إغلاق
 

Bookmark and Share

عام على مجانين جعله الله خيرا للعالمين! ::

الكاتب: د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/08/2004

كنت أجمع في ذهني أفكاراً تتعلق بموقف الإسلام من العقل وأنا أعيش قريبا من أناسٍ هم أهلي وقومي، أرى نفوسهم تميل إلى تصديق الخُرَافة في أحاديث الخَرَّافة خاصةً إذا ألبست الأحاديث ثوب الدين، في حين أجد الإسلام يحارب الخرافة ويدعو إلى إعمال العقل، وبينما أنا كذلك فاجأني الأستاذ يحي صلاح الدين سكرتير مجانين، بضرورة أن أكتب مقالا لزوار الموقع بمناسبة مرور عام كامل على الانطلاقة الكبرى لمجانين نقطة كوم، وكنت قبل ذلك قد اكتفيت بأن طلبت من مصمم موقعنا المهندس محمد شوقي رده الله إلى حضن مجانين قريبا إن شاء الله، أن يضع ما يراه مناسبا على مدخل الموقع  إعلاما للقريب والبعيد أن عاما من العمر قد بلغَ هذا الموقع الوليد، فوجدت أن اقتراحه منطقي، وبدأت أجمع بعض الخيوط من الذاكرة فأسأل الله أن يلهمني القول الذي يجبُ أن يقال.

وعادت بي الذاكرةُ إلى ما كان في مثل هذا اليوم منذ عام، حيثُ كنتُ أقوم أنا وأخي الدكتور أحمد عبد الله، بالرد على الاستشارات وكتابة المقالات وتجهيز مادة مجانين كلها، وكنا نتوقع حدوث بعض الزيادة في زوار الموقع (الذي كان قد انطلق كنسخة تجريبية في ثالث أيام عيد الأضحى المبارك من سنة 1422، وظلت النسخة التجريبية حتى يوم الأربعاء 15 جمادى الثانية، 1423)، وذلك تزامنا مع ما توقعنا ترتبه على طباعة وتوزيع كتابي الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي، والمطبوع ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية(عدد يونيو 2003 رقم 293)، والذي كنت حين كتب لي
أحمد  "سيرة المؤلف الذاتية"، أضاف في آخرها كما أنشأ له موقعا شخصيا على الإنترنت لخدمة نفس أهدافه من عمله مستشارا في صفحة مشاكل وحلول للشباب في إسلام أون لاين، ووضع أحمد عنوان الموقع الإليكتروني، ولذلك طلبت من مصمم الموقع الجديد أن يقوم بتصميم نسخة للموقع أكثر تطورا من موقع مجانين القديم، ولشدَّ ما أخجلني أن تأخرت النسخة الجديدة، خاصة وأن موقع محيط  كان قد أعلن عن موقع مجانين، تقديرا من أحد كبار هيئة تحرير ذلك الموقع الكبير، لصاحب ذلك الكتاب وموقع صاحب ذلك الكتاب، ولقد شكرناهم وأجرينا حوارا معهم أجبنا فيه على أسئلة القراء عن الأمور النفسية وعن الوسواس القهري، وها نحن نجددُ شكرنا لهم على دعمهم لموقعنا منذ بداية البث الحقيقي لمجانين.

المهم أنه لا أنا ولا أخي وحبيبي أحمد عبد الله كنا نتوقع ما توالى علينا من تفاعلٍ يبشر بخير ما نفعل وخير من يشاركوننا فيما نفعل، لم نكن نتوقع أن يجد مجانين ذلك الصدى وذلك التفاعل الذي أخذ يشدُّ كلا منا دون أن يدري، وإن كانت قوة الشدُّ عليَّ أكبر لأن الموقع ينطلق من الزقازيق وأنا أعيش في الزقازيق عادة، وابن عبد الله يعيش في القاهرة غالبا، ولم يكن من المستشارين من اتفق على سبق الإصرار والترصد معي أن نقول قولاً مختلفا في هذا الموقع، ليس لأنه مختلف بقدر ما نقوله لأنه لابدًَّ أن يقال! أو لأنه إقرار وتنفيذُ "لزوم ما يلزم" منا تجاه مجتمعنا وأمتنا، لم يكن قد اتفق معي غير أخي الأكبر الدكتور محمد المهدي، ذلك الرجل العطوف الرصين، الذي طالما أنعشتني جلسات العصف الذهني معه على هوامش المؤتمرات الطبية خلال سنوات سابقة، وكنا نشعر بطموح ما ننوي أن نقول، لكننا أيضًا لم نكن نتوقع ربع ما لقينا من تفاعل من الناس، فالحمد لله من قبل ومن بعد.

