الخوف من الدم والجراثيم والعدوى.
عزيزي الدكتور وائل، تحية طيبة وبعد، أشكرك سلفا على تلطفك بقراءة رسالتي ومساعدتي بالإجابة عليها، مع كامل تقديري واحترامي لما يقدمه فريقكم من مساعدة عظيمة للمتعبين أمثالنا.
ما أصعب أن يكتب الإنسان عن نفسه وآلامه ولكن عندما يصل الأمر إلى حد أن تتوقف الحياة عند نقطة معينة ولا يستطيع أن يتقدم أكثر من ذلك تنبع الرغبة في طلب المساعدة رغم كوني أعلم أن ما سأقوله هو سخيف في عالمنا هذا ولكن عزائي بأن الذنب باعتقادي ليس ذنبي بل هو الوسواس القهري اللعين الملازم لي منذ 12 عاما، وما دعاني للكتابة إليك طالبا النصح والمشورة هو ما حصل معي قبل أسبوعين وتحديدا في أحد المستشفيات حيث اضطررت لإجراء فحوصات مخبرية في المستشفي وإجراء بعض صور الأشعة وبينما أنا واقف بانتظار دوري خرجت مريضة ممدة على السرير من غرفة الأشعة وكنت حينها واقفا أمام الباب وخرج برفقتها أحد الممرضين حاملا بيده عينات من الدم والبول ومر من أمامي ولم أعر الموضوع أدنى اهتمام إلا حين ذكر لأحدهم بأنها عينات من دم وبول المريضة التي كانت في الداخل ومرت من أمامي والمصابة بالتهاب الكبد الفيروسي.
وتجمدت أوصالي لوهلة بكل معنى الكلمة، ولم أستطع التحرك وأحسست بالخوف من دخول غرفة الأشعة لشعوري بأن كل شيء أصبح ملوثا وغادرت المستشفى على الفور مع العلم بأني كنت قد دفعت أجور الفحوصات، وغادرت للمنزل وشعوري بأن ملابسي أصبحت ملوثة ووضعت الملابس في كيس ورميتها في زاوية من زوايا المنزل ولم أستطع ملامسة الملابس من حينها ومنعت أحد من ملامستها لخوفي من أن تكون قد تلوثت لشعوري بأن الممرض حين مر من أمامي قد لامست العينات التي كان يحملها ملابسي.
وكالعادة قمت بالاستحمام ولكن شعوري بأني أحمق يجعلني أكره ما أفعله وأرغب بالخلاص مما أنا فيه ولكنه ضعف الإرادة واضطراب الوعي المعرفي الطبي، فقليل من العلم يضر في بعض الأحيان.
صحيح أنني أقرأ بأن العدوى من هكذا أمراض لا تنتقل غير عن طريق الدم، ولكن تراودني هواجس مثل ماذا لو أن بقعة دم علقت على ملابسي وقمت بملامستها بعد فترة فقد تكون تحمل المرض وما يدعوني لذلك الاعتقاد أنني قرأت يوما أن مثل هكذا فيروسات تعيش خارج الجسم لفترة من الزمن تتجاوز الأيام. ولست أعلم مدى صحة هذه المعلومة وما هي مدة حياة فيروسات الدم خارج الجسم أو بمعنى أدق لو أن أحدهم نزف دما ملوثا بهكذا فيروسات على مقعد مثلا فبعد كم من الوقت تكون بقعة الدم خالية من الفيروسات لو تم ملامستها من شخص آخر .
اعلم بأنك قد تضحك عندما تقرأ ما أكتب ولا ألومك على ذلك فقد أفعل نفس الشيء لو كنت شخصا سويا ولكني وللأسف الشديد ولتعاسة حظي لست كذلك، ولكني لا أطيل عليك دعني أحدثك عن مرضي وبداياته فالكتابة في بعض الأحيان أهون على النفس من الحديث وجها لوجه.
