كُنتَ مريضاً بالوسواس، ولا زلتَ... تحتاج للعلاج
السلام عليكم يا دكتور وائل
أرسلت لموقع مجانين استشارة تم الرد عليها ونشر الرد يوم 11/7/2010 على هذا الرابط: كُنتَ مريضاً بالوسواس، ولا زلتَ... تحتاج للعلاج، وأرسلت لكم متابعة هذا نصها:
السلام عليكم وشكراً لاهتمامكم وكل عام و أنتم بخير.
الأعراض كانت وساوس نظافة ووساوس إيمانية وأفكار أو أغاني لا تترك عقلي وكان العلاج بوقف هذه الأفكار وبدواء الأنافرانيل لمدة سنة تقريباً، ولكن الطبيب قال أنني شفيت وشعرت بتحسن كبير جداً ولا توجد الآن أي من الأعراض التي كانت موجودة من قبل. القضية أن المرض أثار لي مشكلة ولفت انتباهي إليها ولكنني للأسف لم أحلها وظلت معي كما حدث في مشكلة الوساوس الدينية فعندما طلب الطبيب مني أن أوقف كل تساؤلاتي عن الله وعن جميع المسائل الدينية احتجت بعد ذلك أن أبحث عن الأدلة على وجود الله وعلى صحة الإسلام ولكن بشكل صحي طبيعي يحدث للشباب دائماً في هذه المرحلة وليس بشكل وسواسي.
المشكلة عندي هي في تعريف نوع الاصفرار وهل هو عرق أم شيء من المنجسات أم أنني أتوهم وجوده أصلاً وفي كيفية التعامل مع الأمر بعد تحديده لأنني كنت أحتاط في كل مرة وأقوم بالغسل بالماء والصابون مما أدى للمضاعفات التي تحدثت عنها، أريد إجابة تفصيلية من فضلكم فأنا لم أفهم معنى جملة "بعد إنقضاء البول"، شكراً
27/3/2010
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
أهلاً بك أخي الكريم، واسمح لي أن أجيب على متابعتك بدلاً من الدكتور جمال لظروف ألمت به...
أما عن سؤالك الأول: فالأدلة والبراهين الشهيرة على وجود الله عز وجلّ أربعة: برهان بطلان الرُّجْحَان بدون مُرَجِّح. وبرهان بطلان التسلسل. وبرهان بطلان الدَّور. وبرهان قانون العِّليَّة.
1- برهان بطلان الرُّجْحان بدون مُرجِّح: الرجحان بدون مرجح هو: أن يكون شيء ما في حالة معيّنة، وفجأة تتغير هذه الحالة بدون سبب، وبدون وجود أي مغير لهذه الحالة. وجميع العقلاء يعلمون أن الأصل أن يبقى الشيء على حاله التي كان عليها ما لم يأتِ شيء يؤثر في تلك الحال ويغيرها. مثال: أنت تضع كتبك في مكان معين في غرفتك، لنفرض أنه المنضدة، وفجأة دخلت الغرفة فوجدت الكتب على الأرض! أول ردة فعل لك أن تصرخ في أهل البيت: من رمى كتبي على الأرض؟! ولو قالوا: لا أحد! لسألتهم فورًا متهكمًا: إذن من؟ هل دخل جني إلى الغرفة؟ إذن عقلك لا يمكنه أن يتصور أبدًا أن تقفز الكتب وحدها إلى الأرض، بل لا بدّ أن يكون هناك إنسيّ أو جنيّ، أو أي شيء... له قدرة على رمي الكتب على الأرض، هو الذي رماها...
