الكاتب: د.أحمد عبد الله نشرت على الموقع بتاريخ: 29/05/2005
اللحظة التي تمر بها الحياة السياسية في مصر حاسمة وغير مسبوقة، ولكنها يمكن أن تتبدد كما حدث من قبل في لحظات أخرى مشابهة.
بعد أحداث واعتقالات سبتمبر1981، ثم قتل الرئيس السادات شهدت مصر لحظة نادرة اختصرتها الصورة التي تصدرت كل الصحف أن استقبل الرئيس مبارك قيادات الرأي والسياسة، بعد الإفراج عنهم وكان المشهد أبلغ من كل كلام، حيث أحاطوا به وجلس بينهم، وبدا أنه محتاج لكل دعم حتى يخرج بالبلاد من عنق الزجاجة الذي دخلته، وما لبث أن خرج هو ونظامه من هذا المأزق الحرج، وسرعان ما انقلب المشهد تدريجيا واستطاعت السلطة في مصر اختراق وتفتيت وحصار وتدويخ الإجماع الذي كان وطنيا ومنعقدا حول مطالب محددة لا تختلف كثيرا عن المطالب التي هي مطروحة اليوم بوصفها أجندة الإصلاح الذي صار حتما، فهل مازالت لدينا ذاكرة ؟ّ!!
ينبغي أن ندرس كيف استطاعت السلطة أن تفعل ذلك عبر السنوات التالية على 1981، حتى لا يكرر التاريخ نفسه، وحتى لا تتبدد اللحظة الراهنة التي تعبنا حتى وصلنا إليها، هذا بند.
البند الثاني أننا محتاجون لتحليل وتشخيص وتوصيف وتقييم اللحظة التي نعيشها الآن على نحو يكشف لنا المعطيات الإيجابية، والإمكانيات القابلة للتطوير فيها، وكذلك العيوب والثغرات التي يمكن أن يتسلل منها الوهن والمكر والخداع أو شق الصف.
البند الثالث يتعلق بتصورات محددة وعملية لاستثمار المعطيات الإيجابية، وعلاج الثغرات السلبية، وهنا نحتاج إلى برامج متوسطة وطويلة المدى تتضمن حوارا مجتمعيا واسعا نفتقده، ونقلا للنقاش حول المستقبل وتفاصيل الحاضر من دوائر النخب الناشطة التي كتل الناس المغيبة عن تقرير مصيرها وغير المدربة على استيعاب وإدارة –بعد تكوين وجهات نظر، من الطبيعي أن تكون متباينة أحيانا، ومتوافقة أحيانا أخرى. وربما يكون الحديث عن البند الرابع بوصفه الاستمرار والتطوير لهذه الحالة من الصحوة، وتحويلها إلى عمليات اجتماعية وثقافية مستمرة تكفل للحراك السياسي الإصلاحي بيئة حاضنة لا حياة له بدونها.
ولكن يبقى واجب الوقت العاجل كامنا في تشبيك الجهود، ورص الصفوف، وتنسيق المواقف، فلا يجوز أن يرتفع صوت القضاة -أصحاب الهيبة في النفوس– بمطالب وخطاب يستحق الاحترام والاقتباس منه والتقدير له ودون أن تتردد فورا أصداء واسعة لتأييد هذه المطالب وتطوير هذه الحالة حتى يصبح لدينا ما يشابه حملة "الأيادي النظيفة" التي قاضها القضاة في إيطاليا مطلع التسعينات، وانتهت بضربات موجعة للمشهد السياسي، والطبقة السياسية الفاسدة في البلاد، رغم أنها لم تستثمر ولم تستمر!!!
لا يجوز أن نترك السادة القضاة للسلطة تستفرد بهم، وتساومهم، وتشق صفوفهم كما تفعل في كل حالة مشابهة. ينبغي أن تتحول قيادات القضاء صاحبة هذا الموقف الناصع إلى أبطال شعبيين يصافحهم الناس في الشوارع، ويقولون لهم: أحسنتم، ونحن معكم، والله معنا جميعا.
توقعت أن أجد تسجيلا مصورا لوقائع يوم الكرامة، أقصد يوم 13 مايو، توقعت أن أجد شريط الجمعية العمومة للقضاة متداولا بين الناس فهو أهم وأكثر إثارة وشرفا من شرائط أخرى تداولها الناس لفضائح أو حياة البعض الخاصة.
لا يكفي أن تصدر بيانات عن الدوائر التي اعتادت على ذلك تأييدا للقضاة، بل نحتاج إلى نقل هذا الموقف إلى كتل الناس وشرائحهم المختلفة ليستردوا بعض الثقة بأنفسهم ووطنهم، وبأن هناك –لم تزل– بعض قطرات الشرف الباقية بل ربما تكون تيارا إذا تشابكت الأيدي، وصحت العزائم . نفس الأمر نحتاجه مع المراقبين الجويين على اختلاف الموقف، ونحتاجه مع عمال قليوب، ونحتاجه مع الإخوان المسلمين، نحتاج إلى أن نقول لكل من يسعى إلى الإصلاح أو ينادي به نحن الناس معك نؤيدك ونشجعك ونحترم موقفك ونقدر تضحياتك.
ونحتاج إلى أن تتحول حركة "كفاية" من "تجمع كمي" يضم أغلب ألوان الطيف السياسي المصرية إلى جبهة كيفية نوعية بينها حوارات واتفاقات وانصهار مشترك ينتج نسيجا يصعب اختراقه أو تفتيته وينغمس في بيئة اجتماعية وثقافية حاضنة تتداول الحوار المستمر الدائم عن قضايا الإصلاح، وملفات الفساد والوهن المتراكمة، وتصورات معالجتها .
كيف يصبح الشأن النخبوي عاما ؟! وكيف تصبح المواقف الخاصة بمجموعات أو دوائر معينة مواقفا عامة للشارع والناس ؟! أليست هذه أجندة صيف ساخن
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
