قامت أيضًا بدعمهم بالأسلحة، وهكذا فإن كل هذه المساعدات كانت جزءاً من العملية الإمبريالية، ولم يكن للمشروع الصهيوني أن يتم إلا من خلال مساعدة الدول الرأسمالية الغربية الإمبريالية التي قامت بغزو العالم بأسره، فالصهيونية من هذا المنظور وهو الممارسة حركة ذيلية مائة في المائة.

إسرائيل دولة وظيفية
يقال إن الصهيونية على مستوى الفكر - حركة يهودية، ولكنني أرفض هذا القول، وأزعم أن الحركة الصهيونية هي أيضًا "ذيلية" على مستوى الفكر، حيث إن الفكر الصهيوني كان في جوهره وبدايته ذا نزعة بروتستانتية، ومن ثم كانت له "ديباجات" بروتستانتية ثم أصبحت له ديباجات علمانية غربية، وصار جزءاً من المنظومة الغربية، وقد رفضه اليهود حتى نهاية القرن التاسع عشر حين تفاقمت أزمة المسألة اليهودية في بلاد شرق أوروبا، وازداد خوف كثير من اليهود في وسط أوروبا وغربها من فيض المهاجرين اليهود من شرق أوروبا كما هو الحال الآن حيث تخاف أوروبا من هجمة شعوب شرق أوروبا - مما أدى إلى وضع الصيغة الصهيونية وظهورها بين اليهود وتبنيهم لها، بمعنى أن الصيغة الصهيونية بدأت في الأوساط البروتستانتية الحرفية ثم أصبحت جزءاً من المشروع العلماني الإمبريالي الغربي، ولم يتبنها اليهود إلا في مرحلة لاحقة، وهكذا فإن الصهيونية تصبح حركة ذيلية على مستوى الفكر وعلى مستوى الممارسة أيضًا.

إن الحركة الصهيونية سواء ذات الديباجات المسيحية أم ذات الديباجات اليهودية أدركت منذ بداياتها أن العنصر اليهودي الذي سينقل إلى فلسطين ليس مهما في حد ذاته،  وإنما هو ذيلي للحضارة الغربية يقوم على خدمتها نظير أن تقوم هي بحمايته، أي أن اليهود هنا يُنظر إليهم باعتبار أنهم "وظيفة" فحسب، وهنا يمكن لنا أن نطرح فكرة "التغير داخل الثبات"، حيث إن "مضمون" الوظيفة يتغير "لكن الوضع الوظائفي" يبقى كما هو ولا يتغير.

فالدولة اليهودية دولة وظيفية أسسها الاستعمار الغربي لتقوم على وظيفة، فبدأت أولاً بوظيفة الهجوم على الاشتراكية العربية والقومية العربية، وبعد تساقط هذا المضمون أصبحت وظيفة الدولة اليهودية، الهجوم على الإسلام، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وبدايات ما يسمونه الخوف من الأصولية الإسلامية، حيث غيرت (إسرائيل) من مضمون وظيفتها وقامت بوظيفة جديدة، ففي إطار الحرب الباردة كانت (إسرائيل) تقوم بوظيفة التصدي للاتحاد السوفييتي والنظم القومية العربية، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي لاتزال تقوم بوظيفة، وهذا هو العنصر الثابت، أما المتغير فهو مضمون الوظيفة.

وهكذا فإن ما يطرأ على الفكر الصهيوني من تغيرات هي تغيرات ثانوية للغاية، فالفكر الصهيوني عبارة عن "ديباجات" وهو في نهاية الأمر يقوم على خدمة الغرب، وقد تم نقل المستوطنين اليهود إلى فلسطين لكي يقوموا بوظيفة لخدمة الغرب، هذا هو الأساس، فالفكر الصهيوني يفرز ديباجات مثل "لقد عدنا إلى أرض الميعاد بناء على ما جاء في التوراة والتلمود"…. إلخ، ومن حقهم أن يقولوا ذلك فالنهاية عبارة عن "ديباجات"، والبنية الأساسية هي أن اليهودي تم نقله إلى فلسطين بوظيفة، فهو عنصر وظائفي لا أكثر ولا أقل، ومن ثَمَّ فإن التغيرات على مستوى الفكر ليست مهمة.

تغيرات متوقعة

يبقى أن نشير إلى التغير الذي سوف يحدث قريبًا، وهو أن الدولة اليهودية في تصوري- سوف تقلل من حدة النبرة اليهودية وتتبنى نبرة أكثر ليونة ومرونة، في إطار النظام العالمي الجديد وفي إطار التصدي للأصولية الإسلامية حتى يمكن للنخب العربية أن تتعامل معها أمام شعوبها.

