إغلاق
 

Bookmark and Share

عندما يضطرب الوجدان فتضطرب الحياة ::

الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 14/12/2005

عندما شرعت في كتابة مقالي الاضطراب الوجداني سواء كان في صورة الاكتئاب أم صورة الهوس شعرت أنه تماشيا مع هذه السلسلة التي تهدف إلى تنبيه الناس لما قد يغفلون عنه من أمراض نفسية تؤثر على حياتهم وهم لا يدركون أنها تحتاج إلى علاج .......

رأيت أن أبدأ بصور من الاضطراب الوجداني قد يصعب اكتشافها لأنها قد لا تكون صورتها واضحة جلية مثل الحالات واضحة التشخيص من الاكتئاب والهوس وسيكون ذلك من خلال عرض لحالتين يوضحان ما أقول وتحققان الغرض الذي أريده .

الحالة الأولى : -
لطالبة في الصف الأول الثانوي حيث أحضرها أبوها إلى المركز لأنها لا تذاكر ومتمردة لا تسمع الكلام على حد تعبيره... وعاملة مشاكل كثيرة وكان هدفه من الزيارة أن يعرف كيف يتعامل معها وهي على أعتاب المراهقة ...

وبدا الأمر كذلك حيث تحدثت عن عدم رغبتها في المذاكرة لأنها لا ترى فائدة من ذلك وأنها تريد أن تعيش حياتها وتتعرف على الأولاد مثل باقي زميلاتها وأن هناك مشاكل كثيرة في البيت تدفعها لعدم التواصل معهم .. ودار النقاش في هذا الإطار معها ومع أبيها على أساس أنها مرحلة المراهقة وتحتاج إلى التفهم والحوار وما إلى ذلك ...

في الزيارة الثانية بدا الأمر وقد تفاقم ولكن الصورة كانت قد أخذت أبعادا جديدة ........... فالبنت تتحدث بلا مبالاة عن علاقاتها المتعددة مع الأولاد وكيف أن هناك قائمة طويلة تتصل بهم ويتصلون بها على المحمول وكيف أنها تجلس على المقاهي وكيف أنها تدخن الشيشة .... وعن استعدادها لفعل أي أمر يفرحها (يبسطها) ...

كانت تتكلم كثيرا وتضحك كثيرا ولا يبدو عليها أي إحساس بالمسئولية أو إدراك لنتائج ما تقوم به ... وبدأ اعتبار الأمر مشكلة سلوكية أو تربوية أو حتى بداية لاضطراب في الشخصية .. لا يكفي فكان الحل أن اعتبرها أحد حالات الاضطراب الوجداني والتي كان على أن أعالجها بمنسقات المزاج وهي مجموعة من الأدوية تعيد لمنحنى الوجدان تناسقه المنتظم كموجة بحر هادئة في صعودها ونزولها وشرحت الأمر للبنت بهدوء فاقتنعت بأخذ العلاج وتفهم الأب الموقف لتحضر بعد شهر وقد تغيرت صورتها تماما وسط استغرابها هي شخصيا فلقد قطعت أجندة التليفونات وامتنعت تماما عن الكلام في التليفون وعادت لتنتظم في دراستها ولتتعجب وتستنكر سلوكياتها السابقة بل ولتعرض على مشكلة أختها التي أصبحت تشك الآن أنها تعاني مما عانت منه وتطلب مني أن أتدخل لعلاجها .

الحالة الثانية : -
كانت لزوجة قد تعدت الأربعين من عمرها وعندها أولاد أحدهم في الجامعة والآخرون في مراحل الثانوي والإعدادي وهي حضرت لي لحل مشكلتها الاجتماعية حيث أنها على مشارف الطلاق وذلك لأن زوجها المسافر يتهمها بالخيانة وإقامة علاقة مع شخص آخر وأنها تريد فعلا الطلاق وهي جاءت من أجل مساعدتها على تجاوز أزمة الطلاق وآثاره ......... وأنها لشعورها بالفراغ العاطفي قد أقامت فعلا علاقة مع أحد الأشخاص ولكنها علاقة تليفونية مع بعض المقابلات في الأماكن العامة ولكن الأمر لم يتجاوز ذلك ولكنها تشعر بالرفض لزوجها

