إغلاق
 

Bookmark and Share

العروسة.. ماما! الست دي أمي.. ::

الكاتب: ناهد إمام
نشرت على الموقع بتاريخ: 29/12/2006


ولدت يتيمة الأب.. والأخت الكبرى وسط أربعة من الذكور وأنثى أخرى واحدة هي خالتي المصون, ولأن أمي رزقت بأم صبورة ومكافحة ـجدتي رحمها اللهـ فقد واصلت أمي تعليمها حتى أنهته بكلية التربية الموسيقية في الستينات حيث تسريحة شادية وفساتين فاتن حمامة هي الموضة وقتها!

انطلقت أمي كمعظم النساء المتعلمات وقتها إلى ساحة العمل وفي ذهنها جزئية مهمة جدا وهى أن ترد جزءا من الجميل لجدتي المكافحة الصبور فكان الشال القطيفة أو الفستان الأسود هو أكثر ما يدخل السعادة على قلب أمي عندما تشتريه لجدتي من "راتبها الخاص".

ومرت بأمي الأيام في بيت جدتي, حتى كانت على موعد مع القدر الجميل الذي ربط بينها وبين أبي بالزواج السعيد.. استهوتها نظارته الشمسية الأنيقة وتسريحة شعره التي كان يقلد فيها شكري سرحان.. -ربما كانت الموضة وقتها- ولأن الحكاية كانت "عيون بهية" أيضا فقد قرر أبي أن يخلع "النظارة السوداء" وينطلق خاطبا لأمي "بهية"!

معلّم اللغة الإنجليزية الذي هو والدي تزوج "بهية" –التي هي أمي - معلمة التربية الموسيقية وعاشا في تبات ونبات وخلفوا بنات من غير صبيان وكنت أنا بلا فخر أول الإنتاج الذي توالى حتى أتممتهن أمي أربع بنات بالتمام والكمال.. بسم الله ما شاء الله!

36 عاما هو عمر الرحلة حتى الآن.. عاشتها أمي زوجة محبة متفانية, وأما طيبة حنون.. وامرأة عاملة لم تأخذ يوما إجازة فيما عدا إجازات الوضع!

لا أذكر أنها كانت تنام أبدا أكثر من 6 أو 7 ساعات على الأكثر يوميا, لم تستعن يوما بخادمة لقناعتها أن هؤلاء "غرباء" وهى لا تحب أبدا أن تقحمهم في خصوصياتنا ومملكتها, وعندما كنت صغيرة التحقت بالمدرسة نفسها التي كانت تعمل بها وأذكر أننا كنا وبمجرد عبورنا لبوابة المدرسة إلى داخلها تقبّلني أمي وتترك يدي قائلة "يلا يا حبيبتي على فصلك.. أنا مش هنا.. ماما في البيت وبس! " ظلت ترددها على مسامعي مرات حتى تعلمت أنني هنا ليس لي "واسطة" وعلىّ رغم وجود أمي أن أعتمد على نفسي وأتحمل مسئولية أفعالي.

36 عاما عاشتها أمي .. تفرح لفرحنا وتغنى وتعزف ألحانا خاصة.. حصرية للأمهات فقط, لا يعلمها إلا من ذاقها, وتحزن أيضا لحزننا.. تتألم وتتأوه ولا يعلم أحد بما تكابده سوى الله.. تحملتنا جميعا.. وحملتنا جميعا أيضا حتى أحفادي نعموا بأن تحملهم وتتذكر معهم طفولة "ناهد" البكرية وأول فرحتها كما يقولون وتسترجع معها سنوات الشباب والزواج الأولى!

في العام الماضي دق قلبها دقة غريبة.. لم نسمعها من قبل.. دقة الإنذار تلك استدعت دخولها العمليات.. ورحم الله قلب "بهية" وخرجت أمي من أزمتها معافاة بحمد الله على أن تواصل المسير في رحلة الكبد والمكابدة ببعض الفحوصات الدورية والأقراص والأدوية.

بدأنا نلح عليها حتى ترجع عن قرارها بألا تحج حتى تطمئن على البنات في بيوتهن.. فالوقت يمضى والانتظار لهذا الأمر بات في زماننا يا أمي ربما من أطول ما يمكن أن ينتظره إنسان, فالشباب يبحثون عن "الأيزو" وفتيات الكليبات, ما عادوا -إلا من رحم ربي وقليل ما هم يريدون تحمل مسئولية بيت وزوجة وأطفال, وما عاد للارتباط بالميثاق الغليظ معناه الجميل كما أنزل, لم يعد أحدهم يبحث عن "بنت ناس".. هذه المعايير كلها يا أمنا تغيرت في زمن العولمة والشات والموووووول!

كانت أمي مصرة وبشدة على أن تفرح بزواجنا جميعا الـ "أربع بنات" ثم تنطلق لتؤدي فريضة الحج.. ظللت أسوق الحجج بأن العرسان المنتظرين ربما يسوقهم القدر بدعوة مقبولة لإخوتي منها لهن بالحرم, وأخيرا اقتنعت "ماما".. يا الله أخيرا ستحج؟!

ستكمل الأركان وتلبي نداء الرحمن!

اقتنعت ماما "بهية" بأن تصبح "الحاجّة بهيه".. وانطلقت أنا وإخوتي نفكر في عزف مقطوعة حب وعشق وهيام للشعرات الفضية.. والخطوط الرقيقة التي رسمها التعب والوهن على وجه الجميل, وأن نطبع قبلة على القلب الذي نادانا أن كفوا لقد تعبت!

وكان القرار.. ماما اليوم عروسة!
نعم عروسة وسنعزم المعازيم.. ونجهز الـ" أوبن بوفيه " ونعلق الزينات, ونغنى لـ "العروس".." وديلي سلامي يا رايح للحرم.. ترلم ، وادعى لي وسلم لي على هادى الأمم.." وقررنا فعلا نعمل حفلة لأمي قبل سفرها للحج.. وكان هذا اليوم بالفعل هو عرسها الذي انتظرناه نحن طويلا, كما انتظرت هي يوم عرسنا, ولا زالت تنتظر!

فاللهم تقبل مّنا فرحنا بعرس أمنّا, وقوّها على أداء المناسك, وفرح قلبها بزيارة بيتك الحرام ورؤية الكعبة المشرفة وزيارة حبيبك وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.. اجعل كل حرف أكتبه وأنا التي مهنتي الكتابة.. في ميزان حسناتها.. واجعل كل مداد يكتب به اسمي برا بها , فلولا قلب "بهية" وروحها ويديها ما كنت أنا.
حج مبرور يا صاحبة الأيادي والفضل, وذنب مغفور يا سيدتي ويا سيدة الكل! حج مبرور وذنب مغفور يا أمي ويا كل أم.

اقرأ أيضاً:
يوميات رحاب: الحجاب في التلفاز  / يوميات مجنون: في الحج 2040  / يوميات سحابة: أطرف المواقف في رحلة الحج.  / حكايات صفية: نسيم أهل الحجاز  / المسلمون الروس والحج في نهاية القرن الـ19  / التلفزيون التفاعلي في الحج.. رؤية نقدية  / قتل الحجيج بسبب الزحام مخالف للهدي النبوي  / الحج موسم عالمي 



الكاتب: ناهد إمام
نشرت على الموقع بتاريخ: 29/12/2006