إغلاق
 

Bookmark and Share

لماذا يحب المصريون باولو كويلو ::

الكاتب: د. أحمد عبدالله
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/06/2005

 

سمعت عن الروائي البرازيلي الشهير "باولوكويلو"، وعن روايته الأشهر "السيميائي" وأنا بصحبة الصديق الدكتور " أسامة القفاش" نحضر ندوة عن "الأسرة" في بلدان أمريكا "اللاتينية" انعقدت في "بورتو أليجري" بالبرازيل نهايات عام 1995، ونبهني د. أسامة إلى الصيت الواسع والانتشار غير المسبوق الذي حققته "السيميائي"، وحيث أنني كنت المسئول عن إدارة ميزانية الرحلة فقد ساومني كثيرا حتى حصل على ثمن نسخة من الرواية باللغة البرتغالية قام بترجمتها بنفسه فيما بعد اعتمادا على اللغة الأسبانية التي تعلمها مبكرا، وهي تشبه البرتغالية إلى حد كبير، فيما يبدو.

دخلت الرواية في حوزة أسامة، ولم تخرج حتى الآن طبعا، ولكن وصلني منه قرص حاسوب يحمل ترجمته لها، ووضعته في أدراجي ولم أفتحه حتى اليوم، ولكنني قرأت بعد ذلك ترجمة بهاء طاهر لنفس الرواية.

قابلنا "باولو" في دافوس ونحن نحضر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي ينعقد سنويا هناك، وتقدمت إليه قائلا: -أنا من مصر يا سيدي وأحببت روايتك، هل لك أصدقاء هناك، قال: الآن أصبح لدي واحد.

بعد ذلك عرفته على زوجتي التي قررت عبر سنوات مشاركتنا التالية في دافوس أن تساهم في تحويل حلمه بزيارة مصر إلى حقيقة، وهذا ما حدث بالفعل في الفترة من 20 24 مايو أي الأسبوع المنصرم، ومن الحفاوة التي لاقاها "باولو"، ومن رنين الهاتف الذي لم ينقطع سؤالا وملاحقة لأنشطته، وحرصا من مختلف الأجيال والخلفيات على مقابلته، ومن الجملة التي تكررت على لسان الكثيرين بقولهم: هذا الرجل غير حياتي بروايته "السيميائي"، إذن كان من الطبيعي أن أسال نفسي: لماذا يحب المصريون "باولو كويلو" ؟!!

ووجدت نفسي أتأمل وأسأل من حولي، وأنصت باهتمام إلى ما يقوله الناس، وطلبت مساعدة من الأصدقاء فظفرت بإجابات وتشجعت "نورا يونس" فكتبت أول نص لها بالعربية في محاولة الإجابة على نفس السؤال، واستفدت كثيرا من نصها هذا في كتابة المقال الذي بين يديك.

تجدر الإشارة إلى أن معظم قراء "باولو" يرتبطون بروايته " السيميائي " فقط، أو على الأقل أكثر من غيرها، ومن ناحية شكل الكتابة والسرد يبدو أن بساطة اللغة التي يستخدمها "باولو" رغم تعرضه لقضايا فلسفية ووجودية، وأسئلة كبرى تشغل الإنسان في كل مكان، هذه اللغة السهلة وسعت كثيرا من دائرة قراء "باولو"، في أوساط الشباب المصري الذي لا يجد في نفسه لا الرغبة ولا القدرة على قراءة الكلام "المجعلص" كما يسمونه.

المصريون وبخاصة الشباب في ظل ظروف الواقع الخانقة يبحثون عن الحلم، وعن الأمل، و"باولو" يغازل هذه الرغبة في اكتشاف الذات، والانعتاق من الأفق المسدود، والتحليق سفرا وترحالا في الزمان والمكان والأساطير مقدما لنماذج تغري بمحاكاتها بسهولة.

وإذا كانت مصر وحكمة المصريين تنشد منذ قرون الاعتدال والتوازن بين المادة وما وراءها، بين الروح وأشواقها والجسد ومتطلباته فإن "باولو" أيضا لا يبخل على قارئه ببعض من هذه المكونات ففي "السيميائي" يتناول الحساسية في قراءة "الرموز" "والعلامات" التي تضعها الأيام في مسارنا لنتعلم ونختار، وبقوة الخيال والإيمان بالذات والقدر يصبح كل شيء ممكنا، وهذا ما يتعطش المصريون إلى سماعه، أن هناك شيئا ما يمكن عمله، بدلا من العجز والسلبية واللامبالاة والاستسلام لانتظار الموت.

