إغلاق
 

Bookmark and Share

أطفال الشوارع ::

الكاتب: أ.د. مصطفى السعدني
نشرت على الموقع بتاريخ: 23/02/2008


الأستاذ الدكتور مصطفى السعدني، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
لقد تحادثنا سابقا حين التقينا في مؤتمر الطب النفسي بالإسكندرية عن رغبتك في عمل دار لمساعدة أطفال الشوارع أتمنى أن تخبرني المزيد وما هو تصورك لتحقيق ذلك لا أدرى لماذا أخاف من تلك الفئة؟!، يزعجني التعامل مع الفئات التي ليس لها وازع من ضمير بل لتقل أخاف التعامل معهم مع اعترافي وإيماني أنهم لا ذنب لهم، وأنهم مجني عليهم، على أي حال ربما أستطيع المساعدة إذا أخبرتني المزيد.

كذلك لقد عرض أحد أصدقاء مجانين على فكرة أنشاء جمعية لمساعدة المرضى النفسيين المقيمين في المستشفيات العقلية وقد عرضت الأمر على دكتور وائل أبو هندي ليتك تشاركنا لنستفيد من خبرتك الطويلة في مساعدة مثل هذه الفئات أعلم أن بعد المسافة يسبب قيداً ليس بسيطاً ولكن أعتقد أننا قادرون على المساعدة، أرجو أن أعرف رأيك في كلا الأمرين
......
والسلام عليكم ورحمة الله.

مناضلة

الأخت العزيزة المهندسة جيهان، تحية طيبة وبعد......
شكرا على رسالتك، وأظن أنه لا يوجد في الدنيا كلها عمل بلا مشاكل أو بلا تعب، وكما قيل: "تعب كلها الحياة وعلى من ينتظر الأجر والثواب من الله عز وجل أن يشقى ويتعب في الحياة بغية الأجر والمثوبة من الله عز وجل في الدنيا والآخرة، وكثير من الناس يظنون أن صلاح أحوالهم وحياتهم ومستقبلهم يتمثل في: أن يهتموا بشئونهم فقط وشئون المقربين منهم؛ من أبناء وزوجة ووالدين إن كانوا على قيد الحياة، ولا يعنيه أحد بعد ذلك في الحياة سواء أكان أخا أو جارا أو قريبا من بعيد أو قريب، ونرى هذا الشخص يعلن عن هذا بسعادة وإصرار، بل ويدعو الآخرين إلى تقليده في فلسفته الحياتية، ويدّعي أنه كي يركز فعليه أن يهتم بهؤلاء فقط وأن قلبه وعقله لن يتسعا إلى محبة الآخرين وتفهم أحوالهم ومساعدتهم ولو بالكلمة الطيبة لحل بعض مشاكل من حوله قدر استطاعته وأظن أن الفكر الغربي النرجسي والعولمة والجبروت الأمريكي قد يشجعوننا على انتهاج مثل هذا الفكر الأناني؛ فبدأنا نسمع ونروج لشعارات غريبة عنا، وغريبة عن أخلاقياتنا وعن أخلاقيات أدياننا وعن الأعراف التي تربى عليها أسلافنا ونهضوا وتقدموا عندما التزموا بها مثل: "أنا ومن بعدي الطوفان"، " شوف مصلحتك يا سيد"، "خذ الفلوس واجري"، "إحنا في زمن نفسي نفسي"، وغيرهم كثير من الشعارات الهدامة للحياة الاجتماعية في مجتمعاتنا.

وأنا لا أقول أن نهتم بمشاكل الآخرين أكثر من مشاكلنا ومشاكل المقربين منا، بالطبع لا، فأنا أول من ينادي باحترام الأولويات، ولكن هذه الأولويات لا تمنعنا أبداً من أن نهتم بمشاكل الآخرين في عائلتنا وفي شارعنا وفي حينا وفي مدينتنا وفي بلدنا بل وفي البلدان المحيطة بنا، ولا يشترط أبدا أن تكون مساعدتنا للآخرين ماديا فقط، بل قد تكون مساعدتنا بالكلمة الطيبة والدعم المعنوي أو الرأي أو النصيحة إذا طلبها منا الآخرون أو التوسط عند صاحب سلطان لرد حق لمظلوم، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، ولذلك اهتمت الأديان السماوية بخدمة الإنسان القادر لغير القادر، وخدمة القوي للضعيف، وصدقة الغني للفقير، وجعلت من أجر تلك الأعمال والعبادات الاجتماعية عند الله تعالى أعلى من أجر العبادات الشخصية الأخرى، وذلك كله من أجل الإصلاح في الأرض، ودعم واستقرار المجتمعات، وفي كثير من الأحيان نجد حل المشاكل الصعبة المتعلقة بنا شخصيا أو بمن نحب سهلة الحل جدا وبدون مجهود كبير منا إذا قمنا بمساعدة الآخرين في حل مشاكلهم الصعبة؛ فكم من مريض بمرض مستعصي حار فيه الأطباء وأنفق على علاجه الملايين من الدولارات في داخل وخارج بلده دون جدوى، ثم نجد الشفاء قد حل في بدنه فجأة وبلا مقدمات بعد أن قام هذا الشخص المريض بالتخفيف عن معوز أو الإنفاق على أسرة من الأيتام أو تولي النفقة على مشروع خيري.

