الوسواس والخوف من الموت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
بداية أنا شاب ملتزم إلى حد كبير، نشأت في أسرة كريمة ملتزمة بالشرع وحريصة على تطبيق أمر الله، كما أن والدي حفظه الله يجتهد في مجال الدعوة إلى الله بل ويعشق هذا الأمر، والدي جزاه الله عني خيرا كانت فيه بعض الشدة وأنا صغير وكان في أحيان كثيرة يلجأ للضرب خصوص عندما أفرط في فريضة أو طاعة أو أقترف محرما كالكذب مثلا، أنا لا ألومه الآن والحقيقة أنني عندما أتكلم معه أقول له لولا ضربك لكنت الآن شخصا آخر لا يعرف معنى الالتزام، ولكنني لا أستطيع أن أنكر أن هذا الأمر أورثني بعض الهروب من الالتزام والإكثار من الطاعات، نظرا لارتباطها بالعقاب عندي منذ أن كلفت، المهم أن الله ابتلاني بداء العادة السرية منذ المرحلة الثانوية تقريبا على ما أذكر، وظل هذا الأمر معي حتى نهاية المرحلة الجامعية وحتى بعد الزواج بقليل.
التزمت وعرفت طريق الالتزام والطاعة في المراحل الأخيرة من الجامعة، وبدأت أحس بالندم الشديد على ما ضيعت من زهرة شبابي، وبدأت أعمل على تعويض ما فآتني، لا أستطيع أن أزعم، أنني أصبحت مثاليا أو شديد الالتزام ولكن نظرتي للالتزام تغيرت تماما، وأصبحت أحس بالندم والخوف على المعصية، لكن هذا الداء اللعين جرني إلى أمر عواقبه وخيمة وهو النظر للمحرمات والذي بدأ بالنظر للصور أو بعض اللقطات الخليعة في بعض القنوات وذلك طبعا لتحقيق الإثارة المطلوبة لجعل الاستمناء أمر ممتعا، وللأسف الشديد استمر هذا الأمر معي حتى بعد الزواج بل تطور بعد أن أصبحت قادرا على الدخول لمواقع على الإنترنت لجلب الأفلام القصيرة الخليعة.
والحقيقة أن هذا الأمر أصبح يسبب لي هاجسا خصوصا بعد الالتزام على طريق الله، حيث أنني كنت أفعل هذا الذنب وأنا أحس بالتخدير وأنني لا أستطيع مقاومته كأنني والعياذ بالله أدمنته، وفي أحيان كثيرة كان ينتهي بالاستمناء وكنت دائما أوبخ نفسي بعد إتيان هذا الفعل، بل إنني كان لدي دائما إحساس يؤنبني بأن هذا ليس طريقك، وأتوب وأعاهد الله على عدم العودة وأكثر من عمل الصالحات وحضور مجالس العلم، ولكنني كنت بعد فترة أقع مجددا في نفس الفعل وتتكرر دورة الذنب والتقريع واللوم والقسوة على النفس والتوبة وهكذا دواليك.
المهم أنني في فترة من فترات المصالحة مع النفس بعد أن كنت اقترفت هذا الأمر وتبت منه ووفقني الله إلى فعل طاعات أحسست بعدها بلذة النظافة والعفة والتي كنت أحس أنني أفقدها عندما أفعل هذا الأمر، وصلني خبر وفاة صديق لوالدي كنت قد قابلته منذ فترة قريبة، وكانت الوفاة طبيعية جدا دون أمراض أو أوجاع (نسأل الله حسن الخاتمة)، ووقعت في هذا الذنب اللعين بعد سماع الخبر بيوم واحد، وأصابني كمد عظيم بسبب هذا الفعل وأنا في طريق عودتي للمنزل حدث لي أمر لم أعهده من قبل.
