إغلاق
 

Bookmark and Share

سيكولوجية الصهيونية في حكايات المهدي ( 2 ) ::

الكاتب: أ.د. محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/02/2005

سمات ومحددات الشخصية الصهيونية والعوامل المؤثرة فيها

علي الرغم من التكوين غير المتجانس للشعب الإسرائيلي إلا أن هناك سمات مشتركة تجمع هؤلاء الذين يعيشون داخل إطار إسرائيل أو حتى اليهود والمقيمين في الخارج والمؤمنين والمتحمسين لفكرة إقامة دولة إسرائيل.

فعلي الرغم من أن الناس في إسرائيل مختلفون جدا.. كالفرق بين اليميني الذي قتل رابين والأسترالي الذي أحرق المسجد الأقصى، اختلاف نتنياهو وجينولا كوهين، لكن يهود العالم مثل فرقة موسيقية تعزف علي آلات مختلفة لحنا واحدا، فلما اجتمعوا في مكان واحد أمام مايسترو واحد، كانت لهم سيمفونية واحدة:
"أرض الميعاد أو الميعاد" (أنيس منصور 1999).

ويبدو أن لفظة يهودي قد أخذت في أذهان أمم العلم معني كريها منذ وقت مبكر، فقد جاء في التلمود في الحديث عن قصة استير وعيد البوريم" أن كل كافر في تلك الأزمان كان يدعي يهوديا"(المجلة 13:71).. وهكذا نري أن كلمة يهودي قد بدأت حياتها في النفسية الإسرائيلية مصطلحا عنصريا يجمع بين العصبية العرقية والغرور السياسي، فكان رد فعل من الأمم الأخرى أنها استعملته وصمة عار وسبة وسخرية في وجه العبريين وراح اليهودي في كثير من بقاع الأرض يتهرب من هذه الصفة ويفضل عليها اسم الإسرائيلي..

ومع ذلك فإن وجود هذه المصطلحات المتقاربة قد أوقع هؤلاء الناس في حيرة كبيرة، فالإسرائيلي اسم له صفة العنصرية واليهودي أصبح اسم ينم في النهاية عن العصبية الدينية، كما أن صفة العبري أصبحت تقترن بذكريات عن عشائر قديمة جدا مندثرة، ولكن النفسية الإسرائيلية انتهت إلي تقسيم الموضوع تقسيما تحكميا اصطلاحيا: فجعلت للجنسية مصطلح الإسرائيلي، وللدين مصطلح اليهودي، وللثقافة مصطلح العبري، (ظاظا 1990).

ومن سمات هذه الشخصية الشعور بالانفصال عن البشر والتميز عن الأمم الأخرى عن طريق الأنساب والأعراق، وعن طريق الأساطير الدينية والسياسية والتاريخية التي تراكمت مع الزمن وتحولت إلي معتقدات راسخة في رؤوس اليهود يتصرفون علي أساسها وبوحي منها.

ومن سمات هذه الشخصية: الصراع.. فاليهود لم يستطيعوا أن يتعايشوا مع غيرهم علي مدي التاريخ، فسرعان ما كان ينشب الصراع، ولم يحدث هذا مع البشر فقط وإنما بدأ الصراع أول ما بدأ مع الله حيث تصور التوراة قصة صراع يعقوب مع رجل الليل (الإله) حتى أتعبه، ووصف يعقوب لابنه يهوزا جد اليهود بأنه شبل أسد وأن يده علي نواصي أعدائه، "وأعداؤه هم كل الأمم من غير اليهود"، وهو يقول له صراحة "من صراع نشأت يا بني (التكوين 49: 9) والصراع لديهم يصل إلي أقصي درجات الدموية، فقد ورد في كتابهم المقدس أن يوشع بن نون أراد بعد موت موسي أن يدخل بقومه إلي فلسطين فعسكر حول مدينة أريحا وأمر بالنفخ في الأبواق" فلما سمع الشعب صوت البوق هتف الشعب هتافا عظيما فسقط السور في مكانه وصعد الشعب إلي المدينة كل أمريء لمواجهته وأخذوا المدينة، وأبادوا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف، (يشوع 6: 20 : 21). وقصة شمشون وصراعه مع أعدائه ومبالغته في التنكيل بهم التقي بأسد قوي فتي، وإذا به يصارعه بدون سلاح، حتى إذا تمكن منه فسخه نصفين، وألقي برمته علي الأرض (قضاة: 14).

وكارل ماركس الذي نشأ في بيئة يهودية متعصبة، بني فلسفته الماركسية علي فكمرة الصراع بين الطبقات وذاعت الفكرة بسبب بريقها الخادع وأدت إلي إبادة أعداد هائلة من البشر ثم فشلت النظرية وانهار الاتحاد السوفيتي ومعه الكتلة الشيوعية انهيارا مدويا.

وفي التراث الأدبي والتاريخي اشتهر اليهودي بأنه مراب وأنه بخيل (تاجر البندقية) وما زالت هذه الصورة قائمة حتى الآن، فاليهود في كل المجتمعات يعمدون إلي ناصية المال فيمتلكونها ثم يتحكمون في مصادر الاقتصاد والثروة ويقرضون المحتاجين بالفوائد ويسيطرون علي البنوك الربوية والبورصات وأسواق المال، وقد أكسبهم هذا الموقف كراهية وبغض المجتمعات التي عاشوا فيها ومارسوا إذلال أصحابها من هذه الناحية، ويتصل بذلك محاولتهم شراء الذمم بالمال والمتاجرة بالأعراض وفي كل شيء، والاحتيال لكسب المال لتحصيل مزيد من السيطرة علي السياسة والاقتصاد والإعلام.