وبدأت العمل معنا بعد ذلك الأخت المستشارة د.داليا مؤمن فكانت شعلةً متقدةً من النشاط والعطاء، يلجأ الموقع لها عند ضغط الاستشارات وعند الحاجة إلى ترجمة نص بلغة المترجم المتمكن، وقد قامت بالرد على ما يربو عن 100 استشارة خلال فترة وجيزة إذا قارناها بغيرها من المستشارين باستثناء
العبد الفقير كاتب المقال  وابن عبد الله الذي لا تخلو حقيبته من استشارة لمجانين أو مقال، وبينما أكرمنا  الدكتور محمد المهدي بفيض غزيرٍ من مقالاته، نجدُ من المقلين مستشارا مثل الفقيه الدكتور محمد شريف سالم، قدم لنا أعمالا رائعة عن العلاج المعرفي السلوكي لمرضى الوسواس القهري، تعتبر بحق أعمالا يتسلم مجانين بها حق الريادة ومفاتيح علاج المرضى النفسيين المتدينين في هذا الزمن الملتبس.

وكثيرون من ساندوا موقعنا بالدعم الفكري، ومن بين هؤلاء كثيرٌ من أصدقاء مجانين الذين عرفناهم من خلال كتاباتهم لنا، ومعظمهم كانوا معنا بالبريد الإليكتروني عندما تعرض موقعنا لتلك الهجمة الشرسة التي أدت إلى توقفه عن البث ما يقارب الشهر لأسباب تتعلق بالخادم القديم للموقع في السويد والذي كان يضع مواقع لهيئات تدعم حماس فلم يسلم ولم نسلم من أذي الصهاينة، وأيامها قلنا:

* لم نكن نتوقع يوما أن يأتي اليوم الذي ينطلق فيه هذا الموقع، ولم نكن نتوقع أن يتلقاه الشباب بالقبول فيذيع صيته دون أي جهد في دعاية أو ترويج، ولم نكن نتوقع أن نصبح كما أصبحنا أذنا تسمع، وقلبا يتضامن، وعقلا يجتهد، وروحا تغيض، ونفسا تجيش بمشاعر الخوف عليكم، والحب لكم، والشوق إلي لقاءكم في الدنيا أو في الآخرة. ولم نكن نتوقع أيضا أن نكون يوما ما هدفا للتخريب الإليكتروني الذي حرمنا من اللقاء طوال الأسابيع المنصرمة، وغالب الظن أن هذا التخريب قد تم بأيادي "جيراننا" "الساميين الديمقراطيين المتحضرين" في "الشرق الأوسط الكبير" أرقام الدخول وبياناته تظهر أن علينا دخولا كبيرا من "إسرائيل" !!! ولعله من عرب 48 !!!

وكشفت أجهزتنا وجود سبع برامج تجسس إليكتروني علي محتويات الموقع!!! لعلها رقابة أمنية!!! وعلي كل حال…. وحتى إشعار آخر فإننا مستمرون في أداء ما نذرنا أنفسنا من أجله، ونريدكم معنا، وبشكل عملي نريدكم أن تبدأوا حملة ترويج مكثفة لتعريف المستخدم العربي بموقعنا نريد آلاف الرسائل التي ترشد إلي موقعنا ومحتوياته، نريد أن نستقبل في اليوم آلاف الزوار لتنتشر رسالتنا أكثر، وتمتد خريطة تغطينا لتصل إلي كل شاب عربي وفتاه عربية.

ادخلوا إلي المجموعات البريدية، وناقشوا القضايا بما فهمتموه من خبرة موقع "مجانين" واجتذبوا الناس إليه، فهذا هو الرد الصحيح والإيجابي. وليكن شعارنا:" أرادوها تعطيلا وتخريبا …. فكانت تجديدا وانتشارا"...... في انتظار جهودكم ونتائجها.
 
