الفراشة حصرياً... ومساحة اللاقرار م5
إنكار
يُقال أن العلماء والعباقرة أحد الأسباب المهمة في نجاحهم هي آلامهم، وأن الألم هو هدية الباري إلينا لنكون أكبر وأقوى وأكثر حكمة، يقول بوريس سيرولنيك: (النجاح ليس دائماً دليلاً على التألّق، إنّما هو غالباً المكسب الجانبي من ألمٍ كامن). أتساءل أنا آلامنا فيمَا استثمرناها؟
والأهم أتساءل عن السبب الذي يدفعني للكتابة الآن بلا مقدمات أفتحُ صفحةً بيضاء من صفحات الوورد للأنتظر يوم فتح باب الاستشارات.
إنها أنا (الفراشة) أستاذة أميرة.
لطالما لاحظتِ ارتباكي وعدمية الأمان التي أشعر بها، اليوم ستلاحظين إنكاري للواقع إنكاري لكل شيء حولي.
مواجهتي الناضجة التي تحدثتِ عنها في استشارتي الأخيرة كنتُ أسعى إليها فعلا وبصراحة أكثر كنتُ أنتظر موقفا لتكون المواجهة الناضجة أسهل فأنا لا أمتلكُ الشجاعة لنبش الماضي فجأة ومن دون مقدمات، أستاذة أميرة المواقف التي تحتاج إلى مواجهة كانت حساسة جدا وربما أحدُ أسباب عُزلتي هو أن لا أكون في حجم الخوف الذي سأكون فيه أثناء المواجهة والخوف الأكبر أن الطرف الآخر لن يفهمني.
أعترفُ أني لا أقوى على ذلك وأن شجاعتي خانتني في المضي قِدماً. وأنني الآن في أصغر شرنقة في هذا العالم البائس ويقودني تهوري أحيانا برغبة في تناول محسن مزاجي، ربما تتساءلين ويتساءل أي قارئ لاستشارتي ويقول لماذا لا أخوضُ التجربة لعل الطرف الآخر يفهم!
سأختصر الطريق ولن أدعي أنه طرفٌ آخر لأنكِ أصبتِ حين توقعتِ أنها والدتي، أو لأني لم أتحدث عنها إلا قليلا فلم يصعب عليكِ الاستنتاج. فكما يقولُ جبران: (ليست حقيقةُ الإنسان بما يظهرهُ لك، بل بما لا يستطيع أن يظهره، لذلك إذا أردت أن تعرفه فلا تصغي إلى ما يقوله، بل إلى ما لا يقوله) لستُ هنا لآخذ دور الواعظ الديني وأدعي أن مواجهتي ستكون خلاف البر بها وأتحدث بالوعيد والتهديد لعاق الوالدين، فلستُ أعتقدُ أن ذلك خلاف البر، ولستُ هنا لأبحث عن أسلوب مواجهة ناضج، في الحقيقة أنا لا أعرف كيف أخرجُ من هذه المتاهة، هناك أشياء أُحرزُ فيها تقدماً، وأخرى تأخراً.
أستاذة أميرة لا أريد نبش الماضي فلا أدري إن كان سيعودُ علي ذلك بفائدة أم لا، هل ستفهم والدتي ذلك؟ وهل سأجيد وصف الموقف ووصف ما أشعر به وما آلت إليه الأمور بطريقة صحيحة؟!
فأنا لازلتُ أُنكرُ أن ذلك حدث أي تلك المواقف.
علاقتي بوالدتي جيدة ولكن أحب أن تكون بيننا مسافات، وأحيانا تأتيني رغبة جامحة بإزالة تلك المسافات ولكن بمجرد الجلوس معها والحديث في مواضيع عامة أشعرُ بأنه لا داعي لإزالة المسافات، وأحيانا ألومُ نفسي على جعل الوقت يمر والعمرَ يمر من دون أن أُبادر بعناق طويل. ماذا أفعل؟ كيف أخرجُ من هذه المتاهة؟
18/3/2016
رد المستشار
اهلا بك من جديد "الفراشة الرقيقة، الكاتبة الجميلة" لم أطلب نبش الماضي لتقتربي من الالم الكامن كما ذكرت، ولم اطلب نبش الماضي لتغرقي في محيط النواح على الحظ العاثر الذي التصق بك منذ صغرك فلا تنجو أبدا، ولكن النبش فيه بطريقة صحية لتتمكني من التقدم للأمام فكفاك متاهة!، فلن استطيع أن أدافع عن تصرفاتها التي جعلتك تأخذي قرار بالمسافة بينكما، ولكن أستطيع أن أدافع عن احتياجاتها هي كبشر.
أستطيع أن أرى خطئها مثل أخطائي، وأخطائك، واخطاء كل من ينتمي للبشر؛ لأنهم يخطئون وسيظلوا يخطئون، فلا يوجد واحد منهم لا يخطىء؛ فالقصة إذن تعود بشكل كبير لطريقة تفكيرك التي تجعل مشاعرك تتجمد نحو من آذاكي، أو أن تكون سلبية خصوصا حين يكون عن غير تعمد؛ فلتنظري للماضي معها لا كابنة تنظر لأمها، ولكن كفتاة تنظر لامرأة كيف كانت حياتها، وكيف حرمت من احتياجاتها الاساسية من الحب، والرعاية، والاهتمام، والاحترام، الخ، كيف كانت تتحمل صعوبة حياتها؛
ولا أقول هذا لتتنازلي عن حقك فيما تحتاجين للحصول عليه منها كأم، ولكن أقوله لأنه طريق النضوج، وهو نفسه طريق النجاة، وهو نفسه طريقك لتتمكني من تقريب المسافات!، فقد يحول حرمانك من احتياجاتك منها، أو يحول غضبك منها بينك وبين طريق النجاة، والقرب، وأنت تحتاجينه يا صديقتي.
وهنا اسألك منذ متى وكانت الراحة النفسية تأتي من طريق سلس سهل؟، ولكن قبولك لخوفك دون تكيف، سيجعلك أكثر جرئة في "طلب" احتياجاتك لا المواجهة، وقبولك لألمك دون رفض له هو نفسه ما سيجعلك تتجاوزينه، والقرار دوما قرارك، لأن من ينفذ هو أنت وأنت فقط، فما حدثتك عنه يغنيك عن محسن المزاج بعد وقت طال، أو قصر حسب "جدعنتك مع نفسك"، دمت بخير.
ويتبع >>>>: الفراشة حصرياً... ومساحة اللاقرار م7