إغلاق
 

Bookmark and Share
اسم العمل الأدبي: الحياة على لوحة زيت 
اسم صاحب العمل: عمرو جبر 
نوع العمل: نثر 
الوزن الشعري: ---------- 
تاريخ النشر:  18/06/2005
 
الموضوع

 

إنما الناس ما هم إلا خزانات مشاعر متحركة كل منهم يحمل في نفسه العديد من ألوان المشاعر مثل الكره والحقد والغيرة والحب و العطف, لكن كل هذه المشاعر تحتاج إلى من يثيرها كي تخرج من مخبأها وتصطدم بمن عبث بها..

ويوجد بين الناس نوعين أحدهما ينتظر أول من يعبث بواحدة من هذه المشاعر ليخرج له كل ما خزن منها طوال حياته وهناك من يبحث عن من يستحق هذه المشاعر فيعطيه أكثر من ما هو مخزون لديه وغالبًا ما يكون للرجل الصورة الثانية وللمرآة الصورة الأولى فالرجل هو العقل والمرآة هي القلب ولكن في حالتي هذه حدث العكس فمنذ ولدت وأنا أتأمل في هذه الحياة وأبحث عن معنى لها وعلى عكس كل الفتيات في مثل سني كنت لا اعتقد أن الحب هو المعنى الوحيد لهذه الحياة ولا أن هدفها الوحيد هو الزواج.

آه! آسفة لقد نسيت أن أعرفكم بنفسي أنا (دينا) فتاة في التاسعة عشرة ولدت وعشت في أحد الأحياء المتوسطة في السيدة زينب أعتبر نفسي أبشع مخلوقة ولدت على ظهر الأرض في حين أن الكثير من الناس يعتبروني جميلة ولكن لو وضعنا في الاعتبار الظروف السيئة التي يمر بها الشعب و ظروف الطقس مثل السحابة السوداء وتلوث الهواء فأنا جميلة إلى حد ما.

أقضي أغلب وقتي إلى جانب بائعة الكتب في أسفل بيتنا اجلس عندها لأعيش في عالم الكتاب ثم أعود منه لأتأمل الناس الذين يمرون أمامي في الشارع وأحاول أن أحس بما يشعرون به كنت أبحث عن شيء لا أعرف عنه أي شيء ولكني ظللت أبحث عنه حتى ذلك اليوم.

يوم أن جاء أول ساكن في تلك العمارة التي بنيت حديثًا أمامنا ولاحظت في الأغراض المنقولة ذوق رفيع ولوحات فنية مرسومة بالزيت غاية في الجمال فأردت أن أتعرف على أصحاب هذا المتحف الجديد ولكن لسوء حظي كانت هذه الأغراض تخص شابًا وحيدًا لا أم ولا أخت و لا زوجة فلا مدخل لدخول إلى هذا المتحف ولكن هذا لم يرضي فضولي ولم يعتبره حتى عقبة في إرضاءه فظل يدفعني لأن أراقبه وأحاول أن أعرف عنه أي شيء ولكن لم أعرف عنه سوى أنه شاب وسيم له ملامح طيبة يبدو عليه أنه من النوع الغامض الذي عندما تراه يملأ النفس بالكثير من علامات الاستفهام من هو؟ ما الذي يفكر فيه؟ بماذا يشعر؟