ومن هؤلاء ليلى العربية صاحبة
رسائل من الجنة، والتي شاركتنا بحق في باب فلسطين يد بيد، وغيره من أبواب وأقسام الموقع، وكذلك مصرية حالمة صاحبة قصة طفل فلسطيني، وإعلان وفاة العرب.....؟!!!!!!!، ولا ننسى رحاب المصرية المقيمة بأمريكا، ورحاب المصرية التي تقيم بمصر ما تزال، والصحفي أسامة مكي، والقائمة طويلة، وذاكرتي منهكة فليعذرني من نسيت من أصحاب الفضل على مجانين.

تلك كانت لقطات من ذاكرةٍ أنهكها عامٌ من المسئولية عن مجانين، لكننا كلما مضى بنا الوقت استشعرنا قيمة وأهمية وحلاوة ما نقوم به، من خلال تفاعل الزوار المتزايدين بصورةٍ لن أفصل عنها "ومن شرِّ حاسدٍ إذا حسد"، فازددنا رغبة في العطاء، وازددنا اقتناعا بأننا نقول ما كان يلزم أن يقال، وذلك لأننا فيما نشعرُ، نقول ما ينتظرهُ قطاع كبيرٌ من العقول العربية المسلمة، التي تحاول أن تفكر بمنهجٍ عربي مسلم قدر إمكانها وقدر استطاعتها، إلا أنه منهجٌ عربي مسلم قادر على البقاء والعطاء والإبداع والابتكار مع التأصيل في نفس الوقت، وهو ما نظنه جزءًا مهما من جهادنا المدني، والذي ندعو فيه إلى تحالف الأجيال معنا، لكي يكونُ الإبحارُ
إبحار أجيالٍ من أجل تعاقب الأمواج البناءة.

فحقيقةُ ما يحدثُ في مجانين هو ما أشار إليه أحمد عبد الله دون أن يدري في تصديره الذي لم ينشر من قبل لكتاب
لكتاب الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي حين قال مشيرا إلى العلاقة الخاصة التي تربط جيلنا بالذات بالإسلام (ننتمي لجيلٍ واحد اعتقدتُ طويلاً أن لديه شيئًا جديدًا يمكنُ أن يضيفهُ فينفعَ به الناس، ولكن هذا الجيل لم يقلْ شيئًا من بعض الذي لديه حتى الآن، وأسبابُ ذلك متعددةٌ يمكنُ تخمينها، فمازالت المنابرُ تصدحُ بأصواتٍ معتادةٍ، وخطابٍ سابق التجهيز، والعلاقةُ السائدةُ بالإبداع عامةً، والتجديد الحقيقيِّ خاصةً ما تزالُ غامضةً أو محلَّ تساؤلاتٍ وشكوك، ومن يملكُ السلطةَ أو الثروةَ أمامهُ ركامٌ هائلٌ من إنتاج أفرادٍ ومؤسساتٍ تنتظرُ دورها في الظهور مدعومةً بمرجعياتٍ ومؤهلاتٍ، وعلاقاتٍ شخصيةٍ ممتدةٍ لعقود، وخلاصةُ المشهد أنهُ رغم صعوبة إثبات حالة الاحتكار الثقافي والعلمي التي نعيشها، فإن الجميعَ يلمسها ويشعرُ بها، والغالب يراها رأي العين، والبعضُ يتهامسُ بشأنها في الدوائر الضيقة أو من وراءِ جُـدُرٍ، وفي سياقٍ لا يعتبرُ البحثَ العلميَّ من أولويات التنمية، ولا يطلقُ حريةَ التفكير والتعبير إلا في المساحات والمناطق الآمنة، وفي جوٍّ من الميل إلى الجمود العقلي والاجتماعي، والركود الإعلامي والسياسي يصبحُ الاجتهادُ مغامرةً أو مخاطرةً مجهولةَ العواقب، ومن الجوانب التي يتصفُ بها جيلنا، وربما يتميزُ عن غيره، تلكَ العلاقة الخاصةُ بينهُ وبينَ الإسلام كدينٍ وثقافةٍ وتجربةٍ حيةٍ مع الفعل اليومي بميادينه المختلفة، فجيلنا هوَ الذي عاصر في سنوات تفتح وعيه ذروَةَ صعود ووعود الظاهرة الدينية من نهايات السبعينات وحتى بداية التسعينات، وهو الذي تابع بوعي كاملٍ مآلات هذه الظاهرة، وما وصلت إليه وعودها من مصائر، وإذا كانَ منحنى الصعود والمآلات هو لدى الكثيرين موضعَ بحثٍ وتأملٍ، أو عظَةٍ واعتبارٍ، أو حتى حزنٍ أو فرح، فإنهُ بالنسبة لجيلنا -أو أغلب أفراده على الأقل- كانَ وما يزالُ خطا رئيسيا في السياق الدرامي لحياة كلٍّ منهم "إذا صح التعبير".، وأرى أن الوعي الكامنَ الذي اختزنهُ جيلنا في مسار علاقته بالدين، أو تدافعه مع أحداثٍ جسام شهدها العالمُ في حقبة الثمانينات والتسعينات، وحتى نهاية قرنٍ، وبدايةِ آخر، أرى أن هذا الوعيَ بكل تنويعاته، وبكلِّ كثافته يمكنُ أن ينتجَ شيئًا جديدًا في مجالاتٍ متعددةٍ، وهذا الكتابُ محاولةٌ لذلك.) ولعلني أضيف هنا وهذا الموقع محاولةٌ لذلك.