أختي المناضلة،،،،
بالنسبة لزيارة المرضى العقليين في المستشفيات النفسية ومساعدة المحتاجين منهم؛ فهذا مشروع ممتاز وبالذات في المستشفيات الحكومية، حيث أن حالة هؤلاء المرضى ُيرثى لها، فاضطراب عقولهم ونفسيتهم يجعل في نفوس بعضا من أفراد عائلاتهم شيئا من النفور والتأذي كأقارب لهم؛ نتيجة لوصمة المرض النفسي، فلا يقومون بزيارتهم إلا نادرا، ويرفضون استلام هؤلاء المرضى بعد تحسن أحوالهم العقلية والنفسية مع إمكانية تعايشهم في المجتمع، فلا مانع من عمل جمعية الغرض الأساسي منها هو الاهتمام بهؤلاء المرضى الذين ترفضهم عائلاتهم رغم تحسن حالاتهم، وبعد علاجهم لمدد طويلة بالمصحات والمستشفيات النفسية.

ومن وجهة نظري، أجد أن رعاية المشردين بالشوارع نتيجة لظروفهم الاجتماعية والأسرية والاقتصادية السيئة يحتاج منا كأفراد في المجتمع تكاتفا وتآزرا للتقليل من أضرار تلك القنابل والألغام الموقوتة، والتي لا نعلم أين ولا متى؟! وفيمن ستنفجر؟!، فماذا ننتظر من مشرد لا عائل له ولا ضابط ولا رابط يردعه!، وقدوته في الحياة سيئة!، وليس لديه وازعا دينيا أو أخلاقيا يرده إلى جادة الصواب!، بالتأكيد سيكون مؤذيا للمجتمع في مرحلة ما من مراحل حياته حينما يقوى ويشتد عوده؟!، نضيف إلى ذلك نقمته وحنقه على أسرته ومجتمعه والبيئة المحيطة به؟!.

وأرى أن خير وسيلة لرعايتهم إلى حد ما وهم صغار، أن تكون هناك أماكن لاستقطابهم كقرية في طرف مدينة الإسكندرية مثلا، كمنطقة برج العرب أو أبيس أو خورشيد مثلا بها غرف ينامون فيها، ومطبخ يأكلون منه، ودور للعبادة تبث فيهم الوازع الديني وحب الخير وعمله، وفي هذه القرية ورش يعملون فيها أيضا بعد تعلمهم لبعض الحرف اليدوية كأعمال النجارة أو الميكانيكا أو الكهرباء أو الخراطة أو السباكة أو زراعة الخضر والشتلات الزراعية أو الخزف أو صنع لعب الأطفال أو ورش الخياطة والسجاد والتريكو وغيرهم من الحرف اليدوية، وذلك وفقا لخبرة من يتطوع بتعليم تلك الحرف لهؤلاء الأطفال والمراهقين ولا مانع من وجود بعض فصول محو الأمية لمن يرغب منهم في التعليم ولهم حرية الدخول والخروج منها في أي وقت مع الالتزام ببعض الآداب أثناء الإقامة في هذه القرية أو البيوت الخيرية مثل عدم تناول المخدرات وعدم ممارسة الرذائل الأخرى بداخلها كالشذوذ أو السرقة أو القمار مثلا؛ لذا فهناك إشراف من وزارة الداخلية أيضا عليهم في هذه الأماكن دون اللجوء إلى القسوة أو العنف، ولوزارة الداخلية دور أيضا في جلب النوعيات القابلة للإصلاح من هؤلاء الأطفال أو المراهقين المشردين في الشوارع، وفي داخل تلك القرى هناك أماكن للمشرفين الاجتماعيين والنفسيين والتربويين والحرفيين المتطوعين لتعليم هؤلاء الأيتام والمشردين، وأن يكون هناك مجلس إدارة لتلك القرية يتألف من كبار المتبرعين لدعمها والإنفاق عليها، وكذلك من العاملين في تلك القرية سواء أكانوا متطوعين أو عاملين بالأجر.

وإن كان هناك نسبة من هؤلاء المشردين لديهم الاستعداد الوراثي لاضطراب الشخصية المستهينة بالمجتمع، فبالتأكيد هناك عدد منهم أجبرتهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية كي يكونوا من أطفال الشوارع، والشخص الذي نيأس من محاولات مساعدته بالخير والتوجيه والإرشاد مرارا وتكرارا، ونصل معه إلى طريق مسدود، ونعجز عن مساعدته في إصلاح حاله؛ فهناك حلول أخرى قد نلجأ لها مثل اللجوء للقضاء بعد أن يثبت تورطه في جريمة ما، ويتولى هذا الدور المشرفون من وزارة الداخلية.

هذا هو تصوري العام بالنسبة إلى دورنا كأشخاص - في المجتمع المدني - واجب عليهم مساعدة أطفال الشوارع المشردين، وعلى الله قصد السبيل.

واقرأ أيضاً:
صفحات من تاريخ الطب النفسي (1)  
أوجه الشبه بين قتل صدام والمستعصم  
صفحات من تاريخ الطب النفسي(2)  
الشبه بين قتل صدام والمستعصم مشاركة
صفحات من تاريخ الطب: من محن الأطباء(1)  
صفحات من تاريخ الطب: من محن الأطباء(2)  
الانحرافات الجنسية: أشكالها وتعدداتها
معرض القاهرة للكتاب.. وفكرة عاقلة لمجانين
أحتاج من يقرأ بشدةٍ.. مشاركة
أحتاج من يقرأ بشدة مشاركة 6  
باب جديد الدين والصحة النفسية
مدرسة الإسكندرية الطبية 
صفحات من تاريخ الطب النفسي: رورشاخ



الكاتب: أ.د. مصطفى السعدني
نشرت على الموقع بتاريخ: 23/02/2008