إغلاق
 

Bookmark and Share

الخوف من الإيلاج والتشويه التناسلي عند البنات ::

الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 02/09/2008


السنوات الوسطى من الطفولة:
الخوف من الإيلاج والتشويه التناسلي عند البنات

السنوات الوسطى من الطفولة

كان Freud من ضمن الذين يجدون المرأة لغزاً ولكنه اعترف بارتباكه. وفي الحقيقة أن بعض صيغه حول علم نفس المرأة قد بدت لمعظم المراقبين المعاصرين أنها متميزة وأنها تعكس النظرة الاجتماعية للمرأة في وقته حيث نجد أن بعض أفكاره مجرد تعميمات دون أن تكون مثبتة بواسطة مراقبة مباشرة للأطفال. إن العمل اللاحق الذي قامت به عدد من المحللات الإناث ومنهم ابنته آنا Anna، وميلاني كلاين Melanie Klein قد أضاف الكثير لمعلوماتنا حول معرفة تطور البنات أثناء ذلك السن الذي نتناقش حوله وفي الحقيقة فبمجال الطب النفسي الذي قيل عنه أنه يحمل نظرة غير موضوعية للمرأة، هو المجال الذي كانت مساهمة النساء فيه أكثر من مساهمتها في أي مجال طبي آخر، وقد لاقت إسهاماتهن القبول كما أنها لم يرقَ إليها الشك منذ البداية. ويعود لهن الدور الأساسي في تغيير الكثير من نظرتنا حول تطور البنات والعائدة إلى الأفكار التي طرحها Freud وأصبح بإمكاننا اليوم عرض أفكار أدق من خلال منظور أفضل.

وفي البدايات فإن فهم التطور النفسي كان يعتمد على الدراسة السريرية للمرضى الراشدين والذين يعانون من صراعات مختلفة إلى عوائق مؤدية وعقبات من عملهم. وعلى غرار المألوف في الطب فإن علم الأمراض Pathology قادنا لاحقاً إلى البحث عن الوظيفة الطبيعية. وفيما بعد تمت دراسة التطور من خلال المراقبة المباشرة للرضع والأطفال بدراسات طولانية (زمنية - تاريخية أي متابعة للأطفال بشكل مستمر مع تقدمهم في السن) ووجد الكثير من الصيغ القديمة صحيحة وبعضها عدّل بشكل طفيف، كما وجد أن بعضها غير صحيح وبعضها عُدّل بشكل كبير. هذه هي الطريقة التي نتابع بها بناء النظرية كعملية غير منتهية وترك المجال مفتوحاً لتغيرات مستمرة.

إن الدراسة السريرية للمرضى الإناث الراشدات أشارت إلى أهمية تجارب الطفولة المبكرة في تحديد التطور تماماً مثل أهمية الطفولة المبكرة بالنسبة للمرضى الذكور. إن طبيعة تجربة ارتكاس البنات عند إدراكهن للاختلافات الجنسية يعتبر تجربة هامة وسوف نشاهد ارتكاسات متشابهة وأخرى مختلفة عند البنات عما نشاهده من ارتكاسات عند الصبية، والآن لندرس استجابة البنات عندما يكتشفن أنهن لا يملكن أعضاء مرئية كتلك الأعضاء التي يملكها الصبية. إن الارتكاس المشابه لارتكاس الصبي هو الخوف من الأعضاء التناسلية فيمكن للبنت أن تشعر أنها قد أذيت أو أصيبت بسوء وهذا ما أدى إلى افتقاد شيء ما. أو أنها ستشعر أنها في أي نوع من الارتباط الجنسي وخصوصاً مع وجود قضيب كبير شاهدته أثناء استراقها النظر لوالدها أو لصبي كبير، ستشعر أنها سوف تؤذى وأن أعضاءها التناسلية ستتمزق وتشوه.