أعاني من الوسواس القهري والذي بدأت أعراضه قبل 12 عاما، وزادت مع الأيام ورغم ترددي في الذهاب للعيادة النفسية في بداية الأمر إلا أنني ذهبت بعد سنة من معاناتي وانعزالي عن العالم، وتناول بعض الأدوية التي ساعدتني إلى حد كبير ولكنها لم تعدني كما كنت بل أنها ساعدتني على الاستمرار في الحياة دون الاستمتاع بها، فحياتي باتت روتينية من المنزل للعمل ومن ثم العودة للمنزل ودعني أسرد لك ملخص عن حياتي اليومية ومخاوفي الحقيرة علك تساعدني في تجاوز ما أنا فيه.
لكي أكون صريحا معك دعني أروي لك أول حادثة سببت لي الوسواس والتي لم أروها لطبيبي المعالج لخجلي منه كوني أتحدث إليه وجها لوجه، وعندما أذهب للعيادة للمراجعة أشعر بالخجل الشديد لما آلت إليه حالتي من خوف لا أستطيع التحكم فيه:
كان ذلك قبل 12 عاما، كنت أقوم بسحب النقود من الصراف الآلي وتصادف أن كان بجانبي شخص يقوم بالسحب أيضا وأثناء ذلك وبينما أنا في انتظار استلام النقد ونظرت للواقف بجانبي فإذا به أصلع بدون حواجب ولا شوارب أي أنه فاقدا للشعر عن جسده ولا أدري لماذا تهيأ لي بأنه قد يكون مريضا بمرض معدي وسارعت للبيت وأنا في حالة خوف هستيري وقمت بغسل كل ما في جيوبي ورميت بملابسي في الغسيل وقمت بالاستحمام وظني بأن كل شيء قد انتهي ويا ويلتي فقد كانت البداية لعذابي، كنت في ذلك الوقت أعمل بمهنة أمين صندوق في أحد البنوك فبت أكره ملامسة النقود وأشعر بأنها قد تكون ملوثة وما إلى ذلك من أفكار مجنونة، ويوم بعد يوم اختلقت الأعذار لأستقيل من عملي وكان دافعي الخوف على حياتي ولكن العكس ما حصل فقد دمرت حياتي.
من عاداتي المدمرة لحياتي والتي حاولت الكف عنها ولكن عبثا ما أحاول:
1- أنا أغسل يدي كثيرا، وزملائي في العمل يلاحظون ذلك مما يسبب لي الحرج أحيانا. وعند عودتي من العمل لابد من الاستحمام قبل كل شيء، ولي ركن في المنزل لأضع فيه متعلقاتي الشخصية لدرجة أشعر معها وكأني أحمل جراثيم الدنيا على كاهلي وكم يعذبني هذا الشعور اللعين .
2- أنا أخاف من الدم، وبالأحرى يخيل إلي بأن الدم قد يكون ملوثا ويسبب لي العدوى، وأخاف من أن يلمسني شخص مجروح إذا كان غريبا عني وتراني أغسل يدي إذا لمس أحدهم ورقة أو قلم على مكتبي علي سبيل المثال وكان مجروحا واضطررت لاستعمالها، مع أنني في كثير من الأحيان أتمالك نفسي أواصل عملي ولكني أفشل في مرات أخرى، ولهذا تراني أغير ملابس كل يوم وأشعر بأنها قد تلوثت ولابد أن تذهب ملابسي للغسيل كل يوم أو يومين،.
3- الشعور عندي بأنه إذا قام أحدهم بلمس ملابسي وكانت يده مجروحة فإن الدم سيلوث ملابسي وبالتالي فإن التلوث سوف ينتقل لي وبالتالي سينتقل لأسرتي وأكون أنا من سبب الأذى لهم.
4- عند رؤيتي لبقعة حمراء أول ما يتبادر لذهني أنه دم، ودم يعني تلوث، يعني أمراض، وهكذا يسير شريط الاحتمالات في ذهني.
5- عند ذهابي للسوق تراني أتفحص من حولي وعند الشراء تراني أنظر ليدي البائع وعيونه وملابسه فإذا كان مجروحا أو هيأ لي بأنه كذلك امتنعت عن الشراء وغادرت المحل على الفور وكثيرا ما يتولى أهلي أمور الشراء والتبضع للمنزل تجنبا للمشاكل التي قد تحدث بسببي.
