إغلاق
 

Bookmark and Share

قبلات وأحضان، وحوار الأديان ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/02/2008


فرضت علىّ مهنتي، و"لغات" مرضاي، أن أُحسن الإنصات للغات كثيرة معاً، عبر قنوات كثيرة من أهمها تعبيرات الوجه والجسد والعيون، كما فرضت علىّ الفرص المتنوعة التي تتيح لي متابعة الشأن العام أن أقرأ صور الأخبار أكثر من الأخبار والكلمات المتبادلة.

في مهنتي أسمح لأم المريض أو أخته أن تظل مرتدية النقاب وهى تبلغني أحوال ابنها أو أخيها، (هي حرّة!) لكنني أعتذر عن مواصلة الكشف على مريضة تصر على ارتداء النقاب لأن الوجه قد يقول كلاما غير الكلام، فإذا رفضتْ وأصرت فإني أعتذر وأُرجع لها الكشف، وسوف تجد أفضل منى.

كذلك في العلاج، خاصة العلاج الجمعي، نعتني بالانتباه إلى تفاصيل تغيرات الوجه والعينين، وتغير لون البشرة، وقد صوّرت ذلك في ديواني "أغوار النفس" قائلا".... مش بَسّ عْنيِكّ، تَدْويرهْ وشَّكْ، وسلاْم بُقَّكْ على خَدَّكْ، والهّزه فْ دَقْنكَ، وكلام اللونْ: اللون الباهت المّيتْ، واللون الأرضي الكَلْحَانْ، واللون اللّىَ يطقّ شَرَاْر، واللون اللِّي مالوشْ لون، وعروق الوشّ، والرقبهْ، وخطوط القورة، وطريقةْ بَلْعَكْ ريقَك، تشويحة إيدكْ، إلى آخْرُهْ!

الصور التي تنشر في الصحف لا يصلني منها لون أو رائحة، وإن كنت أخلّقُهما، وحتى صور التليفزيون، ليست كافية لنقل نبض الجسد الحي، ومع ذلك فما يصلني يسمح لي أن أتساءل عن هؤلاء الرؤساء العظام، الذين يقبّلون بعضهم البعض، ويبتسمون للمصورين، بينما دماء الأطفال الأبرياء، والكهول وكل الناس تسيل أنهارا، وبينما أجساد المظلومين تتناثر أشلاء، وبينما كرامة البشر تداس بأقذر الأحذية، أتابع ابتساماتهم على اختلاف مساحة انفراج الشفاه، ولمعة الأعين، وأتعجب وأنا أدعو لهم بالصبر والتوفيق، ولا أخفي -على نفسي- إعجابي الخاص بهم، وربما حقدي على قدرتهم على السيطرة على مشاعرهم الحقيقية (إنْ وجدت) ولبس هذه الابتسامات الدبلوماسية الرائقة.

الأصعب عندي في الفهم والتقبل تلك "الأحضان الحوارية" التي يتعانق فيها أهل الأديان المختلفة ورؤساؤها وهم يعلنون بصدق أنهم يحبون بعضهم البعض جدا جدا، لدرجة أن أيا منهم لابد يتمنى للمحبوب أن يهديه عقله القاصر إلى أنه على باطل 100 % وبالتالي، يتمنى المتعانق منهم -إخلاصا لدينه- ومن فرط حبه لحَضِينه (الذي يحضنه) أن يُدْخله دينه، لأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن ينقذه من العمى الذي هو فيه، لأنه لو استعمل "عقله السليم" إذن لاهتدى إلى الدين السليم، (دين الخاضِنْ) وبالعكس! وهم يعلنون "حوار الأديان" و"قبول الآخر"، بالمرّةَْ!!.

أكرر كيف أن البابا شنودة نبهنا مرارا أنه لا "حوار بين الأديان" وأن الحوار الممكن هو بين المتدينين، وقد عاد الابن إبراهيم عيسى ينبه إلى مثل ذلك في كلمته الافتتاحية في أحد أعداد الدستور اليومية منذ أسابيع، وهذا وذاك من أصح الصحيح، إن حوار المتدينين إنما يدور -على أحسن الفروض- حول كيف نتفق على المساحة المسموح فيها بالحوار، وأن نتجنب المساحات المحرجة الأخرى، التي لا يتم فيها الحوار إلا بين أفراد نفس الدين، بل نفس المذهب، أو نفس الملّة، هذا إذا كانوا -ولا مؤاخذة- يعرفون ماذا يعنى الحوار أصلاً.
 
أما حوار الأديان الحقيقي فأنا مع البابا شنودة -كل سنة وهو وهم ونحن طيبون- ومع أبى يحيى (إبراهيم عيسى) وأستأذنهما في شرح السبب":
إن حوار الأديان إن صدق فعلا وكان جدلا حيًّا ومسئولا ومتطورا، لابد وأن يخرج منه "دين جديد"، توليف يجمع الاختلاف في كلٍّ جديد، وقد وقع في هذا المأزق مجتهدون وانتهى بهم الأمر إلى كوارث بلا حدود، حيث ظهرت أديان توفيقية أو تلفيقية مثل البهائية، والكنيسة الذهبية، وكنيسة جيم جونس...... إلخ.

ما العمل إذن؟
هل تتوقف الأديان عن الحوار نهائيا؟ وكيف؟
هل نكتفي بحوار المتدينين وهم وشطارتهم؟
هل نضع رؤوسنا في الرمال ويخفى كل منا دينه -وخصوصا في البطاقة الشخصية والعائلية وجواز السفر!!- ثم نتحاور ونحن ناقصون معلومات عن بعضنا البعض وكأن دين كل منا "عيب" لا يجوز أن يطلع عليه غريب!!.
ليست عندي إجابات قابلة للتعميم في مرحلتنا الراهنة. فقط ليكن كل منا أمينا مع دينه الذي ولد به، ومع وجوده مع آخرين مختلفين، هم أيضا ولدُوا فوجدوا أنفسهم الناحية الأخرى، وأن يَتَّقٍ الله ربَّه، وأن يقرأ كتابه، وكفى بنفسه عليه حسيبا، وأن يفهم تفسير "محمد إقبال" فكرة ختم النبوة بمحمد عليه الصلاة والسلام، بأنه تنبيه بأن البشرية قد نَمَتْ، وآن الأوان أن يحمل كل إنسان مسئولية وجوده بنفسه دون انتظار وحى جديد يحل له مشاكله.

نشرت في الدستور بتاريخ 9-1-2008

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / استحالة الممكن وحتمية المستحيل / أدنى من النمل الأبيض!!! / يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل! / تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة / تعتعة : فحتى المحاكاة ليسوا لها / صرح بأي شيء تقرره ستجد من يبرره!! / وبرغم الأسئلة التآمرية / كفر الزيات ـ"جوجل" ـ أمستردام (وبالعكس)/ تعتعة سياسية: والله العظيم البنت معها حق! / تعتعة سياسية: أبدا كنت أمزح!! / أولادنا! والحزب الوطني. الإخواني (وبالعكس) / ست الناس.. والدستور.. والمواطنة!! / النادي الأهلي.. وهل هم يكذبون؟؟! / أسئلة ممنوعة، وإجابات مرفوعة!!!! / تعتعة سياسية: استقالة وزير / تعتعة سياسية: ثقافة السلام وثقافة الحياة!!! / .... تشربها مادامت إنت ماليها !!!!(11)



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/02/2008