رمضان مبارك بإذن الله .. عليك وعلينا وعلى الأمة الإسلامية والعالم كله .
أهلا بمشاركتك, سعدت كثيراً لتلقيها, هذه المشاركة التي كما لو كانت فضفضة في الكلام عما يجول في خاطرك, ولهذا وجدت نفسي وقد دخت وراءك وأنت تقفز من موضوع إلى موضوع وتدخل في فكرة لتخرج من أخرى .. على كل حال, أهلاً بك وبفضفضتك هذه, وأسأل الله تعالى أن يعينني لأزيل ولو جزءاً بسيطاً من حيرتك ولأجيب عن بعض تساؤلاتك ..
وسيكون ردي أيضاً أفكاراً متناثرة تبعاً لتساؤلاتك المتناثرة ..
بالنسبة لموقف والدك من اختلاطك بالناس وتحذيره الدائم لك, فما ألاحظه هو أن غالبية الأهالي يقولون لأولادهم ما قد قاله والدك لك, ولا أجد تفسيراً منطقياً لذلك إلا أنهم لا يعرفون أفضل من هذه الطريقة لحماية فلذات أكبادهم من مشاكل العالم الخارجي, فالعالم الخارجي مليء بالمشاكل فعلا, والأهالي لا يعرفون الطريقة الصحيحة لحماية أولادهم منه , فلا يجدون إلا طريقة التحذير والتخويف التي إن نفعت من ناحية أضرت من نواحي . خصوصاً أن الأولاد سيجدون أنفسهم يوماً ما ومن كل بد في مواجهة العالم الخارجي مهما تجنبوه ومهما ابتعدوا عنه, وهنا يكون الأولاد مشحونين بكمية كبيرة من التوجس والترقب والخوف الذي يترجم على شكل عداء موجه للآخرين وفي أبسط المواقف وعلى اتفه الأشياء , فتنشأ المشاكل ..
لم يتعلم الأهالي الطريقة الصحيحة لحماية أولادهم والتي تكمن في تعليمهم مهارات اكتساب مودة الناس بالمبادأة بمودتهم واحترامهم, مع توعية الأبناء لمخاطر العالم الخارجي وكيفية التعامل مع المواقف الخطرة التي قد يجد الطفل أو المراهق نفسه فيها, وتعليمه إحسان الظن ولكن ليس بسذاجة تجعله فريسة سهلة لكل متصيد, بل مع تعليمه كيف يلتزم جانب الحذر والانتباه, وأولا وأخيراً التوكل على الله تعالى وطلب الحماية منه سبحانه, وما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية الحفظ حين الخروج من المنزل إلا لهذا الغرض, من مثل :"اللهم إني أعوذ بك أن أَضِلّ أو أُضَلّ, أو أَزِلّ أو أُزََلّ, أو أَظلم أو أُظلم, أو أَجهل أو يُجهل علي" و"آمنت بالله, توكلت على الله, اعتصمت بالله, ولا حول ولا قوّة إلا بالله", فليس هذا الزمن فقط هو زمن الناس الوحشة, بل هم موجودون في كل زمان ومكان .. كما أن الناس الكويسة أيضاً موجودون في كل زمان ومكان .
تقول بأنك لم تعد تحس بإنجازك لأنه قد فقد قيمته, لماذا فقد قيمته ؟
لأنه حان دور الانجاز اللي بعده .. أم حسبت أنك ستظل كل عمرك تستمد القيمة والثقة من إنجاز واحد فعلته في حياتك ؟
هذا التلاشي لقيمة الانجاز الذي حققناه في الماضي, له هدف مهم جداً وهو دفعنا إلى تحقيق إنجاز أكبر, وهكذا إلى آخر العمر, وبهذه الطريقة فقط نتطور .. ليس من المعقول أن نظل طيلة سنوات عمرنا ونحن نقف على أطلال إنجاز واحد !! وإلا فأين التقدم والتطور ؟
وتحضرني الآن كلمة شهيرة لخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز, حين قال : إن لي نفساً توّاقة : ما تمنت شيئاً إلا حققه الله لها, تمنيت الإمارة فأعطاني الله إياها, وتمنيت الخلافة فأعطاني الله إياها, والآن نفسي تتوق إلى الجنة, وأرجو أن يعطيني الله إياها ..
كلما طمح إلى إنجاز, وحققه فعلا بأن اتخذ الخطوات الصحيحة لتحقيقه, تاقت نفسه وطمحت إلى إنجاز أعلى .. وهكذا إلى أن كان وبحق خامس الخلفاء الراشدين .. ثم نال الشهادة رضي الله عنه .
