هم وحزن وكره للعالم
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه معاناتي بين أيديكم أرسلها لكم وأرجو منكم الاهتمام والرد السريع.
أنا فتاة مهمومة وحزينة عمري 19 إخوتي الأولاد يفضَلون علينا من جانب أمي وكلما ناقشنها بأمر تقول أنتن البنات لا فائدة منكن وغير دلك وأي المعاملة الحسنة لهم والعكس لنا. لا أسمع من والداي سوى الأوامر المتواصلة مما جعلني أكره الجلوس بجوارهم.
وعندما أقرر أن أتحدث مع أمي عن مشكلة ما واجهتني تلومني وتجعل الحق على مما جعلني اكره الحديث معها عن مشاكلي وكبتها في نفسي مع العلم أنني طالبة مجتهدة في دراستي أحب العلم جدا. أحب الكتابة الأدبية وإن لم ألق الاهتمام من أهلي والتشجيع بل لقيت من أمي التحبيط.
قليلة الصديقات المخلصات ولا أحب الاختلاط بالناس لأنني أشعر أنهم على قدر كبير من التفاهة والسخف والتفكير السطحي ولا أستطيع التوافق معهم كثيرة الجلوس في المنزل. وأتأثر كثيرا بأي مشكلة تعرض لي وكذلك بالنقد والسب من الآخرين وخاصة من المدرسين أو من أبي وقد يسبب ذلك لي البكاء ولكن بمفردي وبالمقابل أتأثر بالمديح الصادق وترتفع معنوياتي سريعا. وألوم نفسي كثيرا على أي خطأ أقع فيه وإن كان تافها وصغيرا وأشعر أنني متذبذبة لا أعرف أن أتعامل مع المواقف والأمور وحتى الناس.
وأعلمكم أن شكلي (نحيفة وقصيرة) لا يوحي بعمري كما يقولون مما جعل الناس يعاملونني وكأنني صغيرة مما زاد من حزني وجعلني أكره الاختلاط بالناس كثيرا وأود أن انوه إلى أنني في صغري في المرحلة الابتدائية كنت جريئة وقوية مع أسرتي مما جعلهم يعمدون إلى تحطيم نفسي ومعاداتي والتآمر علي وقد أصبحت بعد ذلك كتومة ولا أحدث أحدا بمشاكلي.
وقد أهنت كثيرا من المدرسين في المرحلة المتوسطة سواء بالكلام أو بالضرب ولم أكن أجد طعم الراحة النفسية مما جعلني أتأثر بأي مشكلة تحدث لي وإن كانت بسيطة وتجعلني أنهار ولا أحدث أحدا ولا أنطق بكلمة لمدة أسبوع وكان يتكرر لي ذلك شهريا تقريبا واستمر ذلك لمدة سنة ونصف تقريبا حيث انتقلت إلى مدرسة أخرى كانت معاملتهم أفضل وأنا الآن قد كرهت حياتي وإن لم يعلم أحد بذلك أتظاهر أمام الناس بالسرور وأنا عكس ذلك (لمدة فترة) ولكن أحيانا أخرى أشعر عكس ذلك هذه قصتي
وأرجو منكم مساعدتي سريعا.
وشكرا.
11/08/2006
رد المستشار
الأخت العزيزة
أستسمحك عذراً أن أغير عنوان رسالتك من: "هم وحزن وكره للعالم" إلى العنوان الذي اخترته، وذلك لأسباب عديدة منها: أن هناك كميات من الهم والحزن والكدر في العالم كبيرة، والتي نعاني منها في هذه الأيام جميعاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر: مذابح مستمرة للمدنيين في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، وأعاصير وعواصف في جنوب شرق آسيا، وقهر صهيوني غربي لمليار وأكثر من المسلمين، وشعوب إسلامية مُحبطة من جراء وهن أصحاب القرار في بلادهم، والآن ما رأيك؟ أليست مشكلتك أبسط من كل تلك المشاكل الصعبة المستعصية؟ بلى، أعتقد أنك ستقولين ذلك؛ وعلى رأي المثل الشعبي المصري: "من شاف بلاوي الناس هانت عليه بلوته".
