إغلاق
 

Bookmark and Share

صورة العرب والمسلمين في الكتب الدراسية في بريطانيا ::

الكاتب: عبد المحسن بن سالم العقيلي
نشرت على الموقع بتاريخ: 05/03/2005


تناولت الدراسة ثلاثين كتابا مدرسيا في التاريخ والجغرافيا والأديان وشرع الأعضاء في تحليل هذه الكتب طبق لمنهجي تحليل المحتوي وتحليل الخطأ العرب والمسلمين بصفة عامة في هذه الكتب محايدة أو إيجابية. ويتضح ذلك من خلال تقديم الحضارة العربية- الإسلامية في بعض الكتب.
وتصبح هذه الصورة سلبية التوجه نحو العرب والمسلمين عند عرض الحروب الصليبية والصراع العربي- الإسرائيلي ونظرة بعض الكتب للإسلام وربطه بالإرهاب وسوء فهم الجهاد.
الإسلام:
يتضمن هذا الموضوع العناصر التالية: صورة الإسلام بوصفه مجموعة من القواعد والطقوس ،تقديم التصوف ممثلا للإسلام أو ما يمكن أن يسمي بتغليب العقلية الأسطورية في عرض الإسلام، والحروب الصليبية حرب ثقافية أم دينية؟ وتوظيف الظرف التاريخي في تبرير العدوان، والربط بين الإسلام والإرهاب والجماعات المتشددة، وسوء فهم الجهاد، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر والإسلام، والمعلومات المغلوطة والتعميمات الخاطئة، وعدم العدل في تقديم الإسلام مقارنة بالديانات الأخرى

فعلى سبيل المثال، يعرض كتاب تفحص الديانات: الإسلام (Examining Religeons,1999 Islam) من خلال تركيزه الشديد على إبرازه في صورة ضيقة تختزله في شكل أوامر ونواهي (أفعل هذا ولا تفعل هذا حرام وذاك حلال، وهذا محظور وذاك مباح)، إلى درجة أن القارئ الغربي الذي لا يعرف حقيقة الإسلام دينا يحمل رسالة حضارية وإنسانية كاملة سوف يخرج بانطباع مفاده أن الإسلام لا يتجاوز كونه دينا ذا طقوس صارمة يمكن اختصاره في ثنائية الحلال/ الحرام أو الطقوس/ الشعائر، دون الإشارة إلى الجوانب الحضارية والمدنية وعمارة الأرض التي أمر بها الإسلام، مع دعوته كذلك إلى الالتزام بالواجبات الدينية والأمن والسلام .

الربط بين الإسلام والإرهاب والجماعات المتشددة
رغم أن الإرهاب بوصفه موجة عالمية ليس له دين أو وطن أو عنوان أو جنسية، فهناك ميل في الكتب للربط بين الإسلام والإرهاب بشكل غير مباشر من خلال التلازم في صورة ما يتعلق بالإسلام والمسلمين في سياقات الحرب والعنف والقتل والإرهاب، على نقيض ما يفعل المؤلف مع الأديان الأخرى، ومثال على ذلك الربط ما جاء في كتاب تفحص الأديان : الإسلام (Examining Religions,1999 Islam)حيث لم يرد المؤلف أن يختم الكتاب دون الإشارة إلى الخوف من الإرهاب صفحة 154 في الوحدة الأخيرة والتي تحمل عنوان الإسلام على نطاق عالميWorldwide Islam ولا ريب أن عرض المخاوف من الإرهاب تحت عنوان الإسلام يترك لدي القارئ- وبشكل صريح- انطباعا قويا يفيد بوجود رابطة بين الإرهاب والإسلام

