إغلاق
 

Bookmark and Share

السـنوات الأولـى للطفولــة ::

الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/08/2008


بداية الحياة: موت الـوليــد

نظـرة عامـة علـى تطـور الطفـل والمـراهق
إن تطور الطفل والمراهق يمثل أمراً معقداً بالنسبة لنا، إذ أن هناك مجموعة من الأنظمة systems والمناظير perspectives التي يجب أن تشبك وتحاك مع بعضها لأجل فهم أي طفل أو مراهق، وعلى الطبيب- من أجل فهم الطفل- أن يُركِّب جميع هذه الأنظمة مع بعضها، وبعد أن يفهم الطفل ما استطاع، عليه أن ينقل فهمه هذا للطفل وللعائلة وللمدرسة. ولكي أوضح ذلك تعالوا معي لبدء رحلة ننظر من خلالها إلى مجموعة هذه الأنظمة كل على حدة، بهدف أخذ فكرة عامة قبل أن أدخل في مناقشة تفصيلية لسنوات الطفولة والمراهقة.

المنظـور النفسـي
* تطــور الذكاء
إن نظرية القزم Homunculus Theory كانت مقبولة بشكل عالمي حتى وقت قريب، وهذه النظرية تقول أن داخل نطفة الرجل يوجد شخص حجمه صغير جداً، لكنه شخص كامل التطور، وهو بحاجة فقط للتغذية في رحم الأم كي يكبر. ففي القرن التاسع عشر كانت هذه الفكرة بأن الطفل ليس سوى شخصاً راشداً بحجم صغير رائجة، لكن منذ عقود قليلة بدأنا بالاعتقاد أن الطفل ليس فقط مختلف عن الراشد بل أن كل طفل يختلف عن الطفل الآخر، وعلى سبيل المثال: أحد مبادئ الثورة الفرنسية يقول أن جميع الأشخاص خلقوا متساوون ونتيجة لهذه الفكرة النبيلة يجب توفير فرص تعليم متساوية لجميع الأطفال. لكن الحكومة الفرنسية وجدت أنه رغم إعطاء الأطفال فرصاً متساوية إلا أنّ بعضهم تعلم وبعض آخر لم يتعلم، مما حدا بها الطلب من Alfred Binet دراسة هذه المشكلة؛

وقد قام العالم بطرح أسئلة ومسائل يستطيع طفل عادي في الصف الأول والثاني الابتدائي أن يجيب عليها، ووجد أن هناك اختلافاً كبيراً وجوهرياً بين قدرة الأطفال على اكتساب المعرفة وعلى التعلم. وبعد ذلك أصبح ممكناً أن نضع معادلة عامة للعمر الفكري Mental Age متوافقة مع العمر الزمني، وبالتالي الحصول على كسر أصبح معروفاً تحت اسم حاصل الذكاء I.Q. وهكذا فإن طفل عمره 10 سنوات ويعرف معلومات بقدر طفل عمره 7 سنوات ولا يعرف معلومات بقدر طفل عمره 8 سنوات سيكون عند I.Q. يعادل 70%

* التطور النفسي الجنسي والعاطفي
رغم أن Binet درس هذه النواحي، فإن Freud كان أكثر اهتماماً بالسؤال عن سبب WHY اضطراب التفكير عند الأشخاص المضطربين عاطفياً، وهنا ظهرت أهمية العقل اللاشعوري Unconscious Mind (وهو جزء من الكيان الإنساني غير مشعور به). ومن المساهمات التي قدمها فرويد Freud تحديد مراحل التطور النفسي الجنسي في الطفولة وذلك في سياق تتبعه التدريجي والشاق للمرض الانفعالي عند الراشدين، إذ ربط بين التناقضات ومواقف الخطر خلال المراحل الأولى من التطور على أنها تلعب دوراً كبيراً في تشوه الاضطراب الانفعالي لاحقاً عند الراشدين.

