إغلاق
 

Bookmark and Share

الحلول الذاتية: "نعمل إيه"؟ "نعمل جمعية"!! ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 09/04/2008


من أطيب العادات التي مازالت تجري في مصر، من وراء الحكومة، عادة النقوط، "وكذلك الجمعية" (النقدية) الأسرية أو الوظيفية التي يقبضها المحتاج أولا، ثم الذي يليه احتياجا وهكذا، يجري هذا بطيبة وتعاون لا مثيل لهما، هذا القرض الحسن المسمى "النقوط" تمتد مدة السماح للدين فيه إلى سنوات طويلة، وليس من شروطه أن تسد الدين أكثر أو أقل مما أخذت، قاعدة هذا الطقس الأساسية هي: مِنْ كلٍّ حسب شهامته، إلى كلٍّ حسب حاجته!!، تأتي مناسبة الزواج أو الطهور، فيدفع الأقارب والصديقات والمعارف ما تيسر، وينتظرون شهوراً أو سنين عددا حتى تحل مناسبة مماثلة عندهم فيتلقون أكثر أو أقل. هذه الحلول الذاتية مازال بعضها قائم وفاعل وطيب.

تقليد آخر أكثر تواترا، وأحكم انضباطا وهو الذي يعنيه تعبير "نعمل جمعية"، بالمعنى الشعبي لا الرسمي، أقصد الجمعيات التي تعملها ربات المنازل، والجارات، والموظفين والموظفات وهي ليست لها علاقة بوزارة الضمان، ولا منح الخواجات، ولا "الإن، جي، أوه!" NGOS ، هذا التقليد هو من أنْبَل تجليات الحلول الذاتية.

خيل إلى يوما أن الحلول الذاتية هي التي تبقي حياة الشعب المصري حتى الآن، خمسة ملايين في الخارج، كل واحد منهم له أسرة من خمسة أفراد، خمسة في خمسة بخمسة وعشرين، يروجون حولهم حركة اقتصادية لنفس العدد، أصبحوا خمسين مليون، والباقي يدبر حاله بالشَّقى أو بالسرقة، أو بالرشوة أو بالوصول أو بالعمل أو بالشحاذة، أو بالاستثمار المشروع وغير المشروع، إيش أدخل الحكومة في أي من هذا!(؟)

يقوم الشباب في بعض الشوارع عندما تتكدس العربات وتشل حركة المرور بتنظيم المرور أيضا بالحلول الذاتية، خطر في عقل ببالي: يا ترى هل هناك حلول ذاتية مماثلة في السياسة أيضا؟ جاءني الجواب جاهزا منذ أيام: القذافي عملها، أو أعلنها ونشرتها صحيفة الأهرام، وهو يصرح: "إن العالم يتحول الآن إلى التجربة الليبية وأن بلاده من الآن سوف تكون بلا حكومة، وأن القطاع الإداري أخطبوط يلتهم أموال الشعب.. إلخ"، لا تضحك وارجع إلى الأهرام 3/3/2008 صفحة 5، لا تضحك فما نحن فيه أدعى للضحك.

حين تضيق الحال بأحد أفراد الأسرة الكبيرة أو أحد الجيران، أو الزملاء الموظفين، ويعرض أزمته بالصدفة، أو يفكر بصوت مسموع وهو يتمتم "طب نعمل إيه"، يرد عليه أحد الزملاء ليخفف عنه ضاحكا "نعمل جمعية"، وإما يعملونها بصحيح، أو على الأقل يضحكون للقفشة.

هل توجد طريقة نعمل بها جمعية تقوم بإدارة أحوال البلد؟ نحل بها غياب السياسة؟ أعنى غياب السياسات (بالله عليكم ما هو الفرق؟ أنا أقول لكم: "سياسات" جمع سياسة، هل هذا صعب؟).

المهم: سيوزع القذافي أطال الله عمره- خمسة آلاف دينار لكل أسرة بواقع ألف دينار لكل شخص، عالبركة، وهو يقول إن العالم سيحذو حذوه، ونحن جزء من العالم! (أليس كذلك؟)
لاحظت في تشكيل الأحزاب الجديدة، بعدما استبعدت أي سوء ظن، أننا بدأنا في ممارسة شكل آخر موازيا لهذه المحاولات، أعتقد أن بعض الشرفاء عندنا حين يرون الحال المائل، ثم يرونه وهو يميل أكثر فأكثر، وهم لا يستطيعون عدْله أو إيقاف ميله، وفي نفس الوقت لا يستطيعون الانسحاب من مسئولية تواجدهم على هذه الأرض، هؤلاء النفر الطيبون حين يجتمعون ويتساءلون "طيب نعمل إيه" فيقول أحدهم مخلصا "نعمل حزب" (مقابل "نعمل جمعية" كما ذكرنا) طيب، ولكن مَنْ يقبض الأول؟ قال لك: "الحزب الوطني"، فيسأل أحد السذج ومن يقبض بعده؟ ويكتشف حسنوا النية بعد أو قبل تكوين الحزب، باللجنة أو بالقضاء- أن الحزب الوطني هو الذي يقبض الأول والثاني حتى الأخير، مع أنه لم يشترك ابتداءً في "الجمعية"، لأنه ليس حزبا من أصله.

المفروض في نظام الجمعية أن الذي يقبض يمشّي حاله من قبضيته، ثم يحل محله التالي في الشهر التالي، وهكذا "هذا ما يمكن تسميته "تداول القبضية" لكن في سياستنا الراسخة ممنوع على الأحزاب حكاية تبادل السلطة هذه، حتى الحزب الوطني ممنوع، ستقول لي "كيف، فأنبهك أنك لم تأخذ بالك أنه لا يوجد شيء اسمه الحزب الوطني بالمعنى السياسي، وبالتالي ليس له فرصة أن يشكل الحكومة، الحكومة هي التي تشكله؟
قال لك: طيب "نعمل إيه
قال لك: "نعمل جمعية".

اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / استحالة الممكن وحتمية المستحيل / أدنى من النمل الأبيض!!! / يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل! / تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة / تعتعة : فحتى المحاكاة ليسوا لها / صرح بأي شيء تقرره ستجد من يبرره!! / وبرغم الأسئلة التآمرية / كفر الزيات ـ"جوجل" ـ أمستردام (وبالعكس)/ تعتعة سياسية: والله العظيم البنت معها حق! / تعتعة سياسية: أبدا كنت أمزح!! / أولادنا! والحزب الوطني. الإخواني (وبالعكس) / ست الناس.. والدستور.. والمواطنة!! / النادي الأهلي.. وهل هم يكذبون؟؟! / أسئلة ممنوعة، وإجابات مرفوعة!!!! / تعتعة سياسية: استقالة وزير / تعتعة سياسية: ثقافة السلام وثقافة الحياة!!! / .... تشربها مادامت إنت ماليها !!!!(11) / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / خليَط من الرأي والشعر: قوة النظام في ضعفه / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب / الشعور بالذنب في السياسة والحرب.

نشرت في الدستور بتاريخ 12-3-2008



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 09/04/2008