وصلتنا هذه الاستشارة من خلال بريد المشاركات واخترنا عرضها لطرافة القصة وأسلوب صاحبتها الفريد:
ماذا يريد مني؟
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛ أريد أن أشكركم أولا على هذا الموقع الممتع والمفيد في آن واحد. وسؤالي هو ببساطة واختصار هو أنه هناك شاب هو جار لي وكان يدرس معي في الثانوية العامة, والذي يبدو عليه الحياء والخجل والخوف, المهم أنه وبعد مضي خمس سنوات على أيام المدرسة, قال لي مؤخرا أن عائلتي فريدة من نوعها وأنه يحترمني, فلم أفهم لماذا قال ذلك, فأنا أنتظر من حضرتكم تفسيرا وجوابا وشكرا لكم ثانية, مع تمنياتي لكم بالتوفيق.
18/12 2005
صديقتنا العزيزة.. كلام هذا الجار يوضح على محملين: أحدهما أنه مجرد حوار عابر بين جيران منذ زمن، والثاني أنه يود التقدم لطلب يدك من أهلك مثلاً ويقدم لك بطريق غير مباشر.. غير أنه على أي حال، لا يطلب منك أن تفكري كثيرًا في الموضوع فسواء كان الحديث عابرًا أو مقصودًا فإنه لا شيء عليك لتفعليه، ولا تشغلي بالك بهذه الكلمة العابرة، فإن تفكيرك المغرق في ذلك الجار على أنه يتودد لك ربما يكون تفكيرًا خاطئًا وتصدمين فيما بعد..، لتكن علاقتك بهذا الجار رسمية كما هي ولا تبدي أي تغير أو استغراب، فمثل هذه الكلمات معتادة بين الجيران، فاطمئني، ماذا عن دراستك، هواياتك.
صديقاتك.. في الحياة الكثير مما يمكن أن يشغلنا غير كلمة عابرة، فلا تضيعي وقتك يا ابنتي، وإن كان هناك أي شيء من ناحيته سيظهر في موعده، وسيذهب إلى عائلتك على الفور.. كوني بخير، وأهلاً بكِ.
* وبهذه السطور كانت ابنتنا هدى الصاوي قد قامت بالرد على صاحبة الاستشارة، ثم أرسلت الأخيرة التفاصيل:
شكرا جزيلا على الرد, ولكن...
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. لا أعرف حقيقة كيف يمكن لي أن أعبر لك سيدي الدكتور وائل أبو هندي عن امتناني لك وشكري الجزيلين لاهتمامك, فلا يمكنك أن تعرف مدى فرحتي بردك على رسالتي, فشكرا لك ولوقتك الثمين وأنا متأكدة أن أجرك عند الله عظيم, لأن كل ما تفعله لوجهه تعالى, وليس هناك ما هو أجل وأبقى وما هو أعظم عنده سبحانه من عمل كان لوجهه, فأدعو الله العظيم أن يأجرك في الدنيا والآخرة بوعيده وبشراه من رزق حسن وقرة أعين.
ردك دكتور وائل قد مدني دفعا وأملا جديدين لمتابعة الحياة بشقائها وفرحها, كما شجعتني على أن أروي لك القصة كاملة لأنها فعلا أرقتني وأثرت مؤخرا قليلا على دراستي, خاصة وأني في السنة النهائية للتخرج.
القصة سيدي بدأت في الثانوية العامة حيث انتقلنا من مدينة إلى أخرى بسبب مهنة الوالد, لكن هذه المرة لم ننتقل جميعنا, فلقد كان والداي في منطقة وأنا وأخي في أخرى مع العلم أن أخي لم يكن متواجدا في المنزل إلا في وقت متأخر قليلا من الليل بسبب دراسته, مع الزيارات لوالدي من حين لآخر وأمي كانت بين هنا وهناك.
المهم كنت أعود من المدرسة إلى البيت أجد نفسي وحدي في بيت طويل عريض فكنت أبكي بحرارة من الوحدة الموحشة. كما أني كنت انطوائية في المراهقة بسبب كثرة الترحال, إضافة إلى أني لا أحب كثرة الكلام, مما جعلني غير قابلة لجذب أي صداقات مع البنات وبالطبع لا يمكن مصادقة الشباب المهم أني تعرفت على زميلة لي كما أنها جارتي,عرضت علي أخذ دروس إضافية عند أستاذ في حيّنا ضمن مجموعة من أبناء الحي الذين هم في الثانوية العامة وكان من بينهم ذلك الشاب بطل هذه القصة والذي يكون ابن عمها.
