السلام عليكم ورحمة الله؛
أنا إحدى المتابعات والمحبات لموقعكم منذ مده طويلة (استسمحكم عذرا.. فارجوا ألا ترفقوا أو تضعوا أي لينك لأي من استشاراتي السابقة بمشكلتي هذه.. لأن استشارتي سأريها لأختي ولا أريدها عن ترى بقية ما أرسلت سابقا.. وجزيتم خيرا) سأدخل في المشكلة على طول..
لي آخت.. تزوجت منذ عام ونصف.. لها طفل عشقتُهُ قبل أن يولد أحببته أكثر من أن يكون ابني.. لا ادري حقا.. أذا كان لي ابن سأحبه هكذا أم لا.. المهم.. توفي والدنا بعد صراع دام سنوات وسنوات من إمراض كثيرة جدا.. فكان طول عمره مصاب.. بداية من مرض السكري.. مرورا بالأورام الخبيثة وعمليات القلب... و.. و... آخرها كان الفشل الكلوي.. عشنا معه أيام من العذاب... عذاب معنوي رهيب.. وعندما بدأنا على أن نعتاده.. توفى.. كانت وفاته بمثابة صدمة شديدة الوقع على جميعنا... والدته.. أخته.. أمي.. أختي أخي.. وأنا..
لقد مررت بقصة حب.. تعرفونها.. في آخر نهايتها.. كانت وفاة أبي، تعرضت حينها إلى زوبعة من المشاعر الفظيعة، كنت أود الصراخ.. لماذا... لماذا هذا التوقيت بالذات؟؟ لماذا يتوفى أبي وأنا في أمس أمس الحاجة إلى وجوده، وجوده المعنوي فقط، على الأقل، لماذا وأنا أعاني من أوجاع تأكل في قلبي اكلآ، يوما بعد يوم، لحظة بعد لحظه، كان هذا بمثابة صفعة تلقيتها مع صرخة لم يسمعها سواي.. وهي.. أفيقي.. وبالفعل.. أفقت على أشياء كثيرة وأهمها أن هناك مكان سنذهب إليه هذا المكان ارحم لنا من وجودنا بالحياة، تمنيت الموت، أن أموت ميتة قد غسلت قبلها من جميع خطاياي، مثلما حدث مع أبي.
تمنيت وأتمنى ملاقاة ربي، ولكن.. إلى الآن لا اصدق أبدا انه توفى، تسقط دموعي انهارا عندما أتذكر فقط منظره وهو محمول على الأكتاف، رأيته مرتين وهم يحملوه بداخل المسجد كي يُصلى عليه، والمرة الأخرى حتى يواروا تحت التراب، وهذه المرة كان من يحمله في المقدمة ولده الأصغر، أخي...الذي لم يتجاوز ال 16 عاما، وكان أكثرنا ذهولا، فلم أرى له دمعة واحده، ظلت تراودني أحلام منذ مماته، بأنه قد عاد، أو انه كان مريضا وقد تماثل الشفاء فطلبنا كي نعود به إلى المنزل، وجميع أحلامي هذه عندما اصحوا من النوم، أفاجئ، لأني كنت اشعر أنها حقيقة تماما فأنا إلى الآن..
لا اصدق انه توفى، أشعر انه فقط قد سافر وحتما سيعود.... وجدت أن هذه الأحلام لا تزورني وحدي، فأمي كذلك، وأخي أيضا وأختي، أختي هو ما سيدور عنها حديثي في بقية الاستشارة.. وجدتها منذ أيام قلائل تقول لي أتعلمين شيئا انكي شجاعة، فتعجبت من ذلك فسألتها لماذا؟ قالت لأنكي تعرضتي لمواقف قريبة مما تعرضت ولكنكي تخطيتها وأنا لم أتخطاها، أختي تزوجت بعد أكثر من 3 سنوات من تجارب عصيبة مرت بها، فكنا حديثي الحياة بمصر فتعرض لمواقف وأشياء كانت لا تتخطى واحده وتفيق منها قبل أن تتعرض للأخرى وهكذا..