و(إسرائيل) تعلم في نهاية الأمر أنها لو أصرَّت على لونها اليهودي "الفاقع" – وسوف نُصِرُّ نحن على لوننا المسلم الفاقع أيضًا فذلك من قبيل محاولة الاختراق ومن قبيل محاولتها القيام بوظيفتها على أكمل وجه، إذن سوف تقلل من نبرتها اليهودية في أدبياتها وادعاءاتها، بحيث يستطيع المسافر الإسرائيلي أن يتحرك في البلاد العربية بسهولة ويُسْر باعتبار أنه رجل يود البيع والشراء ولا يحمل أية أوهام يهودية، ولا علاقة لما يحمله من توجهات يهودية بالتعامل الاقتصادي، وهذه هي سياسة النظام العالمي الجديد، حيث لا توجد هوية ولا توجد أخلاقيات ولا يوجد دين، إنما توجد المصالح الاقتصادية فقط.

وأنا أرى على عكس الكثيرين - أنه لا يوجد "شيء" يسمى اليهود بشكل مستقل، ولا توجد حركة صهيونية بشكل مستقل عن الحضارة الغربية، سواء على مستوى الفكر أو على مستوى الممارسة، كما أن جوهر الاستراتيجية الصهيونية هو أن تظل قادرة على الاضطلاع بوظيفتها، وعلى اقتناع الغرب أن لها وظيفة هامة وحيوية بالنسبة له؛ لأن الغرب لو شعر في لحظة من اللحظات أن (إسرائيل) ليس لها وظيفة فسوف يتركها للعرب ولمصيرها الأسود، فلابد لـ (إسرائيل) باستمرار أن تُظهر للغرب أنها تقوم بوظيفتها، وقد أشرنا آنفًا إلى ما حدث مؤخرًا من تغير في التوجه ضد القومية العربية وأصبح التوجه ضد الإسلام، وهذا دليل على الذكاء الصهيوني في هذا المجال، حيث غَيَّر بسرعة وظيفته، وما حدث في حرب الخليج يؤكد ذلك، حيث طلب من (إسرائيل) ألا تحارب وأن تتحمل الصواريخ؛ لأنها لو حاربت إلى جانب قوات التحالف لتسبب ذلك في إيذائها كثير، و(إسرائيل) أدركت هذا ومن ثَمَّ فقد قبلت أن تتلقى الصواريخ العراقية والباتريوت الأمريكي للدفاع عنها، وهذا الموقف كان "فضيحة للإسرائيليين أمام أنفسهم" لأنه أظهر لهم وظيفتهم وأنهم في نهاية الأمر "قطع غيار".

ضمور الفكر الصهيوني

مع تصاعد إدراك الإسرائيليين "لوظيفتهم" فإن الفكر الصهيوني أصبح في حالة "ضمور" شديدة على عكس ما يتصوره الكثيرون، حيث إن المؤتمر الصهيوني الأخير لم يحضره جماهير لتنتخب، ولم تحدث أية انتخابات، ومن ثم بقى الأعضاء كما هُم، مما يدل على الانصراف الكامل عن هذا المؤتمر، وعندما ذهبوا إلى (إسرائيل) لم تكتب الصحافة الإسرائيلية كلمة واحدة عن المؤتمر؛ لأن الحركة الصهيونية لم تَعُد تدفع لـ (إسرائيل) أموالاً.

ولأن اليهود يحتفظون بأموالهم، بالإضافة إلى أن حجم المساعدات الغربية لـ (إسرائيل) أصبح من الضخامة بحيث إن ما يدفعه اليهود من "ملاليم" أصبحت غير ذات قيمة، فمساعدات يهود العالم لـ (إسرائيل) عند بداية الدولة اليهودية كانت تبلغ 60% من إجمالي المساعدات والآن لا تتجاوز 5% فقط، كما أن عدد المهاجرين اليهود قد تناقص والحركة الصهيونية لا تستطيع أن تستقدم مهاجرين إلى (إسرائيل)، إضافة إلى أن معظم القيادات الصهيونية لا تهاجر مما أحدث "ضمورًا" للحركة الصهيونية، ترددت معه في السنوات الأخيرة مع انعقاد كل مؤتمر صهيوني مقولة "هل انفض المولد الصهيوني".

