Depression and obsessive low self esteem
السلام عليكم ..
منذ صغري كنت من المتميزين في الدراسة كما كنت أحصل على لقب الطالبة المثالية كل عام .. كان أبي ذا شخصية صارمة وحادة .. يسعى لأن تكون حياته وحياة من حوله في منتهى الدقة والصرامة ... كان كثيرا يعاقبنا "عقابا لفظيا" بالنهر والتعنيف والتأنيب ...وكان كثير النقد...
أمي كانت ذات شخصية منشغلة بأمور المنزل...وكانت تدللنا ... مأساتي بدأت في طفولتي عمر 11 سنة تقريبا وجدت مقطع فيديو في جوال أخي عبارة عن اغتصاب لفتاة فصدمت جدا وذهلت ولم أستطع النوم تلك الليلة وعقلي بدأ يفكر طوال الوقت بالموضوع..ما هذا ولماذا ويا إلهي .. وفي يوم بينما كنت أمسك بالجوال أتصفح النت بحثاً عن اسم فنانة ما وجدت قبلها كلمة غريبة "هي كلمة بذيئة" فنطقتها بصوت عال وكانت أختي بجواري فسألتني هل تعرفين معناها أجبتها لا... فسكتت ... في اليوم التالي حاولت البحث عن معنى هذه الكلمة في "قوقل" صور فذهلت لما رأيت صدمت من المناظر الجنسية التي عرضت ..
بعدها قادني الفضول لأن أبحث أكثر وأكثر وبدأت معرفتي بتلك المواقع الإباحية ..كنت رافضة لفكرة مشاهدتي لها في البداية ولكن الفضول ربما هو الذي كان يقودني .. شاهدتها مرارا في طفولتي ومراهقتي..وفي يوم قمت بتحميل فيديو عن طريق الخطأ في جهازي و لم ألاحظه .. حتى اكتشفت أن أختي قد عرفت ..فخفت جدا أن تقوم بفضح أمري وأنا الفتاة المشهود لي بالأدب والتفوق...ماذا لو عرف الناس؟ أبي... أمي..أهلي ؟ عشت في هلع تلك الأيام ..أثر ذلك على دراستي وأدائي لامتحانات مفصلية لكن رغم ذلك تفوقت فيها ودخلت الكلية التي كنت أريدها.. تركت تلك المواقع بعد تلك الحادثة ولم تعد أختي تحادثني بالموضوع .. وفي السنة الثانية من الجامعة رجعت لمشاهدتها على فترات متباعدة جدا ..
وفي يوم قمت بدخول موقع ولم أقم بمسح سجل البحث في المتصفح وطلبت مني إحدى الزميلات يومها هاتفي لدقائق .. أعطيتها له وبعد أن أعادته وجدت أنها قد فتحت المتصفح ..فقلت في نفسي ماذا لو قامت بمشاهدة المواقع التي تمت زيارتها مؤخرا ..ستفتضح أمري ..وبدأت سلسلة أخرى من الأفكار الوسواسية .. كنت عندما أرى تلك الزميلة ألمح فيها نظرة الشك والريبة أو هكذا خيل لي ..لا أعرف إن كانت قد عرفت فعلا أم لا .. تركت هذه المواقع الآن وتبت لله تماما .. لكنني الآن ذات شخصية قلقة مضطربة مستصغرة لنفسها من الداخل ..أصبحت أتحسس من كل شيء .. وأعطي الأمور أكبر من حجمها حسب تعليق البعض لي ..
مشكلتي في الموضوع تتلخص في : هذه الوساوس في أن تكون هناك سمعة سيئة لي قد تكونت ونظرة الناس لي.. أريد أن أنسى هذه الأمور تماما وأبدأ حياة خالية من كل هذه الذكريات.. أحيانا يصيبني خوف من أن يكون الله غاضبا عني. رغم أنني أجدد التوبة، وأيضا استصغاري الشديد لنفسي واستحقارها وأنني لست ذات قيمة ومما زاد ذلك ذلك رسوبي في الكلية..وساءت علاقاتي مع كثير ممن حولي .. أصبت باكتئاب وتابعت مع طبيب نفسي لكني لم أواصل العلاج لظروف مادية..
أرجو الحفاظ على سرية المعلومات وتقديم الحل دون نشر الاستشارة رجاااااء لأن ذلك قد يسبب لي مشاكل عائلية..
وجزاكم الله خيرا :)
29/6/2017
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله "نسمة"، وأهلا بالطالبة المتفوقة والإنسانة المجاهدة على موقع مجانين.
