إغلاق
 

Bookmark and Share

شذرات على هامش الرحلة الأمريكية ::

الكاتب: د.مجدي سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/03/2006

ليست هذه هي المرة الأولى التي أقوم فيها بزيارة أمريكا، فقد كانت زيارتي الأولى لها عام 2001، وكانت قاصدة إلى "المركز الجامعي للتكنولوجيا الملائمة" الذي يديره طلاب جامعة هامبولت ستيت والتي تقع في مدينة أركاتا الصغيرة شمال ولاية كاليفورنيا، وكان من المفترض أن ينبني على تلك الزيارة السعي لدى عدد من رجال الأعمال العرب لتمويل منح صيفية قصيرة لطلاب الجامعات العرب للتدريب العملي والنظري في المركز والجامعة حول فكرة التكنولوجيا الملائمة في إطار تعاون ثلاثي يشمل القسم العلمي بإسلام أون لاين والجامعة والممولين للمنح، ولكن قطار 11 سبتمبر جاء عقب عودتي من الزيارة بأسبوعين فدهس المشروع.

وجاءت زيارتي الثانية تلك بعد أقل قليلا من خمس سنوات وكانت قاصدة إلى مدينة دالاس لتقديم ورقتي في المؤتمر الثاني الذي ينظمه "معهد حوار الأديان" تحت عنوان "الإسلام في العالم المعاصر: حركة فتح الله كولن في الفكر والممارسة"، وقد أثمرت الزيارة وحضور المؤتمر انطباعات وأفكار وتساؤلات آثرت أن أضعها على الورق أمام القارئ.

المؤتمر وعالم فتح الله كولن

ذهبت إلى المؤتمر ولدي إحساس بأن بضاعتي مزجاة، لا ترقى إلى مستوى الأوراق العلمية التي تقدم للمؤتمرات ذات الطابع الأكاديمي، ولكن كان دافعي إلى قبول الدعوة بتقديم الورقة هو رغبتي في استكشاف عالم فتح الله كولن شبه المجهول بالنسبة إليً باحثا فيه عن الحكمة سواء في الفكر أو الممارسة، ومن ثم فقد اعتبرت الورقة محاولة أولية للاستكشاف لا أكثر ولا أقل، وقد ازداد إحساسي بضآلة ما أقدم أثناء متابعتي للأوراق المقدمة فيه، وقد أثارت فيً بعض الأوراق المقدمة حول التعليم -وهو نفس محور ورقتي- إحساسا ممتزجا ما بين الغبطة لأصحابها والسعادة بها والرغبة في قراءتها للتعلم منها رغبة شديدة في المزيد من استكشاف عالم الفكر والحركة لدى فتح الله كولن وهو عالم ثري يمتد من اليابان شرقا إلى أمريكا غربا، ويتشعب عمله ما بين مؤسسات تعليمية وإعلامية وحركة نشطة في الحوار كل ذلك في إطار من نشر روحانية إسلامية قائمة بالأساس على الإيمان بالله والقيم الأخلاقية وفي ظل حركة تطوع وبذل للوقت والجهد والمال من أتباع ينتشرون هنا وهناك، وذلك رغبة في تقديمه إلى القارئ العربي بعد هضمه ولو في شكل نظرة أفاقة ترسم الخريطة العامة وتحدد المعالم الرئيسية لها، وأظن أن هذه الرغبة أو الشهية المفتوحة للمزيد من المعرفة هي من أعظم الفضائل والمنن التي يخرج بها الإنسان من حضور مؤتمر أو ندوة أو قراءة بحث أو كتاب..المعرفة والمزيد من المعرفة.

الأتراك..والجالية المسلمة

شهد المؤتمر حضورا كثيفا من الإخوة والأخوات الأتراك سواء كباحثين أو كمتطوعين في تنظيم المؤتمر، أو كحضور ومستمعين، وهو شيء يسر القلب والعين بالتأكيد ففضلا عن الوجوه الوضيئة المضيئة بالإيمان والبشر، فإنك لابد وأن يسعدك الأدب الجم والذوق المفرط في تعاملات الإخوة الأتراك، إلا أن السؤال لابد وأن يقفز إلى ذهنك وأين بقية الجالية المسلمة في دالاس وهيوستن على الأقل أين العرب وأين الهنود وغيرهم، سواء فيما بين الباحثين أو حتى من الحضور؟ الإجابة..غير موجودين..وإن دل الأمر على شيء فإنه إنما يؤكد على الملاحظة الأبدية حول الجيتوهات العرقية..أو الأيديولوجية التي تعيشها الجاليات المسلمة في الغرب والحالة الغريبة من فقدان التواصل فيما بينهم في الوقت الذي يسعون فيه للانفتاح على الآخر –غير المسلم- والحوار معه. الملاحظة الثانية في هذا الصدد هي حول البنية العرقية أو اللغوية لحركة فتح الله كولن هل هي حركة تركية التكوين عالمية العمل، أم أنها عالمية التكوين والعمل؟

