الحلو لا يكتمل : شكرا لحضرتك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باعتبار أنني من يقوم بتصنيف استشارات مجانين فإنه لا تمر استشارة دون أن أقرأها أو على الأقل أقرأ بعضاً منها لأعرف موضوعها وبالتالي أحدد الباب الذي أدرجها فيه ..
ولفتت نظري هاتان الاستشارتان واللتان ليستا استشارتين بالمعنى الدقيق بقدر ما هما كلام عن انطباعات المتلقي لردود المستشارين ..
وللأسف أن هذا النوع من الكلام من جهة السائلين قليل جدا, فكما أن المستشير لا يرى تعابير وجه المستشار ولا نبرات صوته وهو يرد, فكذلك المستشار لا يرى ردود الفعل على المستشير, ولا مجال لمعرفة رد الفعل إلا بمتابعة مثل هذه تنبئنا عنها , فتعتبر بمثابة النور الذي يلقى على آثار الإجابة, وقليل جدا من يفعل ذلك ..
على كل حال ليس هذا ما أريد المشاركة به فقط, بل أريد أن أقص على السائلين قصتي أنا مع مشاكل وحلول ومع مجانين .. ويسعدني أولاً أن أعلن أنني "تربية" مجانين ومشاكل وحلول, فقبل أن أصبح مستشارةً كنت على اطلاع دائم على هاتين الصفحتين ولعدة سنوات واستفدت كثيراً جداً مما قدّمتاه من نصائح وإرشادات ومناقشات وآراء .. وكنتُ - كما كنتِ يا عزيزتي السائلة – أرى أن أسرة مشاكل وحلول وأسرة مجانين بشر ولكن ليسوا كالبشر, كانت نظرتي لهم مثالية جدا, لم أكن أتخيل أنهم قد يخطئون في شيء أو أنهم قد يتعصبون أوو ...
والحمد لله أنني راجعت نفسي, وقلت : أليسوا بشراً ؟
هل رقوا إلى مرتبة الألوهية ؟
وتذكرت نفسي حين بدأت في مهنة التدريس كيف أن الطالبات كنّ يرينني فوق مستوى البشر ويحسدن أختي التي كانت في سنّهن على صحبتي الدائمة لها في المنزل , ولكن ماذا كان رد أختي ؟ كانت تقول لهنّ : أنتم لا تعلمون الحقيقة ..
كانت هذه الكلمة منها تؤلمني كثيراً إذ كنت أعتقد أنني منافقة, أُري الناس ما ليس في حقيقتي, إلى أن اكتشفت أن ما يحدث معي هو من طبيعة البشر, حيث من الطبيعي أن أتمكن من ضبط نفسي بضع ساعات في المدرسة, ولكن أن يستمر الضبط طيلة الحياة دون أي زلة, فهذا مستحيل, لأنني ببساطة: بشر ..
فأخذت أنظر إلى المستشارين بنظرة أكثر موضوعية, نظرة تأخذ بعين الاعتبار أنهم بشر يفرحون ويحزنون, يسعدون ويتألمون, يرضون ويغضبون, يركزون وينالهم التشويش, ولكنهم والحق يُقال لديهم قدرة كبيرة على ضبط النفس, ولكنها ليست قدرة مطلقة, لأنهم وببساطة: بشر .. بل إنك إذا نظرت إلى خير البشر بعد محمد عليه الصلاة والسلام وهم الصحابة لوجدت أنه قد كانت لهم أخطاء, كلامي هذا ليس للانتقاص من الصحابة بل هم قدوتنا وخيرنا, بل لندرك أنهم بشر.. وأنهم قدوة قابلة للتقليد ..
حتى أن أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه أخطأ وعاتبه الله عز وجل في آية "ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن ينفقوا ... "وذلك حين قرر الامتناع عن الإنفاق على قريبه "مسطح" حين سمع أنه خاض في عرض ابنته الطاهرة المبرّأة عائشة رضي الله عنها ..