نزل بي هزت وقشعريرة صحبتها أعراض أخرى مثل برودة في الأطراف وتنميل في الأصابع، باختصار أحسست أن روحي تخرج من جسدي وأخذت أسترجع وأستغفر وأتشهد، وأحسست أن النهاية التي طالما خفت منها قد أزفت. المهم بدأت هذه الأعراض بالانحسار تدريجيا بعد أن وصلت إلى المنزل، ولكن بدأت أحس بأعراض إجهاد عام بالجسم وارتفاع حرارة الجلد، وأخذت أذهب للأطباء لعمل فحوصات واستمر بي هذا الحال ما يقرب من أسبوعين آلام في الجسد، رعشة، انتفاضات أرق عند النوم، أوجاع وآلام تصيبني عند الذهاب للسرير، دون الوصل لتشخيص طبي، أخذت أذهب للأطباء أملا في أن يخبرني أحد أن بي عارضا طبيا، وبعد لف ودوران قرأت مرة على رجل أصابه وسواس الطهارة وكنت أقرأ حالته وكأنه يصف حالتي من اضطراب وهلع وآلام مع فارق السبب.
المهم أن حالتي في البداية تمثلت في هلع من الموت كنت أتصور أنني سأموت قريبا، كلما أعطاني أحد موعدا يتملكني الخوف وأحس أن الموت سيكون أسبق لي منه، جعلتني هذه الحالة أدخل في حالة من الخوف من الانفراد أو الخروج بمفردي، كنت أذهب إلى عملي وأحس أن جبلا يجثم على صدري، إذا جلست في مكان وحيدا أسارع بالانضمام لزملائي، كنت أرفض أن تذهب زوجتي إلى أي مكان وتتركني وحيدا، أخاف أن أركب المصعد، أصابتني حالة من الأرق حيث كنت لا أستطيع النوم بعد العودة من العمل، حيث كانت تكتنفني آلام في جميع أجزاء جسمي وأحس أنني سوف أموت، حتى أنني ذهبت لحضور درس مع أحد الأصدقاء وحكى لي قصة صديق له أيقظه في الصباح فلم يقم، وقد قضيت تلك الليلة وأنا تتملكني حالة من الرعب والهلع لا يعلمها إلا الله، حتى أنني طلبت من زوجتي أن تقرأ لي سورة يس والملك حتى أنام، وأخذت أتشهد وأعد لنفسي لأنام نومتي الأخيرة، كانت تكتنفني أفكار غريبة مثل هل ما سمعته وقرأته عن القبر وما فيه صحيح أم لا، ماذا سيحل بي إذا أنزلت إلى القبر، وغير ذلك من الأسئلة الغريبة التي كلما جاءتني كنت أتعوذ من الشيطان وأستغفر ربي مخافة أن أقبض وفي رأسي مثل هذه الأفكار.
المهم أنني الآن أفضل كثيرا من قبل وعدت لممارسة حياتي بشكل شبه طبيعي، خصوصا بعد ذهابي لأحد المتخصصين في علم النفس وجلست معه عدة جلسات علاجية سلوكية (أظنها كذلك) أوصاني خلالها بالإكثار من الأدعية وخاصة في السجود وجلسات استرخاء وتركيز على أعضاء على الجسم متفرقة، ووضع برنامج لحياتي أخصص فيه وقتا لكل من عائلتي وعمل واهتماماتي المختلفة، ولكن لا أزعم أنني تماثلت للشفاء تماما، فما زالت هذه الخواطر من حين لآخر ترد على خاطري ويتملكني بسببها القلق وبعض الخوف والحقيقة أنني أقاومها وأحاول طردها بالإكثار من الذكر، وأحيانا يتملكني الشعور بأنني قريب من الموت عندما مثلا أنظر لوجه زوجتي أو ولدي أو تخبرني زوجتي عن تواريخ بعيدة بعض الشيء نخطط لعمل شيء فيها مثل السفر في شهر يوليو، بل إنني أحس أن زوجتي لو سافرت قبلي في الصيف، أنني سوف أموت ولن أستطيع مقابلتها واللحاق بها، وأشياء من هذا القبيل.