وهذا ما أسميناه في المقدمة توظيف السياق العام لإيجاد الارتباط في ذهن القارئ والدليل على ذلك أن كتاب الصراع العربي الإسرائيلي (The Arab-Israeli Conflict,2003 ) لم يتحدث عن الإرهاب الإسرائيلي، كما أن الكتاب يربط في صفحة 154 بين الجماعات المتشددة والإسلام، ويشير إلى أن الجماعات تحظي بإعجاب بين الفقراء الذين ينظرون إلى هذه الجماعات بوصفهم أبطالا، ويتجاوز المؤلف الحد الموضوعي والعلمي حين يقرر صفحة 155 أن قليلا من المسلمين فقط يقفون ضد الجماعات المتطرقة، وغير خاف أن هذه أحكام مسبقة وغير علمية، فليس هناك ما يثبت هذه الدعاوى، وإنما هي تعميمات خاطئة.

والإسلام دين السلام وينهي عن قتل الغير، وشرع الجهاد للدفاع وليس للعدوان "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" البقرة 190 وأما الآيات الأخرى التي تأمر المسلمين بقتال غيرهم فيجب قراءتها في سياقها لأنها تأمر المسلمين بالقتال للدفاع فقط.

ومما يوحي بميل الكتب إلى تعزيز الرابط بين العنف والإسلام في أذهان الطلاب كثرة الربط بينهما ومثال على ذلك ما أورده كتاب الأديان في العالم Religions in the World ,2002 تحت عنوان "هل الإسلام دين العنف؟ ص61 حيث يقول أن الأخبار عن الإرهاب كثيرا ما تشتمل على مسلمين، فمثلا نسمع عن جماعات فلسطينية مسلمة تفجر الحافلات في إسرائيل كما نسمع عن إرهابيين مسلمين يزرعون القنابل في المطارات أو يخطفون الطائرات ويبدو أن هؤلاء المسلمين متطرفون ولكن الأخبار ربما أعطت الطباعات بأن هؤلاء يمثلون التيار العام للمسلمين، وأن الإسلام دين عنف "، وفيما يلي النص بالإنجليزية:
“Quite often news stories about terrorism and war include Muslims. For example we hear of Muslim Palestinian groups who blow up buses in Israel, and of Muslim terrorists who plant bombs at airports or hijack planes. These Muslims tend to be extremists but the new stories can give the impression that they represent mainline Islam and that it is a violent religion” p.61.

سوء فهم الجهاد
يبدأ كتاب أديان العالم المعاصرة: الإسلام معالجته لموضوع الجهاد معالجة حيادية إلى حد ما، ولكنه يختم حديثه بقوله " إن الجهاد يمكن أن يؤدي إلى صراع عنيف لأجل إقامة طريقة الحياة الإسلامية".
However Jihad can also result in a violent struggle in order to establish the Islamic way of life, p. 55

وهذا التصوير للجهاد وغايته قد يؤدي إلى فهم الجهاد على أنه أداة توسعية للهيمنة والسيطرة على الأمم الأخرى، أو وسيلة تدمير وقد يقهم منه قسر الناس على أسلوب حياة معين والجهاد في الإسلام يعني جهاد النفس ليكون الإنسان مفيدا لوطنه أيا كان الوطن مسلما أو غير مسلم، فقد شرع الجهاد بمعنى الدفاع فقط طبقا للآية القرآنية المذكورة أعلاه .

المعلومات المغلوطة
ومن الأمثلة على ذلك أن كتاب الإسلام islam, 1999 يقدم في صفحة 91 أحكاما غير صحيحة فيما يتعلق بشراء اللحوم والأغذية من المحلات التجارية فهو يؤكد أنه يجب على المسلمين عدم شراء اللحوم ما لم يكونوا متأكدين منها حلال ومذبوحة على الطريقة الإسلامية وإذا لم يتمكنوا من ذلك فإنهم ملزمون بإتباع نمط تغذية نباتي، حتى وإن لم يريدوا ذلك ومن المؤكد أن هذا لا ينطبق على غالبية المسلمين، بل الرأي الفقهي الذي تتبناه الغالبية العظمي هو الأكل من ذبائح أهل الكتاب طبقا للآية القرآنية " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " المائدة /5.
ويطبق المسلمون هذه التعاليم علي مدى التاريخ