وتزوجت سريعا.. وكان أيضا خطبتها وزواجها يحمل الكثير والكثير من الشد والجذب- نسيت كيف تقال- والمتاعب اللي جعلتها كأنها في دوامة من الألم والتعب وعندما تزوجت، وبدأت حياتها في الاستقرار نوعا ما، لم يمر على زواجها ثلاثة أشهر وتوفي والدنا بعد ثلاثة أيام من وفاته وجدناها تعبة ومرهقه جدا فذهب بها زوجها للطبيب، فإذا بها حامل في أيامها أو أسابيعها الأولى.. اااه على القدر وما يحمله للإنسان..
كان هذا مصدر شوقا وسعادة لنا، أنا وأمي، أما هي فقاست كثيرا جدا في أوائل شهور حملها وعندما أتمت شهرها الرابع في الحمل ذهبت إلى بلد عربي(وهو ذات البلد الذي كنا نعيش فيه) تلحق بزوجها، فقد جاءت له فرصة عمل أفضل هناك، وبعد شهور قليله أتمت حملها وجاءت لتضع مولودها هنا بمصر، وكانت شهور حملها جميعا متعبة جدا لها، فكانت تقضي الكثير منها في المستشفى وكم كان هذا مؤلما بالنسبة إليها وهي تعيش وحدها مع زوجها ببلد آخر.
وعادت بعد وضعها لولدها إلى هناك مره أخرى، وبنفس المحادثة التي كنا نتحدث بها سويا عبر الانترنت أخبرتي بشيء يحدث لها ويؤرقها جدا وقالت لي أنها قد أرسلت تلك المشكلة إلى احد المنتديات التي بها استشارات وردت عليها طبيبة ولكن ردها لم يربط او يحل شيئا، وقالت لي إنها لا تملك القدر على وصف ما بها كما املك أنا، سأنقل لكم ما أرسلته للمستشارين الآخرين:
السلام عليكم ورحمة الله؛
أنا مش عارفة ابتدي أقول أيه أنا عندي 22 سنة الموضوع أني بفكر في الموت كتير بطريقة متعبة مبعرفش أنام بليل بسبب الموضوع دا أنا أبويا مات من سنة تقريبا ولحد دلوقتي مش متخيلة أن الإنسان اللي كان قدامي لحم وعظم وكمان بتكلم معاه وبنهزر مع بعض في القبر، حتى لما بقول حاجة عنه مبقدرش أقول الله يرحمه لدرجة أن اللي يفتكرني وأنا بتكلم عنه انه لسه ماماتش، أصله كمان مات بعد ما تعب كتير وعمل عمليات فظيعة بس كان بيطلع منها أنا وعيت على الدنيا وبابا تعبان وبيدخل العناية، كنت بحس انه هيموت في أي وقت بس في نفس الوقت حاسة انه دائما هيدخل المستشفى وهيطلع منها....
لحد دلوقتي حاسة انه ماماتش وانه في المستشفى بس المصيبة أني فاكره آخر أيامه وفاكره لما كنا بنروح مركز غسيل الكلى وفاكره الناس اللي كانت بتغسل من رقبتها أو من أيديها والدم والآهات وفاكره ان في ناس كانت مبتجيش ميعادها عشان خلاص بتكون ماتت، كانت أيام صعبة اوي كل ما افتكرها بتقطع على ما أكون لاقيت تاكسي ولما كنت بسنده حاسة أني كنت قليلة الحيلة ومش قادرة أساعد مش عارفة اعمل ايه وكنت حاسة أني لوحدي حاجات بتوجعني لما بفتكرها وحالتنا المادية وقتها، وفرحي اللي حضره بالعافية وفاكره آهات بابا وصريخه من الألم أثناء الغسيل وصريخه طول الليالي وآخر أيامه في المستشفى كانت صعبه أوي كان بيجيله ذهول غريب والدكاترة محتارين ولخبطة وكانوا حاطين له خرطوم تنفس داخل جوا فمه لحد الرئة عشان يتنفس ويشفطوا المية اللي مش عارفينهيا بتيجي منين....
