إغلاق
 

Bookmark and Share

وبرغم الأسئلة التآمرية ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/12/2006

(1)
نظرت إلى السمكة وهي ترقص رقصة الموت معلق في طرف السنارة، ولم تبتسم، ولا هي أسفت على الساعات التي قضتها تحاول الصيد بأقل قدر من المهارة. الهواء الذي يداعب شعرها يعاتبها على أمرٍ لا تدريه، قالت له تدافع عن نفسها: "إنها غير مذنبه، وإن المسألة ليست شخصية أبدا" تماوجت خصلات شعرها أكثر مع هبات الريح المتزايدة حتى بدت الخصلات كأنها انتهزت الفرصة لتفر من فروة رأسها، وتفضحها. أرادت ـ ربما من باب التكفير ـ أن تعيد السمكة وهي تتلوى في يأسٍ صاخب.

كانت ما زالت أبعد عن الفرحة بصيدها. هي أقرب إلى الاحتجاج، وأعجز عن الفعل: لماذا يقتلون الأطفال في بيت حانون؟ لماذا تستعمل الولايات الزفت حق الفيتو ضد لوم إسرائيل؟ لماذا يجمع ديك تشيني مزيداً من المال بمزيد من التجويع والدماء، وقلبه لا يحتمل نصف كعكة من التي تصنعها أمه، خسارة في أهله لماذا لا يتعلم رؤساؤنا من مهاتير محمد مع أنه أنجز ما لم ينجزوه، ولن ينجزوه؟ ولماذا يورطون أبناءهم فيما لم يختاروه منذ البداية، وغالبا هم لا يعرفون عنه شيئا؟ أليس من المحتمل أن يكتشفوا أن أطيب سنين حياتهم لم تكن على الكرسي؟ ألا تستحق المسألة التجربة؟

(2)
أحست بلمسة على كتفها فالتفتت فإذا بالصغيرة تتمسح بها هامسة بأمرٍ ما، قالت لها "حالا يا حبيبتي، حين نرجع البيت سوف أشوى لك هذه السمكة الجميلة، تأكلين أصابعك وراءها"، نظرت البنت إلى فراغ السنارة وتعجبت، فأسرعت البنت بالتصحيح بأنها قالت لها "أنا خائفة"، وليس "أنا جائعة"، انزعجت الصيادة ولم تقل للبنت: وأنا أيضاً خائفة يا حبيبتي، مثلك وأكثر . استمرت البنت لتعلن أنها تريد العودة للبيت لتلعب مع عرائسها، فهي تطمئن معها أكثر من اطمئنانها الآن وقد انصرف الجميع كل إلى صيده، حتى لو لم يصطد شيئا، دون أن يلتفت أحد إليها.

(3)
قالت لنفسها: إن البنت معها حق، أما هي، فهي تريد أن تركن إلى صدر عريض يحتويها بقوة حنون، تريد أن تضع رأسها على كتفه، ليس تماما، تريد أن يغوص رأسها الصغيرة في ذلك المنخفض الخفيف أسفل كتفة الأيسر، تريد أن يلمس خدها شعيرات صدره الكثيفة الرماديه التي تسارع بالشيب الجميل قبل شعر رأسه. فجأة، عادت تقفز اليها الأسئلة الخبيثة ذات الإجابات التآمرية: لماذا سرقوا منها الحلم؟ لماذا تخاف أن تتكلم في الهاتف عن العدل؟ لماذا خان جورباتشوف العهد؟ ما الذي أخذه يلتمس معه؟ أيهما أقوي: عائلة روتشيلد أم عائلة روكفلر؟ من الذي فجر مركز التجارة العالمي؟ وكيف حصل بوتين على الحزام الأسود؟ اليمينيون يفدون إلى القاهرة كل صيف يعالجون من أمراض السياسة، والكذب، والقبلية، والتخلف، والرئاسة، فأين يذهب المصريون للعلاج؟

ولماذا تحتج على صديقتها اللعوب وهي تحكي لها عن ذلك الخليجي البدين الذي تستجيب لدعوته ليلة بعد ليلة، وهي مطمئنة لأنه عنين؟ مع أنها ليست منهن؟ ولماذا تحرص على صداقتها ما دامت تواصل الاعتراض على تصرفاتها هكذا؟ والألعن أنها تحرص على سماع تفاصيل الحكايات كلما التقتا؟

(4)

تذكرت كيف طالعها وجهه في قناة الجزيرة مثل رأس البرص الذي طاردته خالتها حتى السقف إلى أن نجحت في اقتناصه بفردة شبشبها البلاستيك كانت في الرابعة وكانت راجعة من الحضانة، رأت خالتها شديدة القسوة حتى خافت أن يكون مصيرها "هكذا" على يديها، اختلف الأمر الآن وهي تشاهد رأس البرص وهو يعلن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لا بد أن خالتها كانت على حق، أخيرا فهمت السياسة الخارجية التي تحل غموض أحداث الطفولة أحسن من التحليل النفسي، فما له بالسياسة ذلك "البني آدم" الذي يفهم البشر من حوله وكأنه يقرأ كتابا مفتوحا، حتى إذا كتب في السياسة بدأ متخلفا عقليا؟

(5)
نظرت إلى سنارتها وفوجئت أنها خالية من السمكة أن تتخلص من السنارة المحكمة وتقفز إلى الماء أثناء غفوتها؟ هل لم يكن هناك سمكة أصلا مثلما ألمحت البنت الصغيرة؟ هل هي على الشاطئ حقا أم هي في حجرة نومها؟

متى يأتي من يعترف بجمالها الخاص جدا، ويكون أهلا لصحبتها بقية عمرها؟ يأتي فتراه هي أيضا " كما هو"، فيصنعان معا، مع كل الناس، عبر الإنترنت وغيره غدا ليس كمثله شيء، بل حاضرا "الآن" حاضرا ماثلا يعجز أي وصف أن يحيط به.

للتواصل:
maganin@maganin.com

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / استحالة الممكن وحتمية المستحيل / أدنى من النمل الأبيض!!! / يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل! / تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة / تعتعة : فحتى المحاكاة ليسوا لها / صرح بأي شيء تقرره ستجد من يبرره!! .



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/12/2006