أنا ضائعة
أنا فتاة عمري 19 سنة من عائلة ربتني بشكل جيد جدا ولكن أهلي بعيدون كل البعد عن الصلاة وليس هناك أحد من أفراد أسرتي ملتزم بها
وعندما كنت في السابعة عشرة من عمري تعلمت الصلاة من زميلاتي وصليت في شهر رمضان ولكن أصبحت كل العائلة تسخر مني ويسمعونني كلاما جارحا فتركت الصلاة
أنا لا أنكر أن أهلي ربوني على الأخلاق الفاضلة وأنا والحمد لله مضرب المثل بالأخلاق والهدوء وأنا مجتهدة جدا ولكن ماذا افعل وأنا اشعر بصراع بين نفسي وبين تقاليد العائلة التي لا تعتبر الصلاة آمرا مفروضا بل المهم الأخلاق والسمعة الحسنة التي والحمد لله نتمتع بها
أنا الآن أحب شخصا له أيضا نفس أفكار عائلتي وهذا ما يبعدني أكثر عن التفكير بالموضوع وأقول لنفسي لماذا اتعب عقلي بالتفكير دون جدوى لأني اعلم أني لو تزوجت من هذا الشاب فإن الموضوع سيكون مجرد وجع رأس؟
16/7/2004
رد المستشار
ابنتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
أبدأ كلامي بالدعاء لك بأن ينير الله قلبك بنور الإيمان, وأن يديم عليك نعمة الفطرة السليمة التي مهما طال إهمالها ما زالت تهديك إلى طريق الحق, عزيزتي أنت لست تائهة أبدا والحمد لله حمدا كثيرا, لو كنت أمامي لرأيتني أبتسم وأنا اكتب كلماتي لسعادتي بسواء فطرتك وهو أمر لم يعد شائعا كما نحب ونتمنى, أشبه ما يكون عندما نرى زهرة في أول الربيع.
لو كنت تائهة ما كان استوقفك بعدُ أهلك عن الصلاة والدين عموما, حيث أن الصلاة عماد الدين, ولن أسهب في الحديث عن أهمية الصلاة في ديننا فلا بد أنك تعرفينها.
لو كان لدي طفل وأطعمته أفضل أنواع الطعام وتركته في العراء ليقاسى الحر نهارا والبرد ليلا هل أكون قد قمت بحقه علي؟ أو أعطيته كل ما يلزمه؟
نشكر لأسرتك حسن تنشئتها لك بحيث بقيت فطرتك سليمة تلح عليك بالرجوع إلى الله, مهما سخروا ومهما زعموا أن الأخلاق هي الأهم وأن الدين خزعبلات أو من النوافل التي تستقيم الحياة بدونها.
هل تعرفين حديث الرسول عليه الصلاة والسلام بأن كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه؟ يشير الحديث الشريف إلى أن كل مولود لديه قدرة وميول للعبادة وللتعلق بخالقه لأنه يعرفه كما تشير الآية الكريمة، بسم الله الرحمن الرحيم :(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) صدق الله العظيم (لأعراف:172) فنحن نعرف خالقنا ونشتاق إليه منذ كنا أقل من نواة, فكيف حالنا وقد نما عقلنا وتوسعت مداركنا وكل ما حولنا يهدينا للرجوع إلى ما نعرف قبل أن يعلمنا بشر أي من أمور الحياة.
ما تشعرين به أمر طبيعي ورائع ولكن لا ينبغي عليك السباحة ضد التيار كما تفعل أسرتك هداها الله وإيانا, توجهي بقلبك وعقلك إلى الله بحزم وثقة واتبعي ما زرع الله في نفسك كي تشعري بالراحة والهدوء وتصلي إلى شاطئ الإيمان الذي وصف بمقولة "إن للإيمان لحلاوة وإن عليه لطلاوة لو عرفها الملوك لحاربونا عليها بالسيوف"، ولا أذكر أين قرأت كلمات تصف الأخلاق بدون سياج الدين بأنها كالبنيان بدون أساس, قد تقوم ولكنها هشة ومعرضة للانهيار في مقابل أضعف هزة, ولكنها كلمات صادقة وواقعية.
توجهي إلى الله ولا تلتفتي إلى من حولك, ودافعي عن حقك في اختيار طريقة حياتك بأن مكارم الأخلاق تضمن للناس حرية الرأي وحرية الاختيار في المظهر في أسلوب الحياة, وعليهم أن يتبعوا ما تمليه عليهم أخلاقهم الحميدة بأن يحترموا خيارك وان كانوا لا يوافقون عليه. امضي بنيتي وسيتبعك من حولك واحرصي على أن تقدمي لهم نموذجا جيدا للشخصية المتدينة والملتزمة, وأدعو الله أن تذهبي بأجرهم أجمعين.
وأرى أن تتمهلي في الارتباط قليلا حتى تثبتي أقدامك في اتجاه حياتك الجديد, يفضل أن تحلي الصراع في داخلك بين رغبتك في الحصول على موافقة الأسرة ورغبتك في إرضاء نفسك بإتباع دينك(ولا ينبغي أن يكون هناك صراع بين هذين الأمرين في العادة) وأن كنا لا نملك أن نختار الأسرة التي نولد فيها فالحمد لله أننا نملك القدرة على الاختيار في الأسرة التي نبنيها.إنهاء الصراع والحيرة في متناول يدك وأسهل مما تتخيلين ولكن الشيطان يصعب على الإنسان التوبة والهداية.
اتبعي فطرتك التي فطرك الله عليها, مع دعائي بأن يغدق الله عليك كل السعادة في الدارين كما أسعدتني رسالتك, ونحن بإذن الله معك أهلك وأصحابك ما سمحت بذلك الآجال.