ويتابع ابن عبد الله كلامه قائلاً (ففي مطلع شبابنا حاصرتنا دعاياتٌ واسعةٌ عن عظَمَةِ الإسلام وشموله لكل نواحي الحياة، وجدارته بقيادة الحضارة، وأستاذية العالم، وإدارةِ دفَّـةِ الدنيا لأنهُ الحقُّ من عند الله، ولكنَّ أحدًا لم يقلْ لنا وقتها-ولا بعد ذلك- كيفَ يمكنُ أن يحدثَ هذا؟!! وبماذا؟! وبمن؟! هل سيقودُ الإسلامُ العالم بوصول جماعات أو أحزابٍ معينةٍ إلى الحكم، واستخدام السلطة وأدواتها في رفع شأن البلادِ والعباد؟! هل سنديرُ دفةَ الحضارة الإنسانية بقوة السلطان أم بحلاوةِ الإيمان أم بحماسة الفتيان؟!! وفي غمرة معارك العيش تجاهلَ بعضنا مثل تلك الأسئلة، واكتفى البعضُ بالإجابات العامة التي لا تكفي إلا لتسكين قلقه النفسي الشخصي، ولكنَّ آخرينَ ما زالوا يبحثونَ عن إجابة السؤال: هل يمكنُ أن يكونَ للإسلام والمسلمين المعاصرين علاقةٌ بالعالم والعلم تستندُ إلى رؤيةٍ معينةٍ للكون والإنسان والحياة، وخبرةٍ تاريخيةٍ ومعاصرةٍ في التطبيب أو التنظير أو تخطيط المدنِ مثلاً؟!! هل يمكنُ أن يكونَ لنا ونحنُ أبناءُ هذه المنطقة، وهذه الثقافةِ والحضارة إسهامٌ في المعرفةِ العالمية يتجاوزُ مجردَ الترديد والترجمة عن الآخرين إلى استيعابه، ونقده، والإضافةِ عليه؟!! هل لدينا الحقُّ ابتداءً؟! ثم هل لدينا الجسارةُ ثانيًا؟! ثم هل لدينا القدرةُ والمهارةُ ثالثًا؟! من سينتج؟! ومن سيسمع؟! ومن سيعترف بإضافة؟! أو يشجع توجه؟!. هذه أسئلةٌ تبدو الآنَ أكثر إلحاحًا وسخونةً، والعالمُ كلهُ يضعنا تحتَ عدَسَةِ المجهر يتفحصُ ملامحنا، ويرصدُ أفعالنا وردودَ أفعالنا، ويتسمعُ لهمسنا لعلَّ فيه ما يفيدُ، أو معلومةٍ عن هجومٍ إرهابيٍّ جديد!! وليسَ أقلَّ من أن نمتلك الشجاعةَ فنعترفَ بهذه الوضعية، وليس أقل من أن نعتمدَ الصراحةَ في مواجهة الحقائق، ومنها أن كلماتٍ مثل الاجتهاد والجهاد وحتى الإسلام- بكل ما لها من قيمةٍ واحترامٍ لدينا أصلاً- قد صارت كلماتٍ سيئة السمعة غالبًا في العالم من حولنا، وأن تجاهل هذا الأمر لا يعني دفنَ الرؤوس في الرمال فحسب، ولكن أيضًا الاستسلام لمستقبلٍ شديد البؤس تبدو ملامحهُ وتتكشفُ لنا يومًا بعد يوم.