في الحقيقة أتأسف على حالنا كبشر، نصنَعُ ما نُعذّب به أنفسنا، وأقصد تلك الإباحيات التي أهلكتْ البشريّة ونزعت من صدور الناس الراحة والطمأنينة والإحساس بالطّهر والاكتفاء. بعد أن كان يعيش في حدود قدرة تحمّله، سواء مما يسمَعُ أو يرى أو يتفاعل معه. وأتعجّب من مشهد أو صورة كيف تؤثر بعمق في بني الإنسان، حقا صدق الله تعالى، فقد خُلق الإنسان ضعيفا. فاللهم السلامة والعافية نسألها لشبابنا وأطفالنا، ووعيا يحمِلُ من عانى على محاربة كل مصادر القلق الوجودي والضرر النفسيّ.
قصّتُك مع بيئتك الأسرية والوالد الصارم المنتقد بشدّة، هي ما شكّلتْ مَعَالم شخصيّتك القلقة، كثرة انتقاد الوالد لكُم نابعة من حرصه في التحكّم في كل شيء، وهذا ما تصفينه في قولك (يسعى لان تكون حياته وحياة من حوله في منتهى الدقة والصرامة) وهي من سمات الشخصية الوسواسية القلقة التي تكرَه أن تتفلت الأمور من يدها، حتى إن كانت اعتقادات وتصرفات أبناء صاحبها أو صاحبتها ! فغير مسموح بالخطأ والزلل ولا حتّى بمخالفة توقّعاته وتطلّعاته ! مما يُعلّم الأطفال أنّ الحياة "ميكانيكية" لأبعد حدّ، وأنّ استحقاق الحياة لا يأتي إلا بإرضاء الغير، وأن التفاصيل والدقّة أهمّ من التمتّع بالحياة نفسها، وأنّ "قيمة الإنسان" في بلوغه تلك المعايير الكمالية التي لا يُمكن التشكيك فيها أبدا ومساءَلتُها،
في حين يُمكن التشكيك فيمن عجز عنها أو ضعُف، يُتهّم في عقله وقيمتِه وموقعه من حبّ الوالد، ويُشكّك في قدراتِه، ويُساءَل في كلّ كبيرة وصغيرة، فتبدأ المعاناة مع "تقدير الذات" والحقّ في الوجود البشري، الذي يُشكّل الخطأ والنقص جزءً منْه، لا شيئا خارجا عنه كما تعلّم الطفل من تصوّرات من ربّاه ورعاه، وأنّ الخطأ يصنَعُ الناس كما يصنَعهم الصواب. وأنّ أنبل الناس من عُدّت عيوبه على الأصابع، وأنّ الاعتراف بالخطأ وتجاوُزَه هي فضيلة كعدم الوقوع فيه... وهكذا.
ورغم تدليل أمّكم لكم، فهي لم تستطِع أن تشكّل توازنا لكثرة النّقد، ولا تعويضا عن التقدير والحبّ غير المشروط الذي افتقدتموه في الوالد. فهي كانت تعطيكم حنانا كتعويض لصرامة الأب، لكنّها لم تُشكّك في طريقة تربيّته أو أثرها على المدى البعيد، فلم تستطع أن توازِن إلا بحنانها التي تعرف كيف تقدّمه عكس إبطال مفعول الانتقاد والصرامة "وعدم القبول" من قبل الوالد، هذا إن كان مُمكِنا أصلا، فالأدوار غالبا لا تُعوّض. فما يُعطيه الأب لا يُمكن أن تعطيَه الأم لاختلاف طبيعة العطاء وطبيعة العاطي. والمفارقة أنّ من مطبّات التربية، ما قد ينقلب عكس ما يُرجى منها، إن غابت معرفةٌ بطُرقها السليمة، فينقلب السحر على الساحر، ويصير ذاك الطفل الذي نريده مقداما منظّما قويّا ناضجا، خائر القوى مبعثرا مضطربا بالسبب نفسه الذي ظنّناه يقيه من ذلك !
حادثة الفتاة التي رأيتها في جوال أخيك، حادثة مروعّة لشخص راشد بالغ، فما بالك بفتاة ذات إحدى عشر ربيعا، هي مؤلمة حقّا واكتشفتِها قبل وقتِها وبأقبح الطّرق، ولكني لا أظنّ أن تلك الحادثة هي بداية المعاناة، بل كانت تجربة قاسية جدا، أمكنَك تجاوُزها. بالمقابل فترة مراهقتك وتعقّد الدنيا ببلوغك وتغيّر طبيعة العلاقات وبداية رحلة "البحث عن الذات" وصراع المراهق بين المبادئ والمثاليات، وبين النزوات والشهوات والرغبات، وبين الفرد المكشوف مع نفسه والمجتمع المقنّع المراوغ الذي يوهِمُه أنّه "السيِّئ الوحيد" في العالم بتحفّظه ومثاليّاته ! وأيضا تفاقُم وظهور سمات الشخصية القلقة أكثر وأكثر وتعدّد مواضيع "استثمار" تلك السّمات. واكتشافُك للإباحيات واحتقارُ نفسك أكثر معها، وضررها على نفسيّتك وإحساسك بالفخر والطّهر. كل هذا أراه أكثر تأثيرا عليك من حادثة جوال أخيك.