ففكرة حسد القضيب وهو أن البنت تريد أن تملك ما شاهدته ولكنها لا تملكه، وهذا ليس بغريب بالنسبة لطريقة تفكير الطفل بدءاً من حسد الصبي من قدرة أمه على إنجاب الأولاد. وهذا الحسد يقمع من قبل الأهل في المجتمع، فالصبي لا يسمح له بأن يرغب أن يصبح بنتاً. أما البنت التي ترغب في أن تكون صبياً يُنظَر إلى رغباتها بشكل مختلف تماماً. فهناك بعض البنات اللواتي يتخيّلن أنّ لديهن قضيباً وأنه مختفٍ داخلهن تماماً كما يتخيل الصبي. وهناك أخريات يعلقن بندقية مكان القضيب ويلعبن أو يضعن عصا بين الفخذين في مكان القضيب ويقدن الحصان أو الحمار. والأهل الذين يهتمون أكثر بالصبي يرتكسون إلى تصرف هذه البنت على أنه محبب أو على الأقل لا يتصرفون بشكل سلبي كما يفعلون مع الصبي الذي يعبر عن رغباته في أن يكون بنتاً وأن يملك أثداء وأطفالاً. وبذلك فإن هؤلاء الأهالي يشجعون استمرارية تخيل القضيب المختبئ عند البنت، هذا التخيل الذي كان يمكن التخلص منه بسهولة أكثر بطريقة أخرى.

إن حسد القضيب موجود عند معظم البنات في هذا العمر وهو طبيعي تماماً مثل حسد الثدي Breast envy وحسد الرحم Womb envy الموجود عند الذكور. إن استمرار هذه التخيلات حتى سن متأخر من الحياة يعتبر موضوعاً مختلفاً تماماً فهناك عدة عوامل تساهم في سبك النتيجة النهائية.

لقد ذكرت أن معظم الأهالي يعبرون عن تفضيلهم للصبي وهذا ما يؤثر في البنت الصغيرة حيث تشعر أنها أقل سروراً بنفسها كما أنها ستتوحد مع أمها التي ربما تعتبر نفسها أنها دون قيمة. ووالدها يمكن أن يكون أقل حناناً معها، وإذا كان لهذه البنت أخوة مفضّلين عليها، عندها سيتعزز شعورها بالغيرة والحسد. ومن جهة أخرى فإن علاقة الدفء والحنان والمحبة مع والدها يمكن أن تساعد البنت في التغلب على حسدها وغيرتها من أخوتها الصبية كما تساعدها في تصحيح (تسوية) تماثلها مع أمها التي تملك تصوراً سلبياً حول نفسها كامرأة. والنقطة الأساس هي معرفة أن هذه الارتكاسات في هذا العمر مؤقتة إذا لم تعزز من قبل العائلة والمجتمع، أو من قبل الصراعات والصدمات التي تواجهها الفتاة أثناء حياتها ولكن مع الأسف فإن هذا التعزيز يوجد بكثرة في وقتنا الحاضر بالرغم من تعديل نظرتنا للمرأة. ونأمل أن هذا سيتغير عندما تصبح الفرصة متاحة أمام المرأة بشكل حقيقي.

ما هي الطرق الأخرى التي تتصرف من خلالها البنات عند إدراكهن للاختلافات بين الجنسين؟ بعض البنات يمتعضن ويستنكرن ويتخذن موقفاً مشاكساً حيث تعلن "أنا لا أملكه ولكن من يريده على أية حال!"، وبعضهن الآخر ينكرن ما شاهدنه ثم يصدمن من منظر القضيب بعد عدة سنوات.

كثير من البنات يرتكسن كما لو أن التخيّل الذي كان قد آذاهن أو أصابهن بسوء هو حقيقة واقعة، فهن يشعرن بالدونية وأنهن غير كفؤات، ويتقبّلن ذلك على أنّه حقيقة واقعية، ويمكن لهن أن يمارسن حياتهم مع ذلك التصور الراسخ في أذهانهن حول أنفسهن، لذلك فإنهن يشعرن بأنهن كاملات Complete. إن أي من هذه الارتكاسات يمكن أن تظهر خلال مرحلة من مراحل التطور الطبيعي دون أن يستمر بالضرورة ليشكل عاملاً من العوامل الهامة المؤثرة على الشخصية فيما بعد، ومن جهة أخرى فإنه يمكن لبعض الارتكاسات أن تستمر طوال الحياة تاركة أثراً لا يمحى على الشخصية.