لحد دلوقتي حاسة انه راجع كان بيجيله تشنجات غريبة كمان في الوقت دا بقعد أفكر أنا هموت وكمان كل الناس بتموت حتى الرسول عليه الصلاة والسلام مات، وبقعد افتكر في سكرات الموت، ويا ترى هحس بيها أزاي، وضمة القبر، وكمان بحس أن نفسي بيروح وبحس كان روحي بتطلع خاصة لما باجي أنام، وان في ورم وقاعد ينتشر في جسمي كله واني هتخنق وبقعد أتخيل الموت بطرق مختلفة، حوادث أو كدا تالت يوم لما بابا مات اكتشفت أني حامل كنت مبسوطة وزعلانة ساعات دلوقتي لما أفكر اقعد أقول أنا بخلف ليه مادام في الأخر اللي خلفته دا هيموت وبخاف على كل الناس اللي بحبها لا تموت خاصة جوزي وابني وأمي، وكله أنا مش عارفة الناس بتجيب أمل منين بتعب مش عارفة أنام هموت.
لقد نقلته لكم كما هو، حتى لم اعدل الأخطاء الإملائية، نعم، فما يؤرقها وما يعذبها وما لم تستطع وصفه هو أنها كل عدة أيام عندما تصحو أو تنام تجد انها تموت وتأتي لها أعراض كأعراض الموت كانت تحدثني في الفجر ووصفت لي ما يحدث لها:
كنت ظابطه المنبه عشان أقوم أدي الدواء لابني أديته الدواء جايه أنام حسيت أن في حاجه تقيله على صدري، الدنيا ابيضت أوي ومش عارفه أتنفس، وعنيا خلاص مش شايفه بيها حسيت أني كأني بموت لما باقيت أحسن شويه قمت قولت أصلي ركعتين يمكن يكونون دي أخر حاجه هاعملها ف حياتي كنت بفكر في موضوع الموت ده قبل مانام، ودلوقتي حاسه أن في حاجه سخنه في راسي ورقبتي من ورا، انتهى كلامها..
تمزق قلبي عليها عندما انتقل لي إحساسها، ولأني كنت اعتقد أن الجميع تخطى الموضوع كما تخطيته أنا لم يخطر على بالي أن يحدث لها ما يحدث وان تعيش تلك المعاناة أود أن اذكر أيضا، أنها قالت لي أنها تتذكر أشياء قد فعلتها أو حدثت لها فتغضب من نفسها كثيرا ومما حدث وأكثر تلك الأشياء أشياء حدثت لها وهي صغيره، وهي لم يكن بيديها شيء تفعله لتمنع ما يحدث، لم تفصح عن تلك الأشياء أو ما حدث وهي صغيرة ويغضبها الآن فأخبرتها أني أيضا قد حدثت لي أشياء وأنا صغيرة وتغضبني وأخبرتها كيف تخطيتها وكيف دفنتها.
بعدما أخذت منها ما علي أنا أخذه، وأخبرتها كيف يجب عليها أن تتعامل مع المواقف والأحداث حتى لا تجترها دائما وتتألم من اجترارها، فأنا لم أتخطى أي شيء إلا بعد أن تعلمت انه ليس هناك شيء يحدث لنا إلا وله حكمة أو هدف حتى وان كان موقفا سيئا فأمشي بمبدأ أن الله لا يريد بعباده ضرر ولا سوء بل كل ما يصيبنا له العديد والحكم، أما أن نتعلم منه حتى لا يمكننا الاختيار لاحقا بين الصحيح والخطأ، فلا يمكننا اختيار الصواب من أول مرة لأننا لا نعلم حتى أن المصائب والحوادث لا تتشابه، ولكن تتشابه في صدمة وآلم وقوعها ومفجعاتها.
أن لم نتعلم من سابقتها كيف نفكر بحكمة أو كيف نعالج الأمور ونتصرف على الأقل سنتعلم كيف يمكننا التعامل مع وقوع المفجع المؤلم، ونتعلم كيف يمكننا التحكم بأعصابنا بعد وقوع الفاجعة، ونتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطاك، وعلى هذا الأساس يجب التعامل مع أي شيء لنعلم حقا ما هو المراد من الحدث لأنه بالتأكيد "ما حصلش اعتباطا، وأكيد ها يحصلي حاجه بعد كده مبنية على اللي بتحصلي من ده".