وإذا تحدّثنا عن التقدير المنخفض للذات عندك، إن تأمّلت لن تجديه فقط في قضية الإباحيات وخوف اكتشاف الناس لذلك، بل ستجدينه في مواقف اجتماعية عادية، كل موقف تجدين فيه نفسك بتصرّفات "بلهاء" مثلا، أو في موقف حرج يشكّك في ثقافتك أو أخلاقك ولو كان مجرّد استثناء، ستشعرين بالضيق واحتقار لنفسك. إلا أن المواضيع الجنسية والفضائح الأخلاقيّة تشكل قمّة ذلك الاحتقار وعدم التصالح، لأنّها غير مقبولة فطرة وثقافة ومجتمعا. وأشكّ أنّك من النوع الذي يتجنّب مواقفا كثيرة إن لم تكوني متأكّدة من أدائك "الممتاز" فيها، حتى إن كانت تلك المواقف تشكّل حاجة نفسية وعاطفية لك، ولكنّك تفضّلين تجنّبها لسلامة صدرك بعدها من كل احتقار واجترار للأفكار السلبية حول الموقف.
ومن هُنا الإباحيات تشكّل جزء من المشكل وليس المشكل نفسه، بدليل أنّك حتى مع توبَتِك لله منها (أحيانا يصيبني خوف من أن يكون الله غاضبا عني، رغم أنني أجدد التوبة) لم تتجاوز إحساسك بالاستصغار الشديد وأنّك (لست ذات قيمة). فالتوبة تجبّ ما قبْلَها والحمد لله الذي يغفر ويمحو ما لا يمحوه البشر ! لكنّ جزءً من دافع توبتِك كان الضّيق الشديد من الافتضاح ورؤية الناس، طبعا التوبة تبقى صحيحة ولا أشكك فيها، فدوافع التوبة في الإسلام مختلفة ومقبولة على اختلاف مصادِرها لأنّ ديننا واقعيّ ويعلم ربّنا أنّ الإنسان تحرّكه دوافعُ مختلفة للتوبة والإنابة إليه، لذلك قبل الله تعالى إسلام من دخل طمعا في الغنائم (المؤلّفة قلوبهم)، وقبِل توبة من هجرَهم الناس حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت (الثلاثة الذين خلّفوا) وقبل توبة من فعل فاحشة ثم تاب بعد تضييق المجتمع عليه {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما} وكثيرة هي المواقف المشابهة، فلله الحمد رب العالمين.
لكنّك من الناحية النفسيّة لم تتجاوزي الخوف من نظرة الناس وبقي شعورك الإسقاطيّ بأنّك ممقوتة ومغضوب عليك حتى من قبل الله غافر الذنب وقابل التوب. فنظرة الدين غير نظرة الناس، فقد نكون مرضى بمرض مقزّز يزيدنا عذرا عند الله تعالى، وفي الوقت ذاته يزيدُنا بُعدا عن الناس ! لذلك جانب التوبة قد يكون كاملا مكتملا، لكن المجتمع والنفس تحتكم لقوانين أخرى يجب أن نعمل عليها ونتنبّه لها مستقّلة عن علاقتنا بديننا، لأنّه إن اختلط عليك الأمران، فسيبقى الخلل قائما تتساءلين بعد توبَتِك لِمَ لَمْ تتحسّن الأوضاع ! فتبدأ رحلة التشكيك في قيمتك كمسلمة ورحلة اليأس والقنوط من رحمة الله، وعدم الجدوى من التدين والطاعة، ولا يخفى الأثر السيِّئ لذلك على الحالة النفسية.
وربّما ما زاد معاناتك أنّك تَشُكين في نظْرة البعض لك وافتضاحك أمامهم (أختك، صديقتك، أهلك) مع استحالة مفاتحتهم، مخافة أن تفضحي نفسك في حالة كان الآخر يجهل، أو أن تتعرضي لموقف محرج جدا لا يُطاق. فتبقى اليدُ العليا للوساوس والظّنون والاحتمالات التي تنخُرُك من الداخل.
