إغلاق
 

Bookmark and Share

اضطـراب الشـخصية المتجنبـة ::

الكاتب: أ.د.عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 28/10/2007

اضطـراب الشـخصية المتجنبـة(المتحاشية أو الرهابية)

تعريف:
السـمة الرئيسة في اضطـراب الشـخصية المتجنبـة (المتحاشية أو الرهابية)Avoidant (Phobic) Personality Disorder نمط من الانزعاج الاجتماعي والجبن والخوف من التقييم السلبي الذي يسود حياة المصابين به، بمعنى آخر هذا الاضطراب هو نموذج من التثبيط الاجتماعي، ومشاعر القصور وعدم الكفاية، وفرط الحساسية نحو التقييم السلبي، ويبدأ هذا الاضطراب في فترة البلوغ ويتظاهر في سياق العديد من التصرفات، ويستدل عليه بتوفر أربعة على الأقـل مما يــلي:

يتأذى المصاب بهذا الاضطراب بسهولة من انتقاد الآخرين له أو عدم استحسان تصرفاته.
ليس لديه أصدقاء مؤتمنون أو مقربون (ربما صديق واحد) من غير أقارب الدرجة الأولى.. فهو يبدي تحفظاً ضمن العلاقات الودية بسبب الخوف من أن يكون موضع استهزاء وخجل.
لا يرغب بإقامة علاقات مع الآخرين ما لم يكن متأكداً من أنه سيكون محبوباً.
يتجنب النشاطات الاجتماعية أو المهنية التي تتطلب احتكاكاً مهماً مع الآخرين فعلى سبيل المثال (يرفض الترقية التي تزيد من واجباته الاجتماعية)..
يتصف بكونه كتوماً لخوفه من التفوه بأشياء غير ملائمة أو تتسم بالحماقة أو لخوفه من العجز عن الإجابة على أي سؤال يوجه إليه.. فهو مثبطاً في المواقف البيوشخصية الجديدة.
يخاف من الارتباك في مواجهة الآخرين هذا الارتباك يتظاهر بالبكاء والخجل وظهور علامات القلق.. فهو ينظر إلى ذاته على أنه غير كفء، ولا يسترعي الانتباه أو ناقص في أعين الآخرين.
يبالغ في الصعوبات والمخاطر الجسدية والمتاعب التي قد يلاقيها حين تأدية عمل عادي خارج نطاق الأعمال الروتينية المعتادة، وكمثال على ذلك أن يلغي خططاً اجتماعية لأنه يتوقع أن يصاب بالإعياء إذا بذل الجهد لتأديتها.

الانتشار:
هذا الاضطراب شائع بشـكل واضـح في وقتنـا الحاضـر..

المظاهر المرافقة:
من الشائع أن يعاني المصاب بهذا الاضطراب من الاكتئاب والقلق والغضب من نفسه لإخفاقه في إقامة علاقات اجتماعية وقد يترافق الاضطراب مع رهابات محددة.
يتوق المصاب على الرغم من عزلته الاجتماعية إلى نيل محبة الآخرين وقبولهم له خلافاً للمصاب باضطراب الشخصية الفصامانية Schizoid Personality Disorder الذي يتصف بالعزلة الاجتماعية ولكن ليست لديه الرغبة في إقامة علاقات اجتماعية.

المعالجة:
إن لعدد من المقاربات العلاجية النفسية فائدة في معالجة هذا الاضطراب:
تعمل المعالجة النفسية الموجهة دينمياً نفسياً مع التفسير على تلطيف حدة الخوف المرتبط بصراعات لا واعية.
المقارنة السلوكية: التدريب التعبيري والتدريب على المهارات الاجتماعية لزيادة ثقة المريض بنفسه وهذا ما تسعى إليه أيضاً أساليب نزع الحساسية (التعرضdesensitization exposure).
قد تفيد أساليب المعالجة المعرفية في تقليص وإزالة الادعاءات المرضية التي تنقص ثقة المريض بنفسه إلى حد كبير.
المعالجة الجماعية.
قد يفيد إعطاء الأدوية المضادة للقلق ولا سيما البنزوديازبين و/ أو buspar في إزالة القلق البدئي.

قصة سريرية:
استشار شاب عازب عمره تسعةٌ وعشرون عاماً طبيباً نفسياً، إذ كان يعاني من الوحدة وقلة الأصدقاء، ترعرع هذا الشاب في مدينة ساحلية ودخل الجامعة لمدة سنتين تقريباً ليدرس العلوم الطبيعية، لم يكمل مشواره الجامعي وعمل في المرفأ، واستمر في عمله هذا حتى تأديته خدمة العلم ولم يشعر بالوحدة أثناء ذلك والسبب هو أن الناس كانوا دوماً حوله، تم الطلاق بين والديه حين كان في التاسعة من عمره كان أباه كثير التغيب عن البيت لكثرة تجواله بحجة أعماله.

لقد شعر المريض بعدم وجود علاقة حميمة مع والدته، ولديه مشاعر سلبية تجاه أبيه، ولم يكن قريباً من أخته التي تكبره بسنتين أو أخيه الأصغر منه بأربع سنوات، وقد صرح عند مناقشته عن شخصيته بأنه يشعر بشيء ما حيث قال: "هناك خطأ ما عندي"، فهو يرى نفسه أنانياً ويرغب بالأصدقاء ولكنه لا يستطيع أن يكوّن الصداقات إذ قال: "أنا لا أستطيع أن أكوّن أصدقاء"، وقال أنه يتناول الشراب في عطلة نهاية الأسبوع ويذهب إلى الخانات للمراهنة أو يبقى في البيت لمشاهدة التلفاز، ولا يتكلم مع أي من المقيمين في البناء الذي يسكن فيه وعلى الرغم من كونه قادراً على التحدث مع بعض زملاء العمل، فهو يقول:"أنا غريب بالنسبة لهم"، وهو يدرك أنه يفعل أشياء تجعل الناس بعيدين عنه.

وعلى الرغم من حقيقة كونه يحيا حياة منعزلة إلا أنه تواقٌ في أعماق نفسه لمحبة الآخرين وقبولهم له وكان يطلب المساعدة ليتعلم كيف يستطيع إقامة علاقات مع الآخرين.

خـلاصة:
إن أصحاب الشخصية المتجنبة (الرهابية أو المتحاشية) هي شخصيات حساسة جداً لأي رفضٍ كامنٍ، إذلال، أو خجل، وتتهدم لأخف اقتراح انتقادي أو عدم الرضا، والتقييم الذاتي مخرب عندهم بشدة، ورغم رغبتهم بالمشاعر والقبول فإنهم يميلون إلى الانسحاب من العلاقات الاجتماعية والعلاقات الشخصية الحميمة، وقد يُظهر أفراد هذه الشخصية أعراضاً رهابية صريحة، تقودهم إلى حصرٍ أكبر للعلاقات الاجتماعية، ومثال أدبي على شخصية متحاشية أو رهابية هي لورا رينغفيلد في كتاب غسيل الكأس Tenessee Williams.

واقرأ أيضًا:

الشخصية التجنبية والحياة على الهامش
الشخصية التجنبية... في بحر الحياة
الشخصية التجنبية أم الرهاب الاجتماعي؟

* نشرت على الشبكة العربية للعلوم النفسية



الكاتب: أ.د.عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 28/10/2007