نأتي الآن لتطبيق هذا الكلام على وجود الله عز وجل: لو نظرت إلى هذا الكون بما فيه، وتأملته، لعلمت أنه من الممكن أن يكون، ومن الممكن ألا يكون... فالشمس والقمر، والأرض، والبشر، كل ذلك من الممكن ألا يكون موجودًا أصلاً... إذن فاحتمال وجود الكون مساوٍ لاحتمال عدمه. فما الذي جعل احتمال وجوده يترجح على احتمال عدمه؟ أي ما الذي جعل الوجود يغلب العدم وهما متساويان أصلاً؟ وكما تعلم فقد أثبت العلم أن لهذا الكون بداية، فالأرض لم تكن موجودة قبل ملايين من السنين، ثم وجدت، وكذلك سائر الكواكب...
العقل يسأل هنا؟ ما الذي جعل الأرض توجد، وتنتقل من العدم إلى الوجود؟ هل وجدت لوحدها؟ هذا مستحيل كما أن الكتب يستحيل أن تلقى على الأرض دون وجود من ألقاها! وكما يستحيل أن ترجح إحدى كفتي الميزان الفارغتين وتنزل إلى الأسفل، دون أن تضع فيها ثقلاً!! إذن لا بد من قوة رجحت جانب وجود الكون، وجعلته يوجد بعد أن كان عدمًا، تلك القوة هي قوة الله عز وجل. إذن فالله تعالى موجود، وبقوته أوجد الكائنات، ولولاه لما وجدت.
وهذا وهو البرهان الأول على وجود الله عز وجل، وهو بطلان أن يترجح وجود الكون دون أن تكون هناك قوة رجحت وجوده. أو: برهان: بطلان الرجحان دون مرجح.
2- برهان بطلان التسلسل: وهذا نجادل به من ينفي وجود بداية لهذا الكون، ويكابر رغم الحقائق العلمية ويقول: إن الكون موجود منذ الأزل... أي أنه: مستمر في وجوده بفعل التوالد الذاتي الذي لا أول له....!
أي: الشجرة مصدرها البذرة، والبذرة مصدرها الشجرة، والشجرة مصدرها البذرة إلى ما لا نهاية....، كذلك فالناس يتوالدون من بعضهم إلى ما لا نهاية....، والحيوانات كذلك....!! حاول أن تتخيل هذا معي...، ما الذي تشعر به؟ يستحيل أن يتقبل عقلك هذا حتمًا!! وستسأل وأين سيستقر الأمر بعد كل هذا الرجوع إلى الوراء؟؟ لا بد أن هناك قوة تمد هذه السلسلة المتوالدة بالوجود!! لأن الشجرة لا قوة لها على الوجود لولا البذرة، والبذرة لا قوة لها على الوجود لولا الشجرة، والشجرة هذه لا قوة لها على الوجود لولا البذرة التي قبلها.... وهكذا، إذًا فلا شيء من الموجودات له قوة على الوجود!! فإما أن نقول: إن هذه الموجودات ليست موجودة لأنه لا قوة ذاتية لها على الوجود (وبهذا نكون في عداد المجانين)، وإما أن نقول: هناك بداية لهذه الموجودات، إذن هي ليست موجودة منذ الأزل وليست مستمرة بفعل التوالد الذاتي، وإنما لها بداية، وهذه البداية وجدت بفعل قوة قادرة هي قوة الله عز وجل!! فيبطل افتراض من ينفي وجود أول لهذا الكون، ويرجع الأمر إلى البرهان السابق لإثبات وجود الله عز وجل.
3- برهان بطلان الدَّور: الدور هو: أن يتوقف وجود الشيء، -أو تحوله من حال إلى حال- على وجود شيء آخر، وبالمقابل فإن هذا الشيء الآخر، يتوقف في وجوده على وجود الشيء الأول، أي: لا يمكن أن يوجد إلا إن وجد الشيء الأول!! أي: كما إذا قلنا: إن ولادتك تتوقف على ولادة أبيك، فلو لم يولد أبوك لما ولدت أنت... ولكن في نفس الوقت: إن أباك لن يولد ما لم تولد أنت!! فلن توجد لا أنت ولا أبوك على هذه الحال!! مثال آخر: صدر قرار: بأنه سيتم إعفاؤك من الجيش إذا كنت حائزًا على الشهادة الجامعية، فلما ذهبت للتسجيل في الجامعة قبل ذلك: لن نقبلك إلا إن أحضرت إعفاءً من الجيش (من غير واسطة طبعًا). فلن تعفى من الجيش، ولن تدخل الجامعة ما دام الأمر على هذه الحال... فتوقف الشيء الأول على الثاني، وتوقف الثاني على الأول، شيء باطل عقلاً. أو: الدور باطل عقلاً.