6- دخول الحمام للتبرز لابد أن يتبعه استحمام كامل.
7- الخوف من لمس يد باب الحمام خارج المنزل والإمساك بمنديل لفتح الباب.
8- عادة غسل صنبور المياه عند غسيل اليدين.
9- استعمال السائل المعقم الذي لا يفارق جيبي ..
10- الابتعاد عن العلاقات الاجتماعية، والانعزال في المنزل.
حاولت الزواج عله يخلصني مما أنا فيه ولكني أحسست بأني سأعقد الأمور أكثر مما هي عليه وسأكون جانيا على إنسانة ترغب في الحياة مع شخص طبيعي فخوفي من أن يدمر الوسواس حياتي الزوجية ويسبب لي الحرج أمام من ستكون زوجتي وبالتالي ينقص من رجولتي بسبب ضعفي أمام توافه الأشياء وما قد يسببه من إحاطة أبنائي في المستقبل بجو من الوسواس المدمر جعلني أعدل عن فكرة الزواج وأفسخ خطبتي متذرعا بأسباب واهية أبعد ما تكون عن الحقيقة التي لا يعرفها سواي، ولكني حاجتي للأنثى والأسرة والأطفال في حياتي يسبب لي الكثير من الألم النفسي فأنا أشعر أني أحيانا بدون أي هدف في حياتي....
أنا محتاج للمساعدة وأرجو أن أجد لديكم المساعدة، علما بأنني أتناول حبة سالبكس يوميا، وأرجو أن تجيبني بوضوح عن المدة التي يموت فيه الدم خارج الجسم ويكون آمنا لو تمت ملامسته.
ولكم جزيل الشكر والعرفان
المعذب
26/05/2006
رد المستشار
أخي المعذب "مجدي"
تحية لك على موقع مجانين، لقد ذكرتني بمرضاي الذين كنت أتابعهم وأنا أقوم بعمل دراسة الدكتوراه على مرضى الوسواس منذ أكثر من عشرة أعوام بالإسكندرية، وحالتك المرضية أخي العزيز هي حالة كلاسيكية لاضطراب الوسواس القهري أو كما يقولون "حالة مثل حالات الكتاب"، وبالتالي لا يختلف طبيبان نفسيان مبتدئان على تشخيص حالتك.
ولكن المهم معك هو متابعة العلاج والإصرار عليه مع طبيب نفساني متخصص وله خبرة بحالات الوسواس القهري، وبصراحة لا أعرف واحداً معينا بسوريا مهتما بعلاج مرضى اضطراب الوسواس القهري، ولكن على العموم ليس علاج من لديهم مثل حالتك بمشكلة صعبة.
بالطبع لديك وسواس خاص بالخوف من التلوث بالجراثيم وخوف من العدوى بالأمراض المُعدية، وهذا الوسواس يترتب عليه أفعال قهرية متعلقة به مثل كثرة الغسيل بالماء والمطهرات والاستحمام لفترات طويلة وبصورة غير طبيعية ومَرضِّية، ولأن الدم هو أكثر السوائل بالجسم التي يمكنها نقل الأمراض المُعدية لدى الشخص المريض؛ فلقد أصبح لديك وسواس من أي بقعة أو نقطة دم من حولك، حتى ولو كانت بعيدة عنك، وهذا غير صحيح؛
فلو أن كلامك صحيح لرفض أي جراح أو ممرض أو طبيب عام العمل مع مريض مصاب بالالتهاب الكبدي، أو بالأيدز أو الملاريا أو الدرن (السل)، ولكن هناك احتياطات عامة يستخدمها هؤلاء الأشخاص مثل لبس القفازات في الأيدي عند إعطاء الحقن لهؤلاء المرضى وأخذهم التطعيمات المناسبة لبعض الأمراض المعدية بانتظام، وغسل أيديهم لمدة دقيقتين فقط بالماء والصابون أو استخدام سائل مطهر عند مخالطتهم للمريض مثل الديتول أو السافلون المُخفف أو الكحول 70% وغيرها الكثير من المطهرات الحديثة.
