إغلاق
 

Bookmark and Share

أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(5) ::

الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 08/02/2006

أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(1)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(2)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(3)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(4)  
 

(دراسة نفسية لجوابات حراجي القط العامل في السد العالي إلى زوجته فاطنة أحمد عبد الغفار في جبلاية الفار)
[5]

الثورة على المفاهيم السائدة:
والنمو يحتاج لتساؤلات واحتجاجات تهز المفاهيم المعهودة والعبارات سابقة التجهيز (التي تكرس للتواكل) لتعاود الرؤية بروح جديدة نابضة ومسئولة:
احنا يا فاطنه اللى لا عرفنا قرايه ولا كتابه
غلابه
لما عرفت كده يا فاطانى زعلت الزعل الواعر..
عمر يا فاطنه ما فكرنا في الدنيا..
ولا قلنا جايه منين رايحه على فين..؟
غير كلمة ربنا يسترها معانا دنيا وآخره..
والآخره..؟
آدى العمر اللى دبل على عوده في تراب الجبلايه
يا ما لولا "حسين العكرش" قاللي السد..
كنت زمان باتعتر واقف وانتفض وامشي تاني
في طريقي المتسد.

الرؤية الطفلية المندهشة:
والتطور في الشخصية يحتاج لرؤية مندهشة منبهرة ملهوفة على كل جديد وعقل مفتوح جاهز للاستقبال الحاد، وقلب نابض قادر على شحن النفس بطاقة متجددة لا تنتهي من اليقين والمشاعر الإيجابية:
السد يا فاطنه..
فتح عيني ع الدنيا زي ما كون
طلعني للنور من بير
علمني كتير..
ويوماتي بيعلمني كتير
"والباشمهندس طلعت" دومًا يحكي لي حديته
المسحور.
دايمًا يملى الدنيا ف عيني نور.
ويخليني أشوف الحاجة من تاني.
يعرف جبلاية الفار.. وكإنه عايش فيها..
يعرفها أكتر منى.

في مفترق الطرق.. نبضة نمو ثانية:
ويمر حراجي بالبوابة التالية للنمو من خلال الباشمهندس طلعت الذي لمح فيه رغبته للمعرفة والتغير والنمو:
وانا نازل من فوق التبه.. جري ومسكني
قاللي عاوزك يا حراجي.
سيب الشغل اللي وراك وتعال.....
هوه كان عنده عدد.
وكمان فيه حواليه عمال..
لابسين لبس أفندي وحاطين.. برانيط..
كنت أنا لسه بشاشي وطاقيتي..
قاللي إيه رأيك يا حراجي..؟
قلت له شغلك صعب وعاوز فهم
قاللي يا حراجي دول عمال.
عاوزك تبقى واحد من دول.. وحتبقى..
وحتبقى واحد عال.

وفي لحظة الخيار يقف الشخص في مفترق الطرق في حالة حيرة وتردد فهو من ناحية يريد أن يحافظ على ما أحرزه من كسب نتيجة كفاحه السابق، ومن ناحية أخرى يطمع في المزيد، وبما أن بداخله دافع قوي للنمو المتصاعد فهو ينحاز في النهاية للمغامرة واجتياز الطريق الجديد وكأنه تمت برمجته على هذا، بل ويشعر باللذة مع كل "نقلة" تطوريَّه:
إتبرجلت يا فاطنه عين في الجنه وعين في النار
قلت لنفسى:
وماله لما تعافر ياخي..
وافرض ما تعلمتش..
مش عار
إنت لازم تعرف إنك جيت أسوان..
مش قاعد في الدار..
وما تتعلمشي ليه؟ .. ده إنت تتعلم تبقى سيد الكل.

تقدير الذات:
وفي البيت الأخير السابق يبدو التقدير العالي للذات لدى الشخصية القابلة للتطور ذلك التقدير الذي يرفع سقف الطموح وسقف الإنجاز مع كل نبضة نمو حتى يتواصل السعي بلا نهاية، هذا يعطي معنى لكل شيء ويحدث تغذية مرتجعة تواصل الشحن الذاتي اللازم لاستمرار الحركة التصاعدية:
لسه يا فاطنه الرحلة طويلة
والأيام جايه..
بس حراجي خلاص
بقى يغوى الأيام..
بيخاف على عمره زي النسوان لما تعجّز..
أصل يا فاطنه يا مرتي في إيديا مسكت الخيط.
وانتى عارفه..
النور في الضلمه ليه قيمه..
حتى لو كان جاني من خرم صغيّر في الحيط.

