إغلاق
 

Bookmark and Share

أوجه الشبه بين قتل صدام والمستعصم ::

الكاتب: أ.د مصطفى السعدني
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/01/2007

درسٌ قاسٍ من التاريخ
الزمان هو نهاية الدولة العباسية، والتي عمرت أكثر من خمسمائة عام.
والتاريخ بالضبط هو 20 من المحرم سنة 656 من الهجرة، 27 من يناير سنة 1258 ميلادية.
والحدث هو قتل هولاكو (القائد المغولي السفاح) لآخر خلفاء الدولة العباسية، الخليفة المستعصم، وهو الخليفة السابع والثلاثون والأخير في دولة بني العباس!!

وأهم الآثار المترتبة على هذا الحدث: اجتياح جند المغول لبغداد، حاضرة الخلافة الإسلامية، وعروس المدن في ذلك الوقت، مع قتل مليونين من قاطني بغداد، وبقر بطون الحوامل، والاعتداء السافر على النساء بكل صوره، وقتل الأطفال والشيوخ، ونهب البيوت والدور ثم إحراقها، حتى أن الميازيب المعدة لتصريف مياه المطر كان يسيل منها دماء من لجأ إلى أسطح المنازل هربا من مجازر المغول، والأدهى والأمر أن هؤلاء السفاحين ألقوا بملايين الكتب من خلاصة الفكر الإنساني على مر العصور في نهر دجلة حتى يعبروا بخيولهم النهر على أشلاء هؤلاء الكتب، لدرجة أن ابن الأثير المؤرخ المشهور وجد صعوبة كبيرة في كتابة تلك الأحداث من هول ما رأى، ومن قسوة ما سمع!!!

ولكن ما هي صفات الناس من أهل بغداد في ذلك الوقت؟
يصف ابن طباطبا - وهو من مؤرخي تلك الفترة- أهل بغداد في هذه الفترة بأنهم كانوا يقضون جل وقتهم في سماع الأغاني، والفرجة على المساخر، حتى جلساء الخليفة المستعصم كانوا من الجهال وأراذل العوام، وهو نفسه مستضعف الرأي، غير مهيب في النفوس ولا مطلع على حقائق الأمور!!

ويقول الجمهور من المؤرخين إن أهل السنة والشيعة في بغداد كانوا في نزاع مستمر، وقد أدى هذا النزاع بينهم إلى حروب وشدائد؛ رائدها الجهل والغفلة عن المصالح العامة، والاستعداد لمواجهة هذا العدو القادم من أقاصي الشرق، وأقصد بهم المغول، والذين توسعوا بإمبراطوريتهم في ذلك الحين حتى وصلوا إلى إيران الحالية وقضوا على قلاع الإسماعيلية فيها، بعد أن أشاعوا القتل والتدمير في كل الممالك التي استولوا عليها، وأهل بغداد وخليفتهم في غمرتهم يلعبون، وقد حاول الخليفة العباسي أن يسترضي هولاكو مرارا وتكرارا بإرسال الهدايا والوفود العديدة إليه، فما كان من هولاكو إلا أن قبل هداياه، وطلب المساعدة منه في القضاء على أعداء هولاكو في إيران وتركيا، ولم يقصر الخليفة العباسي في ذلك طمعا في رضا المغول عليه؛ وتركه على كرسي خلافته، ولكن أنى للطامع أن يشبع، ومنذ متى وللمغول عهد وذمة لغير أبناء جنسهم!!. هذا هو الدرس الذي لم يدركه حكام المسلمين في ذلك الوقت إلا متأخرا جدا، وبعد أن دُمرت أكثر من نصف الممالك الإسلامية في ذلك الوقت.

ما هو دور الخونة والعملاء في تسهيل الغزو المغولي لبغداد؟
كان للمستعصم وزيرا من الشيعة يدعى ابن العلقمي، كان يضايقه ما يلقاه أهل مذهبه من اضطهاد، وقد حدث في أواخر عهد المستعصم أن أغار أهل السنة على الكرخ، وهو من محلة الشيعة؛ فأسرفوا في القتل والنهب، وكان ذلك بأمر أبي بكر أحد أبناء الخليفة المستعصم، فيقال أن ابن العلقمي كتب إلى هولاكو يستحثه ويحرضه على إسقاط الخلافة العباسية في بغداد، وبالفعل لم يضيع الطامع هذه الفرصة، فخرج هولاكو بجيشه، وحاصر أسوار بغداد عشرة أيام، بعدها طلب الخليفة الأمان من هولاكو، واستأذنه في الخروج إليه فإذن له، وبعد أن قدم إليه الخليفة الجواهر الثمينة، وقام هولاكو بتوزيعها على أمراء جيشه، أمر بالخليفة وأهله فقُتِلوا شر قتلة، فبعد أن تم لفهم في السجاجيد قامت خيول المغول بدهسهم، ولم ينفع مع هولاكو طلب السلام ولا تقديم المساعدات المادية والاستخباراتية، من الخليفة العباسي وعائلته، فقتلهم هولاكو شر قتلة، بل وتفنن هو وجنده في قتلهم!!.