هناك حقيقة مهمة عند الأطباء وهي : أن من يعيش في بيئة معقمة من الجراثيم سيكون جسده ضعيفاً جداً وبحيث لن يقوى على العيش خارج هذه البيئة المعقمة أي في البيئة الطبيعية, وكذلك الأمر بالنسبة للفكر والعقل, إذا ابتعدت تماما عن كل ما تراه فاسداً فإنك لن تقوى أمامه في المستقبل, إذا أردت أن تكون قوياً فعلا, فاقرأ هذا الفكر الشيوعي والعلماني وكل ما يقع تحت يدك, ولكن ليست بطريقة المتلقي المستسلم لما يقرأ, بل بعين الناقد المتفحص, ستسألني : كيف سأنقد وعلى أي أساس إذا كنت ضعيفاً أصلاً في الفكر الصحيح ؟
إذاً عليك أيضاً أن تقوّي نفسك بالقراءة في الفكر الإسلامي, والحمد لله لدينا كوكبة من العلماء الرائعين الذين سيغنوك كثيراً بكتاباتهم, وسأرشح لك بداية أن تقرأ للشيخ محمد الغزالي رحمه الله, والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي, انتق من كتاباتهما ما يروقك وابدأ على بركة الله ..
حين تفهم دينك بشكل جيد ستستطيع أن تقرأ في التيارات الفكرية الأخرى وتستكشف بنفسك مواضع الخلل والقصور فيها .. ولأشجعك على ذلك سأطلب منك أنت أن تقرأ رواية د. طه حسين وتعطينا فكرة عنها على هذا الموقع .. ما رأيك ؟
أنت محق تماما بأنك تحتاج أن تعيش بطريقة واقعية وان تكتسب الخبرة في حياتك العملية التي تؤهلك للعيش في هذه الحياة التي يتوه فيها الشطار كما قلت, ولكنك لن تكون من أولئك الشطار التائهين إذا اتبعت الطريقة الصحيحة للحياة والتي تبدأ وتستمر وتنتهي بالاعتصام بحبل الله وبقوة .., بالإضافة إلى البحث عن حلول لمشكلتك التي تقع فيها بنفسك, وها أنت تسير فعلاً على الطريق الصحيح, ودليل ذلك هو عبارتك التي تكتب تستحق أن تكتب بماء الذهب :" مش مهم مين اللي غلط المهم أصلح الغلط" .. وهذه هي أول خطوة على طريق التغيير الصحيح : أن نهتم بالمشكلة نفسها ونتحمل مسؤولية إيجاد الحل لها بأنفسنا, ولا ننتظر أن يتبرع احدهم لنا بحلها .. فهذا لن يحدث لأنه : ما حكّ جلدك مثل ظفرك .
طبعاً لازم تحدد من أنت, بل إنه من ما يجب على الوالد أن يفعله حين يصل ولده أو ابنته إلى سن البلوغ –بالإضافة إلى تعليمه كيفية الطهارة و ......و الخ – أن يعيد عليه موضوع الإيمان والعقيدة ويعرض عليه الدين من أول وجديد .. فالشاب والفتاة الآن اصبحا مكلفين ولا يُقبل منهما الإيمان إذا كان بحكم التقليد الذي رُبّوا عليه, لا بد وأن يكون نابعاً من قلوبهم وباقتناع تام .. وهذا هو لب الإيمان, ويا سبحان الله, لقد جاء هذا الأمر الإلهي للآباء بأن يفعلوا ذلك مع أولادهم تلبية لحاجة مهمة جداً تظهر في سن المراهقة وسن البلوغ وهي القلق الديني عند المراهق .
وعلى كل حال, ستصل إلى إجابة لتساؤلاتك الدينية هذه كلها من خلال تعمقك في التعرف على الدين , بالقراءة وحضور مجالس العلم, فابدأ على بركة الله ..
وسأجيبك على بعض تساؤلاتك التي وردت في مشاركتك ..
