الكتابة بالجرح نبش الاكتئاب
استغاثة
أظن أن البداية كالنهاية توأمان, ليس للتاريخ قيمة في مدن النسيان, والمكان سيان, أفكاري تتراكض بسرعة الظبيان, كلماتي محبوسة بين الجدران, ليس ثمة زمان, وليس ثمة الآن, عناقيد فكري تحاول الكلام, أنا كظمآن, لا ترويني كل الشطآن, قلبي كقلب ثكلى اجتث منه الأمان, قصتي لربما قصة إنسان, يستحق بعض الاهتمام وليس الحديث مع الجدران, ثمة قطران يفترش المكان.
لب القضية.... أنا شقية..... روحي غادرت مع سحابة مطرية.... فالقضية ضياع الحدود.... فقدان الموجود.... عوز للوجود, ليست قصة ألم, فألمي يروي كل قبر, ليست قصة عثرات فأنا في قلب الأزمات, وليس مجرد آهات فالحنجرة نحرتها تكالب الصرخات
ببساطة سيدي من حقي العيش ولو لحظات, بين جدراني ونيل بعض الراحات,لا أجدها إلا بتلك الحبات, قالوا نفث فيها الشيطان في محرمات, ونفسي تتوق لها كل اللحظات, ولا أحرم نفسي منها بل أكيل لها الجرعات, أدري موتي يكون بين تلكم الآفات, لكن فضحتني النظرات, هزل جسدي وأشبه الأموات, الخوف من افتضاح سر سآخذه معي عند رقودي بين الطيات, أثير التساؤلات, أين اختنقت البسمات, أين صدى الضحكات, أين تضيع السنوات, جسدي تنتهشه تلكم الآفات, تفوتني مواكب الفرح وربيع السنوات, يزحف الخريف يخط خطوطه فوق الروح ويقصر المسافات.
أعلنت الخروج عن كل العادات, كسرت كل القيود والموروثات, أدمنت كل المهدئات, جربت كل الممنوعات, ما تبقى مني هو الرفات, أيمكن لها الحياة؟ أفضل الممات.. على افتضاح سري بين الكائنات لكني اكتفيت من هذه المأساة ضاع العمر بالحسابات.. أريد الموت كالفاضلات...... أقسم لك كبرى آثامي هي إدمان الموبوقات... لكن أخشى الضياع بين المتاهات.... أخاف حزن قلب أمي ولا تدري بأني آثمة بتلك الفعلات...
أخاف حسرة أبي على ابنة يظنها أغلى الموجودات..... كيف يبدل القطران العسل من أفواه النحلات... كيف غادر الربيع فوق أجنحة الفراشات... متى غادرت الأقاحي وأخواتها الوردات... متى سكت الهديل وانتحر المغيب..... وأسدل الليل جلاله في أروقة السماوات... تلك حياتي وبؤس يلف جنباتي..... فلا تتهمني بتسويد البشرية, فالحياة خلقت عرجاء, سوداء, أريد حياة النقاء, روح بلا خواء, أريد أن أتوب لرب السماء وأكفر بعبوديتي لهذا الداء, أريد أن أناصبه العداء وأعود لبشريتي وأجتهد بالدعاء, قد يغفر الرب عثراتي ويقيل أزماتي, لكن أخاف حكم البشر لا تعرف قلوبهم سوى الشر, وطعنات الغدر, ووصمات العار, فما العمل وأين الأمل؟
01/05/2014
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الأخت "هلا" العمر حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين البداية والنهاية كانت الرواية بأكملها. كلّ منا له روايته وحكايته، يكتبها بالأفعال والأقوال والأفكار، ولكن منا مَن يكتب باللون الأسود، ومنا مَن يكتب بالأحمر، وآخرون كتبوا بالأخضر قصة حياتهم، فأينعت ثماراً وأزاهير من التفاؤول والحُب.
يا سيدة "هلا" هناك فرق بين أن أكتب لكِ أهلاً بكِ أو أن أكتب لا أهلاً ولا مرحباً، فللكلمات وقعٌ وإيقاع على الروح والدماغ. منها كلمات تنعش القلب، وتبعث البهجة والفرح في القلوب، وأخرى تدمّر بتأثيراتها الكيميائية على الداخل، وعند سماعها بدل أن نفرز من داخلنا "الإندورفين والسيروتونين"، التي تشعرنا بالفرح، فإنها تفرز من خلايانا "الكاتيكولامين، كالأدرينالين والنورأدرينالين" اللواتي يسرعن دقة القلب وحركة التنفس ويرفعن ضغط الدم، ويجلبن الأفكار الشريرة التي تخلق من الساعات تعاسة وتقلب الفرح إلى حزن.
يا "هلا"! قطعاً لقد مرت في حياتك أوقات سعيدة ككل الناس، ولربما تكون نسبتها أقل من الأوقات الحزينة، ولكن ماذا نفعل نحن؟ هل نتذكر الأوقات التعيسة فقط. أم أننا نوقظ من تاريخنا الصور الحزينة والمحزنة والتي لا يمكنها إلا أن تؤثر سلباً علينا وعلى مستمِعنا.
نحن نحب أن نستمع بالفطرة إلى الأخبار والأحداث السعيدة، ولكننا نتأثر أكثر بالأخبار الحزينة، كما أن استذكار شخص ما أو حدث ما؛ هو بمثابة إحيائه بعد الموت فلماذا نوقظ من مقابرنا ما لا يسرنا الاستماع إليه؟
ولماذا لا نوقظ من أحداثنا ما يبعث البهجة والطمأنينة والتفاؤل في حياتنا؟
إننا ننصحك يا "هلا" بأن تغيري أسلوبك الدراماتيكي في الحياة، وأن تتعودي إيقاظ الفرح فيكِ وسقياه بالأمل والتفاؤل والنظر دائماً إلى ما هو جميل عندك وفي ما هو حولك، فالله جميل ويحب الجمال. ويريدنا الشيطان أن نكون قبيحين، في الخارج والداخل. أعجبتني عندكِ بعض التعابير الروحانية، لما فيها ذكر للباري عزّ وجل ومخافته، لا بل حبه الدفين في أعماق الأعماق.
نحن عبيد صغار علينا أن نسعى وليس علينا أن نكون موفقين، كما وعلينا أن نشكر في السراء والضراء، ولعل الذي أبطأ عنا هو خير لنا لعلمه بعاقبة الأمور.
لكِ منا كل الأماني بالتفاؤل وبالشكر، وإذا ما تعسرت الأيام، بالصبر... وبشّر الصابرين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ويتبع >>>>>>: الكتابة بالجرح نبش الاكتئاب م1