السلام عليكم
أتابعكم منذ فترة وما أطرحه هنا ليس مشكلة بقدر ما هو توجه مختلف في الحياة أو هكذا أراه..... إليكم التفاصيل:
أعيش وحدي منذ عام. لا أصدقاء، لا علاقات، لا علاقات حقيقية. أقوم بمهام جانبية فقط، أتجول بهدوء في الحياة. ولفترة، أحببت ذلك. شعرت بالسلام، وكأنني خرجت أخيرًا من صخب الحياة. لكن مؤخرًا، ازداد هذا الصمت ثقلًا.
أشعر وكأنني كنت واقفًا ساكنًا بينما يستمر العالم في الجري. الجميع يطارد المال، والمكانة الاجتماعية، والممتلكات، والاعتراف. كل شيء يبدو زائفًا للغاية. منفصل تمامًا عن معنى الحياة. يريد الناس امتلاك الأشياء، لا الشعور بها. يريدون أن يظهروا سعداء بدلًا من أن يكونوا في سلام.
وأحيانًا أتساءل إن كنت مجنونًا لأنني لا أريد أيًا من ذلك. أؤمن بالله، ولكن بطريقتي الخاصة. أؤمن أن الحب هو الشيء الوحيد المهم حقًا. أحلم بحياة بسيطة، قريبة من الطبيعة، بعيدة عن هذا النظام الذي يُعلّم الناس التخلي عن أرواحهم من أجل الراحة.
وبصراحة، أشعر أن العمل مجرد شكل آخر من أشكال العبودية المهذبة. إذا رُزقتُ بأطفال، فلا أريدهم أن يذهبوا إلى المدرسة. أريدهم أن يتعلموا من الحياة، لا من الأنظمة. وإذا وقعتُ في الحب، فلا أريد حفل زفاف. أريد فقط شيئًا حقيقيًا، بعيدًا عن التمثيل.
في كل مرة أقابل فيها شخصًا وأتحدث معه بصراحة، يتلاشى. ليس لأنني مخطئ، بل لأنهم غارقون فيه. مبرمجون على الاعتقاد بأن هذه هي الطريقة الوحيدة للعيش.
في النهاية، كلنا بشر نشأنا من نفس المصدر.
أتمنى لو يرى الجميع الجمال الذي لا يزال هنا، ذلك الجمال الذي يخفيه النظام الاجتماعي الحالي.
19/10/2025
رد المستشار
عزيزي "مراد" أهلا وسهلا بك على مجانين ونرجو أن نكون عوناً لك
ما طرحته ليس مشكلة بقدر ما هو تجربة وجودية عميقة يعيشها بعض الشباب المعاصرين خصوصًا من يعملون في بيئات عالية الضغط مثل دبي، وفي مهن تعتمد على التقنية والعزلة الذهنية مثل هندسة الكمبيوتر. ولو حاولنا مناقشة أطروحتك سنبدأ بالتقييم النفسي المبدئي
استنادًا إلى ما كتبته، لا توجد علامات تشير إلى اضطراب نفساني صريح، ولكن هناك ثلاثة مفاهيم أساسية توضّح تجربتك:
1) أزمة المعنى في صورة الفراغ الوجودي Existential Vacuum وهذا المفهوم وُصفه "فيكتور فرانكل"، ويحدث عند الشعور بأن العالم المادي سطحي وزائف، وأن ما يقدّره الناس لا يشبع روحك.
الأدلة على ذلك: الشعور بأنك "واقف ساكن بينما العالم يجري". مع إحساس بالانفصال عن قيم المجتمع (المال، المكانة، الإنتاج) والبحث عن البساطة، الحب، الطبيعة وهي حاجات "قائمة على المعنى" أكثر من كونها مادية. وبالتالي ما ذكرته ليس مرضًا، بل مرحلة وجودية شائعة لدى الأشخاص الحساسين والواعين والمفكرين.
2) الحساسية الروحية High Existential Sensitivity وهي ميل الأشخاص إلى رؤية العبث في النظام الاجتماعي، والشعور بأن البشر فقدوا أصالتهم.
الأدلة على هذا :نقدك الاجتماعي عميق وغير عدائي مع رغبة في حياة أصيلة أكثر من حياة ناجحة وتعريفك للإيمان بطريقة شخصية لا مؤسسية. وهذا النوع من الحساسية موجود عند الفنانين والفلاسفة والمبدعين أكثر من الأشخاص التقليديين.