* تطور الأنا والعلاقة مع المواضيع
وصف Freud مراحل تطور الأنا والعلاقة مع المواضيع خاصة المرحلة الأوديبية إلى ثلاث مراحل: المرحلة الذاتية، والمرحلة التعايشية، ومرحلة الانفصال وتكوين الفردية (التفرد).

* تطــور الاسـتعراف
يعتبر piaget من أهم العلماء المشاركين الذين وضحوا التطور الإنساني، وبعكس I.Q. أو غيره من الاختبارات التي تدلنا بصورة أساسية على ماذا تعلم الشخص What an individual has learned فإن وصف piaget للتغييرات المتتابعة في الاستعراف تدلنا على الطريقة التي يفكر بها الشخص ويتعلم How an individual learns and thinks وليس على مقدار ما يعرفه، وبسبب اندهاشه بما يعرف "بالأخطاء" التي يرتكبها الأطفال (مثلاً إذا سئل طفل عمره 4 سنوات عن سبب جريان النهر فربما يياب أن هناك رجلاً يجدف فيه!) فإن piaget وصف المراحل التي يمر بها الطفل في تفكيره وبين الاختلافات في عملية التفكير بين مرحلة وأخرى، إن أعمال piaget هامة ليس بالنسبة للمربين فحسب بل لكل من يتعامل مع مشاكل اضطراب التفكير.

المنظــور البيـولـوجــي
* التطـور الجســدي
إن طبيب الأطفال Amold Gesell كان أحد المساهمين الفاعلين في معرفتنا للتطور الجسدي عند الأطفال، ومن البديهي أن نعرف مدى تأثير المواهب الفطرية الجينية (genetic) والتطور الجسدي على الحالة الانفعالية، فعلى سبيل المثال تعتبر المدرسة الثانوية مكاناً ممتازاً لدراسة تلك التأثيرات. إن الطفل المصاب بتأخر في البلوغ يعاني من مرحلة صعبة، فذقنه ووجهه خاليان من الأشعار وأعضاؤه التناسلية ما زالت طفولية مقارنة مع رفاقه في الصف، إن شعوره بعدم الأمان يكون شديداً. وعلى العكس فإن فتاة عمرها 11 سنة وأتمت بلوغها ربما تشعر بالسعادة وكانت موضع حسد في صفها، لكنها غالباً ما تؤذي نفسها بسبب ما قد يجلبه نضوجها المبكر من مشاكل جنسية عليها مع الذكور الأكبر سناً أو الرجال.

* التطـور العصبـي
مع الأسف، هذا القسم من التطور يبقى أقل الأجزاء فهماً ومعرفة، والسؤال أين يفكر الطفل Where a child thinks ما زال مجهولاً، فالمعلومات السريرية موجودة لكن الإطار الجامع والموجه لهذه المعلومات ما زال مفقوداً. فطفل في عمر 12 سنة يعاني أذية شديدة في الفص الصدغي مذ كان في عمر 8 سنوات أحدثت عنده اضطراباً شديداً في الذاكرة، هذا الطفل استطاع أن يحتفظ بالمعلومات التي عرفها قبل الإصابة لكنه فقد ذاكرته الأوتوماتيكية automatic memory، أي أنّه لا يعرف كيف أتى إلى العيادة، بالسيارة أم الباص، مع أبيه أم أمه!.