وهو مبتسم دائمًا لا يكلم أحدًا وليس له علاقة بأحد لا يحب أحدًا ولا يكره أحد منعزل عزلة كاملة.. كنت أحاول كل يوم أن أرفع عيني إلى نافذته المفتوحة دائمًا ولكن كان خجلي يمنعني ولكن في يوم تغلب فضولي على خجلي و وجدت نفسي أرفع عيني إلى نافذته و أول ما رأيت كانت هذه اللوحة الجميلة عندما رأيتها أحسست أني رأيت الحياة التي أريدها مرسومة بالزيت على لوحة فجلست أنظر إليها كثيرًا.. شعرت بأشياء كثيرة. لا أعرف بم شعرت بالتحديد ولكن هناك شيء ما... شيء يحتل عقلي ويجعلني لا أستطيع أن أرفع عيني من عليها كنت أرى العالم في ألوانها المتجانسة وكنت أرى نفسي ملكة على هذا العالم في أروع منظر وأروع شعور يجتاح جسدي و على ما أظن أني أحببت هذه اللوحة بل أكثر من هذا جعلتني هذه اللوحة أحب صانعها أيضًا.. نعم فمن أحب إن كنت لن أحب صانع هذا الجمال؟ إني أحبه, وهنا شبت الحرب بداخلي هل أنا أحبه حقًا؟ ألست أنا التي كانت تقول أن الحب ليس له وجود إلا في القصص الخيالية؟ هل هو موجود؟ هل هو ما أشعر به الآن؟ وإذا كان هذا هو الحب فمن أحب؟ أحب رجلاً غامضًا لا أعرف عنه أي شيء سوى لوحته الجميلة وملامحه الطيبة ونظرة الحب التي يحملها في عينه إلى جميع الناس, ولكن لكل هذه الأسئلة إجابة واحدة هي: نعم أنا أحبه.

وجدت نفسي لا أفعل أي شيء سوى أن أراقبه هو ولوحته الجميلة وظللت أخزن في نفسي حبي له حتى أصبحت لا أستطيع أن أحمله بين ضلوعي، أصبحت لا أفكر إلا فيه لا أشعر إلا بحبه لا أرى إلا لوحته.. أحببته بكل ما تحمله الكلمة من معنى و أحسست أني وجدت ضالتي به فلا يوجد معنى لهذه الحياة إلا حبه ولا يوجد هدف سواه.

كنت كل ما رايته صرخت في نفسي, إني احبك, ألا تشعر بي؟, ألا تراني أيها الأعمى, ولكنه لم يكن يراني, وأحسست أني سأنفجر لو اختزنت هذا الحب أكثر من هذا, يجب أن يشعر بي, يجب أن يحبني مثل ما أحبه, حتى قررت أن اذهب أنا إليه, فلم أعد أحتمل كل هذا الحب, نعم سأذهب له في الصباح, وأخبره بما لم يشعر به هو, عندما تحب (دينا) يجب ان يكون حبها مختلف عن الأخريات.

استيقظت من النوم الذي لم يكن نومًا, وأخذت أجهز نفسي و أرسم سيناريو كامل لما سيحدث, وذهبت أمام البيت أنتظره ليخرج.

انتظرت كثيرًا لا أعلم كم مر من الوقت ولكنه عندما خرج, خرج بتلك النظرة التي تشبه نظرة طفل بريء وعندما رآني حياني بابتسامة لم أرَ أرق منها واتخذ طريقه ووقفت أنا لثواني ذائبة في ابتسامته الرقيقة, وعندما أفقت أسرعت خلفه وهنا اكتشفت الكارثة فانا لا أعرف اسمه, ولكني استوقفته فوقف ينظر لي باستغراب, وهنا وقفت الكلمات و شل تفكيري وأخذ قلبي ينبض بشده ولم أستطع أن أفعل أو أقول أي شيء فزادت حدة نظرته لي فاستجمعت شجاعتي ولكني لم أستطع أن أقول سوى كلمتين هما "أنا بحبك".. قلتها.. نعم.. قلتها بكل المشاعر التي اختزنتها في قلبي له, ووقفت أنتظر منه رد فعله على ما قلت ولكن.. ما حدث لم أكن أتوقعه فقد نظر لي نظرة غباء وهرش رأسه وكأنه لم يفهم حرف من ما قلت ثم ابتسم ابتسامته الرقيقة وذهب... ذهب ولم ينظر حتى ورائه ليرى تلك الحمقاء التي حطم أحلامها, وبعدها تسمرت مكاني لا أعرف بماذا أفكر... شعرت بأني شجرة بلا أوراق ولا جذور.. لا أستطيع أن أتنفس وتشتَّـتّتْ أفكاري وأصبحت تائهة تتصارع في رأسي علامات استفهام.. ما الذي حدث.. وماذا فعل؟.. وما معنى هذا كله؟.. لا أعرف.. تركت رأسي في قدمي تسوقني كيفما تشاء فوجدت نفسي أمام البيت فصعدت إلى شقتنا وكانت عندنا جارتنا النمامة "أم ربيع" فلم ألقي التحية ولم أنطق بكلمة فقط اتجهت إلى غرفتي مباشرة وسط سيل من التحقيقات والشتائم من أمي ولكني لم أتكلم ودخلت إلى غرفتي وعندما وجدت نفسي في غرفتي أخذت أبكي على حالي وغرقت في أفكاري وسط آلاف علامات الاستفهام, حتى سمعت أمي تناديني وطلبت مني أن اعد لها ولجارتنا الشاي وكان هذا بعد سلسلة طويلة من الموشحات المعهودة مثل "يا خايبة هو انتي هاتنفعي ولا تفلحي" وأخذت تشكو لجارتنا تقصيري في الطبخ....... الخ.