تغير الاستراتيجية الصهيونية

بالنظر إلى وظيفة الدولة اليهودية فإننا يجب أن ندرك أن الدولة اليهودية تمارس وظيفتها في حالة دينامية مستمرة؛ لأنها تغير وظيفتها ورؤيتها لنفسها باستمرار، فعلى سبيل المثال استراتيجية التوسع الصهيوني التي كانت إحدى ثوابت الاستراتيجية الصهيونية لم تعد مهمة، ومسألة ضم السكان والأرض لم تعد مهمة؛ ولذلك فأنا أتوقع أنهم سوف يسمحون بإنشاء دولة فلسطينية في مرحلة قادمة، حيث إن الدولة الفلسطينية لا تعدو أن تكون علمًا فلسطينيًّا ونشيدًا وطنيًّا، وهذا لا يغير كثيرًا من الأمور، ودولة فلسطينية بلا سيادة لا تعني شيئًا، حيث تعمد (إسرائيل) خلال العامين القادمين إلى تكبيل الدولة الفلسطينية المستقلة باتفاقيات اقتصادية وهيمنة على الموارد والمياه وتخلق داخلها "لوبي".

عندئذ سوف تصبح الدولة عبارة عن مجموعة من "الدراجات النارية" التي تسير أمام رئيس الجمهورية، حيث لن يكون لها حق الدفاع عن سيادتها أو تكوين جيش وغير ذلك، ومن هنا تأتي أهمية إدراكنا لعدو في حالة دينامية؛ لأنه بالفعل دينامي في فكره، فلم تَعُد مسألة الحدود تزعجه حيث إنه يستطيع أن يعمل علاقات اقتصادية مع السعودية وقطر وعُمان تقدر ببلايين الدولارات، وهو لا يريد توسعًا أرضيًّا، فماذا يستفيد من مائة فدان في الأردن؟ وقد بدأت (إسرائيل) الآن عمليات تعاون عسكري مع الدول العربية، فلم تعد بحاجة إلى التوسع، وسوف تسقط التوسعية الصهيونية ويتغير كثير من ثوابت الفكر الصهيوني.

ملامح مرحلة جديدة

نحن الآن دخلنا مرحلة جديدة ومختلفة تمامًا، فأنا أرى أنه في الماضي كان الصراع بين "السفارد" و"الإشكناز" (الشرقيين والغربيين) مهمًّا للغاية، وفي المرحلة القادمة لا أدري هل سيبقى هذا الصراع مهمًّا أم لا؟ حيث يمكن في المرحلة الحالية أن يصبح السفارد وسطاء بين الكيان الصهيوني والعالم العربي، ومن ثَمَّ سوف يحققون حراكًا اجتماعيًّا قويًّا للغاية، وأعتقد أننا مقبلون على مرحلة جديدة تُقَسَّم فيها المشكلات التي نواجهها، وعلينا أن ندرك طبيعة هذا التوجه الجديد.

وفي نهاية الأمر فإن الأمور تتوقف على مدى قدرة العالم الإسلامي على التجمع والقيام بحركة جهاد مناهضة لهذا الزحف، وإن لم ننجح فإننا مقبلون على مرحلة تُقَدَّم فيها دويلات وإثنيات وعرقيات مختلفة، وستصبح (إسرائيل) القائد و"المايسترو" الأعظم في هذا الإطار، ولعل اندفاع مصر - منذ سنوات قليلة - نحو المغرب يبين هذه الصورة الكئيبة، حيث تجري مصر "أم الدنيا" إلى المغرب ترجوه أن يسمح لها بالانضمام إلى اتحاد المغرب العربي؛ لأنها أدركت بعد توقيع سلسلة من الاتفاقيات أنه ليس لها مكان، وأن "سنغافورة العربية" التي تتكون من فلسطين وإسرائيل والأردن سوف تهيمن على الخليج، والسودان في حالة عراك مع مصر، وليبيا تحت الحظر، وليس من المستبعد أن تجري مصر بعد قليل إلى قبرص أو موزمبيق، فنحن مُفْتقِدون للرؤية، وسوف يظل الوضع هكذا إلا إذا قررنا أن نصبح أمة مرة أخرى.


اقرأ أيضا
من هم الصهاينة؟/ أسباب ظهور النظام العالمي الجديد/ شارون.. مسيح مخلص أم دجال؟ / تواصل مع إخوانك فى فلسطين من خلال باب جسر التواصل.

 



الكاتب: أ.د عبدالوهاب المسيري
نشرت على الموقع بتاريخ: 19/01/2005