إغلاق
 

Bookmark and Share

سيكولوجية الصهيونية في حكايات المهدي(3) ::

الكاتب: الدكتور محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 01/03/2005

سمات الإله... وسمات اليهود.
إن لسمات الإله في تصور أي شعب أثر كبير علي سمات ذلك الشعب، فإذا كان هذا الإله في تصورهم بارا عطوفا رحيما... الخ، انعكست هذه الصفات في سلوك الشعب المؤمن به، وإذا كانت صفات الإله تتميز بالقوة والجبروت والقهر انعكست أيضا هذه الصافات في سلوك الشعب وأصبحت مثلا عليا يسعى إليها الناس، أما إذا كانت صفات الإله هي مزيج من هذا وذاك فإننا أمام احتمالين:
الأول: أن تكون هذه الصفات تكاملية بحيث تجمع بين الجمال والجلال، وبالتالي تنعكس هذه الصفات التكاملية علي المؤمنين بهذا الإله
الثاني: أن تكون هذه الصفات متناقضة، فيظهر هذا التناقض واضحا في سلوك الناس.

وفي العقيدة اليهودية نجد أن سمات الإله جاءت من مصدرين:

المصدر الأول: هو "آتون" ذلك الإله الذي دعا إخناتون إلي توحيده وعبادته، وقد خرج موسي عليه السلام ومن معه من مصر وهم يحملون عقيدة الإله آتون، وتقابلوا علي حدود فلسطين مع مجموعة من القبائل يعتنقون ديانة جديدة هي عبادة إله البراكين"يهوه"، وتعاون الفريقان لفتح أرض كنعان، وبذلك كانت هذه القبائل العربية هي المصدر الثاني: لتصور الإله عند اليهود، ولنري كيف حدث ذلك من خلال كتابات فرويد عالم النفس الشهير، وهو يهودي متعمق في دراسة أحوال اليهود التاريخية والنفسية.

يقول فرويد:-
لقد توصل إدوارد ميير إلي استنتاج مؤداه أن اليهود عند رجوعهم من مصر اتحدوا بقبائل كانت لهم بها تقريبا صلات نسب في المنطقة الواقعة علي حدود فلسطين، وشبه جزيرة سيناء وشبه الجزيرة العربية، وإنهم هناك في منطقة خصبة تسمي قادش، وتحت تأثير قبائل مديان العربية، اعتنقوا ديانة جديدة هي عبادة إله البراكين يهوه، وبع ذلك مباشرة كانوا مستعدين أن يفتحوا أرض كنعان (فرويد 1955).

ومن المؤكد أن يهوه كان إلها بركانيا... وبرغم كل التغيرات التي طرأت علي نص التوراة نستطيع أن نعيد تبعا لميير بناء الشخصية الأصلية للإله: إنه مارد مهلك متعطش للدماء يسير بالليل ويتجنب ضوء النهار (فرويد 1955).
"وربما يكون الإله يهوه الذي قاد إليه موسي الميداني شعبا جديدا، ربما لم يكن كائنا عظيما بأي حال من الأحوال فلقد كان إلها فظا، ضيق العقل، محليا، عنيفا، متعطشا للدماء، وكان قد وعد أتباعه أن يعطيهم "أرضا تفيض لبنا وعسلا"، وشجعهم علي أن يخلصوا البلد من سكانه الحاليين بحد السيف" (فرويد 1955).

هذه كانت صورة الإله عند اليهود خاصة أولئك المقيمين في كنعان وعندما قاد موسي اليهود المصريين إلي الخروج ووصلوا إلي كنعان حدثت هناك ازدواجية لصورة الإله فكما يقول فرويد: "ولجزء واحد من الشعب أعطي موسي المصري تصورا آخر أكثر روحية للإله إله يحتوي كل العالم، إله هو كل الحب، هو كل القوة، يبغض كل الطقوس والسحر، ويضع حياة ملؤها الحق والعدل أسمي للإنسانية"(فرويد 1955).

ولكن يبدو أن هذه الازدواجية في تصور صفات الإله كانت تتأرجح في العصور المختلفة، ولكن صورة الإله يوه (الإله البركاني الغاضب الباطش الذي وعدهم الأرض وشجعهم علي التخلص من سكانها بحد السيف) كانت أكثر حضورا في وجدان الشعب اليهودي، وهذا لا يمنع تمثل بعض فئاتهم للإله المحب القوي الذي بشر به موسي.

وصور فرويد الصراع بين صورتي الإله فيقول: "إن الشعب ربما بعد من فصير جدا نبذ تعاليم موسي وحاز الإله يهوه شرفا لم يكن يستحقه، ابتدءا مكن قادش فما بعدها، عندما أضيف التحرير الذي قام به موسي لشعبه إلي حساب الإله الذي احتل مكانه صار أقوي منه وفي نهاية التطور التاريخي ارتفع أعلي من كيانه كيان إله موسي المنسيوليس بوسع أحد أن يشك أن فكرة هذا الإله الآخر وحدها هي التي مكنت شعب إسرائيل من أن يتغلب علي مصاعبه وأن يعيش حتى وقتنا" (فرويد 1955).