إن طبيعة هذه التخيلات الطفولية قد تمنع المرأة مستقبلاً من أن تحصل على قبول واستمتاع كامل بنفسها كامرأة وهذا ما يؤدي إلى استنفاذ كل مواهبها ومؤهلاتها، ويمكنني القول في هذا السياق أن Freud لم يكن محقاً تماماً حول فكرة حسد القضيب على أنها فكرة عالمية ومستمرة ولكنها يمكن أن تشكل عائقاً بوجه التطور السليم وهذا شائع. كما أخطأ Freud من خلال اعتقاده أن رغبة البنت في أن تملك طفلاً نابعة من رغبتها في امتلاك قضيب، فنحن نعلم اليوم أن البنات يظهرن مثل هذه الرغبات بشكل أبكر من هذا السن وذلك كجزء من تمثلهن تماماً كما يفعل الصبية. وشرحت سابقاً أن البنت الطبيعية لديها إحساساً جيداً بنفسها لذلك فلا تعتبر نفسها على أنها صبي، تماماً مثل الصبي الطبيعي الذي لديه مثل هذه الرغبات والتي يعبرون عنها بطرق مختلفة بسبب الدور الذي يأخذونه وإن مثل هذه التخيلات طبيعية وتعتبر تجارب غريزية. والحقيقة أن زيادة دور هذه التخيلات وتغير طبيعتها يعتبر مركز المرحلة الأوديبية.

المرحلة الأوديبية
إن مرحلة التطور التي يمر بها الطفل والتي تدعى بالمرحلة الأوديبية هي نتيجة وصف Freud لعقدة أوديب Oedipus Complex والتسمية من مسرحة المؤلف Sophocles والتي تدعى الملك أوديب Oedipus Rex . تلك المسرحية التي قَتل بها رجل والده دون معرفة منه ثم نزوج والدته وعندما اكتشف ذلك فقأ عينيه بنفسه. ويبدو هناك اختلاف كبير بين هذه القصة وبين ما نعتبره الآن على أنه مرحلة تطور طبيعية يمر بها الطفل. فما علاقة عقدة أوديب بالتطور الطبيعي عند الطفل؟.

إن السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل مركزة على علاقة الطفل مع أمه. ورغم وجود دور الأب في هذه السنوات إلا أنه ليس دوراً رئيساً كدور الأم في الأحوال العادية ولم نتأكد بعد لماذا يتحول الطفل إلى علاقة ثلاثية Triangular Relationship، وصيغت عدة نظريات بعضها يصف هذا التحول على أنه محدد وراثياً ويحدث في سياق النمو وبعضها يعتبرها ظاهرة بيولوجية وهناك آخرون يعتبرونها تحولاً تحدده البيئة والمحيط. وحقيقة لا نعلم حتى الآن لماذا يحدث هذا التحول. ولكن ليس من الصعوبة بمكان أن نلاحظ ذاك التحول إذا راقبنا الأطفال بين 6-3 سنوات.

وسأتحدث الآن عن تطور البنت والصبي أثناء هذه المرحلة كل على حدة، محاولاً أن أشير إلى الحلول والطرق التي اتبعها الطفل في الخروج من هذه المرحلة على تطوره مستقبلاً.
إن المرحلة الأوديبية هي تلك الفترة من الزمن التي يطور بها الطفل موقفاً تملكياً Possessive Attitude نحو الأهل من الجنس المعاكس. وبسبب تلك الرغبات في التملك الكلي فإن الطفل يعاني من صراعات وتنافس مع الوالد من نفس الجنس. وهذه المشاعر ليست مجرد مشاعر تنافسية واستياء فحسب بل تمتزج مع مشاعر المحبة نحو هذا الوالد، فالتوازن بين نوعي هذه المشاعر (التنافس والمحبة) القائم على العلاقة الحقيقية مع كل من الوالدين هو الذي يحدد الشكل الذي تأخذه هذه المرحلة. هذا الشكل المميز والمختلف من شخص لآخر، كما يحدد أيضاً طبيعة الحلول التي يمكن التوصل إليها.