لذا لا أريدك أن تشغل بالك كم من الوقت تأخذ الميكروبات خارج جسم الإنسان حية وقادرة على نقل العدوى في نقطة دم مثلاً، لأن المهم هو عدم اختلاط دم المريض بدم السليم من المخالطين الأصحاء له، و ليس بمجرد نظرك لدم المريض أو حتى لمسه بجلدك السليم سوف ينتقل لك المرض منه؛ فهذا لا يحدث، وإلا لأصبح كل من يعملون بالقطاع الصحي من سائق سيارة الإسعاف وحتى الجراح - الذي تعمل يداه بداخل جسم المريض- مصابين بكل الأمراض المعدية الموجودة في حياتنا.
والمهم الآن أن تبدأ خطوات العلاج بالانتظام في الذهاب لطبيب نفسي متخصص "وأؤكد على متخصص في الأمراض النفسية"، وفي مثل حالتك لابد أن نبدأ العلاج بالأدوية النفسية على الأقل لمدة ثلاثة شهور، وللعلم فإن معظمها يبدأ في العمل بعد أسبوعين من الانتظام عليها وتصل قمة تأثيرها على عقل الموسوس بعد ست أسابيع ويستمر تأثيرها على الوسواس شهورا وسنوات طالما يتناولها المريض بانتظام، إذا كان المريض نحيفاً لا يأكل ولا ينام جيداً نفضل دائماً عقار الكلوميبرامين "هذا اسمه العلمي وله أسماء تجارية عديدة وفقاً للشركة التي تنتجه".
وإذا كان المريض يأكل وينام بصورة جيدة، وبديناً إلى حد ما فنفضل استخدام عقار الفلوفوكسامين "هذا اسمه العلمي وله أسماء تجارية عديدة وفقاً للشركة التي تنتجه" أيضاً. وهناك قاعدة في استخدام العقاقير النفسية ألا وهي: أن نبدأ بجرعة صغيرة من العقار ثم نزيدها تدريجياً على مدى أيام أو أسابيع وفقاً لتحمل المريض للدواء.
وبعض الأطباء النفسانيين قد يستخدمون جرعات صغيرة من المهدئات الصغرى لتقليل القلق لدى المريض وتحسين نومه نوعاً ما وذلك مع أحد العقارين السابقين. أما العلاج السلوكي المعرفي فهو ذو تأثيرات طيبة جداً في حالات الوسواس القهري، وبالذات بعد بداية تحسن الحالة بالعلاج الدوائي 30% إلى 40%، وأنواعه عديدة؛ مثل ممارسة تمارين الاسترخاء، أو التعرض لمنظر الدم من بعيد مع عدم غسيل الموسوس لليدين ولا للملابس ولا الاستحمام، مع تقريب بقعة أو نقطة الدم للشخص الموسوس دون أن تلمسه بالتدريج، وهذا يمكن أن يقوم به المعالج النفسي مع المريض.
وقد يقوم الطبيب بتسجيل شريط عن الأشياء التي تُخيف المريض وتثير الأفكار الوسواسية لديه، ثم يبدأ الطبيب بتفنيدها وتطمين المريض بالإقناع؛ وبحيث لا يخاف المريض منها، وذلك مثل نقطة الدم في حالتك، وغير ذلك الكثير من طرق العلاج السلوكي المعرفي موجود كثير منها على موقع مجانين، وللدكتور محمد شريف سالم أربع مقالات متتالية عن أحد البرامج المفيدة لمرضى الوسواس القهري يمكنك مراجعتها على الموقع.
وقد وجد العلماء أن استخدام العلاج الدوائي مع العلاج السلوكي المعرفي يقلل من مدة علاج المريض، كما أن هذا الدمج يقلل من احتمالية معاودة المرض – بنسبة كبيرة- بعد الشفاء منه تماماً وإيقاف المريض للعلاج.