إغلاق
 

Bookmark and Share

على باب الله: الطبخ الثوري ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/12/2005


تقابلني طبعا مشكلة في أسفاري، كما يقابل غيري، وهي الأكل !!

ماذا يمكن أن يؤكل في الثقافات المختلفة ؟!!

لدي طبعا مشكلة مع الخنزير والكحولات والتدخين والمخدرات، والأطعمة عالية الدهون لأسباب متنوعة ما بين الحرمة والضرر ولا أحب الطعام المليء بالشطة الحارة، ولا أحب الطعام المفرط في الملوحة، ولا أحب الأطعمة المفرطة في الحلاوة والسكر.

وفي البلدان المختلفة أقف أمام الاختيارات المتاحة متأملا ومترددا أحيانا، فمثلا في كوبنهاجن وقفت عاجزا أمام الأصناف المختلفة لأنها إما خنزير بأنواع وأشكال، أو أطعمة غريبة بمذاقات عجيبة، مثل السمك غير المطهو مثلا، وطعمه مسكرا، بالمناسبة أكلته ظانا أنه مملح فقلب بطني تماما لمدة أربع وعشرين ساعة!!

أحيانا أفر إلى السمك وطعام البحر بشكل عام، وهو المفضل عندي دائما إذا توافر!! وهذه المرة سعدت بمطعم برتغالي: mandos.co.uk وأحيانا لا أجد غير السلطة والفواكه الطازجة، وأنا أحبها وأفضلها على الحلويات بأنواعها.

وحين يكون هناك اختيار لمطعم فإن "إيران" والمطاعم الإيرانية تكون حلا ذهبيا، فإن لم أجد فإن المطاعم التركية -وأحيانا الأفغانية تكون أيضا جيدة، وكثيرا ما فكرت واقترحت على أصدقائي الإيرانيين وهم قلة نادرةأن يكفوا عن فكرة تصدير الثورة المسلحة كما كان متداولا أيام بداياتها في نهاية السبعينات، وبدلا من الأيدلوجيا والسلاح يصدرون سينما وطبخ، وأضمن لهم احتياجا رهيبا للعالم من أقصاه إلى أقصاه، فالطعام الإيراني شهي للغاية، ومنخفض التكاليف، وبسيط في صناعته غالبا- والسينما الإيرانية جيدة غالبا، والفريق الوطني الإيراني لكرة القدم يلعب جيدا أيضا مقارنة بمن حوله في آسيا !!

لفت نظري تصريح الرئيس الإيراني الجديد المنتخب مؤخرا عن إسرائيل، وأنها ينبغي أن تزول، وتمنيت لو قال لنا كيف نزيلها دون إطلاق مثل هذه التصريحات النارية !!

ربما لو نزلنا إلى ميادين المنافسة الحضارية جميعا من الأكاديمية والبحث العلمي، إلى السينما والطبخ وكل مفردات الثقافة اليوميةـ ربما لو قدمنا أنفسنا للعالم عبر الأدب والفن، والعلم، والتاريخ، والسلوك الراقي المتحضر، ربما لو سلم الناس من أيدينا وألسنتنا، وبادرنا فتعرفنا على العالم بالمعايشة لمن يقيم في الخارج، بدلا من العزلة الشهيرة الغالبة على المسلمين المعاصرين المغتربين!!، وبالاتصال ووسائله الحديثة لمن يعيشون في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، ربما لو نفذنا أمره جل وعلا، ومقصده من خلق التنوع الإنساني المبدع والممتع "لتعارفوا" ..
ربما لو دعونا جيراننا من الثقافات والشعوب الأخرى إلى مائدة طعام شهي كما كان الرسول يفعل مع القبائل، وهو يدعوهم للإسلام، ربما لو قللنا كثيرا من الكلام الذي نصدع به رؤوس الناس في كل الدنيا عن ديننا وعظمته وروعته، والنعيم الذي يعيش فيه من يؤمن بهذا الدين!!

ربما لو أريناهم بعض تجليات هذا النعيم، ربما لو ذاقوا طعامنا، وشاهدوا تاريخنا وثقافتنا وآدابنا وفنوننا، ربما لو عرفونا عن قرب وعمق، ولو تواصلنا معهم برغبة صادقة، وروح حية دافئة، ربما تتغير أحوالنا وأحوالهم وأحلام وأحوال العالم البائس الذي نعيش فيه.

قال لي صديقي ونحن نسير في شوارع غرناطة: متصور لو أن الإسلام "انكفأ على نفسه وظل في الجزيرة العربية؟! تصور لو انعزل المسلمونكما هم اليومولم يخالطوا شعوب وحضارات الدنيا كلها، تصور لو لم يرتحل المسلمون فاتحين بالخلق الحسن، والمعاملة التي هي الدين على أقطار الأرض جميعا؟!

ورغم أنه اشتكى كثيرا من الطعام الذي يقدمونه لنا، لم أقص عليه نظريتي في أن تصدير الثورة أو الإسلام يبدأ من المطبخ !!

27/11/2005

*للتواصل:
postacairo@yahoo.com

*اقرأ أيضاً :


 على باب الله: لندن دفء الحب
  / على باب الله: عائد من استانبول  / على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية ) /على باب الله: رمضان العهد والوفاء / على باب الله: عن العسكرة والأقدمية  / على باب الله التعويذة  / على باب الله: الأصل والواقع  / على باب الله الحوار / على باب الله جواز سفر / على باب الله: الطريق إلى بودابست / على باب الله بودابست  / على باب الله: وداعا بودابست / على باب الله: بنية وبيئة / حوار مع أ.د أحمد عكاشة(3) 



الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/12/2005