ولم يكن اليهود يرحمون المسيحي إذا تعامل معهم أيضا، وكان سلاحهم هو إقراضه المال بالربا الفاحش، حتى أن البابا أنوسنت الثلث (1198- 1216)م أصدر أمرا بأن يكون القرض الذي يأخذه المقاتل الصليبي من اليهود بدون فوائد، واليهودي المخالف يعاقب بالحرمان المطلق من التعامل مع المسيحيين، واتخذ هذا الأمر البابوي صفة القانون في مجمع لاتران المقدس الرابع سنة 1215م وتفنن اليهود مع ذلك في التلاعب بأرزاق المسيحيين وأموالهم، وكان لابد من التفكير في طريقة يعرف بها اليهودي من غيره في المدن والأسواق، وظهرت في السنوات الأولي من القرن الثالث عشر أوامر رسمية تفرض علامات مميزة علي ملابس اليهود، وكان أشهر هذه العلامات "العجلة" وهي حلقة يثبتها اليهودي علي صدره، وقد سهلت هذه العلامة تعرض اليهود للإهانة والعنف في الطريق، حتى استنجدوا بالبابا غريغوريوس التاسع (1227–1241)م الذي أمر بالتسامح معهم، وتجديد القوانين الرحيمة بهم التي صدرت في عهد البابا أونوريوس الثالث والبابا اسكندر الثالث"(ظاظا 1990)

ومن السمات المميزة للشخصية اليهودية: - العنصرية والتعصب والاستعلاء والعزلة والشعور بالاضطهاد... وسوف نفرد لهذه الصفات مواضع أخري من الكتاب نظرا لأهميتها.

واليهود اشتهروا في التاريخ بأنهم قتلة الأنبياء؛ فعلي يديهم قتل النبي يحي عليه السلام وقتل عيسي عليه السلام وغيرهم كثير السلام. وهم قوم مشهورون بالجدال والمناورة، وقد ورد في القرآن الكريم تصوير لهذه الصفات في صورة البقرة حيث أمرهم الله أن يذبحوا بقرة فدخلوا في جدال طويل مع نبي الله موسي حول شكلها وصفاتها ولونها. ونقض العهود صفة أصيلة في اليهود علي مر تاريخهم، وتؤكده الأحداث اليومية حتى يومنا هذا والآيات القرآنية الدالة علي ذلك كثيرة يمكن الرجوع إليها بسهولة.

بسبب هذه السمات وغيرها، صار اليهود مشكلة علي مر التاريخ، والنصوص الدينية في التوراة والإنجيل والقرآن تصور اضطراب علاقة اليهود بربهم وآبائهم والناس جميعا في مختلف العصور وتحت مختلف الظروف.

وقد رفعت إلي نابليون شكاوى كثيرة في حق اليهود وكان هذا سببا في انشغاله بالتفكير في المشكلة اليهودية. فقد تقدم بالشكاوى إليه وفد من المواطنين والألزاس عند مروره بمدينة استرا اسبورج عائدا من حربه في اوسترليتز، يومي 22، 23يناير 1806م، وكان علي رأسهم محافظ الإقليم "كليرمان" وجميع وجهاء المحافظة، وقد ورد في شكواهم من اليهود:
أنهم يغزون كل ميادين الوساطة التجارية والتجارة، ويخربون بيوت الفلاحين بالربا ونزع الأملاك ويخشى عما قريب أن يكونوا وحدهم المالكين الألزاس وعلي أثر ذلك كتب نابليون إلي وزيره للشئون الدينية بورتاليس أمرا بالدعوة إلي مؤتمر يهودي للبحث في هذه المشكلة وأمثالها، جاء فيه:-
وأشير من جديد إلي أنه لا أحد يشكو من البروتستانت ولا من الكاثوليك كالشكاوى من اليهود، مما يبين أن الأذى الذي يرتكبه اليهود لا يأتي منهم كأفراد بل من وضع هذه الأمة نفسه فهم حشرات وجراد يدمرون فرنسا (1956، Gyges).

ومع مرور الزمن وتفاعل هذه السمات مع الأحداث أصبح للشخصية الصهيونية محدداتٍ وأنماطًا واضحةً نستعرضها في مقالاتنا التالية.

المراجع:-
1 – القرآن الكريم مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – المملكة العربية السعودية
2- الكتاب المقدس، العهد القديم : دار الكتاب المقدس بمصر، الإصدار الثالث 2001، الطبعة الأولى، القاهرة.
3 - ظاظا (1990): الشخصية الإسرائيلية، الطبعة الثانية دار القلم دمشق.
4– أنيس منصور (1999) مواقف جريدة الأهرام 17 – 1 – 1999.
5- Gyges (1956): Les Jufis dans la Societe Francaise : Paris, p 28-29.

اقرأ أيضاً
صفحات من سيكولوجية الصهيونية في رواية المهدي (1) / من هم الصهاينة؟  / محطات فى تاريخ القضيه الفلسطينيه  / أسباب ظهور النظام العالمي الجديد  / قراءة في شخصية بوش .... (الابـن) / الحركة الصهيونية كمشروع غربي  / ما لا يعرفه مسيحيو أمريكا عن ( اسرائيل )



الكاتب: أ.د. محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/02/2005