وقد أدي هذا التصور المزدوج للإله، بالإضافة إلي الطبيعة الجغرافية والتاريخية لشقي الشعب اليهودي (اليهود المهاجرين من مصر مع موسي، واليهود المقيمين في فلسطين) إلي ثنائية في التكوين اليهودي يعبر عنها فرويد بقوله:- "وبهذا أصل إلي نهاية، فقد كان غرضي الوحيد أن أطابق صورة موسي المصري داخل إطار التاريخ اليهودي، وربما أستطيع الآن أن أعبر عن خاتمتي بأقصر صيغة، إلي الثنائية المعروفة لذلك التاريخ - شعبان يندمجان مع بعضهما ليكونا أمة واحدة، مملكتان اثنتان تنقسم إليهما هذه الأمة، اسمان اثنان للمعبود في مصدر التوراة نضيف اثنين جديدين: تأسيس ديانتين اثنتين جديتين، الأولي تنحيها الثانية ومع ذلك تعاود الظهور منتصرة، مؤسسين دينين اثنين، يسميان بنفس الاسم، اسم موسي وعلينا أن نفصل بين شخصيتهما، وكل هذه الثنائيات

نتائج ضرورية للنتيجة الأولي: أن قسما من الشعب مر بما يمكن أن يسمي تسمية صحيحة: تجربة أدوية traumatic Exerience أعفي الآخر منها (فرويد 2975).

وربما يفسر هذا وجود الصقور والحمائم في المجتمع الإسرائيلي الحالي، ويفسر أيضا وجود قادة الحركة الصهيونية العالمية بتخطيطهم الشيطاني الضار بالإنسانية كلها، ووجود علماء ومفكرين يهود أثروا التاريخ البشري باكتشافات واجتهادا علمية كبيرة وبعضهم يرفض فكرة الصهيونية.

"ولو عدنا للعصور الأولي نستطيع أن نقول بجزم أن يهوه لم يكن أبدا يشبه إله موسي، فقد كان آتون مسالما مثل رسوله الذي بشر به علي الأرض ومثل نموذجه الأرضي بمعني أصح الفرعون إخناتون"(فرويد 1955).

وعن تطور سمات الإله بفعل الأحداث وأثر ذلك علي سمات الشعب اليهودي يقول فرويد: "ولقد سبق أن ذكرت - وفي ذلك تؤيدني آراء آخرين أن الحقيقة المركزية لتطور الديانة اليهودية كانت: أن يهوه فقد سماته الشخصية علي مر الزمن وصار أكثر فأكثر مثل آتون إله موسي القديم، وبقيت الاختلافات، هذا حقيقي، وهي اختلافات تبدو هامة للوهلة الأولي، ومع ذلك فتفسيرها سهل، لقد بدأ آتون حكمه في مصر في فترة آمنة سعيدة، وحتى الإمبراطورية قد بدأت تهتز من أساسها استطاع أتباعه أن يتحولوا عن المسائل الدنيوية وأن يواصلوا امتداح ما خلقه والاستمتاع به، أما الشعب اليهودي فقد قيض له القدر سلسلة من الامتحانات القاسية والتجارب المؤلمة، ومن ثم صار إلهه إلها صلبا قاسيا متدثرا بالكآبة كما كان في الواقع، واستبقي صفة الإله العلمي الذي يحكم كل الأراضي، والشعوب"(فرويد 1955).

مما سبق نلمح صورة الصراع بين إلهين من أجل الوجود، ولكن في أغلب الأحيان يستطيع الإله البركاني الغاضب "يهوه" اغتصاب مكانة الإله الطيب آتون، صراعا يؤدي إلي تصالح وتكامل وإنما صراع يؤدي إلي إلغاء أحد الآلهة للآخر، أو علي الأقل يحاول ذلك.

ولم تقتصر هذه الازدواجية علي صورة الإله وإنما امتدت لتطال صورة موسي في الديانة اليهودية فعلي الرغم من كونه نبيا جاء يدعو للخير فإن التصورات اليهودية قد أضفت عليه تصورات مناقضة لذلك تماما، يقول فرويد:
"ولسنا نرفض بالمثل أن كثيرا من صفات اليهود التي أدمجت في تصورهم المبكر للإله، عندما جعلوه غيورا ومتجهما ولا يسهل إرضاؤه، قد استمدوها أصلا من ذكراهم لموسي، لأنه في الحقيقة لم يكن الإله غير المرئي الذي قادهم خارج مصر، بل كان الإنسان موسي.. وتضفي قصة التوراة نفسها سمات معينة علي موسي، وهي تصفه كإنسان غضوب حاد الطبع مثلما في حماته يقتل ملاحظ العمال الفظ الذي أساء معاملة عامل يهودي أو مثلما في استيائه من مروق شعبه يحطم الألواح التي أعطاها له الله فوق جبل سيناء" (فرويد 1955).

موسى والتوحيد، الترجمة العربية بعنوان "اليهودية في ضوء التحليل النفسي" ترجمة عبد المنعم الحفني، الدمياطي للنشر والتوزيع، القاهرة.

اقرأ أيضاً
صفحات من سيكولوجية الصهيونية في رواية المهدي (1)/ سيكولوجية الصهيونية في حكايات المهدي ( 2 )/ الحق التاريخي لليهود في أرض فلسطين؟/ من هم الصهاينة؟/ بدايات الاستيطان اليهودي في فلسطين/ الدبلوماسية الشعبية.. نشطاء بدرجة سفراء/ حلف فضول معاصر.. من يشارك؟/ عجوز فلسطيني يرفض بيع بيته مقابل ملايين الدولارات/ نماذج مسلمة/ الحركة الصهيونية كمشروع غربي
/ قطعة البطاطا الساخنة/ السياسة الإسرائيلية الأمريكية والموقف المطلوب/ يسوقون الوهـم ويزينون المغامرة
 



الكاتب: الدكتور محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 01/03/2005