لقد كنا يا دكتور قبل دخولنا للحصة ننتظر الأستاذ عند مدخل البناية التي نأخذ فيها الدروس وكنا نتبادل الأفكار والآراء حول بعض الدروس بشكل جماعي وكنت أنا والشاب ذاك أكثر حديثا مع بعضنا من الآخرين ولكن رغم تلك الأكثر فكلامنا كان قليلا جدا بسبب طباعي التي سبق ذكرها وطباعه هو التي كانت تؤلمه أشد الألم والتي جعلته وحيدا وبعيدا عن الجميع, فهو يا سيدي الكريم من عائلة تعاني من أعباء وأوضاع مالية سيئة جدا لأن والده كبير في السن متقاعد إضافة إلى مرضه الذي يسبب إزعاجا لكل العائلة ألا وهو الزهايمر, إضافة إلى العدد الكبير في أفراد أسرته.
مع العلم أن كل هذه المعلومات لم أحصل عليها منه وإنما مما كنت أراه وبعضها من قريبته, المهم كنا ندرس في نفس الثانوية, والتي كانت تجمعنا فيها نظرات الاهتمام المتبادلة من بعيد والمصحوبة بنظرات المراقبة لمعرفة إن كان الآخر يكلم الجنس الآخر أم لا وأنت تعرف أفكار المراهقين البريئين منهم.
ونحن على هذا الحال حتى ظهرت نتائج الثانوية العامة, حيث نجحت أنا ورسب هو. من هنا انطلقنا إلى مرحلة أخرى حين كنت مارة قاصدة بيتنا من الطريق الذي يجمع الحي وحيث كان منزلهم, فجأة ناداني باسمي بصوت مرتفع فاستدرت حييته وأردت أن أكمل طريقي فجاءني مسرعا سألني في أي فرع أدرس, ثم قال لي بأنه مكتئب لأنه لم يتمكن من نيل الشهادة وكان يبدو كذلك فعلا, إضافة إلى إحساسه بعجزه وضعفه الظاهرين بوضوح تام وأخبرني بأنه يعمل, قلت بان ذلك شيء جميل فقال لي أوليس ذلك أفضل من الدراسة قلت له افعل الاثنين معا وكان ذلك إلى أن تحصل في ذلك العام على الثانوية العامة ودخل الجامعة.
وواصل في نفس المنوال من عمل ودراسة, وكنا نتقابل في شارع حينا من حين لآخر صدفة طبعا نتبادل لبعض الدقائق مستجدات كل واحد منا. إلى أن التقينا العام الماضي ولا أظنه لقاءا عفويا وأخبرني أنه يريد أن يواصل دراسته وقال, هكذا كي أصبح أنا مهندسا وأنت تحصلين على الليسانس. رغم أن ليس لهذه الجملة أي دخل ولا معنى غير التلميح. ومع بداية هذا العام والذي هو النهائي بالنسبة إلي التقينا وبينما نحن نسال عن أحوالنا وكان هو ينظر إلي لاحظت تغير في تعبيرات وجهه وفي نفس الوقت أخرج من جيبه هاتفه النقال ثم أدخله وكأنما أراد أن يوصل لي معنى معين قلت له ألديك هاتف,قال نعم, أعطيك الرقم, قلت نعم.