أختي المناضلة، لقد مست مشكلتك شغاف قلبي، وقلَّبت عليَّ المواجع، وأعادتني إلى ذكريات لا أحب تذكرها، إنك تثيرين مشكلة اجتماعية عويصة في الشرق بصفة عامة، ولدى الريفيين والعامة من الناس بصفة خاصة؛ وهذا ما يعتقدونه في أن البنين يحملون اسم العائلة، ولهم الفضل في استمرارها، ويحافظون أيضاً على ميراث العائلة، ويتحملون مسئوليات العائلة المادية والاجتماعية، وهذا ما قالته لك والدتك بصورة فجة مستفزة: "أنتن البنات لا فائدة منكن وغير ذلك"، وفي الحقيقة هذا الكلام لا يتفق مع الواقع في أغلب الأحيان، فهناك توجه عالمي موجود حالياً وبالإحصائيات أن البنات أكثر تفوقاً من الأولاد، وهناك توجه عالمي أيضاً في أن البنات بدأن في أخذ المناصب القيادية في الكثير من المواقع، وها هي المرأة أصبحت رئيسة وزراء وقاضية وطبيبة بارعة وصحفية مرموقة ومحامية مفوهة..... إلخ.
ولقد رأيت بأم عيني ذكوراَ أهملوا والديهم المرضى الكبار في العمر -بعد أن أنفق هؤلاء الآباء والأمهات-على هؤلاء الأبناء الذكور أعمارهم وفضلوهم على بناتهم، وبعد ذلك لم يخدم هؤلاء الآباء والأمهات المرضى إلا بناتهم وأزواج بناتهم!!!، أما الذكور المُدللون فاكتفوا بأخذ الميراث بعد وفاة الآباء والأمهات!!!. وأكثر من ذلك كم رأينا من إناث فعلن لأسرهم ما لم يقُم به الذكور!!، فأنفقوا على أسرهن من ذكور وإناث بعد وفاة الأب أو الزوج، وكم من السيدات كان وجودهن سبباً في حل مشاكل بين أسر وعائلات، ولنا في تاريخنا الكثير من العبر والعظات على سبيل المثال لا الحصر:
- السيدة مريم العذراء رضي الله عنها، أم سيدنا المسيح عليه السلام، وسيدة نساء العالمين.
- الصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب والتي دافعت عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بعد أن فر من فر في غزوة أحد.
- السيدة زينب رضي الله عنها وموقفها العظيم مع عبيد الله بن زياد –قبحه الله- بعد مقتل سيدنا الحسين عليه السلام في كربلاء.
- السيدة أسماء بنت أبي بكر "ذات النطاقين"، وأم عبد الله بن الزبير، ومواقفها الشجاعة في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل مقتل ابنها من قِبَل جنود الحجاج بن يوسف وهو محاصر لمكة المكرمة!!! وغير كل هؤلاء من عظماء النساء؛ فهذا غيض من فيض.
أختي العزيزة: لاحظت في رسالتك أنك تأخذين مواقف حرجة من العديد من الناس غير والديك: من زميلاتك ومن المدرسين، ومن معارفك وأقاربك؛ ولي رأي في ذلك، ألا وهو: "لا تجعلي أبداً معاملة والدتك لك والمؤثر الأساسي في معاملتك للآخرين"، فليس كل الناس وبالذات المدرسين في المدرسة هم مثل والدتك في المعاملة!!، حاولي أختي العزيزة أن تجدي نقاط حسنة وطيبة في الآخرين تتفقين فيها معهم، ولا تحاولي أبداً البحث عن عيوب الآخرين كي تتجنبينهم، حاولي أن تستفيدي من الحسنات الموجودة في الآخرين وأن تفيدينهم من مميزاتك أيضاً، فعلينا أن نتفق جميعاً أنه لا يوجد إنسان بلا عيوب، ولكن الفيصل في أن تكون حسنات الشخص أكثر من سيئاته كي يكون مواطناً صالحاً.
بالنسبة إلى قولك أنك قصيرة رفيعة والناس يعاملونك كأنك فتاة صغيرة، فاسمحي لي أن هذا لا يجعلك أبداً تشعرين أنك أقل من الآخرين، لأن الله قد حباك بأشياء أخرى يتمناها الآخرون مثل قوة الشخصية وبلاغة اللسان والتفوق الدراسي وحب الثقافة والعلم، وتستطيعين إضافة الحِلم وحسن الخُلق لكل هذه الصفات الطيبة. أنصحك أختي العزيزة بمتابعة قراءة كتاب تأكيد الذات والذي له صفحة مستقلة على الموقع.
ويتبع >>>>>>>>: البنات ألطف الكائنات م