لقد احتفظ هذا الطفل بجميع المهارات التي اكتسبها قبل حدوث الإصابة لكنه فقد القدرة على اكتساب مهارات جديدة بعد الإصابة، إن نمط تفكيره كان لطفل في الثامنة من عمره وليس لطفل في الثانية عشرة من عمره. وهكذا نرى أن تطور الاستعراف ربما يرتبط بتبدلات في قشرة الدماغ. لكن قبل أن نستطيع أن نحدد بدقة ما هي التبدلات في القشرة الدماغية علينا أولاً أن نوضح أنّ القشرة مقسمة وظيفياً إلى مناطق تقوم كل منها بأداء وظيفة محددة ولا تقوم بغيرها. إنّ الكثير من الأبحاث تجري في مجال الطب النفسي العصبي لكنها لا تزال في بداية الطريق، ومن العلماء البارزين في هذا الحقل العالم الروسي Luria الذي صنّف القشرة الدماغية إلى ثلاث وحدات وظيفية functional units :
1) المناطق المسؤولة عن الصحو والنوم والحالة العامة من اليقظة.
2) المناطق المسؤولة عن تلقي الاستقبالات الحسية وتحويلها لنماذج من الاستجابة.
3) المناطق المسؤولة عن تحليل وتركيب المعلومات بحيث يمكننا أن نفكر بطريقة مجردة ونستعمل الرموز ونستخدم الوظائف الاستعرافية الأخرى.

إن إصابة هذه المنطقة الثالثة لن تمنع الشخص من الرؤية والسمع والذوق والإحساس لكنها ستعيقه عن أداء أي نوع من التفكير الذكي intelligent thought. وهناك مجموعة من العلماء الذين عملوا مع أطفال مضطربين انفعالياً بشدة ومصابين بالذهان، ووصفوا عدم قدرة هؤلاء الأطفال على ربط ودمج المعلومات الواردة من إحساسات مختلفة.

إن هذه المنطقة الثالثة تختص بهذه الوظيفة، وعلى الرغم من انعدام الدليل على وجود إصابة عضوية عند هؤلاء الأطفال المصابين بالذهان، فإننا نجد في أعمال Luria منطقة محتملة تقوم بهذه الأعمال، وربما كانت مصابة عند الأطفال الذين يعانون من الذهان، إن هناك الكثير من الأعمال والأبحاث التي يجب أن تجري قبل أن نفهم العوامل المسببة وآلية حدوث الذهان عند الأطفال وحتى آلية الفشل الدماغي الأصغري minimal brain dysfunction .

جـدول مراحـل التطــور

المراحل الزمنية المراحل النفسية مراحل تطور الأنا مراحل التطور الجنسي مواقف الخطر البدئية مراحل تطور الاستعراف
للحياة الاجتماعية (إريكسون) والعلاقة مع المواضيع (فرويد – ماهلر)  النفسي ومناطق اللذة البدئية (فرويد) فرويد  ( بياجيت )
الرضيع (من الولادة حتى 18 شهر)  الثقة الأساسية مقابل عدم الثقة الذاتية التعايشية بدايات الانفصال وتكوين الفردية (التفرد) الفموية (الفم والجلد) الخوف من فقدان الموضوع  الحسية الحركية (من الولادة حتى 24 شهر)
الدارج (18 شهر حتى 3 سنوات) التلقائية مقابل الخجل والشك  اكتمال الانفصال وتكوين الفردية الشرجية (الشرج والإحليل) الخوف من فقدان حب الموضوع ما قبل الإجرائية (2 – 7 سنوات)
طفل ما قبل المدرسة (3 -6 سنوات) المبادرة مقابل الشعور بالذنب الأوديبية  "القضيبية " (الأعضاء التناسلية) الخوف من أذية الجسم قلق الخصاء عند الذكور الخوف من الإيلاج والتشويه التناسلي عند الإناث  ما قبل الإجرائية (2 – 7 سنوات)
طفل المدرسة سنوات حتى البلوغ المثابرة مقابل الدونية "الكمون" "الكمو " (الفكر) الخوف من تأنيب الضمير الإجرائية العيانية (7 – 11 سنة)
المراهق (من البلوغ حتى نهاية العقد الثاني أو بداية الثالث) الهوية مقابل تبعثر الدور المراهقة "التناسلية" (الجماع الجنسي مع النشوة)    الإجرائية المنهجية (11 سنة فما فوق)

                                               وللحديث بقية.............
المصدر: المجلة الإلكترونية للشبكة العربية للعلوم النفسية



الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/08/2008