البعد التاريخي. الحروب الصليبية: حرب ثقافية أم دينية ؟
هذه الفقرة هو العنوان الرئيسي لكتاب الحروب الصليبية : ثقافات في صراع The Crusades : Cultures in Conflict,2002 فهل كانت الحروب الصليبية حروب ثقافية أم حروب دينية وقد يتبادر إلى الذهن بعض الأسئلة : هل الثقافات تتصارع أم تتكامل؟ وهل الأديان السماوية المبنية على التسامح والسلام تبيح الحروب لمجرد العدوان ؟ لقد استغل الأوروبيون في القرون الوسطى الدين المسيحي لشن حروب على المسلمين والإسلام والمسيحية من الحروب براء .

يقرر كتاب الحروب الصليبية : ثقافات في صراع The Crusades: Cultures in Conflict,2002 إن للحروب الصليبية دورا في صياغة صورة مغلوطة أو مشوهة للمسلمين في الذهنية الغربية المعاصرة، حيث أن الترسبات والإسقاطات النفسية لهذه الحملات مازالت تفعل فعلها إلي اليوم بشكل لا شعوري . وبالمقابل يشير الكتاب إلى أن المسلمين ما زالوا ينظرون إلى الغرب بوصفه عدوا بسبب تلك الحملات الصليبية صفحة 61 ومهمة الكتب المدرسية في هذا الموضوع تقديم الحروب الصليبية في سياقها ذاكرة أسبابها وأهدافها ونتائجها، وكان ينبغي أن تشير الكتب إلي أن هذه الحروب قد حدثت باسم المسيحية والمسيحية مثل الإسلام منها براء، لا شك أن عدم تقديم الحروب الصليبية في سياقاتها التاريخية والدينية ........الخ يسيء إلى العلاقات بين الشعوب

البعد القومي
وقد تضمن هذا البعد العناصر التالية: تصوير فلسطين بوصفها أرضا لليهود في الأصل، أرض فلسطين بوصفها حقا إلهيا لليهود، واستخدام مصطلحات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عند الحديث عن العالم العربي، والتحيز لليهود ووصف المسلمين بالانعزالية وتناول الصراع العربي الإسرائيلي من وجهة النظر الصهيونية.

لا يكاد يأتي كتاب الحروب الصليبية: ثقافات في صراع على أي ذكر للبلاد العربية سواء بوصفها كيانا واحدا أو دولا متناثرة رغم أن موضوع الكتاب الرئيسي هو الحروب الصليبية التي وقعت في قلب العالم العربي ويستعيض الكتاب عن ذلك باستخدام مصطلحي: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي هذا دلالة على الحرص على تغييب البعد العربي أو الإسلامي للقضية الفلسطينية أي تصويرها بوصفها قضية سياسية قبل أي شيء آخر، وبالتالي فهي صراع سياسي مثلها مثل أي صراعات سياسية أخرى وتحدث في العالم، وليست احتلالا لأرض وتشريد لشعب دون وجه حق.

تجنبت الكتب (انظر مثلا: الصراع العربي الإسرائيلي وكتاب تطبيق المواطنة صفحة 87) استخدام كلمة: احتلال في وصف ما قامت به العصابات اليهودية من احتلال للقرى والبلدات الفلسطينية، متجاهلة أن إسرائيل دولة محتلة، وفي المقابل تصر بعض الكتب على استخدام كلمة يزعم في وصف رفض الفلسطينيين الاحتلال اليهودي ويتجاهل المؤلفون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطين في غزة والضفة الغربية طبقا للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة.

تربط الكتب المدرسية الإنجليزية العربي بالتخلف والانهزام والفشل والذل وبأنهم غير مهيئين للنجاح والانتصار، إلى غير ذلك من الصور السلبية، وقد ظهر هذا جليا في عرض الصراع العربي الإسرائيلي الصراع العربي الإسرائيلي وقد كان للصور التي عرضها الكتاب في هذا دور كبير. ومن المعلوم أن الصور غالبا ما تكون أكثر إيحاء من الكلمات خاصة للطلاب من صغار السن. فالعرب تعرض صورهم منهزمين أو أسري أو لاجئين أو في حالة غير متحضرة وبدائية.