وإذا كنا جميعًا كثقافةٍ وأمةٍ ومجتمعاتٍ قد جرَّبنا الكذبَ كنمطِ حياةٍ، والتلفيقَ كمنهاجِ تفكيرٍ وتخطيطٍ وتسيير، وتأجيل المشكلات كآليةٍ ثابتةٍ للاشتباكِ معها، فإن هذا لم يعد يصلحُ برأيي، وأمامنا أن نختارَ بينَ التدليل العملي على ما نردِّدُهُ ليلَ نهار من أن الإسلام هوَ دينُ العلم والتحضر والتمدن، والتقدم والسماحة... إلى آخره من قائمة القيم الإيجابية التي تحملها رسالته، وأنهُ ليسَ دين الجمود أو التخلف، أو معاداة الحرية والإنسان كما يبدو من الممارسات السلبية لأغلب أبنائه، إما أن نستطيعَ الدفاع عن أنفسنا، وعن اختيارنا للإسلام ثقافةً وحضارةً قبلَ أن يكونَ دينًا ومعتقدًا، أو أن نتبرَّأَ منه ونَنسبَ إليه -مع الآخرينَ- كلَّ ما يوصمُ به من اتهاماتٍ وشبهاتٍ وأباطيل، وكثيرًا ما نسمعُ ونقولُ أن جهودًا مضنيةً تنتظرُ الجادينَ والمخلصينَ-في هذا الصدد- من أجل تصحيح صورةِ الإسلام والمسلمين، وتتواترُ على إثر ذلك دعواتٌ لتمويل حملاتٍ دعائيةٍ، أو إطلاقِ قنواتٍ فضائيةٍ، أو إرسال أفواجٍ تبشيريةٍ لإقناعِ غيرنا أننا والله أفضل مما يظنون! ونرى أن الأهمَّ والأصوب -ولا أدري هل هو أسهلُ أم أصعب؟- أن تنصرفَ طاقاتنا لتحسين "الأصل" أي واقعنا الفعلي، وحينَ ينصلحُ الأصلُ ستتعدلُ الصورةُ حتمًا وبصدق، ومن أهم سُبُل تحسين الأصل أن نتوكلَ على الله، ونشمِّرَ عن ساعد الجد في إنتاج المعرفة، والبحث العلميِّ الرصين، ولا يحتاجُ هذا إلى ما قد يتصورهُ البعضُ أو يصورهُ من مزيد مُعداتِ وميزانيات بقدر ما يحتاجُ إلى خطةٍ وعمل، وجسارةِ فكر، وجهد باحث، وحريةٍ أكاديمية، وسياقٍ يحتفي بالجديد فيرحبُ به وينشرهُ، ويدعمهُ مناقشةً وتطويرًا وتعميقًا فضلاً عن مكافأة من يجيدُ بما يستحق، وتوجيه من أخطأ إلى ما يصلحُ به إسهامَهُ القادم.)