وعندما دخلت بالشاي كان الحديث قد تحول على جارنا الشاب الجديد فجلست لأستمع عن ما تعرفه جارتنا فقالت ما لم أكن أتوقعه.. قالت إنه أصم وأبكم لا يسمع ولا يتكلم ويدرس الرسم في معهد الصم والبكم فصرخ قلبي من بين ضلوعي ولم أستطع أن أوقف الدموع التي انهالت كالمطر من عيني ولا الضحكات المتفجرة على سخرية الحب مني حتى اعتقد الجميع بأني جننت حتى أنا اعتقدت ذلك فاختفيت في غرفتي أنعي حظي فلقد عشت طوال عمري أسخر من الحب ها هو الآن يرد اعتباره وينتقم مني فإن أول رجل أحببته في حياتي أصم وأبكم.

على الأقل وجدت تفسيرًا منطقيًا لما حدث منه..

ولكن ما يسمى الحب هذا لم يعرف قلبي حتى بعد مرور خمسة عشر عامًا من ما حدث ولم يستفد بشيء إلا بأني اعترفت أنه موجود ينتقم من كل من يقول غير هذا وأنا استفدت بهذه اللوحة الجميلة التي اشتريتها من المعرض التشكيلي لأعمال الصم والبكم, بعد ما حدث بما يزيد عن خمس سنوات, وأصبحت الآن رئيسة لجمعية تسعى لتحرير المرأة من أغلال المجتمع الشرقي ولكني لا أستطيع أن أنام قبل أن أنظر إلى لوحتي الجميلة "لوحة الحياة" فأنا لا أعشق سواها..
 

 واقرأ أيضًا على إبداعات أدبية:
   
يوميات شاب (1)، يوميات شاب(2)، يوميات شاب (3)، باسم أطفال فلسطين: جنين، كائنات خالية من الضوء، عفوا يا سيدتي!، الريح والورد، أطفال الحجارة، فين العَلَمْ..؟؟، أنشودة سجين، من أشعار الوطن اللاوطن، "خُبط" أصبحنا، رسالة من إفريقي إلى إيما لازارْ، من قصيدة لبغداد، قـلَّـةُ فَـهْـمٍ قـليـلَـةُ الأدَبِ!، تقوى!، من ملفات المهجر، ذكريات ومشاهد من الحرب، بيقـولـوا ..: عملوا لنا كـويز!!، أصواتُ العربِ!، لماذا...لماذا ؟!!، شكرا لكم: سليمان خاطر، توهان !!!، يابتاع الفول والطعمية، إلى مكتئب، إلى مريض الفصام، إلى مريض الوسواس، منتهى العقل، فين المصري؟؟؟  ، توهان !!!، همسة إلى مدخن، إلى مريض الهوس، ((على أسلاك التليفون..))، طفلة البحر، إلى مريض الانشقاق، ((جدد سكنك))، ((دفتر الحياة))، ((موعد من غير ميعاد ولكن.....))، النهر الراكد، إلى مريض الانشقاق، مذكرات شابة مجنونة(1)، مذكرات شابة مجنونة(2)، كراهية، ذكريات، على الشاطئ

 


الكاتب: عمرو جبر
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/06/2005