وترسخت هذه القناعة أكثر وأكثر حين طلب مني الدكتور وائل راعي الموقع أكرمه الله أن أجيب على بعض الاستشارات في آذار –مارس- الماضي .. هذه التجربة رسخت لدي أكثر وأكثر أن المستشارين : بشر .. بما أنني أصبحت واحدة منهم بكل أخطائي وعثراتي ووو .. نحن يا أعزائي – مثلكم تماما - بشر نعيش على الأرض, نخطئ ونصيب, وعلينا أن نتقبل على ذلك أنفسنا أولاً, والآخرين ثانياً .. وأبشّرك أنه سيأتي بإذن الله ذلك اليوم الذي ترين البشر فيه بدون أخطاء ولكن بعد أن يتم تعديل طبيعتهم البشرية حين يشربون ويغتسلون من نهر الحياة على باب الجنة ..
صحيحٌ أنه لدينا – ولله الحمد - من الخبرة والتجربة ما نستطيع أن نساعد به من لا يزالون يتعثرون في دروب الحياة, ولدينا بفضل الله قدرة على ضبط النفس وتطويرها, ولكننا في النهاية : بشر، لا تنتظري أبداً أن تري الإنسان الكامل على هذه الأرض, لأنك تنتظرين سراباً لا وجود له, بل حاولي أن تكوني كما قال النبي : الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه ..
أما أن ترفضي المجتمع كله لأنه يخطئ .. فأمر يحتاج إلى إعادة نظر بروية وتأني .. بل لقد اكتشفت نعمة جديدة لله عز وجل عليّ في هذا الخطأ البشري, وهي : أنني حين أخطئ وأنا من الأجيال المتأخرة, فإن مجرد معرفتي بأن أجيال الرواد من الصحابة التابعين كانت لهم هم أيضاً أخطاؤهم ومع ذلك "رضي الله عنهم" ,تطمئن نفسي وتنبعث فيها روح الأمل وتخمد رياح اليأس .. وأجدني أقول لنفسي: لا بأس , حاولي ثانية وستكونين أفضل في المرة القادمة بإذن الله .. لستِ أول من يخطئ ولن تكوني آخر الخطاءين .. المهم أن تلحق بالخطاءين "التوابون" بمعناها الشامل وهو : إصلاح الخطأ .
في النهاية يا عزيزتي أذكّرك بقول عيسى عليه السلام للناس حين أغلظوا القول للمرأة المخطئة متناسين أخطاءهم: من ليس منكم مذنباً فليرمها بحجر .. فلم يرمها أحد .. !! لأنه وببساطة : ليس هناك بشر بدون أخطاء .
قد تقولين : ولكنكم قدوة, والقدوة يجب أن تكون بدون أخطاء, وأقول: كلامك صحيح, ولكن هذه القدوة البشرية التي بلا أخطاء لن تكون كذلك إلا بحماية تامة من الله عز وجل وهي فقط للرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام ..
وأما نحن البشر العاديون فلنا فيهم الأسوة الحسنة كما أخبرنا الله عز وجل, وطالما نحن في طريق الاقتداء بهم فسنظل نخطئ ونصيب ..
ولكن المهم كما قلت لكم: أن نتبع الخطاءين بالتوابين .. أشكركم لنقدكم لنا, وأهيب بكل قرائنا أن لا يتوانوا عن توجيه أي نقد يرونه, فنحن يا عزيزتي كمن يتلمس طريقه في الظلام لا يدري ما ومن حوله إلا حين يتكلم .. فلا تبخلوا علينا بهذا الكلام يرعاكم الله ..
31/1/2006
رد المستشار
رسالة إلى لمى
العزيزة لمى
أعتقد أنك من يومك مستشارة !!!!! من كثرة مشاركاتك وتفاعلاتك وأرائك الجميلة وأسلوبك العطر، وجزاك الله كل خير على إضافتك الجميلة ...
نحن بشر فعلا ولم يدعي أحدنا غير ذلك وقد يبدر منا ما يغضب أو يستفز وإن شاء الله لن يبدر منا ما يسيء .... لأن الإساءة يجب أن تكون متعمدة ونحن لا نأمل إلا المساعدة.
أهلا بزميلة مجانين وشريكة إسلام أون لاين.
اقرأ أيضا
الحلو لا يكتمل : شكرا لحضرتك
الحلو ما يكمل مشاركة(1)
الحلو لا يكتمل حتى في مجانين! مشاركة