إغلاق
 

Bookmark and Share
اسم العمل الأدبي:  (( على أسلاك التليفون.. )) 
اسم صاحب العمل: هبة سعيد 
نوع العمل: قصة قصيرة 
الوزن الشعري: ---------------- 
تاريخ النشر:  04/06/2005
 
الموضوع

 

رفَعَت السماعة: يا أيتها الأرقام. ألا فاعزفي مقطوعتك الموسيقية
طلبت رقمه، فاجأته بصوت حنون:
-"أشتاقك كثيرًا"..
-"وأنا أيضًا"
-"لماذا أنت بعيد؟ اقترب مني كي أشعر بك أكثر.."
-"كيف أقترب داخل الأسلاك؟ هل تشعرين بي في سماعة الهاتف؟"
-"أنا أشعر بك في كل حين، في أي مكان، أشتاقك كثيرًا.. كيف أقتل هذا الشعور؟"
-"لا أدري.. أخبريني أنتِ؟.. تعسًا للكلمات. إنها لا تعبر عنَّا يا حلوتي، لا تشعر بالمأساة، تفقد كبريائها يومًا بعد يوم حين نعلن اختناقنا من قصورها السرمدي.."
-"وهي لا تفهم لغة الأجناس، حتى لا ينتهي بنا تعددها إلى حالة تجمد أو حالة اشتعال.أتحكم علينا كما حكمت الطبيعة الجليدية علي أفيال الماموث في غابات روسيا؟ أم كما تقضي الهواجس على عبقري مجنون فنموت تحت السرير تاركين بقعة خوف وغليون أطفأته أصابع الأقدام؟ يا ألله.. كيف أصف لك نفسي وجسدي وعقلي معك أيها الغالي؟ كيف أنقلك إلي عالمي وأنقل عالمي إليك؟"
-"صفي لي.. ارسميني يا ندى في أفكارك.. أرجوك قولي لي ما يحلق في فكرك العبقري الآن؟.."
-"أتقصد فكري الأحمق الذي استحال بالأوهام إلى أوهام و لم ينتقل بالصورة إلا للصورة؟
اطمئن.. لست الحائمة في بلاد العجائب.. ولا العوامة علي ظهر المحيطات.. ما أنا إلا بشر.. يتخبط بين الجدران وبها. ولم تختارني الحياة إلا في قسم التعذيب.. لا أعرف إن كان اختيارها صائبًا؟ ولكنه مثمر.. وفي اعتقادي أن كل مثمر هو الصواب بعينه.."
-"في قسم التعذيب ؟ ...
مممم..أنت محيرة ؟ معذِّبة أم معذَّبة؟ لا أظنك الأولى.. لا تقولي الثانية. ولكنك معذِّبة لنفسك.. يومًا ما سيستر النسيان فضيحتك مع إحساسك العالي يا هديتي. ألست أنت من يرسل لي محاضرات الإنسانية في ظرف كل صباح؟"
-"أنا؟ أرسل لك محاضرات الإنسانية؟ ههههه.
بل على العكس.. لقد أغلقت على نفسي باب العلم من أساسه. أنا لا أدرس إلا فنون التعذيب.. ومع ذلك فأنا معذَّبة بالفتح.. (تضحك )"
-"أتعرفين؟ معك أخاف خيفة الرجل في أول ليلة مع جميلة.. ولكني أتقن فن التصور.. أنت تمتلكينني الآن.. لكني لا أمتلكك..آآآآآآه
أريد أن أقبلك الآن.."
-"قبلني ؟ !!!!"
-"لا أستطيع. أخطرت علي بالك يومًا باكيًا؟ أنا أبكي الآن.. فاستمتعي."
-"نعم سأستمتع.. لمشاركتك إياي عبراتي.. ولمواساتك عيوني التي بحثت منذ زمن على شريك يستنهضها للقيام بمهمة كل يوم.. بعد ما ماتت في أيادي الضاحكين علي حجر العيون.."
-"إذن أنت تهتمين بي كما أهتم بك؟ هل تقومين برعايتي في خيالاتك كما أدور بحثًا عنك في خيالاتي؟
هل ترحبين بقبلاتي في أفكارك كما أقبل عليك بها في أفكاري؟"
-"لا تكمل.. ما النهاية إذا أجبتك "نعم".. أنا أفعل هذا وأزيد.. لقد أعطيتك نفسي بكل تعقيداتها.. وأرحتها من هم التقاليد والأعراف التي تتشبث بي في الواقع بين الناس في القريب والبعيد.. وتقافزت حولك على سرير الزهور في حديقة مهجورة.. قبَّلتك مرارًا وتكرارًا ولم أرتوِ، أرجو ألا تظن فيَّ السوء.. إنني فقط محبة.. هذا ما استطاعته كلماتي في إيجاز.."
