إغلاق
 

Bookmark and Share

الوصمة الاجتماعية للبدانة: ::

الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 09/03/2005

يعتبرُ التحاملُ الاجتماعيُّ على البدانة هو المحركُ الأساسي لمعظم المشكلات التي تواجه الشخص البدين في المجتمع البشري الحديث، ويكادُ يكونُ من المؤكد أن البدين يبخس حقوقه في ذلك المجتمع إلى حد بعيد بما في ذلك حقوق التعليم والعمل وربما الترقيات بسبب وزنه، ونستطيعُ القولَ بأن الإهانة التي يلحقها المجتمعُ بالبدينين أبعدُ بكثيرٍ من مجرد اعتبارهم أقل جاذبيةً مثلاً من الآخرين، فمنذ طفولة الشخص البدين ومنذ سنين الدراسة الأولى وربما منذ وجوده في رياض الأطفال وهو يتعرضُ لمن يتوقعون منه الغباء أو الكسل أو القذارة أو القبح أو النكد.

بل إن هناك من يرجعون الآثار الصحية السلبية للبدانة لا إلى البدانة في حد ذاتها بل إلى تحيز المجتمع ضد البدين والعزلة التي يفرضها عليه وما تؤدي إليه من كرب مزمنٍ يعيشُ فيه (Ciliska ,1993a) و(Bovey ,1994)، وهو ما تدعمهُ نتائجُ دراسةٍ أجريت على الأفارقة في مجتمعاتهم التي تقبل البدانة كتنوع بشري فلم تجد زيادةً دالةً في الآثار الصحية السلبية تلك (Wing, et al.,1994).

ثم أليسَ فيما تحملهُ معظمُ المجتمعات البشرية اليوم من موقفٍ متحيز ضد الشخص البدين نوعٌ من إلقاء المسؤولية عليه، أليسَ ضمنَ مبررات المجتمع لموقفه هذا أن الشخصَ البدينَ مسؤولٌ عن بدانته؟ أليسَ هناكَ كثيرونَ يعتبرونَ الأمرَ واقعًا داخل حدود الاختيار، ألا نتهم الشخص البدينَ بالمسؤولية عن بدانته عندما نقولُ بأن البدانةَ لا تنتجُ إلا من زيادةِ الوارد إلى الجسد من طاقةٍ عن الصادر منه من طاقة؟ ألا يعني هذا أن الشخصَ البدينَ يأكلُ أكثرَ مما يجب أو أكثرَ مما يحرقُ من طاقة؟ فهل البدانةُ مرضٌ من نوعٍ مختلف أي أنها مرضٌ يتحملُ المريضُ مسئوليته، أم أن التوجهَ ناحيةَ اعتبارها مرضًا هو شيءٌ مختلفٌ عن التوجه ناحيةَ اعتبارِ أن الشخص البدينَ لابدَّ أن يسعى نحو التخلص من البدانة لكي يفي بالالتزام الذي يطلبهُ المجتمعُ من المريضِ كما ذكرتُ من قبل؟

ومن المهم هنا أن نشير إلى تضارب الآراء ونتائج الدراسات حول الآثار الصحية السلبية لزيادة الوزن، فهناك من يرون أن عوامل الخطورة للأمراض التي يظنُّ أنها مرتبطةٌ بزيادة الوزن ربما كانت أكثر ارتباطًا بعوامل وراثية أو بمكان تجمع الدهون في الجسد، أو بالحمية المنحفة المتكررة (Vague, 1991) أكثر من ارتباطها بزيادة الوزن في حد ذاتها، وهناك من يرون أن البدانةَ قد لا تكونَ عامل خطورةٍ مهم لأمراض القلب أو غيرها من الأمراض في من لا توجد لديهم عوامل خطورة أخرى غير، وغالبًا قبل ، حدوث البدانة، بل إن هناك ما يشيرُ إلى أن صاحب البدانة المتوسطة (زيادة الوزن بحوالي 15 كيلو جرام) قد يمتلك صحةً أفضل من صاحب القوام النحيل (Waaler, 1984).