أمتنا بين الباحث والمبحوث

وأنا ذاهب إلى حضور المؤتمر اصطحبت معي كتابا للقراءة في طريق السفر الطويل ذهابا وعودة، وقد كان الكتاب هو السيرة الذاتية لحياة المستشرقة الألمانية "أنا ماري شيمل" والمترجم في إطار المشروع القومي –المصري- للترجمة، وهو كتاب ضخم لكنه شديد التشويق، وهو أيضا من بين تلك الكتب التي تنجح في أن تجعلك تفكر وتتأمل، ومن ثم فقد جاءت الرحلة والمؤتمر في منتصف طريق قراءتي للكتاب فدعم التساؤل الذي يلح علي دائما: إلى متى تظل أمتنا في وضع المبحوث على مناهج الاستشراق والأنثروبولوجيا، وإلى متى نغفل عن استخدام نفس المناهج كأدوات لبحث الآخر الغربي (أو الشرقي) تحقيقا على الأقل لمزيد من الفهم والمعرفة لنعرف مواطن أقدامنا في التعامل معه سواء كانت التعامل حوارا..دعوة..تجارة..إلى آخره، ويدفعك للسؤال أكثر هذه الذخائر التي تتمتع بها أمتنا من أبنائها الأكاديميين في الجامعات الغربية لماذا لا يساهم هؤلاء في تعريفنا بالآخر لا بأهداف استعمارية كما فعلوا بنا، بل بأهداف تحقق الخير لنا ولهم للبشرية، أما آن لأقسام الاجتماع والأنثروبولوجيا واللغات وغيرها في جامعاتنا أن يكون لها مشروع لدراسة الآخر؟ لعل الحركة إذا وهي تملك رؤية استراتيجية للعمل لخير البشرية أن تفكر في ذلك..المزيد والمزيد من معرفة وفهم الآخر.

مدن الاحتضان والجفوة

هل تحس أحيانا بأن بعض المدن تحتضنك بينما تجافيك الأخرى؟ دالاس هي من بين تلك المدن الأخرى..مدينة مسطحة..جميلة في خضرتها ونضرتها..بيوتها في أغلبها فيلات وركائبها سيارات على أحدث الموديلات..يندر فيها المواصلات العامة..وتتباعد فيها المحلات وتحس أنك لكي تعيش فيها يلزم أن تكون إنسانا على النمط الرأسمالي الغربي: غنيا تملك سيارة وفيلا وإلا جافتك المدينة، على العكس من ذلك تماما مدينة كاسطنبول التي لا تفتقر إلى الجمال الطبيعي والثراء التاريخي والنظام، وإن كان أهلها يشتكون الزحام، إلا أنك تحس فيها بحميمية المكان ..تحس باحتضان المدينة لك وبأنها إلف مألوف..خاصة في القسم الأوروبي القديم منها..الفرق بين المدينتين هو الفرق بين نمط حياة فرداني أناني يجعلك تشعر بالجفوة والبرد حتى في أيام الصيف، وبين نمط حياة اجتماعي تعاوني يجعلك تشعر بالدفء والحنان في تلك الأيام.

إعلام أمريكي..طاغي ومدمر

حالة مدينة دالاس تلك اضطرتني للبقاء في الفندق، فليس ثمة ما يمكن أن يفعله غريب لا يملك سيارة إلا البقاء في الفندق، ولتمضية الوقت كان لابد من فتح التليفزيون ومشاهدة القنوات المختلفة التي قاربت العشرين ما بين رياضية وإخبارية، ومتخصصة في الأفلام.

الملاحظة الأولى كانت هو غياب -أو شبه غياب- العالم عن شاشات التليفزيون الأمريكي، فليس هناك من أفلام ولا رياضة إلا الأمريكية، أما أفلامهم فيطغى فيها حضور العنف الدموي اللاعقلاني بشكل كبير ولا أجد له تبريرا ولا منطقا وتلك هي الملاحظة الثانية، ولا أعرف إلام يدفع ذلك الإعلام الشعب الأمريكي سواء على المستوى المعرفي بالذات المتضخمة أو الآخر المتلاشي، أو على المستوى النفسي والسلوكي وما يفعله بهم هذا الكم من العنف سواء في أفلام الأطفال أو الكبار.

اقرأ حول زيارات ورحلات أخرى:
      ألبانيا..طقوس الإشارات والتحولات
        روسيا 93..أعراض ما بعد الانهيار
       اسطنبول..وجه تركيا السياحي والإسلامي
       داغستان..سطور من دفتر الحالة الإسلامية

      صور-15) رحلتي مع الكتابة-4


الكاتب: د.مجدي سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/03/2006