-"أحبك حبًا جمًا.. أرغب بشدة لأنقله إلى كل من في الأرض.. إلى العصافير والقنابر، والليل وما يحمل، القمر والنجوم.. والنهار وما يكتظ، الشمس والغيوم.. إلى أهل الأرض وأهل الخرافات وسكان الكهوف والسائحين في الجزر البعيدة، أبطال اللوحات الشهيرة، إلى كل الأقوياء.. الضحايا والأعداء والخصوم، الأحباب والأصحاب.. ولكن في النهاية أعجز أن أنقله إلى نفسي.. وأن أرويه حتى الاكتفاء .. أعجز."
-"هههههههههه.."
-"أتضحكين ؟"
-"أنت مسكين.. الموت أرحم لأمثالك"
-"هههههههه.. معك حق (يغني : يا أصحابي يا أهلي يا جيراني.. أنا عايز أخدكوا فـ أحضاني ..)"
-"ويحي بك أتغني ساعة الإملاق؟"
-"ومتى يغني المرء يا شهرزادي.. حين بكيتُ ضحكتِ.. ما على المرء إلا الغناء .."
-"ضحكتُ من تصديقك. لقد مللت تصديقك.. مللت الحب. مللت أحاديثنا.. مللت الحزن.. أو تستكثر علي حفنة من الضحك علي شفة مستضحكة آخذة في الذبول؟"
-"إلى متى اللوعة؟"
-"إلى متى الذبول؟"
-"إلى متى القطف؟"
-"إلى متى الحصاد؟"
-"آآآآآآه.. هو الحصاد.. نعم. الاحتضار.. النزع. سكرات موتنا يا حبيبتي خير بمراحل من ثكلات دنيانا.. تراب جسد ميت.. أكثر تأنقا من تراب أنف حي.."
-"ماذا تريد؟"
-"أريدك. ولكن مستحيل.. في زماننا المستبد مستحيل, وفي فرقتنا المستبدة مستحيل أيضًا.. مستحيل الأمنية مستحيل الخيال.. مستحيل حتى الموت الرحيم.."
-"دومًا كنت أمقت الواقعيين.. الآن الشيء الوحيد الذي كرهته في طبائعهم هو ذات الشيء الذي أمتدحه الآن.. فلسفتنا في الحب تقضي علينا يا محمد. دعك من حبي.. دعني من حبك."
-"!!!!!!!!"
-"لماذا نختار دائمًا الأصعب؟.. تلك الأدوار لا تليق بنا.. نحن نريد شيئًا أرحم.."
-"أتفه تقصدين؟"
-"أتفه أرحم، أعظم أقسى.. وجهان لعملة واحدة.."
-"ولكنا..."
-"نحب."
-"نعم.."
-"نعم نحب
.........ماذا نفعل إذن؟"
-"نتعذب علي طول الطريق.."
-"و.."
-"لا نعود إلى البداية.. سنصل"
-"متى؟"
-"حين نتوحد .."
-"حين نتوحد ..؟"
-"حين أحظى بقبلاتك.. وأحس بمذاقها يلجني.. حينها سوف ينسحب المنهزم بعد تحديه الخاسر."
-"وننتصر نحن.. بالهدوء..
ليس بالألغام ولا البندقية.
بالهدوء العاصف."
-"المشتعل.. الولوع بنا.. بي وبك.."
-"نعم.. حبنا حليفنا."
-"حبنا ذكاؤنا.."
-"فطرتنا السيارة.."
-"هههههه..أحبك."
-"أحبك أيضًا.."
-"أنا في انتظارك.."
-"على طول الطريق؟"
-"على طول الطريق"..(يضحكان.. وتعود السماعة إلى وضعها الذي كان.. بعدما استمعت إلى كل الحديث. وتمنت أن يطول الفراق.. ويذكو الحريق.. لتدون بفضولها كلام العاشقين وأحداثهم.. على طول الطريق!)

 واقرأ أيضًا على إبداعات أدبية:
   
يوميات شاب (1)، يوميات شاب(2)، باسم أطفال فلسطين: جنين، كائنات خالية من الضوء، عفوا يا سيدتي!، الريح والورد، أطفال الحجارة، فين العَلَمْ..؟؟، أنشودة سجين، من أشعار الوطن اللاوطن، "خُبط" أصبحنا، رسالة من إفريقي إلى إيما لازارْ، من قصيدة لبغداد، قـلَّـةُ فَـهْـمٍ قـليـلَـةُ الأدَبِ!، تقوى!، من ملفات المهجر، ذكريات ومشاهد من الحرب، بيقـولـوا ..: عملوا لنا كـويز!!، أصواتُ العربِ!، لماذا...لماذا ؟!!، شكرا لكم: سليمان خاطر، توهان !!!، يابتاع الفول والطعمية، إلى مكتئب، إلى مريض الفصام، إلى مريض الوسواس، منتهى العقل، فين المصري؟؟؟  ، توهان !!!، همسة إلى مدخن، إلى مريض الهوس

 


الكاتب: هبة سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 04/06/2005