إن إنكارَ كونِ البدانة مشكلةً صحيةً اجتماعيةً ليسَ هو المقصود من كلامي هنا، وإنما المقصود هو أن من الخطأ اعتبارها مرضًا بينما هيَ لا تفي بالشروط اللازمة لكونها مرض في كل الأحوال بالمعنى الطبي، حتى لو قلنا أن البدانةَ تعتبرُ مرضًا من أجل تنبيه الناس للتخلص منها لأنها تمثلُ عاملَ خطورةٍ للكثير من الأمراض العضوية، فإن هذا في الحقيقة قد يبررُ في يومٍ من الأيام أن تحاولَ النساءُ التخلصَ من كونهن نساء لأن من الثابت الآن في الطب النفسي أن النسوية تكادُ تكونُ عاملَ خطورةٍ للاكتئاب، أنا أعرفُ بالطبع كم الغرابة في المثال الذي أضربه، ولكنني أريدُ أن أنبه إلى ضرورةِ وضوح المفاهيم سواءً في الطب أو في المجتمع.

بل إن الأمانة العلمية تقتضي منا ما هو أبعدُ من ذلك، فبينما نجدُ العامة في أيامنا هذه على وعي تامٍ بالآثار الصحية السلبية للبدانة، نجدُ العامة ومعظم الخاصة لا يعرفون أقل القليل عن الآثار السلبية للحميات المنحفة، وجراحات التنحيف وشفط الدهون على الصحة، فمتتبعو الحميات كثيرًا ما عانوا من مضاعفاتٍ صحيةٍ في منتهى الخطورة منها اختلال وظائف القلب والمرارة وحتى الموت (Berg, 1993)، بل إن البدانة المتصاعدة الناتجة عن الحميات المتكررة وما يصحبها من تأرجح الوزن وصولاً إلى زيادةٍ نهائية في المحصلة(Ciliska, 1990) هي أكثر خطرًا على الجسد (خاصةً على القلب)من الناحية الصحية من البقاء بدينًا مدى الحياة (Ciliska, 1993b).

وكما يقول أحمد عبد الله (أحمد عبد الله ، 2001) لا يعني رصدنا لهذه الظواهر والمتغيرات أننا نشجع على نشر وتعميم هذه الأجساد "البرميلية" التي تسير في شوارعنا، وتتثاءب في بيوتنا!!، كما لا نرى الخير في "كرش" السيد "آدم"، والذي تزداد استدارته وترهله مع العمر! بل نحن ندعو إلى الرياضة من أجل الصحة، ومن أجل أن يكون الجسد سليمًا، ونعتقد أن هذه السلامة والعافية: اكتسابها والمحافظة عليها بالرياضة وغيرها تدخل تحت باب:"إن لبدنك عليك حقًا"، ما نستنكره هنا هو أن يكون السعي نحو نموذج معيَّن للجسد -أو أن يكون الهدف الأسمى من الجسد السليم- أن يصبح مثيرًا للشهوة، رغم أن الشهوة في أصلها ليست حرامًا، وهي من الله، وليست من غيره، ودور الإنسان أن يضعها في الإطار المنضبط إذا كان ملتزمًا بدين أو خلق، لم يجبره أحد حين التزم به. إذن نريد الرياضة بالمعقول، وبنَيَّة أداء حق البدن.

واقرأ أيضا:
البحث عن "جميلة"

المراجع:
أحمد عبد الله (2001) : البحث عن جميلة، إسلام أون لاين ، آدم وحواء على العنوان الإليكتروني التالي: http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/adam-8/masaa-1.asp 

1. Ciliska, D. (1993a) : Women and obesity: Learning to live with it. Canadian Family Physician, 39, 145-151.
2. Bovey, S. (1994) : The forbidden body: why being fat is not a sin. London,England: Pandora.
3. Wing, R., Adams-Campbell, L., Ukoli, F., Janney, C., & Nwankwo, M. (1994) : Obesity, body fat distribution, and blood pressure in Nigerian and African-American men and women. Journal National Medical Association, (86)(1). 60-64.
4. Vague, J. (1991) : Obesities. London, England: John Libbey
5. Waaler, H. (1984) : Height, weight and mortality: The Norwegian experience. Acta Med. Scand, 679. 1-56.
6. Berg, F. (1993) : Special report: Health risks of obesity. (2nd ed.). Hettinger, North Dakota: Healthy Weight Journal (formerly Obesity & Health).
7. Ciliska, D. (1990) : Beyond dieting; Psycho educational interventions for chronically obese women: A non-dieting approach. New York: Brunner/Mazel.
8. Ciliska, D. (1993b) : Why diets fail. In Catrina Brown & Karin Jasper (Eds.), Consuming passions: Feminist approaches to weight preoccupation and eating disorders. (pp. 80-90). Toronto: Second Story Press.



الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 09/03/2005