وبالإضافة إلى ذلك علينا أن نأخذ بعين الاعتبار طريقة تفكير الطفل فالصبي مثلاً يمكن أن يعبر عن رغبته في الزواج مع أمه ويكون له طفل منها. إن مفهوم ومعنى الزواج عند الطفل وكذلك مفهوم الحصول على طفل تختلف عند الطفل عنه عند الراشد، وخبرات الطفل المبكرة تحدد ما تعنيه هذه الرغبات، هذه الخبرات تؤثر بها درجة معرفة الطفل للعالم الحقيقي وطبيعة تخيلاته في هذه المرحلة. وكذلك فإن تفكير الطفل ما يزال سحرياً وما قبل إجرائي فإذا ما غضب الطفل وامتلكته رغبة عارمة باختفاء أهله فهو يشعر أن ذلك سيحدث فالرغبات والتخيلات ستزداد خلال هذه السنوات من العمر، والآن لنحاول دراسة هذه المرحلة.
                                         وللحديث بقية.............
__________________________________
 - Melanie Klein (1882-1960): نمساوية الأصل تنحدر من أسرة يهودية، اتجهت في أبحاثها نحو دراسة التكوين النفسي للأطفال، وكان لها طريقة مميزة عن فرويد، لم تدرس علم النفس أو الطب النفسي، وبالصدفة قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى قرأت مقالاً لفرويد وشغفت على أثره بالتحليل النفسي، وبدأت تتعلم على يدي ساندوز فيرينزي، كتبت بحثها الأول عام 1921 بعنوان نمو أو نشوء الطفل The Development of a Child.ثم دعاها كارل ابراهام الى برلين فاستقرت بها لفترة من الزمن، وطلقت من زوجها، وكرست نفسها لممارسة التحليل النفسي متأثرة بابراهام وكتاباته، وخضعت للتحليل يومياً باشرافه، وبعد وفاته استمرت في تحليلها لنفسها يومياً، عام 1925 دعاها ارنست جونز لالقاء محاضرة في لندن وفي عام 1926 قبلت دعوة للبقاء في لندن والعيش فيها، واتسعت أبحاثها فيها رغم أن أبحاثها بقيت موضع جدال الا أنها أثرت على كافة المحللين النفسيين في بريطانيا وبسببها تميزو عن غيرهم وأصبح لديهم مدرسة تدعى بالمدرسة البريطانية في التحليل النفسي، ورأي ميلاني أن القلق عند الأطفال وخيالاتهم يمكن اكتشافها من خلال مواقف التحويل التي يظهرونها، ووصفت طريقتها التحليلية هذه في كنابها التحليل النفسي للأطفال The Psycho – analysis of Children عام 1932 وهدفت من خلاله الى خلق منهجاً تحليلياً خاصاً بالأطفال كالمنهج الذي أتى به فرويد مع الراشدين، وصممت من أجل ذلك حجرة خاصة بسيطة الأثاث وزودتها باللعب والدمى البسيطة ومهمتها فقط المراقبة، فالطفل هو من يختار ألعابه وطريقه تعامله مع هذه الألعاب والدمى، والواضح أن اللعب هنا يستعاض فيه عن الحديث والكلمات عند فرويد مع الراشدين، وتركز ميلاني على أوجه القلق عند الطفل وطرقه في الدفاع عن نفسه ازاءها، ووجدت أن ماذكره فرويد عن الأطفال يبدأ معهم في سن مبكرة عن السن التي حددها، فإحدى مريضاتها كانت طفلة بعمر سنتين وتسعة أشهر ولديها أنا أعلى قوية جداً وفرويد يعتقد بعدم وجودها قبل الخامسة من العمر، وكان للطفلة علاقات أوديبية مع والدها وفرويد يعتقد أن عقدة أوديب لاتتكون قبل 3-4 سنة من العمر، كما أن ميلاني بينت أن العنف والقسوة لهما دور أكبر في تكوين الطفل مما اعتقده فرويد، وكتبت عن نظرية القلق والذنب وربطت بين أقوال فرويد وكارل ابراهام في موضوع تكوين الأنا الأعلى، كما اعتبرت أن الحسد هو المصدر الأول للعنف عند الطفل المتوجه بالأساس نحو الأم وثديها، واعتبرت أن هذا الحسد العنيف هو المسؤول عن عجز الطفل عن الحب وإظهار الامتنان لما يقدم له، ومن أعمالها: التشخيص بواسطة اللعب عند الأطفال Personification in the Play of Children عام 1929 والمراحل المبكرة لعقدة أوديب Early Stages of the Oedipus Complex عام 1928 والنمو أو التطور المبكر للوعي عند الطفل The Early Development Of Conscience in the Child. عام 1933.. (المؤلف).

المصدر: المجلة الإلكترونية للشبكة العربية للعلوم النفسية



الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 02/09/2008