وفي "إحدى عشرة دقيقة" لا يكتم المصريون إعجابهم بهذا النقاش الذي لم يألفوه ثراء وثورة حول العلاقة بين الجسد والروح والثقافة والإنسان، وفي "على ضفة بيدرا" محاورات أخرى لا تقل ثراء بالنسبة لقراء "باولو" حول مفهوم الإله والعلاقة معه، أما "فيرونيكا تقرر أن تموت" فإن جدلية العقل والجنون تبدو هامة لدى ثقافة درجت على تقديس الحكمة بينما كل واقعها يدفعها إلى الشطط!!!

روايات "باولو" إذن تتناول إشكالات، وتطرح تساؤلات، وتقدم أحيانا أخرى إجابات في مسائل تهم جمهور قرائه في هذه اللحظة الفارقة بأسلوب في متناول الجميع.

بعض الأذكياء التقطوا هذا الخيط ببراعة واستخدموا نصوص "السيميائي" بوصفها إلهاما "وقاعدة لبرامج تنمية الذات، والفاعلية الشخصية، وتطوير القدرات، وهي "موضة " تعجب وتستقطب كثيرين لا أستغرب إذا عرفت أن بعضهم قد عرف "باولو" من خلال دورة من تلك الدورات التي يتسابق الناس على حضورها.

الشعور بمزاج مشترك ناتج عن التقارب الذي لمسته بنفسي بين شعوب أمريكا اللاتينية وبيننا، والاقتباسات والإشارات التي يتضمنها نص "باولو" متقاطعة أو متناصة مع مصر الفرعونية وتجلياتها، أو الروحانية الإسلامية على نحو خاص ينتقي مفردات بعينها تشترك مع المسيحية المصرية مثل: "إنشاء الله"، "ومكتوب"، أو آخر رواياته"ظاهر"، مما يرفع "باولو مدفوعا بقوة موجة جبارة تجتاح العالم الآن من تجلياتها زيادة الاهتمام بالروحانيات والغيبيات، ولا ينفصل النجاح الذي حققته روايات "هاري بوتر" مثلا عن نفس هذا السياق، رغم الاختلاف الظاهر في شكل ومضمون ما يرويه "باولو".

ولا ينفصل هذا عن الصيغة التي يقدمها "باولو " للعلاقة بالطبيعة والكون، الأمر الذي: يستدعي إلى الأذهان تشابها ما لاحظه أحدهم بين "السيميائي" و"حي بن يقظان" لابن طفيل في هذه المرحلة لاكتشاف الذات والكون وأصل الإنسان وعلاقته بما وراء الأشياء.

ولا يمكن تجاهل البعد العولمي للمسألة، وأعني به كون "باولو" صاحب الروايات الأكثر مبيعا في العلم لعدة سنوات، والناس في كل مكان حاليا لديهم رغبة جامحة في التوحد عابرين للجمود والثقافات ليلبسوا ما يلبسه العلم ويقرءوا ما يقرأه العالم... الخ، وعندنا فإن "الولي البعيد سره باتع".

أزعم إن ترجمة "بهاء طاهر "للسيميائي" قد لعبت دورا أساسيا في ذيوعها وحب المصريين لها، ورغم أن هذه الطبعة الصادرة عن دار الهلال قد تمت بدون حقوق نشر أو حتى استئذان الكاتب إلا أن سعرها الرخيص وأسلوب " ترجمة طاهر" السلس جعلها في متناول أوسع دائرة ممكنة منذ وقت مبكر نسبيا، سبق الترجمات "الشرعية" لروايات "باولو" بسنوات .

من نافلة القول أن بعض المصريين يرون أعمال "كويلو" خفيفة ومكررة، وتشبه خلطة الحاج "محمود" التي تشفي الرأس من الصداع، وتطهر الجوف من الدود، ولكن يبدو أن العلاقة بين "كويلو" ومصر والمصريين تتجاوز قيمته كروائي إلى آفاق وأعماق أخرى قد يكون منها موقفه الرافض للاحتلال الأمريكي للعراق، وشعوره المعلن بالامتنان لمصر التي يرى أن زيارته الأولى لها -قبيل كتابته للسيميائي قد غيرت مجرى حياته، كما غيرت الرواية بدورها مجرى حياة كثير من المصريين، على حد قولهم.

واقرأ أيضا على مجانين :
على باب الله: أن تكون طبيبا نفسيا
على باب الله: 7/3/2005
على باب الله: الثلاثاء 8/3/2005 .. من مدريد
على باب الله: الأربعاء 9 / 3 / 2005 .. من مدريد
على باب الله: الخميس 10/3/2005 .. من مدريد
على باب الله: في انتظار الباشمهندس  
على باب الله: أن تكون شهوانيا 
على باب الله: أجندة صيف ساخن 



الكاتب: د. أحمد عبدالله
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/06/2005