بدا الأمر لأول وهلة مشكلة زوجة تشعر بفراغ عاطفي جعلها تنزلق في علاقة غير صحيحة لغياب الزوج فبدأت في محاولة معرفة أسباب توتر علاقتها بزوجها وهل كان غيابه هو المشكلة أم أنه القشة التي قصمت ظهر البعير ... لتتحدث عن بداية ارتباطها به كيف كانت سعيدة بهذا الارتباط .. وكيف أنه عندما سافر لإكمال دراسته في فترة الخطوبة شعرت بعدم الرغبة في إتمام الزواج وأقامت علاقة مع أحدهم وتكرر هذا الأمر في مراحل مختلفة بعد الزواج حيث تم الزواج بعد إكمال دراسته ولكنها كانت من حين لآخر ينتابها نفس الشعور بالرفض للزوج ولكل القيود والرغبة في الانطلاق حتى أنها في أحد المرات خلعت الحجاب تماما ولبست ملابس شبابية جدا مع إقامة علاقات عارضة تنتهي في غضون شهور ولكن الأزمة هذه المرة تفاقمت مع علم أهل الزوج بما حدث وتدخلهم من أجل أن يطلقها ... بدت صورة المرأة وهي جالسة تحكي ليست صورة المرأة الخائنة متعددة العلاقات خاصة وأنها تحكي ما تحكيه بمعاناة تدل على أن هناك أمرا غير طبيعي يحدث في فترات زمنية بعينها وعندما تمر العاصفة تعود المرأة لبيتها ولزوجها ..إنها عاصفة الاضطراب الوجداني ... تعصف بعاطفتها ومزاجها ونفسها فتجعلها خارج السيطرة ولم يكتشفها أحد ... وصارحتها بما أشعر به وطلبت منها العلاج أيضا بمنسقات المزاج لتعود مذهولة وقد هدأت الثورة داخلها وقد عادت أما تبحث عن مصلحة أبنائها وتتساءل عن مصيرهم وزوجة تريد أن تتصل بزوجها حتى يسامحها ...... لقد تغيرت تماما لقد عاد موج البحر لهدوئه ... لقد انتهت العاصفة ... لتكمل العلاج ولتستطيع أن تعيد بيتها الذي كادت أن تفقده في أحد نوبات الاضطراب الوجداني .

إن الاضطراب الوجداني يجب أن يكون أحد الأسباب التي يجب أن نفكر فيها ونحن نرى شخصا قد تغيرت أحواله بصورة عاصفة وبدا أنه يقوم بتصرفاته بلامبالاة يكسر فيها القواعد ولا يلتزم بالأصول ... وربما هدأ لتعود النوبة كل فترة زمنية ونحن نبحث عن الأسباب ولا نجد ولا نعرف أنها ثورة الكيمياء في المخ .. أو بركان الاضطراب الوجداني قد عاد للنشاط فاضطربت حياة صاحبه.


اقرأ أيضا:
الفصام الوجداني : والمآل ما بين بين  / الفصام الوجداني لا الاكتئاب !  / الاضطراب الوجداني الثنائي القطب (الثناقطبي)  / اعترافات مجنون: فصام وجداني متابعة / ضعف الذكاء الاجتماعي والوجداني / وسواس بالفم أم مرض وجداني  / غير ناضج عقليا وسلوكيا ووجدانيا ووو  / أفكار للتنمية الوجدانية لطفلك  / النضج الوجداني /  
صلاح جاهين وثنائية الوجدان  / الفن للفن أم الفن للمجتمع (1)  (2)  (3)  / الفصام ذلك المعلوم ...... المجهول / هل الفصام ..... هو ازدواج الشخصية ؟!!!  / ماذا يتوقع أهل المدمن من الطبيب النفسي


 



الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 14/12/2005