فمثلا في صفحة 15 من الكتاب السابق، صورة لمجموعة من العرب المدنيين تقاد إلى السجن، بواسطة جنود بريطانيين وفي صفحة 34 صورة لمجموعة من الأسرى المصريين محشورين في عربة عسكرية إسرائيلية بشكل مخجل، ومجموع هذه الصور ترسم في ذهن الطالب البريطاني صورة لإنسان استمرا الذل، وتطبع به، وكأن التخلف والفشل وعدم القدرة على صنع الانتصار هو قدره الدائم، ويلاحظ تجنب كتب التاريخ المدرسية تقديم صور الأسري الإسرائيليين في حرب 1973 وعدم الإشارة إلى خسارة إسرائيل لهذه الحرب في الأيام الأولي مما أدي إلى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وإقامة جسر جوي لإمداد إسرائيل بأحدث الأسلحة الهجومية لإنقاذ إسرائيل في الوقت التي كانت مصر وسوريا يحاربان بأسلحة دفاعية، وبالرغم من ذلك حافظ الجيشان المصري والسوري على ما تحقق من انتصارات.

بلغ عدد عينة الكتب الدراسية المقررة في التعليم العام ببريطانيا والتي خضعت لتحليل المحتوي والخطاب 30 كتابا مدرسيا، وتبين نتائج التحليلات أن ما نسبته 73% من جملة الكتب، كانت توجهاتها العامة نحو العرب والمسلمين تتصف في جملتها بأنها محايدة وأن ما نسبته 0.17% من جملة الكتب كانت توجهاتها العامة نحو العرب والمسلمين تتصف في جملتها بأنها إيجابية وأن ما نسبته 10% من جملة الكتب كانت توجهاتها العامة سلبية التوجه نحو العرب والمسلمين.

الربط بين الإسلام والإرهاب والتطرف لا يليق بدين كالإسلام الذي أوجد الحضارة العربية الإسلامية التي حفظت التراث الثقافي الإغريقي والفارسي والتراث الثقافي في كثير من البلاد الأخرى. ولم تكتف هذه الحضارة بحفظ هذا التراث بل طورته وأضافت علوما جديدة مثل الجبر.
وهذا الربط لا يليق بالمدرسة الإنجليزية التي تعد من أرقي مدارس العالم ويتنافى ذلك الربط مع مهمة المدرسة وأهداف المناهج الدراسية التي تهدف إلى تعليم التلاميذ احترام الآخر وثقافته. ينبغي على المدرسة في الغرب أو في الشرق إظهار مبادئ الثقافات ومبادئ وروح الأديان السماوية، فهذه الأديان والثقافات تدعو شعوب العالم للتضامن والتعاون والتسامح والعيش معا في سلام.

عبد المحسن بن سالم العقيلي
رئيس فريق تحليل الكتب الدراسية في بريطانيا الإدارة العامة للبحوث التربوية
وزارة التربية والتعليم. المملكة العربية السعودية

اقرأ أيضاً على مجانين :
صورة الإسلام في كتب التاريخ المدرسية بفرنسا
صورة الإسلام في كتب التاريخ المدرسية ببولونيا
صورة الإسلام في كتب التاريخ في مدارس إيطاليا
صورة الإسلام في الكتب المدرسية في النمسا
الثقافة الإسلامية في الكتب المدرسية الأوروبية
الإسلام في المدارس السويدية
في مناهج التاريخ الأوربية.. العرب يدرسون
أوربا والإسلام في العصور الوسطي
صفحات مشرقة من التاريخ العرب



الكاتب: عبد المحسن بن سالم العقيلي
نشرت على الموقع بتاريخ: 05/03/2005