وتواصل الزوجة المحبة- النامية بالتوازي والمتطورة بالمواكبة- تواصل دعمها لمشوار زوجها الذي لا يبخل عليها بتفاصيل حياته حتى كأنه ينقلها إلى حيث يعيش لحظة بلحظة، وهذا هو قمة الحب والتواصل بين زوجين:
يا ما نفسى صح يا ناس..
أحس اني ولو حتى لحضه..
قدرت اخفف يا حراجي عنك شيلة الشيله.
النبي جواباتك بتنور ضلمة مخي صح..
كل ده يا حراجي جرى لك في أسوان؟
ده انت بقيت عفريت..
امال ده ما كانش باين ليه يا حراجي هنا في البيت؟؟
كنا حابسينك في البيت..؟

الهجرة والنمو:
والبيتين الأخيرين السابقين يؤكدان مبدءًا هامًا من مبادئ النمو وهو الحاجة إلى الابتعاد بالسفر أو الهجرة لاستكمال النمو أو تمكينه أو تأكيده لأن الابتعاد عن الموطن الأصلي يعني التخفف من قيود العرف والتقاليد وإعطاء مزيد من الجرأة على ارتياد الجديد والخروج على المألوف دون خوف من نقد أو لوم.

والكثيرين من المبدعين والقادة والمصلحين وحتى الأنبياء قد مارسوا الهجرة لمواصلة نموهم ونمو دعواتهم وانجازاتهم، وهذا لا يمنع من وجود بعض المبدعين والمنجزين العظام من النمو والتطور في موطنهم الأصلي وهم في هذه الحالة لابد وأن يتمتعوا بقدر عظيم من القدرة على التحرر من قيود العرف والتقاليد ومن أثقال التراث البيئي والعائلي والشعبي ومن القدرة على الهجرة داخل النفس.

القلب المحب والحضن الدافئ:
والإنسان المبدع والمتطور والنامي يحتاج لقلب يحتويه مثل الشاطئ للبحر.. ذلك الشاطئ الذي يندفع إليه الموج عائدًا من رحلته الشاقة في البحر المتلاطم فينام ويهدأ في أحضانه الرملية الناعمة قرير العين مطمئن القلب وهذا ما تفعله زوجته الحنونة معه طول الوقت:
أنا أكتر واحده في الدنيا تعزّ حراجي..
هوه حراجي عاوز إيه م الدنيا
غير ان الضحكه لما تطلع من قلبه تطلع مرتاحه..؟
وأنا على كدّ ما بقدر.. بادعي لك.
..باكشف شعري للنجم وبادعيلك ياحراجي..
.. وأقول.. ميتى حتاجي..؟
واشوفك بعنيا..
وانت بتخطي عتبة الدار

سر الكنز:
ويواصل حراجي انبهاره بالعلم والمتعلمين وكأنه توصل إلى سر الكنز وينقل هذا الانبهار من وعيه إلى وعي زوجته البسيطة بكلمات هادئة ليست فيها مبالغة أو تهويل:
العلم يافاطنه العلم..
العلم ده أمره غريب.
دماغات زي الدماغات اللي ف جبلاية الفار..
لا عين زايدة ولا ودن..
لكن بتسوي الأعاجيب
ده احنا بس الليل لما بيجينا الجبلاية بنخاف.
لكن دول.. الدنيا ف روسهم محسوبه.
محسوبه صحيح.
حاسبين الدنيا العفاريت..
آه بس يافاطن لو كنت اتعلمت.!!

بين الغربة والاغتراب:
ويتغير مفهوم الغربة لديه ويصل إلى مفهوم الاغتراب حيث يشعر الإنسان وهو في بلده ووسط أهله أنه غريب لأنه لم يجد نفسه ولم يحقق غايته:
إيه هيه الغربة يافاطنه؟
وميتى يبقى الواحد منينا ف غربه؟
لما يسيب بلده؟
الواحد بلده الحته اللي بيغواها.
بيته الفرشه اللي عينه تنعس جواها.
مش "يامنه اب قنديل" متجوزه "حفني العطار"..؟
مش دي حكايه يافاطنه قارياها انتي وحافضاها
مش قاسمين لا الفرش ولا اللقمة.
مش دايقين ايامهم بلسانهم..
وجنوبهم في الليل.. بتبات تتقلب..
أهى دي الغربه يافاطنه..
جبلاية الفار بلده وبلد جده وده بيت والده..
لكن متغرب فيه.
وأنا هنا عال في أسوان.

                                                                                         ....................وللحديث بقية

 


الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 08/02/2006