بهذا العمق إذن قدم
ابن عبد الله لكتاب الوسواس القهري، وأرى في اقتباسي لبعض كلماته التي أزين بها مجانين في هذا المقال وبهذه المناسبة، ما سيمثل هدية تسعده، فهذه سطورٌ لعله نسي أنه قالها في أوائل النصف الثاني من عام 2002، أي قبل الحرب على العراق، ولا يملك منها نسخة اليوم، وأراها تصلح تقديما لمجانين، وفي هذه الحالة أقول أن مستخدمي الإنترنت من العرب وكثيرين من المثقفين ورجال الصحافة والإعلام كانوا أكثر حفاوةً بمجانين بمراحل مما توقعنا، فهم احتفوا بالجديد وشجعوا التوجه، ودعوا لأصحابه وساعدوهم وساندوهم، ونسأل الله أن يديمهم نعمةً منه على موقعنا، وأبشر أصدقاء مجانين هنا ببابٍ جديدٍ سيظهرُ قريبا على مجانين نسميه مجانين في عيون الآخرين، حيث سنورد ما وصل يدينا مما ظهر عن الموقع في مختلف الصحف والمجلات العربية وبعض تسجيلات مستشارينا في الفضائيات العربية، فانتظروا ذلك الباب الجديد، ولعلنا اضطررنا بعد النقد المتعجل الذي وجهته لنا مجلة روزاليوسف ونشرناه في مقال :قالوا عن مجانين في روزاليوسف، وقمنا أيضًا بنشر ردنا عليه في مقال: ردا على روزاليوسف : النبي عربي يا دوك، لعلنا اضطررنا إلى التعجيل بالنشر خاصة وأن لهجة روزاليوسف تختلف عن لهجة جريدة القاهرة، أو مجلة أكتوبر أو مجلة صباح الخير، وكلهم تكلموا عن مجانين، وأجلنا نشر مقالاتهم لنزين بها مجانين في عيون الآخرين.

وأعود بعد ذلك إلى لقطات الذاكرة المنهكة المنتعشة بما أنعم الله عليها من إنجاز، فأذكرُ من بين صاحبات
استشارات مجانين (وقد وصلت اليوم 1113 استشارة من مسلمين ومسيحيين على حد سواء) واحدةً أضحكتنا أنا وابن عبد الله هي ابنتنا بهدلة التي أصبحت منار، حيث راحت في واحدة من متابعاتها معنا تدعو لكل العاملين في الموقع من أكبر المستشارين إلى حد العامل الذي يقدم لنا القهوة! وكان العاملون في الموقع وقتها أنا وابن عبد الله وتساعدنا سكرتيرتي التي تدير عيادتي في الزقازيق، فقد تطوعت لتحمل العبء معنا بارك الله فيها، فهي التي خطت بأصابعها ثلاثة أرباع ما يحمله مجانين من كلمات، وقال أحمد لبهدلة وقتها وهو غارق في ضحكته:(وأخيرا أقول لك: أنني ابتسمت كثيرا عندما أهديت تحيتك لنا جميعا، وابتسمت أكثر من تحيتك لممول الموقع، والعامل الذي يقدم لنا القهوة، فحقيقة الأمر أن موقعنا مازال يجري بتمويل شخصي من جيب د.وائل أبو هندي، ونحن نعمل متبرعين بجهدنا دون مقابل، وأنا لا أشرب القهوة، وليس لدينا عامل... والله يرزقنا بدعواتك فلا تقطعيها.)،

كما تحضرني هنا رسائل عديدة يضيق المقام عن الإشارة إليها كلها ومعظمها من عرب ومسلمين يعيشون في الدول الغربية، فكم كان مثلجا للصدر ومبهجا للفؤاد، أن تصلنا طلباتٌ بإنشاء نسخة باللغة الفرنسية من
مجانين، ونسخة باللغة الإنجليزية من مجانين، ومن بين هؤلاء الزوار الكرام من أعرب لنا عن تبرعه بالترجمة، أي نجاح هذا إذن وأي قبول يحققه مجانين؟؟؟ لا تفسير عندنا غير أنه توفيق من الله عز وجل، ويبقى أن نتساءل ونطلب الإجابة من أصدقاء مجانين هل يتكلمُ هذا الموقعُ فعلاً لغةً تتسمُ بتفرد الخطاب واختلافه عن كل خطاب عداه، لماذا ؟! وكيف؟، لعل جولةً واحدةً بين صفحات مجانين توضح السبب، ونحن في انتظار آرائكم، وتعليقاتكم،

وأهلا بكم جميعا في
حضن مجانين.



الكاتب: د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/08/2004