الآن: لنفرض أن منكر وجود الله تعالى قال: نعم، إن للكون بداية، وقد أثبت العلم هذا، وأنا مصدق بالعلم...، لكن هذا الكون لم يوجد بفعل قوة خارجة عنه، وإنما تفاعل مع ذاته فكان فراغًا، ثم وجد السّديم، ثم الأبخرة والغازات... وبقيت هذه الأمور تتفاعل حتى اكتمل وجود الكون... نقول لهذا المنكر: إن افتراضك هذا يوصلنا للقول بالدور، وهو باطل باتفاق العقلاء!! فأنت تقول: إن الكون وجد نتيجة التفاعل الذاتي، أي إن أول ذرة منه وجدت نتيجة تفاعلها مع ذاتها، وهذا يستلزم أن تكون موجودة، غير أنها لن توجد إلا إن تفاعلت مع ذاتها. يعني: لن تتفاعل مع ذاتها ما لم تكن موجودة، ولن توجد ما لم تتفاعل مع ذاتها!! إذن كلا الأمرين لن يوجد بحال: لا الوجود ولا التفاعل!! فيستحيل أن يكون وجود الكون حدث بسبب التفاعل الذاتي... فلا بدّ أن يكون هناك موجد أوجد تلك الذرة الأولى، وهذا الموجد هو الله تعالى...
4- برهان قانون العلِّيِّة: ويسمى أيضًا: [العلة الغائية، والعلة الباعثة، والحكمة والنظام الكوني]...
وكمثال للتبسيط: كنت مسافرًا، فذهبت إلى المطار تحمل أمتعتك بكلتا يديك....، فلما اقتربت من صالة المسافرين، كنت تفكر مهمومًا كيف ستفتح بابها وبيديك المشغولتين...., وبينما أنت تسير على هذه الحال، وإذ بالباب يفتح وحده عندما صرت أمامه!! فحمدت الله تعالى على هذه الصدفة وهذا الحظ الجميل....، ولكن! التفت فوجدت أن هذا الأمر تكرر مع المسافر الذي بعدك! ثم جاء بعده آخر ففتح له الباب كما فتح لك ولغيرك!! ففكرت فورًا: إذن الأمر ليس صدفة وليس حظًا جميلاً!! وهذا الباب لم يوضع هنا عبثًا، وإنما صمم بهذا الشكل لغاية تسهيل مرور المسافرين!! ولا بدّ أن هناك عقلاً مفكرًا، صمم هذا الباب ووضعه ليحقق هذه الغاية ويسهل المرور...
ولو نظرت إلى الكون، وتركيبه الدقيق، لوجدت كل شيء فيه مخلوق ليحقق غاية معينة... فالأرض لها وزن معين، وحجم معين، ولو زاد وزنها، لزادت جاذبيتها، ولو قلّ لقلت جاذبيتها، وفي كلا الحالين، ستكون حياتنا عليها غير مريحة، فهي إذن خلقت على نحو يجعلنا نعيش على ظهرها براحة تامة... ولو نظرت في تركيب عينك، وما فيها من أجزاء، ولو تأملت وظائف أجزائها، وآلية حصول الرؤية والتقاط الصور.... ولو تأملت سمعك، أو قلبك... أو أي شيء من حولك، لوجدته مصممًا تصميمًا دقيقًا ليقوم بوظيفة خاصة به، ولوجدت تكوينه مناسب لوظيفته أيما مناسبة.... وما أكثر الأبحاث العلمية التي تتحدث عن هذا...
أقول: من كان يملك عقلاً حرًّا... وتأمل في كل هذا... علم –حتمًا- أن هناك قوة حكيمة مدبرة، خلقت هذه الأشياء، وصنعتها لتقوم بوظيفة معّينة...، وأنه من المستحيل أن تنتظم هذه الأشياء، وتقوم بوظائفها على هذا النحو البديع، وتتآلف وتتناغم، مع بعضها وكل يقوم بدوره، دون أن يكون هناك من أوجدها وخلقها على هذه الشاكلة... إنه ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه وشكله، ثم هداه لوظيفته الخاصة به... إنه الله عز وجلّ الذي أوجد هذا الكون على هذا النحو البديع لنتعرف عليه من خلاله...، وإلا فهو قادر على أن يجعلنا نرى دون عين...، أو يجعلنا نسير على الأرض مهما كان وزنها... ولكنه خلق كل هذا ونظّمه، لنتعرّف عليه، ونرى حكمته البالغة، ونستشعر حبه لنا من خلال ما أكرمنا به من المخلوقات البديعة، التي نستمتع برؤيتها ومعرفتها...
هذه هي باختصار براهين وجود الله عز وجلّ، وكل من أنكرها، هو منكر لعقله قبلها... والمؤمن بها، إنما يحترم عقله الذي وهبه الله تعالى إياه، ويرفع نفسه من مصاف الحيوان إلى المرتبة التي تليق به...
فأرجو أن أكون قد أحسنت شرحها لك بهذه العجالة المختصرة...، فإن وضحت فالحمد لله، وإن كان هناك نوع التباس، فلا تتردد بالسؤال والاستفسار...
نأتي لسؤالك الثاني:
بالنسبة لهذا الاصفرار الذي تراه: فإنك إذا تبوّلت، ثم انقطع تقاطر البول، (وهذا قد يأخذ شيئًا من الوقت اليسير بعد التبول عند الذكور).. فإنه يكفي أن تغسل محل النجاسة بقليل من الماء... ثم بعد ذلك إذا وجدت اصفرارًا على ثيابك، ولم تعلم ما هو، فأنت لست مكلفًا أن تعرف ما هو، بل لا نحكم عليه بأنه بول أو مذي، أو شيء نجس ما لم نتأكد... لهذا نقول: إنه تعرق! وانتهى الأمر.. لا يمكنك أخي الكريم أن تحكم بالنجاسة إلا إذا تأكدت وعلمت علم اليقين أن ما تراه نجس، بحيث لو قيل لك: احلف أنه نجس، لحلفت دون خوف ولا وَجَل!! أما الشك، (ما هو؟ وهل هو نجس؟) فلا أثر له، والأصل أن ثيابك طاهرة ولا يتغير هذا الحكم ما لم يأت ما يغيره بيقين. فالأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل بقاء ثيابك الطاهرة على ما كانت عليه من الطهارة ما لم يأت ما ينجسها بيقين، إذ يقين الطهارة لا يزول بالشك في النجاسة، بل لا بد من وجود يقين بالنجاسة حتى يتغير حكمنا على الثياب...
أكثرت عليك من المصطلحات الفقهية والمنطقية... ولكنها فرصة لتتعرف على كنوز رائعة، ولتفتح أفقًا جديدًا في حياتك، تبصر به أحكام دينك الرائع، وتتذوق الحياة بطعم مختلف عن ذي قبل...
وأصل البحث والتعرف على دينك، وأقبل على حياة سعيدة في الدنيا والآخرة... وفقك الله وعافاك.
واقرأ أيضًا:
وسواس قهري... من خلق الله؟
الدمية الشقية والانحياز للذكور