إغلاق
 

Bookmark and Share

مصر عيانة ::

الكاتب: أ.إبراهيم عيسى
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/04/2005

 

المقال التالي تحت عنوان "مصر عيانة" للأستاذ إبراهيم عيسى: -
- يا دكتور أنا متأكد إن الرئيس بوش خطط كي يتخلص مني، والموساد بيطاردني والمخابرات المركزية الأمريكية تضع لي أجهزة تنصت في طبق الشوربة وأن الرقع الحمراء على جلد طفلي ليست مرضا بالحصبة ولكنها آثار إشعاعات نووية تجربها فرنسا على عائلتي وأن انجلترا سلطت امرأة شقراء من أجل أن تقنع ابنتي بالردة عن الإسلام .

عندما يجلس رجل أمام طبيب في عيادة نفسية ويقول له هذا الكلام ساعتها ومن أول ثانية سوف يعرف الطبيب النفسي أن الرجل مريض بفصام الشخصية وأنه يعاني من هذاء
(اسمه كده في الطب النفسي) هذاء من جنون العظمة وجنون الاضطهاد الذي يجعله يفكر في مثل هذه الهذاءات ويرددها ويراها في صور وشخصيات وضلالات ويقتنع لحد الهوس والعقيدة بأنها حقيقة مؤكدة لا لبس فيها، طيب هذا مجرد رجل تعبان عيان الله يعينه ويشفيه ويصبر أهله،

ما بالك بقه إن مصر كلها تقول هذا الكلام وتردد هذه الهذاءات ليل نهار في التليفزيون والجرائد والمساجد والمدارس والأتوبيسات والميكروباصات، مصر كلها حكومة وشعبا تعيش حالة من الفصام تحكي وتشكو من أن العالم كله ضدنا ويتآمر علينا ويريد تغيير القرآن وتغيير الحزب الوطني ويلغي مناهج التعليم الإسلامية ويدمر قيمنا وأخلاقنا ويضع لنا الفيروسات ويسمم الهواء ويقطع علينا نهر النيل والمذهل أنك تسمع هذا الهذاء الهراء من الحكومة ورجالها "حيث يطق لهم عرق وهم يشيحون ويصرخون ويحلفون بالطلاق تلاتة أن هناك مؤامرات من الغرب والأمريكان لتركيع نظام مصر" أساسا هو حكم سجد منذ زمن للغرب والأمريكان!! وتدخلات أجنبية من أجل هز استقرار مصر " نحن نعرف طبعا أن الشيء الوحيد الذي نسمح له بالهز في بلدنا هو هز الوسط !!"

 بينما نشهد التيار الإسلامي بفصائله يقسم على المصحف والسيف أن هناك مؤامرة صليبية ضد الإسلام وضد مصر وتجزم الأحزاب القومية والفصائل اليسارية أن هناك مؤامرة استعمارية إمبريالية ضد مصر وكلهم على بعض يرددون كأنه شريط بيصف أن مصر مستهدفة، وهو ما يجعل الشعب الذي يرى أنه لا يمكن أن ينهزم أبدا إلا بسبب الرطوبة والأمطار وصعوبة المواصلات ونقص الأوكسجين وتحيز الحكام ومؤامرة الاتحاد الإفريقي وألاعيب الفيفا القذرة، يجعل هذا الشعب المخدوع بتاريخه يعيش الدور أنه ضحية ومضطهد ومستهدف وأن الكون كله لا شغلة عنده إلا العكننة على أم هذا الوطن وتغيير دينه وملته وأرضه وهتك عرضه وهذا كله كما هو واضح مرض في حاجة فورية للذهاب به لطبيب نفسي شاطر يعطي مصر حقنتين تلاتة على كام قرص جرعة مكثفة على ستة أشهر كي يضبط حالة الفصام بل وربما نحتاج إلى علاج بالصدمات الكهربائية كي نعقل ونفيق وندرك الحقيقة .