أنا آآآآآآآآآآآآآآآآسف للإطالة، ولكنني عاهدت الله ألا أعود لهذا الذنب العظيم مرة أخرى، وأريد أن أعود لحياة الطبيعية دون خوف وقلق، لأنني لا أريد هذه المشاعر أن تقعدني عن واجباتي في الحياة كمسلم، فهل جلسات العلاج النفسي التي آخذها كافية في نظركم، والتي قال لي الدكتور الذي أراها أنه يرى تحسنا كبيرا جدا، أم أنه لا بد لي من العلاج الدوائي إلى جانبها، مع العلم أنني آخذ "تيجرتول". الحقيقة أنني لا أريد الأدوية ولا أحبها.
أفيدوني جزآكم الله خيرا
4/14/2006
رد المستشار
ربما تخطئ ونخطئ حين نتصور أن دوافع كل الرجال في الإقبال على المواد الخلاعية هي مجرد دافع واحد مفهوم، وبالتالي يمكن التعامل معه بخطة معدة سلفا!! ويبدو أن وضع المسألة ليس هكذا أبدا، وقصتك مثال على هذا.
تأمل معي مسار تعاملك مع هذه الأفعال: إقبال أو ندمك، بحثك ثم لومك نفسك!!
لاحظ خطة نفسك الأمارة بالسوء، وكيف يستدرجك شيطانك على خلفية الشدة في تربيتك، والتي تعطيك لذة تجدها في نفسك عند المخالفة أو كسر الحدود، أو الخروج على ما هو قيد أو ضابط، أي الهروب من الرقابة التي تعودت أنت أنها خارجية أساسا، من والدك، فلم تتناهى وتتطور رقابتك الداخلية الذاتية، ثم أنت تقع فيستلمك الشيطان على الجانب الآخر، ويوحي إليك أنك هلكت، أو أوقعت في ذنب فظيع، وجرم شنيع، وهكذا هو، وهكذا لعبته، التهوين جدا، وفي لعبة الاندفاع والسقوط والندم تنسى وننسى جميعا مسألة الدوافع، فتكون مرشحا لعودة الدائرة نفسها مرة ومرات!!
طبعا تدرك الآن أنك كنت مصابا بما يمكن تسميته "رهاب الموت" وهو اضطراب من اضطرابات القلق يقترب في صورته وحالتك من أعراض الوسواس، وتعرف أنك قد تماثلت للشفاء غالبا، وأنت وحدك تحكم بكفاية الجلسات من عدمها، لأنك من كنت تعاني في السابق بأعراض محددة، واليوم أنت أفضل، فما هو مقدار التحسن؟! وهل تخلصت تماما من مخاوفك السابقة؟!
لكن حتى ولو لم تعد إلى مشاهدة هذه المواد الخلاعية مرة أخرى، تحتاج إلى معرفة نفسك أكثر، واكتشاف دافعك الأساسي وراء الاندفاع لمشاهدتها هل هو مجرد كسر الحدود؟! أم إشباع للجهل بالجنس؟! أم شغف بمتابعة تفاصيل هذا العالم؟! أم هو تعويض عن نقص ما في تعبيرك أو نشاطك الجنسي مع زوجتك أم هو مجرد فضول عادي عابر لمتابعة نشاط تملآ به فراغ وقتك وطاقتك من ممارسة أنشطة تحبها، وتثير اهتمامك؟!
معرفتك بالدافع، وتعاملك عه يعني سد هذا الباب نهائيا، ويعني خروجك من المرض إلى الصحة التي لا تتكامل الانفعالية الأداء، واكتساب القدرة على نفع النفس والغير، والاستمتاع بالحياة في غير محرم،....وتابعنا.....