هكذا أتعامل وأظن انه هكذا يجب أن يتعامل الإنسان مع مواقفه لا ادري حقا أكان هذا صحيح علميا أو تفكير منطقي صحيح، ولكن هذا ما وصلت إليه وهذا ولله الحمد ما أصبحت أفضل كثيرا به ولكنها لم تقتنع بما قلته أبدا، لا ادري أن كانت فهمتني ما لا ولكنها لم تتقبل أي كلمة قلتها فكل ما تقوله تتغاظ وتتنرفز وتقول كفاااااايه فلسفه، حقا احزن من تلك الكلمة، فلسفة أيه؟؟ هو اللي بقوله ده فلسفه، طاب حتى لو فلسفه هو ده غلط؟؟
لا يهم، المهم أني حاولت أقناعها أنها تستثمر كل ما تشعر به بطريقة ايجابيه ولا تجعل تلك المشاعر السالبة أن تأكل من عقلها وروحها فإذا كانت تشعر أنها ستموت، فيجب أن تقلب تفكيرها هذا ايجابيا بأنها تفكر في علاقتها بربها أكثر وتحاول إصلاحها أن كان بها أي عطب وان تهتم بزوجها وولدها وتغرقهم بحنانها وحبها حتى لا تموت وهي مقصرة، ولكن هذا الكلام أيضا لم يعط إي نتيجة واعتقد انه ليس منطقيا لأنها تحتاج إلى كلام أكثر قوة أو مممم، لا ادري. فعلقي قد تشتت جدا، هي الآن نظرتها للحياة منتهى التشاؤم، تقول أنها ليتها لم تأت إلى مصر فقد كانت بريئة شفافة عادت إلى ذات البلد التي كنا بها وهي تجر ورائها معانة ومتاعب وذكريات مؤلمة اشد الألم، قولت لها لقد رجعتي بزوج صالح وطفل رائع فلم تجيبني.
ارجوا أن تدلونا ما يجب عليها أن تفعل اعتقد -ومش بتفلسف أو بفتي- أنها من الممكن أن تكون مصابة باكتئاب ورهاب من الموت، استنتاجي صحيح؟
أثابكم الله ورزقكم الصلاح بكل شيء جزيتم ألف خير، السلام عليكم ورحمة الله.
26/05/2006
رد المستشار
صديقتي
إن تفكيرك أو فلسفتك غاية في الصحة والعقل والمنطق وبالتالي فإن عليك أن تكلمي طريقك مع نفسك وأفكارك الإيجابية وتنظري إلى ما يحدث لأختك ولنفسك في بعض الأحيان على أن له تفسيرا منطقيا...
التفسير المنطقي، والذي يخفى عن كثير من الناس، هو أن الخوف من الموت أو الجزع لموت شخص عزيز يأتي من شيئين:
أولا أننا لم نتقبل فكرة موتنا نحن.
وثانيا لأننا لا نحيا الحياة التي نريدها.
فاسألي نفسك واسألي أختك: ما هي الحياة التي تريدينها؟ ما هي الأشياء والخبرات التي ترغبين في أن تعيشيها؟ ماذا تريدين من حياتك؟
أختك أتهمتك بالمبالغة في الفلسفة وهذا معناه أنك لم تفتحي معها الموضوع الحقيقي الذي يؤرقها... من الممكن أنها لا تعيش الحياة التي تريدها ومن الممكن أيضا أنها قد تعرضت لشيء من التحرش الجنسي في الصغر أو لأزمة نفسية مشابهة ولم تتخطى إحساسها بالذنب والغضب مما حدث لها... من الممكن أن أعراضها تقع في إطار ما يسمى ب "توتر ما بعد الصدمة" وقد يظل كامنا ويظهر من حين لآخر في شكل أعراض مشابهة لما وصفتيه عن أختك...
من الممكن أن يسبب هذا اكتئابا مثلما قلت، وبالتالي فإن من اللازم لأختك بعض العناية والرعاية النفسية، أنصحك بعرضها على معالج نفسي أو طبيب نفسي من النوع الذي سوف يوفر لها وقتا للنقاش والحوار.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.