إغلاق
 

Bookmark and Share

شيزلونج مجانين لأي حدٍّ نعبدُ الصورة؟ ::

الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 08/07/2006


فاجأتني وصدمتني في أخلاق الرجل الشرقي المعاصر، وما آل إليه حاله القيمي كربٍّ للأسرة، بل وصلاحيته أصلا للقوامة، مريضة أعالجها معرفيا وسلوكيا وعقَّاريا من اضطراب رهاب الساحة Agoraphobia وكانت هذه هي الجلسة السادسة لها وقد وفقنا الله في تحقيق تقدم لم يحدث من قبل في حالتها، وكان زوجها موجودا معها للمرة الأولى منذ بدأنا العلاج -وذلك بعد أن اقتنع بأن للعلاج النفسي فائدة-، هي شابة في الخامسة والعشرين من عمرها ولديها طفلة واحدة، تعاني من رهاب الساحة (كما شُخص قريبا)، وكانت منذ خمسة سنوات بدأت بنوبة هلع داهمتها في الشارع ثم اتخذت المسار المشهور من نوبات الهلع إلى رهاب الساحة، وبعد سنتين من العلاج الشعبي والخزعبلات بدأت رحلتها مع طبيبين نفسيين اثنين مارسا الطب النفسي الكيميائي معها ولم تحقق تقدما يذكر، وكنت طلبت مقابلة زوجها منذ المرة الأولى ومن الجلسة الأولى لعله يساعدني ويساعد زوجته في تطبيقات العلاج السلوكي وواجباته المنزلية.

ليس هذا موضوعنا وإنما هزني ما قالته هي أثناء الجلسة من أن زوجها كثيرا ما يقول لها "أنا كنت عميت عندما اخترتك زوجة" يقصد أنها غير جميلة، والحقيقة أنني لم أستطع منع نفسي من إظهار الاستنكار والمفاجأة، وسألتها كيف يقول ذلك ولماذا وفي أي وقت فكان ردها..... كثيرا كثير يا دكتور، وليس هو فقط.... أقربها بالأمس خرجت معه إلى الترزي الذي يخيط لي ملابسي، كان زوجي معي وظل هو يقول، وزوجي يزايد على قبح هيئتي وما صار إليه حالي! قولاً على قول (وبعد استغراب آخر مني: كيف يقبل زوجك أن يتحدث رجل آخر عن جسدك أو شكلك أو هيأتك؟؟ أجابت: هما صديقان أصلا).... والمصيبة الكبيرة أنها أصلا لم تكن غريبة المظهر ولا غير جميلة ولا بدينة بالشكل الذي تنتبه إليه لأول وهلة.

لم يكن ما يوجعني فقط هو تجمع أثرين مسَمِّنين في حالتها أحدهما الأثر المُسَمِّن للعقاقير النفسية التي تتناولها منذ ثلاثة سنوات، وبعضٌ منها ما أزال أستخدمه أنا، والآخر هو الأثر المقعد لرهاب الساحة فهي أصلا تخاف المشي في الشارع فلا تخرج ما استطاعت لذلك سبيلا ثم هي تستخدم سيارات الأجرة في تنقلاتها داخل المدينة الصغيرة التي تعيش بها أي أنها تكاد لا تتحرك، لم يكن ما يوجعني هو فقط ذلك، فلم يكن ما يقال لهذه الزوجة مجرد أنها تغيرت بعد الزواج أو أهملت في نفسها فلم تعد كما كانت (فصارت بدينة) وهو حال كثيرات ويقوله أزواج كثار، لكن زوج مريضتي هذه يعيبها كلها ويصف نفسه بالأعمى حين خطبها وتزوجها!

أخذتني الذاكرة لما حدث وأنا أخاطب الجمهور العربي لقناة اليوم "أوربت" من خلال برنامج الأستاذة بثينة كامل وهي غنية عن التعريف فيكفي أن يتذكر المهتمون بسماع نشرة الأخبار المصرية صوتها وصورتها، ويكفي أن نتذكر نحن وأفراد جيلنا الآن برنامجها الإذاعي اعترافات ليلية، المهم أن الحلقة كانت عن اضطرابات الأكل، والحمية المُنحفة، وصورة الجسد وأشياء مما أهتم به، ولكن الشاهد في الموضوع هو أنني صدمت أكثر من مرةٍ من أصوات سيدات يستشرن على الهاتف من مختلف المجتمعات العربية، وهن يصفن مدى قسوة الأزواج وتعسفهن بل أن حتى بعض الأزواج لا يعبأ بأي آثار سلبية على الصحة العامة لزوجته ويهمه الشكل! أي أزواج قوَّامين هؤلاء؟

وتجمع في ذاكرتي ما طلبته مني أمي حفظها الله- وهي تقول في الهاتف: ابنة أختك تحتاج للجلوس معك ساعة لأن لديها أزمة مع الأسرة بسبب زيادة وزنها، وهم يضغطون عليها بشدة لتكمل الرجيم، تجمع ذلك مع ما وصلني من صوت أم أثناء حلقة أرجوك افهمني وهي تشتكي من أن ابنتها ذات السنوات الثمانية تأكل بشراهة ولا تهتم بجسدها وتعلن استعدادها لأي وسيلة لتنقذ لبنتها من البدانة! أقصد غول البدانة.

إلى أي حد تأخذني آلامي وأنا كلما اقتربت من مجتمعنا أكثر كلما رأيت ضحايا من النساء والرجال، لكن الأفكار القاصرة تقتل الجميع، وهذا ليس أيضًا موضوعنا........ أنا بصراحة شديدة لا أستطيع تخيل رجل يعرف الله يصف امرأة بأنها قبيحة لا سيما إن كانت زوجته، ولاشك أنني أكثر عجزا عن تخيل زوج يقول لامرأته كيف تزوجت دميمة مثلك؟؟؟ مثلما يفعل زوج مريضتي هذه، أي نوع من الرجال هذا؟ إنه يذكرني بصاحبي مشكلة: سحر !!!!...... يا رجل! اتق الله...!! ومشكلة الحلو لا يكتمل: شكرا لحضرتك، فعلا لا أفهم كيف يكون من الرجولة أن يعاير أحد زوجته بخلقتها وهي غير مسئولة عنها؟

ولا كيف تحمل أم ابنتها على فعل أي شيء من أجل أن تكون رشيقة، ولا كيف يسخر أب من ابنته صباح مساء مع كل وجبة طعام تتناولها؟؟ هل كل هذا بسبب الصورة/المثال/النموذج؟؟ هل يرد عليَّ قراء مجانين؟؟؟ أقصد على سؤال إلى أي حدٍّ نحن نظلم بناتنا ونساءنا؟ وإلى أي حد نحن نعبد الصورة؟.

للتواصل: maganin@maganin.com

واقرأ أيضًا:
هل اتخاذ الصورة معيارا شرك؟ / ردًّا على هل اتخاذ الصورة معيارا شرك؟ / شيزلونج مجانين: عن الانتماء / مجانين على شيزلونج: صفعتان وكفى! / مجانين على الشيزلونج:ماما.. أنا حامل من بابا! / شيزلونج مجانين الثانية والأربعون  



الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 08/07/2006