3) الانسحاب الاجتماعي الوظيفي Functional Social Withdrawal ليس اكتئابًا، لأنه: لا توجد شكوى من كآبة المزاج وانعدام القيمة أو انعدام الطاقة أو فقدان شهية، اضطراب نوم، لكنه انسحاب ناتج عن عدم التوافق القيمي مع المجتمع من حولك.
لكن استمرار هذا الانسحاب لفترة طويلة قد يقود لاحقًا إلى اكتئاب أو عزلة مرضية إن لم تتم إدارته بحكمة.
لو حاولنا مناقشة العوامل النفسية والشخصية المحتملة سنجد
1) شخصيتك تميل الي النمط الإنطوائي Introverted حيث ترى العالم من ناحية المعنى، لا الأرقام مع وجود قيم عليا وضمير حي وميل إلى العلاقات العميقة لا السطحية وتنفر من الزيف، التظاهر، العلاقات الاستهلاكية وهذه التركيبة تجعل التعايش مع المجتمع المادي-السريع صعبًا نفسيًا.
2) عملك كمهندس كمبيوتر في دبي يحقق عدة أمور: بيئة إنتاجية عالية، قليلة الإنسانية وضغط نفسي مستمر مع ساعات طويلة من العزلة، والتركيز الزائد. فأنت تعيش في مجتمع سريع ومظهري، بعيد عن البساطة التي تبحث عنها. وهذا يجعل حساسيتك الوجودية أكبر.
3) العيش وحدك قد تكون عاملا آخر فالسنة التي قضيتها معزولًا أعطتك مساحة للتأمل وتعزيزًا للرؤية الأحادية للعالم وانخفاضًا في المدخلات الاجتماعية التي قد تصحّح تصورك عن الآخرين.
4) إيمانك بالله بطريقتك الشخصية يشير إلى: بحث عن الاتصال الروحي المباشر وابتعاد عن الطقوس الشكلية ورغبة في معنى أصيل لا يفرضه المجتمع وهذا يزيد إحساسك بأن الطريقة السائدة للعيش هي نوع من العبودية. ولو قمنا بتحليل دوافع رؤيتك للحياة سنجد أنك ترفض الاستهلاكية وتقدر الطبيعة والبساطة مع رغبة في تربية الأطفال خارج النظام التقليدي.
المخاطر المحتملة إن تركت هذا الاتجاه بلا توازن تتمثل في فقدان القدرة على تكوين علاقات واقعية وتضخم الفردية إلى حد القطيعة ونشوء اكتئاب وجودي لاحقًا أو الانزلاق نحو مثالية تجعل الواقع مرفوضًا بالكامل.
التوصيات
الحفاظ على قيمك دون الانسحاب الكامل (أفضل نقطة توازن) فبدل رفض المجتمع، يمكن أن تبحث عن: دائرة صغيرة من الأشخاص الشبيهين لك في مجتمع روحي أو فلسفي مع نشاطات خارج الإطار الاستهلاكي (تطوع، أنشطة بيئية، هوايات ذات معنى) بمعني لا تضطر للعيش مثل الآخرين لكن لا تعزل نفسك عن البشر بالكامل.
إعادة تعريف النجاح بنسخة شخصية فيمكن أن تكون ناجحًا دون أن تركض خلف المال أو المظاهر. ضع لنفسك: حدًا أدنى ماليًا يوفر الحرية وحدًا أعلى للوقت الشخصي ومشاريع شخصية ذات معنى (تعلم، فن، كتابة.....).
ابحث عن علاقات عميقة بدل علاقات كثيرة ابحث عن الأشخاص الذين يهتمون بالعمق ويرفضون المظاهرولديهم حس روحي ويتعاملون مع الحياة بتأمل لا استهلاك.
الاهتمام بالصحة النفسية من خلال وضع روتينًا يشمل: خروج يومي للطبيعة مع العلاقات الخفيفة ونشاط إبداعي (كتابة، موسيقى، قراءة) مع رياضة وتقليل الشاشات.
فكّر في: العمل الجزئي والانتقال لمكان عمل أقل ضغطًا أو العمل الحر أو العمل عن بُعد مع وقت أطول للطبيعة.
التفكير في المستقبل بمرونة فاحتفظ برؤيتك واجعلها قابلة للتعديل ودع الحياة تدلّك على الشكل المناسب فأنت لا تهرب من المجتمع بل تبحث عن نسخة نظيفة من الحياة.
وفقك الله وتابعنا