فالمشكل الحقيقي تعبّرين عنه في جملتك (هذه الوساوس في أن تكون هناك سمعة سيئة لي قد تكونت ونظرة الناس لي.. أريد أن أنسى هذه الأمور تماما وأبدأ حياة خالية من كل هذه الذكريات) فهي قضيّة سُمعة اتّخذت الإباحيات ساحة للمعركة، وقد تكون ساحةً أخرى ويبقى الصراع نفسُه. وهل يُمكن أن ينسى الإنسان "تماما" ما مرّ به؟ ! وهويّتُك وشخصيّته مكوّنة من تلك المتناقضات أصلا ! ليس أمامك إلا حلّ واحد، وهو قبول خطئك الذي هو خطأ الكثيرين على ما أظنّ في هذا الزّمان، ولكلّ عيوبه وفضائحه ولست وحدك، فكّري بهذا المنطق، أنّ وعيَك بأخطائك واحتقارك لنفسك، وجهلك بأخطاء الآخرين ونزواتهم المظلمة، هو ما يحملك على "تعظيم الآخرين واستصغار نفسك أمامهم" لدرجة تجعلينهم حَكَما عليك من تلقاء نفسك ! دون حتى أن يُطالبوا بذلك.
أحيانا يكون العناد والأنانية نافعين في الحياة. طبعا استمرّي في توبتك ولا تعودي أبدا للإباحيات، فذلك الإقلاع يعيد لك صدْقك في رفع التّهمة عنك، وإحساسك بالفخر مع ربّك ومع الناس، وحاولي أن تتصالحي مع نفسك وتقبليها. وتحتاجين تعلّم كيف تقدّرين ذاتك بنفسك، دون المرور من "مصادقة tampon " الناس، وبعيدا عن تلمّس القبول والتقدير في سكنات الناس وحركاتِهم ونظراتهم أعينهم وتكاسُلهم عن الحديث معك، وانشغالهم أو اهتمامهم بك.. إلخ. فكما نحتاج أن نتنفّس بجهازنا نحنُ، نحتاج ثقة وحبّا واحتراما ينبع من أنفسنا، وغيابُ ذلك يساوي "اضطراب تقدير الذات" كما يساوي في التنفّس غياب "اكتفاء الذات" فنحتاج آلة خارجية أو شخصا يعيننا على التنفّس، وما أسوءَه من احتياج !
وكم نعيش معتمدين على الآخرين حتى نُصدم بعد سنينَ أنّنا لم نكُن نعيش "بمواردنا الشخصيّة" بل بموارد الآخرين، فنفتقدُها فجأة بعد نزعِها منّا. وهذا ما وقع لك، فقد كنتِ مثالية ومتفوّقة "ومُرضيّة" للمجتمع تظنّين أنّك تعيشين كلّ حياتك من أجلك لا من أجل الناس، فإذا بك فجأة تكتشفين أنّك كنت تقتاتين على نظرات الناس وتقديرهم ومدحهم لك كل يوم، فانهارتْ فجأة نفسيّتك لمّا خذَلْتِ توقّعاتِهم بما يُمكن أن يحتقروك به، مع أنّ اكتشافك وفضولك أمر عاديّ نوعا ما. لكنّها خُدعة "الإنسان الفاضل الخارق" الذي تُصدّرها الأجواء المحافظَة بوعي أو غير وعي !
فلا يُمكنُك النجاح إذاً في هذه المهمّة حتّى تغيّري بعض المعايير الشخصية والتصورات عن "الإنسان المثاليّ" الذي تسعين إليه. ستكون عمليّة العقلنة هذه وخفض كمالية تلك المعايير مؤلمة نفسيّا وغير مقبولة، إذ ستعني لك إنسانا "وضيعا غير راق" في المقابل، لكنّ ذلك الإنسان الوضيع هو ما فاتَك أن تعرفي أنّه "إنسان طبيعي" وأنّه من البشر وأنّ الله خلّق الناس خطّائين، كلّ ما في الأمر أنّك اكتشفتِ ذلك "عمليّا" لا مجرّد حديث وكلمات تتردّد، وغالبا ما يكون الاكتشاف العمليّ والواقعي أكثر إيلاما وصدمة ! خصوصا فيما يخصّ المواضيع الجنسيّة لطابع "العار" فيها.