اصحوا يا جدعان نحن لا نمثل أي شيء في ميزان الأمم الآن كي يستهدفنا العالم بأسره نحن لا ننتج ولا نصنع ولا نصدر ولا نأكل من زرعنا ولا نلبس من قماشنا، نحن لا نكتشف ولا نخترع ولا نقدم للدنيا كل يوم علما وطبا واختراعا، نحن لا نملك قوة مالية ولا سياسية ولا اقتصادية تهز أحدا أو تزعج فردا، نحن نهتف كل يوم أننا لن نحارب ومن ثم لا أحد يخاف من حربنا فضلا عن أننا حاربنا أربع حروب انهزمنا في ثلاثة منها فبالراحة على أنفسنا قليلا نحن لا نحتكر أي مادة خام وليست لدينا أي ثروة تجذب الاستعمار ويحكمنا ناس حليفة صديقة لأمريكا والغرب فهل تظن أن أمريكا اتهبلت وقررت أن تتآمر على حليفها، وصديقها من أجل الطمع في أربعة مليارات دولار نصدرهم كل سنة بينما نستورد بواحد وعشرين مليار دولار، بالذمة بلد مثلنا هذا حاله هل يمكن لأحد أن يستهدفه خوفا من قوته أو من نفوذه أو طمعا في فلوسه، يا أخي لقد وصلنا إلى درجة من الخراب الصحي في أجسادنا كمصريين من سرطان وسكر وكبد وفشل كلوي وضغط وانحدرنا إلى حال تعليمي فاشل ساحق فما الذي يجعلنا نظن أننا سبع البرمبة وأجدع وأحسن ناس في الدنيا وكل شعوب العلم تتمنى رضانا نرضى وكل حكومات العالم بتتآمر علينا بأمارة إيه
؟!!

أنا أفهم إن العالم يتآمر على الصين، أو اليابان مثلا ماليزيا، كوريا، لكن إحنا ليه؟ أبطال وعمالقة ومخترعون ومستكشفون نغزو العلم ووسع يا جدع وحوش يا حواش أريد أن أنبهكم فقط إلى أن الذي يقول أنا جدع وأشرب المحيط وأبيت الحارة دي كلها في جحورها هم السكارى والمخمورين الذين ذهب عقلهم تحت تأثير المخدر، فهل نفيق ونستيقظ، "اللهم اجعله خيرا" لنتفهم أننا في أمس الحاجة إلى أن نعرف ضعفنا وقلة حيلتنا حتى نتمكن من النهوض والتقدم وأرجوك إذا اعتبرت هذا الكلام جلدا للذات راجع نفسك فورا فالحقيقة إنني لا أريد أن نجلد ذاتنا بل أريد ضرب ذاتنا العليلة المريضة بالجزمة حتى ننتبه، يجب أن ندرك أن الإصلاح السياسي الذي يدعونا إليه الغرب الآن ليس مؤامرة لأننا أقوياء عليه يريد أن يضعفنا بل لأننا ضعفاء جدا ويائسون للغاية، فنشكل خطرا عليه كما كان يشكل المحرومون والجوعى خطرا على قصور البكوات والباشوات، نعم الغرب يسعى لمصلحته والذي يتخيل غير كده أهبل وابن أهبل فالمفروض أن يسعى الجميع نحن وهم وأنتم والناس الحلوة اللي منورانا في الفرح ده إلى مصلحتنا وليس هناك كائن في الأرض مفروض أن يسعى ضد مصلحته أو أن تسعى دولة لغير مصلحتها!!

الأمر كله ملخصه لو أن جارا لأمريكا خرج إلى البالكونة يتمطع الصبح فرأى والدا في البالكونة الأخرى يضرب طفله ويعدمه العافية ركلا ولكما والولد ينزف منه الدم ويسيل على وجهه، سيتصل هذا الجار فورا بالشرطة لتخليص الطفل من والده المتوحش المؤذي الذي قد يصيبه بعاهة أو يقتله من فرط الضرب والاعتداء البدني، وسوف تخلص الشرطة الطفل من والده الغريب وربما تعاقبه كذلك على إيذاء ابنه أما إذا حصل عندنا نفس المشهد فإننا سنقول لأي شخص يريد التدخل من أجل إنقاذ الطفل المضروب والمسفوك دمه: يا عم سيبه يربي ابنه هيه العيال ما تترباش غير كده
"بارتجاج في المخ"!! بل والمذهل أنه إذا ذهب أحدنا متحمسا منفعلا ليفصل الوالد عن ابنه كي يوقف ضربه فالولد نفسه سيصرخ سيبه أبويا يضربني وبيربيني أنت مال أهلك، يقول هذا الكلام بكل حماس وإخلاص وأبوه نازل على قفاه ضربا وصفعا!! هذا بالضبط هو الفارق الحضاري بيننا وبين الغرب هم يريدون تخليصنا من حكام يضربوننا بالكرباج ويحطمون ضلوعنا ويشوهون وجوهنا ضربا وصفعا واعتداءا وتعذيبا بينما نحن نصرخ ودمنا سايح: سيبوهم حكامنا وبيربونا مال أهلكم أنتم!

بقلم إبراهيم عيسى

نشر في جريدة الدستور بتاريخ 6/4/2005

واقرأ أيضا:

على باب الله الأربعاء23/3/2005: الدستور /
من الميدان إلى مجانين: إبراهيم عيسى يقرأ للمهدي



الكاتب: أ.إبراهيم عيسى
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/04/2005