السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أولا أريد أن أشكركم على هذه الخدمة، سأحكي قصة أخي مع الوسواس القهري وأرجو أن أجد الحل، فأخي يبلغ 32عاما. هو ناجح في حياته العملية وميسور الحال ولكنه فاشل في حياته العاطفية ولم يتزوج حتى الآن مع العلم أنه حسن المنظر والأخلاق. فجأة حدث شيء غريب وأصيب في البداية بارتفاع بدرجة الحرارة الداخلية ثم بدأت تأتي له حالات غريبة مثل أن شيئا يسيطر عليه ويجعله يفعل أشياء غريبة حتى أنه فكر في الانتحار وكان لا يستطيع أن يسيطر على أعصابه. فتعجبنا لإصابته بهذه الحالة واعتقدنا أنه سحر وذهبنا إلي كثير من الشيوخ وقالو إنه سحر أو لمسة. ولكن حالته ساءت كثيرا فذهبنا إلى طبيب نفسي فقال إنه الوسواس القهري.
بدأ أخي في العلاج منذ شهرين وتحسن نوعا ما والحمد لله ولكنه يشكو من إحساس أنه غريب في هذا العالم وكأنه مولود جديد لا يحس بما يوجد حوله مع العلم يدرك كل شيء وعاد إلى عمله نوعا ما ولكنه خائف أن يستمر الإحساس معه مع وجود بعض التنميل والحرارة الداخلية تذهب ثم تعود.
قد بدأ الوسواس يخف نوعا ما ويشكي أخي من وجود غمامة على عينيه وعدم إدراكه بالليل والنهار فسألنا الطبيب وقال: إن الغمامة التي على العين هي من العلاج، أما الإحساس أنه غريب في هذا العالم وكأنه مولود جديد فقال الطبيب إنه مرحلة من المرض وهو في طريقه إلي الشفاء التام، هل سيشفى تماما من هذا المرض وهل له مدة وماهي النصائح له مع العلم بأنه خائف ألا يشفي، كل وقت يقول لأهله أنا لن أشفى وسأبقى هكذا، وتعود إليه الوساوس ثم تذهب. فنحن خائفون عليه كثيرا. أرجو أن تطمئنوني على حالة أخي.
مع الشكر لكم (أرجو الاهتمام).
2006-01-23
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
بارك الله لك في أخيك وجعلك خير عون له ودام أواصر المحبة بينكما، ونعتذر أخي العزيز عن تأخرنا في الرد عليك فأرجو أن تلتمس لنا العذر، ولقد قرأت حالة أخيك يا عزيزي وأول ما جال بخاطري أنها حالة من حالات الوسواس القهري المتكررة وارتأيت أن أحيلها إلى قسم مشاكل وحلول للشباب حيث لديهم استشارات عديدة حول الوسواس القهري أو أن أحيلك مباشرة إلى هذه الاستشارات.
ولكن ما استوقفني هو أن أخاك بدأ بالفعل في تناول العلاج الخاص بالوسواس القهري وبالرغم من ذلك ظهرت عليه تلك الأعراض التي ذكرتها في رسالتك، والحقيقة أنها يمكن أن تحدث كأثر جانبي مبدئي لعقاقير الم.ا.س.ا كما يمكن أن تكون أحد أشكال اختلال الإنية Depersonalization وهو أحد الاضطرابات النفسية ضمن طيف الوسواس القهري .
فهذا الشعور الذي ينتاب أخاك هو ما يسميه الطبيب النفسي باختلال الإنية واختلال إدراك الواقع، وهو أحد اضطرابات نطاق الوسواس القهري الذي يشعر فيه المريض بأن تغيرا ما غير مريح قد حدث في إحساسه أو خبرته الشخصية بذاته، حيث يشعر المريض بشعورٍ غالبا ما لا يجدُ كلمات تعبر عنه تعبيرًا يرضيه، ولكنه شعورٌ بالتغير غير السار في إحساسه بنفسه أو بالواقع أو كليهما معا مثلما هو الحال عند أخيك، وقديما كان الأطباء النفسيون يتكلمون عن علاقة هذا الاضطراب بالقلق والاكتئاب، وهي علاقةٌ موجودةٌ ما تزال، وكان لاختلال الإنية صورتان أحدهما هو اختلال الإنية الأولي أي غير المسبوق لا بالقلق ولا الاكتئاب، وثانيهما هو اختلال الإنية الثانوي للقلق أو الاكتئاب، وكانت الاستجابة للعلاج الدوائي في النوع الثانوي أفضل بكثير من استجابة النوع الأولي.
وأما حديثا ومع بداية تبلور الأفكار عن نطاق الوسواس القهري، فقد توالت التقارير عن علاقة اضطراب اختلال الإنية بالوسواس القهري، لأن استجابة المرضى لذلك الشعور غير السار بالتغير الذي أشرنا إليه غالبا ما تكونُ استجابةً وسواسية قهرية، فالمريض يجد نفسه مدفوعا إلى التحقق والتأكد من مشاعره، سواء شعوره بنفسه أو بما حوله، وكلما تحقق واكتشف أنه يشعر بشعورٍ مخالفٍ لما كان كلما هاجمته الأفكار التسلطية، وكلما تشكك في نفسه وفي من حوله.
وأنا هنا سأعطيك مثلا لواحدةٍ من مريضاتي هاجمها اضطراب اختلال الإنية بعد أن وضعت مولودها الأول: فكانت كمن تضع مشاعرها تجاه وليدها تحت المجهر كل دقيقة كما يلي هل أنا أحبه مثلما تحب الأم وليدها؟ هل أنا حقا أمه؟ هل ما يحدثُ حقيقة أم حلم؟ هل ما أشعر به وأنا أحتضنُ ذلك الطفل هو حقا شعور الأم؟ وهل أنا أحب زوجي؟ وهكذا..... وكان أكثر ما يعذبها هو عجزها عن أن تسأل الآخرين حولها من أهل زوجها لتتأكد أو تتحقق من كل ما سبق وهل هو حقيقة أم خيال؟
وأما عن علاج اختلال الإنية، فإنني أبشرك أنه نفس العلاج الذي تتناوله الآن لعلاج الوسواس القهري، إضافةً إلى بعض أساليب العلاج السلوكي المعرفي سيقوم بها طبيبك إن شاء الله، فكما ذكر الطبيب أن ما يمر به أخوك هو مرحلة من المرض وهو في طريقه إلى الشفاء التام بإذن الله تعالى.
دعواتنا لك ولأخيك بالخير الوفير وفي انتظار سماع أخبار طيبة عنه.