إنّ غياب التقدير الذاتي، يحمل صاحبَه على طلب استحسان كلّ الناس حوله، بمعنى أنّه يُركّزُ على ذلك الشخص الوحيد من بين الآلاف الذي احتقرَه وازدراه. وهنا المشكل، أنّ الحاجة العاطفية للقبول تتخذ شكلا مَرَضِيّا، أو لنقُل "منطقا عكسيّا"، ففي حين أنّ الإنسان في كلّ شؤون حياته يحتكم ويحسب الأمور بالنسبة الغالبة مثل: أغلب المواد الدراسية جيدة إذاً أنا جيد في الدراسة، معظم الحي يحترمني إذاً أنا محترم، أكثر أعضائي سليمة إذاً أنا ذو صحة جيدة، بيتي مجهّز بأغلب الضروريات، إذاً أملك بيتا جيدا... وهكذا. يقوم المنطق العكسي على اشتراط "حذف" كل النقائص حتى يشعُر صاحبُه بالراحة والنجاح: هناك مادة سيئة ينبغي التفوّق فيها، إذاً أنا سيئ إلى أن أتفوّق فيها وينسى كل المواد الأخرى، ثلاثة أشخاص يحتقرونني في الحيّ إذاً أنا غير محترم، عندي حساسية في الجلد إذاً صحتي غير مكتملة، بيتي ينقصه مكيّف إذاً هو رديء...
وهنا الخطر أنّ نظرات صديقتك (التي شككْتِ أنت أصلا في علاقتها بما تشكين به) التي تشكل 1% من نظرات الكلية تصير هي الكليّة كلّها ! فلا عجب أن تسوء دراستك بعد التفوّق (إضافة إلى حالة الاكتئاب)، فاغتمامك بموقعك فيها شكّل هاجسا وعائقا كبيرا لك، وأضعف تركيزك وقدرتك على التعايش. فالاكتئاب نابع من ضياع نفسك وسواد الدنيا بعينيك وتركيزك على الاستثناءات، فحتى إن كانت نظرات الاحتقار حقيقة وليست وسواسا، فهل حاز إنسان على وجه هذه الأرض الرّضا والاحترام من كلّ الناس ؟ وهل معرفة شخص أو شخصين لخطئي حتى إن كان له علاقة بالجنس، مدمر وسيئ لدرجة ألاّ أتمتّع بنعمة السّتر التي أنعم الله عليّ بها ؟ !
وإنّي أتخيّل الوضع في البيت على ضوء سؤال أختك لك عن تلك الكلمة البذيئة، لمّا علمَتْ أنّك تجهلين معناها، لم تخبِرْك عنها ولم تشرح لك ! وكأنّ جوّ البيت محافظ للغاية، لدرجة أنّها قالت بلسان حالها: [ما دامت أختي الصغرى تجْهل معناها فقد نجوتُ من فضيحة الشرح، أو حافظتُ على ماء وجهِي إذ أنّها قالتها وهي تجهل معناها ولم تقللّ من احترامها لي عمدا !] "
وها أنت اكتشفتها بالطريقة الخطأ، وخُضْت المغامرة بشكل أسوء ممّا تهرّبت منه. أنا لا ألوم أختك هنا، فكلكم تحت وطأة ثقافة الصّمت، لكنيّ أنبّه أن الحديث والحوار الجريء والتوجيه بأدب، بل وحتّى قبول ذلك الجانب الجنسي بأخفّ أشكاله، وأحيانا المزاح فيه قصد تخفيف "غول الأخلاقيات" وإيصال رسالة بأنّ الجنس موضوعُنا وهمُّنا كلنا كبارا وصغارا، آباء وأطفالا، مثقفين وجهّالا، محترمين وفجارا... يُنتج لنا إنسانا متصالحا مع نفسه أقدر على الإقلاع وضبط نفسه من ذلك المتحفظ المحافظ الذي من شدّة مقته لنفسه وقنوطه لا يقوى على المضيّ قُدما على جناحيّ النقص والكمال. أما والكلّ يتعامى عن مواضيع الجنس ويدّعي العصمة ولو بالسكوت والمحافظة المبالَغ فيها. فلا أظنّ أن أجيالنا ستَسلم.
وأتمنّى لك حياة أسعد وقوّة نفسية أكبر أختي "نسمة"، وحاوِلي أن تختاري بعض الهوايات لتشغلي فيها نفسك وتعوّضي النقص في الإنجاز، على ألاّ تزيدَك بُعدا في دراستك الحاليّة،
وأتركك مع بعض الروابط:
مقالات عن توكيد الذات
دائم التفكير وحساس ...نقص تأكيد الذات
الحائرة بين نفسها والآخرين
بؤرة التحكم في الشخصية والاعتمادية
لست مدمرة
وتأملي كيف كان حدث واحد كفيلا بتدمير هذه الفتاة ! لاقتتاتها على نظرة الآخرين: