إغلاق
 

Bookmark and Share

زنا أم تحرش بالمحارم ..أزمة مفاهيم ::

الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 30/08/2006

بداية أود أن أؤكد أن جريمة "زنا المحارم" موجودة في مجتمعاتنا، ونقابل حالات حقيقية ممن وقعوا في براثنها داخل "عياداتنا" كأطباء نفسانيين، وعلى الإنترنت في الاستشارات النفسية، ومن خلال الفضائيات، وبعض الكتبٌ العلمية، وبعض المعالجات الصحفية، والمؤسف أن كل هذا التعاطي مع هذه الجريمة الكارثية "زنا المحارم" يقابل بالهجوم الشرس من قبل بعض من اعتادوا سياسة دفن الرؤوس في الرمال، والمنادين بعدم التصريح بوجود مثل هذه الأمراض في مجتمعاتنا. غير أن الذي واستدعي مني لفت الانتباه إليه هو ذلك الخلط في المفاهيم فيما يتعلق بهذه الجريمة، ما بين مفهوم زنا المحارم، وبين التحرش بالبالغين أو بالأطفال من ذوي المحارم.

فروق واضحة

يعرف زنا المحارم بأنه: "علاقة جنسية كاملة بين بالغين مكلفين من المحارم، كأخٍ وأخت بالغين، أو أبٍّ وابنته البالغة، أو بين الأم وابنها.. إلخ، سواء كانت هذه العلاقة سرا بين اثنين في الأسرة، أو كان معروفا لطرف ثالث فيها". وينطلق هذا التعريف علي خلفية التعريف الفقهي للزنا، والذي يقول: "الزنا هو تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في فرج امرأة ـ ليست من حلاله ـ عمدا بلا شبهة، سواء أنزل أو لم ينزل".

وهناك تعريفات أخري لزنا المحارم في بعض المراجع العلمية تقول أنه: "علاقة زنا بذوي (أو ذوات) المحارم"، وكلمة ذوى المحارم ترد في هذه المراجع بمعنى من تربطهم بالشخص قرابة دم، وتترك لكل ثقافة تحددها حسب معتقداتها وتوجهاتها. وفى تعريف أكثر شمولا يوصف زنا المحارم بأنه أي علاقة جنسية كاملة (أي تشمل الإيلاج) بين شخصين تربطهما قرابة تمنع العلاقة الجنسية بينهما طبقا لمعايير ثقافية أو دينية، وعلى هذا تعتبر العلاقة بين زوج الأم وابنة زوجته علاقة محرمة على الرغم من عدم وجود رابطة دم بينهما.

وفى الثقافة العربية والإسلامية تحدد ذوى المحارم في آيات واضحات في القرآن الكريم، كما هو وارد في سورة النور. ونلحظ من التعريفات السابقة أنها اشترطت لكي نجزم بوقوع زنا المحارم عملية الإيلاج.

بينما يدخل مفهوم التحرش الجنسي سواء بالبالغين أو الأطفال بأنه: "كل فعل يكون فيه مساس بجسد المجني عليه ـسواء أكان ذكرا أو أنثي ـ أو بمخيلته الجنسية كتعريضه للصور أو المناظر الجنسية الفاضحة، أو التلصص عليه، أو إجباره على التلفظ بألفاظ خارجة. وكل ذلك قد يدخل قانونيا وفقهيا تحت مسمى هتك العرض.

نلحظ من العرض السابق أننا نخلط بين الأمرين ـ زنا المحارم، والتحرش بهم ـ نظرا لما اعتدناه من توسيع نطاق الحرام؛خاصة فيما يتعلق بالزنا، مع أن هذا مختلف عن ما ينطبق عليه قوله تعالى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (الإسراء:32)، وأحسب أن الأمر بعدم الاقتراب من مقدمات الزنا مفهوم في إطار أن يتقي الإنسان وضع نفسه في موضعٍ قد يوقعه في الزنا.

لكن هذا لا يعني أن نحكم على ما دون الزنا بين المحارم بأنه "زنا محارم"، حتى ولو لأنه بين محارم. أقول هذا رغم أنني كنت من أول من اعتبروا التحرش بالمحارم في منزلة الزنا بهم في جرمه، رغم معرفتي بأن الزنا يختلف عن الاغتصاب وعن التحرش، وأري أن المسألة تحتاج منا إلى حسم واضح، أي هل نطلق تسمية زنا المحارم على ما يحدث ـ مع الأسف ـ في أغلب بيوتنا من تحرش جنسي بالفتيات والفتيان؟ أم أن علينا بالفعل قصر هذه التسمية على من ينطبق عليه التعريف الشرعي للزنا الذي يشترط الإيلاج؟

من التحرش إلي الزنا
والحقيقة أن بداية جريمة زنا المحارم غالبا ما تكونُ بطريقةٍ ماكرة، فبينما تكونُ الضحية نائمة يبدأ الجاني في لمس أجزاء الإثارة الجسدية أو الأعضاء التناسلية الخاصة بها، وأحيانا يتواصل ذلك لفتراتٍ طويلة، أي أنه حتي الآن يمارس التحرش الجنسي تجاه الضحية، ولم يصل بعد إلي منطقة الزنا، لكن الأمر قد لا يقف عند حدود التحرش، فغالبا ما تحصل المواجهة بين الجاني والضحية، ثم يتم القبول أو الرفض حسب قوة الجاني في مواجهة قوة الضحية، فإذا حصل القبول بمثل تلك العلاقة فإن النتيجة هي زنا محارم.

وهناك حالات نادرة تحدث فيها علاقة جنسية كاملة بينما يتظاهر أو تتظاهر الضحية بالنوم، والمشكلة أن كون الجاني غالبا أخٌ أكبر أو أب هو ما يجعل الضحية عاجزة عن المواجهة، ليس فقط مواجهة الآخرين بما يحدث، وإنما مواجهة الجاني نفسه بأنه يفعل الفعل الحرام، هكذا سمعنا من كثيرات من بناتنا.

ومن المهم التنبيه إلى أن الاستمرار في مثل هذه العلاقة والحفاظ على سريتها دائما ما يضع الضحية تحت ضغط نفسي كبير، وذلك لأن إفشاء سر كهذا يمكن أن يحطم العائلة بأكملها، وأحيانا نجد أنه يمنح البنت سلطة كبيرة في البيت مقارنة بالآخرين، وذلك في حالة زنا الأب بابنته مثلا.

أزمة المجتمعات العربية
أحسب أن الأسر العربية بوجه عام تواجه أزمة كبيرة في التعامل مع المشكلات الجنسية لأفرادها، وربما الأساس في هذا الأمر يعود إلي عدم قدرتنا علي أن نتخيل أن بيننا أناسا سيغلبهم الشيطان، وننسى أن بيوتنا مخترقة بفضائيات، ومواقع إنترنت تشجع علي زنا المحارم وتدفع إليه دفعا، كل ذلك يقابله عدم القدرة علي الالتزام بآداب البيت المسلم، الذي يجسد كل معاني السكينة والأمان لكل من يعيش بين جدرانه.

ويبقي السؤال: ما أثر كل هذه المعطيات على مخيّلتنا الجنسية؟ لا أحد يستطيع الإجابة بشكل علمي علي هذا السؤال، لعدم تعرض الدراسات العلمية في بلادنا لتأثير تكنولوجيا الاتصال التي اخترقت بيوتنا علي سلوكنا الجنسي، لكن ما يمكن قوله هنا أن هذه الوسائل جعلت الإنسان اليوم سهل الانقياد للشيطان، ومن ثم العوامل الدافعة لجريمة مثل زنا المحارم أصبحت أكثر من ذي قبل، ولعل هذا ما جعل الحديث يتواتر عنها في مختلف المجتمعات في الفترة الأخيرة، رغم هالة الصمت والسرية التي تسيطر عليها، فغالبا لا يتم اكتشاف زنا المحارم في مجتمعاتنا ـ علي وجه التحديد ـ إلا إذا حدث وحملت الضحية.

هذه الأزمة الخاصة بنا علي صعيد تعاملنا مع مشاكلنا الجنسية ألقت بظلالها على تخريج أناس غير أسوياء يحببون النشء في الرذيلة، ويزينوها لهم، وأذكر هنا كلماتٍ قالها لي واحد من مرضاي في الثالثة عشر من عمره حين سألتهُ كيف تحرشت بجدتك جنسيا يا فلان؟ فرد علي قائلا: "مدربي في النادي قال لي: لماذا تتعب نفسك وتعرف بنت في الشارع، وقد لا تجد مكانا تمارس فيه الجنس معها؟ أليس في بيتكم بنات أو نساء؟" ساعتها شعرت بالرعب؛ لأني فهمتها دعوة من رجل عاقل يدفع النشء إلى زنا المحارم!

كلام "مريضي" السابق علي فظاعته إلا أنه جعلني أسأل نفسي: أين يلتقي الأولاد والبنات والشباب والشابات الملتزمون بصورة طبيعية في بلادنا؟ ولمعت في ذهني مسألة الفصل القسري الموجود في بعض مجتمعاتنا العربية المسلمة، والفصل الاختياري والمحبذ اجتماعيا في مجتمعات أخرى، أدى إلى أن تصبح الأخت والأم وغيرها من المحارم، هي فقط المتاحة أمام الشاب الذي يسقط في حبائل الشيطان، على اعتبار أن وجودهما في مكان واحد طبيعيا ومنطقيا، أما في حال وصوله إلى من توافقه علي تسليم نفسها له فربما وقف حاجز المكان عائقا له، وبالتالي نرى أن المكان المتاح للشاب الذي يغلبه الشيطان هو غالبا فقط بيته الذي يعيش فيه، وبالتالي تصبح أخته جاهزة، وربما أحيانا في هذا الزمان راغبة لأنها أشدُّ سجنا من أخيها غالبا.

ولعلاج هذه الأمور كلها لابد من تيسير الزواج، فلو أن الشاب متوافرة لديه القدرة علي الزواج، فلن يفكر في محارمه أو من سواهم، فالزواج وتيسيره على الشباب هو الحل الأمثل لتجاوز هذه الأمراض الاجتماعية التي نبتلى بها.

اقرأ أيضا:
حصاد الفوضى.. جهل وانحراف/ زنا المحارم: سيف الجنس المسلول/ نار في فراش العمة : ملف زنا المحارم/ وسواس التحرش بالأم.. ليس عقدة أوديب / مجانين على الشيزلونج:ماما.. أنا حامل من بابا!/ في المدارس والبيوت والمواصلات: أزمة مكان / أزمة مكان مشاركة 3 / ماما تثيرني جنسيا: حاسس بالذنب !/ ماما تثيرني جنسيا: حاسس بالذنب! مشاركة / أمي تثيرني جنسيا - مشاركة2 / أنا وأختي في الغرام: ذكر وأنثي في الحرام / أنا وأختي في الحرام: صفحتنا وآثارها -استدراك- / نتبهي يا خالة: الولد كبر/  زنا المحارم في الماضي...أين أنا الآن؟ / أرسم، وأشتهي زوجة أبي: لكل مشكلة حل / زنا المحارم



الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 30/08/2006