تقول: إنك وجدت الناس ما بين منساق وراء كل ما هو غربي, وبين من هو رافض لكل ما هو غربي ولو كان فيه خير, والحقيقة أن الإسلام لا يقف مع هذا ولا مع ذاك بل يقف موقفاً وسطاً, حيث انه يقبل بكل ما يأتي به الآخر ما دام صحيحاً وموافقاً للمبادئ التي أقرّها الله تعالى, سأعطيك مثال :
الإسلام يقبل دعوة الغرب إلى تحرير المرأة وإلى إنصافها لأنها مظلومة فعلا في مجتمعاتنا, ولكنه يرفض تحريرها على الطريقة الغربية التي تؤدي إما إلى تحليلها- أي إباحتها- وهذا خطأ, أو إلى جعلها نداً للرجل, وهذا أيضاً خطأ, وبكلا الحالتين لا تستقيم الحياة, فالإنصاف ينال المرأة حين يكون موافقاً للمبادئ التي أقام الله تعالى عليها حياة المرأة والتي تحميها من أبشع أنواع الاستغلال وهو الاستغلال الجنسي وجعلها أداة تسويق لأنهم يستخدمونها للترويج لسلعهم بدغدغة المشاعر الجنسية لإثارتها .. هذا مرفوض إسلامياً تماما .. فالمرأة هنا لم تُنصف ولم تنل حريتها, كل ما هنالك أنهم استبدلوا قيوداً قديمة صدئة بقيود جديدة برّاقة, ولكن العبودية هي العبودية والاستغلال هو الاستغلال ..
وكذلك الحال بالنسبة للفكرة الأخرى التي تجعل من المرأة نداً للرجل في البيت, فهذا مرفوض لأنها بذلك تقضي على مبدأ القوامة الذي يقوم على المسؤولية والتكليف لا الترقية والتشريف, هذه الندية التي تقضي على الود والرحمة بين الزوجين وبالتالي تزلزل كيان الأسرة كله ..
اعذرني إن أطلت في هذا الجانب, وما ذلك إلا لأبين لك كيف نأخذ من الآخر الحق, والحق فقط ..
و"المسلمين بيشتموا وهم عبط" لأنهم فهموا دينهم غلط, لو أنهم فهموا دينهم صح لعرفوا "أن الله يبغض الفاحش البذيء" ولعرفوا من أخلاق نبيهم إنه عمره ما شتم حد ولا كان" لعّاناً ولا صخاباً "..
ولتتعرف أكثر إلى نبيك وأخلاقه, أدعوك لمتابعة برنامج على خطى الحبيب ..
ولو أنهم فهموا دينهم بشكل صحيح لعرفوا أن الطيبة التي تصل لدرجة السذاجة مرفوضة, فقد قال النبي "لست بالحب ولا الحب يخدعني" .. الحب : الساذج .. بل المؤمن "مفتح ومصحصح وعارف الدنيا ماشية إزاي, ويعرف من أين تُؤكل الكتف .. أما تعرف أن عدداً ليس بالقليل من الصحابة كانوا من كبار الأثرياء لأنهم تُجّار مهرة ؟
بل إن هؤلاء التجار المهرة كانوا كذلك حتى من قبل إسلامهم أي كانوا أشخاصا ناجحين في حياتهم, ومع ذلك سمعوا الدين واقتنعوا به فاتبعوه, ولم يزدهم الدين إلا نجاحاً في الدنيا .. أما تعرف أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان واحداً منهم, وقد جهّز جيش العسرة – في غزوة تبوك - بماله ؟؟ وقدمت مرّة المدينة –بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام – قافلة تجارية لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه, فلما دخلتها ارتجّت المدينة كأن بها زلزالاً لضخامة القافلة, فقد كانت سبعمائة بعير ! .. وقد تبرع بها كلها في سبيل الله ..
لم لا تسأل نفسك : هؤلاء الأجانب الذين يدخلون في الإسلام, والذين هم أصحاب مراكز علمية عالية جدا , لماذا يدخلون في هذا الدين ؟
أم هؤلاء الذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل هذا الدين, كيف ولماذا ضحّوا ؟ هل يستحق الدين مثل هذا البذل ؟؟
أعتقد يا بُني أنك تحتاج إلى الكثير من الاطلاع على دينك ليستقر في قلبك الإيمان به وتنتهي هذه التساؤلات التي كلها لها إجابات, ولكن تحتاج الباحث عنها ..
وبالمناسبة, هذه التساؤلات تدل على عقلية حرّة أبية منطقية, بارك الله لك بها, ورزقك شكر هذه النعمة .
أسأل الله تعالى لك الهداية والرشاد والوصول إلى الصواب .. بارك الله بك .. ولا تنسانا من دعواتك في هذه الأيام المباركة ..
رمضان مبارك إن شاء الله ..
أستودعك الله . |