ترددت كثيرا بعدها في مكالمته وخفت خوفا شديدا ولكن ما كنت فيه من حيرة بالنسبة لما هو بيننا وخاصة أني منذ أن عرفته لم أصبح أعرف الدنيا كما يعرفها من هم حولي, فهي بالنسبة لي جهاد وكفاح من أجل الحق ونصرته, وأنها يجب أن تكون كذلك لأنه تعالى قال بأنه ما خلق السموات والأرض باطلا وأنه تعالى لو أراد لهوا لاتخذه من عنده, كما أنه جل جلاله أقسم على أن الإنسان في خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
المهم ومع أني علمت أنه من الخطأ الاتصال به, لكن لم أجد خيارا آخر لكي نوضح فيه الأمور. وكان الاتصال الأول حيث أنه لم يصدق أني اتصلت به وكانت فرحته كبيرة جدا وتشكرني كثيرا مع العلم أني سألته فقط عن أحواله لا أكثر وأمام تلك الفرحة لم أجد نفسي إلا أن اتصلت به مرة ثانية وثالثة وحتى الخامسة وكلها كانت لمجرد أن يشعر هو بقيمة نفسه وأنه ليس كما يظن بأنه عاجز وضعيف وأنه غير جدير باهتمام الآخرين, فحضرتك تعلم أن الناس مع من في جيبه.
المهم بعدها أقفل هاتفه لمدة 10 أيام هنا دخلت أنا في غيبوبة فكرية لأني لم أفهم لما فعل ذلك وانغمست أكثر وأكثر مع نفسي بين دراستي والكتب التي تجعلني في عالم آخر من اللاهوتية والنور الإلهي ككتب الإمام والمصلح محمد عبده فنسيت البيئة والوسط الذي أعيش فيه وكيف هم يفكرون.
واصلت محاولة الاتصال به لوضع النقاط على الحروف إلى أن رد علي وكان ذلك ما قاله لي بالضبط بأنه يريد وضع النقاط على الحروف وخاطبني بلهجة قاسية جدا ونبرة صوت مرتفعة قائلا لي لما تتصلين بي أنت, وهل تنتظرين مني شيئا معينا. قلت له بأني لم أفهم قصده. قال إني كنت أتصل به لمجرد الصداقة أني أنتظر منه شيئا آخر، قلت ليس لمجرد الصداقة. فقال أنه لم يفكر بي في حياته بنوع من الخصوصية وأنها قصة اختلقتها أنا من رأسي, وقال إن كنت أريد أن أتصل به لمجرد الصداقة فليس لديه مانع, ولكن شيء آخر فلا.
قلت له بأني لن اتصل به ولن أكلمه أبدا وانتهى. وفي اليوم الموالي وبينما أنا عائدة إلى البيت كان واقفا في الشارع وعندما راني من بعيد جلس على صخرة كانت مقابل الطريق الذي كنت قادمة منه ,وعندما وصلت أمامه نظرت إليه فوجدته كان ينظر إلي ثم ابعد نظره بسرعة فبقيت أنظر إليه حتى أعاد النظر فابتسمت له بحزن ورد لي ابتسامة مليئة بالحنان والرحمة ثم ابعد عيناه بسرعة.
وفي اليوم التالي وجدته ينتظرني وكان ينظر إلي بخوف وينتظر أن نتحاور كالعادة ولكني صددته ولم أكلمه, لقد جعلني في حيرة حقيقية. بعدها بأسبوع اتصلت به, قلت كيف الأحوال, قال لي من عندك فقط. سألته أن كان حقيقة ما قاله لي في المرة السابقة. فقال لي أنا قلت لك وأكدت أني أريد أن أضع النقاط على الحروف وأردت أن نوضح الأمور. ثم قال لي بأنه يتكلم مع جميع الناس وزملائه في الدراسة كما يتكلم معي أنا وقال كما إني بحياتي لم أعدك بوعود ولم أسأل عنك, قلت له إذن انتهى كل شيء, قال لم يبدأ أي شيء حتى ينتهي, قلت بالنسبة لي, قال بالنسبة لك أو لي أو لأي شخص آخر ليس هناك أي شيء. قلت إذن انتهى.
قال اسمعي, أنا احترمك كثيرا هبة, عائلتكم فريدة من نوعها. ثم قال لي أتعلمين ما يسمى هذا, قال هذا يسمى الفنون. وقال هل فهمتي. قلت نعم, مع أني ازددت حيرة على حيرة.
اسمح لي سيدي على الإطالة لكني لم أعد أفهم شيئا فهل أنا المجنونة أم هو المجنون, أم نحن الاثنان مجانين. عذرا دكتور وائل على الإطالة, ولكني شديدة السعادة لأني وجدت من يسمعني وسأكون أشد أن شرحت لي وفسرت لي كلام ذلك الشاب. وشكرا جزيل الشكر, والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
12/1/2006
|