وهنا قد يسأل سائل: ما هي العلاقة بين هذه الصفحة السوداء من تاريخ أمتنا وتأكيد الذات؟
والإجابة بسيطة؛ تعالوا معا ندرس التركيبة النفسية للخليفة العباسي المستعصم وأفراد حكومته وحاشيته وكذلك لأبناء بغداد في ذلك الوقت، وذلك من خلال ما كُتِب عن هؤلاء في كتب التاريخ؛ كما سبق ذكره فإن الخليفة المستعصم لم يكن مؤكدا لذاته على الإطلاق، بل هو شخصية ضعيفة، يتأثر بمن حوله من جهلاء عصره، ويأخذ برأيهم؛ وقد علا صوتهم على أصوات العقلاء من أمثال ابن الجوزي، ومن قلة أمر الخليفة أن أوكل وزارته لابن العلقمي الذي كان ينافق الخليفة ويزين له الخطأ في محاربة أعداء المغول واغتيالهم حتى ينال رضاهم عليه، وتركه على كرسي خلافته، وهو في نفس الوقت يوافي المغول بأسرار الخليفة والمسلمين وغيرهم من سكان بغداد، ويمهد لهم الطريق إلى بغداد، فهل كان هذا الخائن الخسيس مؤكدا لذاته. لدرجة أن أحد أبناء المستعصم كان على علاقة مع أحد جواري أبيه، فعرف المغول ذلك وكانوا يهددون ابن الخليفة بفضح ذلك!!!

وهذا يُعد من قمم الانحطاط الأخلاقي في ذلك الوقت، ثم لنتوجه إلى جماهير الناس في بغداد، حيث نجد الفقراء مثقلين بالضرائب، وهم يلهثون وراء لقمة العيش، والأغنياء وهم قلة قليلة يعدون وراء مجالس الطرب والغناء و الغزل في الجواري، وفوق كل ذلك دب الخلاف والتشاحن والبغضاء بين أنصار السنة والشيعة ببغداد وما حولها، فهل لهؤلاء العامة بعد ذلك من رأي أو فكر يؤكدون به ذواتهم أو يطالبون بحقوقهم، أو حتى يعرفون للآخرين حقوقهم، لقد افتقدوا القدوة فيمن يقودهم، وعم الظلم، وانحسر العدل، فكيف لقوم ضاع الحق بينهم أن يواجهوا أقوى جيوش الأرض تسليحا وتدريبا ومهارة وحزما وتدبيرا في ذلك الوقت، إنه جيش المغول بقيادة هولاكو الماكر السفاح، والذي رُبي هو و جنده على عشق الدم والتدمير والتخريب، وفي المقابل نجد أهل بغداد قد ربوا على حياة الترف والدعة والتعلق بالدنيا ومتاعها الفاني، ومن عجائب ما يُروى: أن جنديا من المغول بمفرده أسر أربعين رجلا من أهل بغداد، وأمرهم أن يقفوا مرفوعي الأيدي على حائط بيت من بيوت بغداد، وألا يتحركوا من أماكنهم؛ حتى يعود إليهم ويقتلهم، وبالفعل ظل هؤلاء الأشخاص في أماكنهم حتى عاد إليهم الجندي المغولي بعد فترة من الوقت وقتلهم!!!، ويمكن لنا أن نتخيل مدى التعلق بالدنيا الفانية والوهَن والجبن الذي رُبي عليه هؤلاء الرجال في تلك الأيام!!!.

فيا ترى هل هناك أوجه للشبه بين اغتصاب القوات الغربية لبغداد في وقتنا الراهن وما رافق ذلك من فوضى وضياع وقتل للعراقيين واغتصاب هولاكو و جنوده لها منذ أكثر من سبعة قرون؟؟!! وعن حال أهل بغداد في هذه الأيام وحالهم منذ بضعة قرون؟؟؟!! وبين شنق صدام ودهس المستعصم تحت حوافر خيل التتار؟؟!!، وهل هناك أوجه للشبه في الخلافات بين السنة والشيعة في العراق منذ أكثر من سبعمائة عاماً والخلافات المستعرة بينهما اليوم؟؟!!.

أعتقد أن أوجه الشبه بين الموقفين كبيرة وعلينا أن نستعد لموقعة تاريخية فاصلة كمعركة عين جالوت عام 1260 م (أي بعد سقوط بغداد بعامين فقط) لوقف الغزو المغولي الجديد القادم هذه المرة من الغرب.

واقرأ أيضا:
صفحات من تاريخ الطب النفسي  / لماذا تنعي مجانين صدام حسين؟  / لماذا تنعي مجانين صدام حسين مشاركتان  / عمرو عماد مع مجانين ينعي صدام حسين  / لماذا تنعي مجانين صدام حسين مشاركات



الكاتب: أ.د مصطفى السعدني
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/01/2007