إغلاق
 

Bookmark and Share

على باب الله: بنية وبيئة ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/07/2005


نبهتني حالة الفتاة التي تهرب من أهلها ثم يعيدها البوليس أو بعض الصديقات كل مرة، التقطت من قصتها ملحوظة ذكرتني بأن سلوكنا هو محصلة بنية شخصيتنا التي تفاعلت في بنائها عوامل كثيرة، وما تزال هذه العوامل تتفاعل وتتشابك مع المعطيات والسياقات أو البيئة التي حولنا، وتذكرت بالتوازي حالة تلك السيدة الفاضلة زوجة الأستاذ الجامعي وكيف أنها بعد عقدين من الزواج بلا علاقة تقريبا وجدت نفسها تعود لعلاقة قديمة بشاب من جيرانها كاد يتقدم لها، ولكن ظروفه وقتها لم تسمح بذلك، وبعد تكرار الانفصال عن زوجها، وهي تعود كل مرة من أجل الأولاد، ولا تود الطلاق، وجدت نفسها تستعيد العلاقة القديمة في صورة اتصال هاتفي ولقاءات بهذا الجار الذي صار زوجا ولا ينوي طلاق زوجته ولا الزواج من هذه الزوجة حال طلاقها إن طلقت نهائيا من زوجها الأستاذ الجامعي !!! هي تتساءل كيف ضعفت وتنازلت وحدث منها هذا، وبعد هذا العمر كله ؟!!

ولدينا طبعا مقترحات كثيرة للتفسير، ومنها ما يسمى بأزمة منتصف العمر، ومنها قسوة الزوج أو تجاهله المستمر، رغبتها في الشعور بتحقيق أي إنجاز أو قبول أو تعاطف أو اقتراب من رجل يشعرها أنها موجودة، وأنها أنثى، وأنها مرغوبة، أو شيئا مذكورا.

ولكن أيضا أعود لفكرة البيئة والسياقات لأن هذه الزوجة، وجارها القديم، وزوجها القاسي، وغيرهم جميعا يسبحون في نفس البيئة التي أتاحت الاتصال بسهولة، وأتاحت اللقاء العام بعيدا عن الأسرتين أسرة الزوجة، وأسرة الجار، وهناك الكمبيوتر والإنترنت أيضا، وإن كانا لا يستعملانه، وهناك الحياة الصعبة في مادياتها، وهناك السياق الاجتماعي الذي ينبت لنا ملايين الرجال ممن يجهلون كيف يعاملون النساء، وملايين النساء ممن يتمردن على هذا حاليا بهذا الشكل أو ذاك !!

فكرة تأثير النطاق أو السياق المحيط بالإنسان على تصرفاته واختياراته ما تزال غائبة أو غائمة عندنا، في مقابل تركيزنا على بنية الإنسان الفرد، أو بنية الأسرة بأطرافها، والسياقات تتآكل أو تتم مصادرتها أو احتلالها لصالح الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مجال الإعلام أو التجارة والاستهلاك أو صناعة الترفيه ووقت الفراغ !!!
ونحن مثلا نفكر في خطورة أن يكون الإنسان فقيرا أو عاطلا، وربما لا نهتم بأن هذه الخطورة القائمة تزداد حالة كونه يتحرك في محيط منغمس في تطلعات الترف والحياة المادية الزخرفة بالأشياء والسلع !!!

ربما ننتبه أحيانا إلى ضعف الالتزام الشخصي ببعض تعاليم الدين أو آدابه أو أشكاله بينما لا ندرك غياب تعاليم أخرى من الدين هي أهم واشد تأثيرا إذا حضرت أو غابت، وربما لا ننتبه أبدا إلى أن السياق العام تغيب عنه قيم من أهم ما يمكن في حياة أي دين أو مجتمع أو بروز أية نهضة، والسياقات مهمة.

كيف نقرأ قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)

يتبادر إلى ذهننا فورا صفات المؤمنين المفلحين، ولا ننتبه إلى مناخ وبيئة "التواصي" التي يريد لها القرآن أن تكون بيئتنا، وفي القرآن كلام كثير عن العقل والتفكر من خلال"يعقلون" و"يتفكرون" و "يتدبرون"، ومرة أخرى نفهمها بوصفها صفات ذاتية شخصية ينبغي أن يتحلى بها المؤمن –وهو ما لا يحدث في واقعنا حاليا– ولكننا لا ندركها بوصفها مناخا من احترام العقل ووظائفه، وشحذ عمله، والتحريض على تشغيله والاحتفاء بنتائج هذا التشغيل، وهذه كلها مكونات سياق ونطاق وبيئة يأمرنا الله أن تكون هي السائدة !!!

والصحابي الرائع " أبو الدرداء " رفض خطبة ابنته الدرداء لابن الخليفة فلما سألوه لماذا ؟! قال نظرت إلى الدرداء في قصره وحولها الخدم والعبيد والزخرف، فأين دينها يومئذ ؟! ولم يقل هي ابنتي وأضمن أخلاقها، ولكنه أدرك أن الاختيارات تتغير ليس فقط نتيجة لما يطرأ على بنية وتركيب وشخصية والتزام الإنسان، بل أيضا بتغير ما يحيط به من السياقات، وقديما قالوا: المرء حيث يضع نفسه، وفهمتها مؤخرا بمعنى أن المرء يكون بحسب السياق الذي يضع فيه نفسه.

للتواصل:
 
maganin@maganin.com

واقرأ أيضًا على مجانين:
قيمة العقل في الإسلام ! ماذا جرى؟
على باب الله اللذة 20/6/2005
على باب الله: بناة الحضارة – 20 / 4 / 2005
سيكولوجية الفتاه العربية 
 


الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/07/2005